ملخص
كثير من العرب في الولايات المتحدة صوتوا لمصلحة دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أرادوا عودته إلى البيت الأبيض لوعود داخلية وخارجية عديدة قطعها، صحيح أن الحكم على اختيارهم لا يزال مبكراً، لكن المؤكد أن ترمب العائد إلى البيت الأبيض تنتظره ملفات يتجاوز تأثيرها سكان الولايات المتحدة ليمتد إلى العالم بأسره.
استثمر عرب الولايات المتحدة في انتخاب دونالد ترمب رئيساً للبلاد، وصوت كثير منهم كي يعود إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية تمتد أربعة أعوام.
وجود العرب في أميركا يتركز في ولاية ميشيغان، إحدى الولايات التي كانت متأرجحة في السباق بين ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
صحيح أن تعداد الجالية لا يتجاوز 5 ملايين في كامل الدولة، إلا أن أصواتهم عززت فرص المرشح الجمهوري للفوز بالرئاسة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
قبيل الانتخابات زار ترمب مدينة ديربورن المعقل الأكبر للعرب في أميركا، إذ إن أكثر من نصف سكان المدينة من الجالية والمسلمين، هناك أعلن خططه للاقتصاد ودعم الأمن الداخلي فصادق أبناء الجالية عليها رغم أن بعضها بدا فجاً.
يقول المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن نبيل ميخائيل، إن تركيز ترمب على دعم الاقتصاد الوطني يفيد العرب في أميركا كبقية مكونات المجتمع، وحتى خططه لترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ستقود إلى تراجع أسعار الإيجارات والنقل وخلق فرص عمل جديدة في السوق أمام أبناء الجالية، وثانياً ستفتح الباب أمام حضور نظامي لأعداد كبيرة من دول عربية مختلفة.
ملفات خارجية
استثمار عرب أميركا في ترمب ليس فقط من أجل ملفات داخلية، وإنما رغبة أيضاً بمعالجة قضايا عربية عديدة تحتاج إلى حلول، ويلفت ميخائيل إلى أن سوريا ستتصدر اهتمامات ترمب نظراً إلى أهميتها بالنسبة إلى أمن إسرائيل والعلاقة مع تركيا وروسيا، فلا نستبعد أن يبقي الرئيس الجديد على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط إن تعاونت معه في إنهاء حرب أوكرانيا، والهدف من هذا تقييد طموحات أنقرة في المنطقة.
سوريا المتحررة حديثاً من نظام تعسفي هيمن عليها لأكثر من 60 عاماً، تنتظر القول الفصل لأميركا في مستقبلها، ولكنه لن يكون فقط سياسياً، إذ يقول مدير مركز الشرق للدراسات والأبحاث الاستراتيجية في واشنطن سمير تقي، إن ترمب لن ينسحب من سوريا عسكرياً خشية من عودة "داعش" أولاً، ومنعاً لتكرار سيناريو أفغانستان ثانياً، وثالثاً لمنع حصول ما قد يسميه الأكراد "مذبحة" أو "تصفية" لوجودهم، على حد تعبيره.
يهتم ترمب لأمر إسرائيل في المنطقة وفي الوقت ذاته يعترف باليد الطولى لتركيا في سوريا، لهذا يعتقد تقي أن الرئيس الأميركي الجديد سيحاول الموازنة بين الدولتين الرئيستين للاستراتيجية الأميركية في المنطقة تجنباً لاحتكاكات بينهما.سقوط نظام الأسد في سوريا وقع بعد انتخابات نوفمبر الماضي، لكن القضية التي حضرت بقوة في تأييد عرب أميركا لترمب كانت حرب غزة، وقبل تنصيبه بأيام دعم وقفاً لإطلاق النار في القطاