Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين وترمب... ماذا يريد كل منهما من الآخر؟

الرئيس الأميركي عاد ليعلن أن ستة أشهر هي الإطار الزمني الأكثر واقعية لإنهاء القتال ونظيره الروسي يتطرق إلى مخاوفه تجاه عالم القطب الواحد

كان بوتين أكد ضرورة عودة "الناتو" لما كان عليه في عام 1997 (أ ف ب)

ملخص

قال مسؤول كبير سابق في الكرملين "إنه يريد إعادة كتابة قواعد النظام العالمي للقضاء على التهديدات التي تواجه روسيا".

في تراجع عما سبق وتعهد به حول قدرته على حل الصراع "خلال 24 ساعة"، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليقترح أخيراً "أن ستة أشهر هي الإطار الزمني الأكثر واقعية لإنهاء القتال". وها هو ترمب يعود ليؤكد مرة أخرى أنه يريد اللقاء وسيعمل على تنظيمه، وإن لم يحدد بعد موعده. وذلك في وقت يحاول الزعماء والمسؤولون الأوروبيون إقناع الرئيس ترمب وفريقه بأن "هناك حاجة إلى مزيد من المساعدات العسكرية الأميركية لتعزيز موقف كييف، وإحضار موسكو إلى المفاوضات". أما على الجانب الروسي فسبق وأكد الرئيس فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة استعداده للمحادثات، في إطار ما سبق وطرحه من شروط تقف على النقيض مما تطالب به أوكرانيا، فماذا يريد كل من الجانبين من مثل هذه المفاوضات؟

ماذا يريد بوتين من المفاوضات؟

يظل بوتين متمسكاً بما سبق وأعلنه في أكثر من مناسبة منذ كشف عن استراتيجيته تجاه مواجهة عالم القطب الواحد، ورفضه لانفراد دولة بعينها بالقرار الدولي، وتمسكه برؤيته تجاه بناء عالم متعدد الأقطاب في خطابه الشهير الذي ألقاه في ميونخ في مؤتمر الأمن الأوروبي خلال فبراير (شباط) 2007. كما عاد بوتين وأوجز رؤيته تجاه ضمان أمن روسيا ومعارضته لزحف "الناتو" شرقاً ورؤيته لهذه القضايا، في رسالتيه اللتين بعث بهما إلى كل من الإدارة الأميركية و"الناتو" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. وكان بوتين أكد ضرورة عودة "الناتو" لما كان عليه في عام 1997، أي قبل ضم بلدان البلطيق وشرق أوروبا إلى هذا التحالف العسكري، وهو ما كف عن التطرق إليه منذ بدء "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا في 2022. وكان بوتين عاد أخيراً لتتوقف مطالبه عند ما أوجزه خلال لقائه مع قيادات وزارة الخارجية الروسية في يونيو (حزيران) 2024، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير سابق لها من موسكو. وقال مسؤول كبير سابق في الكرملين "إنه يريد إعادة كتابة قواعد النظام العالمي للقضاء على التهديدات التي تواجه روسيا، إنه قلق في شأن الصورة التي سيبدو عليها العالم بعد الصراع".

أما عن اللقاء المرتقب مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، فتناوله المسؤولون الروس على المستويات كافة من منظور العلاقات الروسية - الأميركية، ومنهم سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية والمسؤول عن ملف العلاقات الروسية - الأميركية الذي أكد أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تبدو اليوم على "مستوى الصفر"، كما قال دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين "إنه لم يكن هناك حوار سياسي أو حوار على مستوى عال أو على أعلى مستوى، ولا توجد أية روابط بين حكومتي البلدين. غير أن بيسكوف أشار أيضاً إلى أن البلدين يحتفظان بقنوات اتصال وصفها بأنها "ذات طبيعة تقنية"، بما يعني أنها تظل في إطار الخطوط العسكرية والدبلوماسية.

وتطرق بوتين إلى ذلك اللقاء "المرتقب" الذي يظل يشغل بال كل الأوساط السياسية والعسكرية في العالم بأسره في كل المناسبات والفعاليات التي شارك فيها منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، مؤكداً شروطه التي يظل أهمها ضرورة مراعاة الواقع الراهن على الأرض، بما يعني تمسكه بما جرى ضمه من أراض بداية من شبه جزيرة القرم التي انضمت إلى روسيا في عام 2014، والمقاطعات الأربع في جنوب شرقي أوكرانيا التي أعلنت روسيا ضمها في عام 2022، وهي لوغانسك ودونيتسك وزابوروجيا وخيرسون. وهكذا تظل أهداف بوتين الرئيسة في أية محادثات تنحصر في رغبته تجاه "توقيع اتفاقات أمنية جديدة تضمن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وتقليص التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة"، فضلاً عن إلغاء ما اتخذته واشنطن وحلفاؤها من عقوبات اقتصادية وسياسية ضد روسيا منذ اندلاع الأزمة.

ما لا يفصح عنه بوتين

وهناك ما يريده بوتين، ومن غير المعقول أو المقبول الإفصاح عنه علانية، وهو تغيير السلطة في كييف، وضرورة التخلص من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينيسكي. وكان أفصح عن ذلك في ما سبق، كما أعلنه في مستهل "العملية الروسية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا حين تحدث عن "اجتثاث" النازية في أوكرانيا كواحدة من مهمات هذه العملية، في إشارة من جانبه إلى الطابع "الفاشي" الذي تتسم به كثير من قرارات من تصفهم روسيا بـ"الطغمة الحاكمة في كييف".

وتوصل محللون في معهد "دراسة الحرب" الأوكراني إلى هذا الاستنتاج بعد تحليل مقابلة جديدة مع نيكولاي باتروشيف، مساعد فلاديمير بوتين والأمين السابق لمجلس الأمن القومي في روسيا الاتحادية، لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية خلال أية "مفاوضات سلام" مستقبلية، سيحاول الكرملين الدفاع عن الأهداف الأولية لعمليته العسكرية في أوكرانيا. وكان هنري كيسينجر عميد الدبلوماسية الأميركية السابق قال إن بوتين يسير على خطى بطرس الأول، في إطار ما وصفه بإيمانه المقدس بالتاريخ، وذلك ما أشار إليه بوتين في كلمته خلال مراسم الاحتفال بالذكرى التاريخية لميلاد مؤسس روسيا الحديثة بطرس الأول.

اقرأ المزيد

وماذا عما يريده ترمب من بوتين؟

أما عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فهو يريد كثيراً، وليس من بوتين فحسب، وإنما سبق أن تطرق إلى غرينلاند وكندا وبنما والمكسيك، وحتى بريطانيا إن أمكن.

وثمة من يقول إن اهتمام ترمب بالقضية الأوكرانية تراجع بعض الشيء، ويذكر مراقبون كثر ما سبق وقاله ترمب حول استعداده لإنهاء الأزمة الأوكرانية في غضون 24 ساعة، وهو ما عاد ليحدده أخيراً بستة أشهر أعلنها كموعد نهائي لإنهاء الحرب. ولعل ما كتبناه عن خطة الجنرال كيث كيلوغ المبعوث الشخصي للرئيس ترمب حول تسوية القضية الأوكرانية، يمكن أن يكون مجرد نقاط رئيسة يطرحها ترمب في محادثاته المرتقبة مع الرئيس بوتين للاتفاق بداية حول وقف إطلاق النار، وتجميد الصراع إلى حين، بما قد يعني غياب الخطة الكاملة، والاقتصار على ما أوجزه كيلوغ من أفكار، وتجاهل ما يطرحه الرئيس الأوكراني من "مطالب وشروط".

وكان ترمب ورداً على سؤال حول استراتيجيته لإنهاء الحرب، قال في مقابلة مع "نيوزماكس"، "حسناً، هناك استراتيجية واحدة فقط، وهذا الأمر متروك لبوتين. لا أستطيع أن أتخيل أنه سعيد بالطريقة التي تسير بها الأمور، لأن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة إليه، هو أيضاً". وأضاف قائلاً "هذا جيد، وأنا أعلم أنه يريد أن نلتقي، وسأقابله سريعاً جداً. كنت سأفعل ذلك عاجلاً، ولكن عليك أن تحدد موقعك أولاً".

ما لا يقوله ترمب

غير أن هناك من الرغبات المكتومة لدى الجانب الأميركي، ولربما هذه الرغبة تكاد تكون الوحيدة التي اجتمع عليها كل الزعماء الأميركيين، وهي تقسيم روسيا، بحسب محللين سياسيين. ويذكر التاريخ أن هذه الرغبة تظل تساور الإدارات الأميركية منذ أعوام ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية عام 1917، وكانت هذه الرغبة عادت لتتجدد مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، على رغم كل ما قيل آنذاك حول عدم تأييد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب لعملية انهيار الاتحاد السوفياتي، لأسباب تعود لمخاوف انتشار السلاح النووي، وهو ما جرى الاتفاق لاحقاً حول تنازل كل من كازاخستان وبيلاروس وأوكرانيا عما لديها من أسلحة نووية. ويذكر المراقبون ما بذلته الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من جهود لتأييد النزعات الانفصالية التي اجتاحت كثيراً من بلدان القوقاز، ومنها الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما اعتبرته الدول الغربية تمهيداً لتفتيت روسيا الاتحادية على غرار ما جرى للاتحاد السوفياتي السابق. وثمة من تناقل آنذاك ما نسب إلى مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية خلال أعوام حكم الرئيس السابق بيل كلينتون حول ضرورة تقسيم روسيا أكبر دولة على وجه الأرض من حيث المساحة الجغرافية، إلى أربع أو خمس جمهوريات، واحدة منها في القارة الآسيوية.

أوكرانيا الخاسر الأكبر

بات واضحاً وعلى غير ما كان متوقعاً، أن أوكرانيا تبدو مدعوة إلى تسديد فواتير المصالحة بين روسيا والولايات المتحدة. وإذا كان هناك من يقول إن المحادثات ستعود على أوكرانيا بكثير من المكاسب، فإن الواقع يقول إنها ستكون الخاسر الأكبر في هذه المفاوضات، بحسب متابعين. وكان الجانب الروسي طرح ما يريده من المحادثات المرتقبة في إطار ما يتطلبه أمن روسيا، وارتباطه بالدرجة الأولى بضرورة إعلان تخلي أوكرانيا عن طلبها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتأكيد الراعي الأميركي عدم انضمام أوكرانيا، وليس تأجيل ذلك لمدة 10 أو 15 عاماً، نظراً إلى عدم جهوزية أوكرانيا في الوقت الحالي. وكان ترمب توجه باللوم إلى جو بايدن، بسبب ما وعد به أوكرانيا بانضمامها إلى الحلف الغربي.

وكان أندريه سيبيها وزير خارجية أوكرانيا، استشهد في تقديراته للنتائج التي ترومها روسيا من المحادثات المرتقبة حول تسوية الأزمة الأوكرانية بما نشره معهد "دراسات الحرب" في كييف، من تحليل قال فيه إن الكرملين خلال أية "مفاوضات سلام" مستقبلية، سيحاول الدفاع عن الأهداف الأولية "لعمليته العسكرية في أوكرانيا". وأضاف "هذه الأهداف تظل تدمير الدولة الأوكرانية، وحل الحكومة والسلطة الأوكرانية الحالية، وتجريد أوكرانيا من السلاح، والحظر الدائم على عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي في أي وقت بالمستقبل". وتوصل محللون في "معهد دراسة الحرب" إلى هذا الاستنتاج بعد تحليل مقابلة جديدة مع نيكولاي باتروشيف، مساعد الرئيس بوتين والأمين السابق لمجلس الأمن القومي في روسيا الاتحادية، لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية.

المزيد من تقارير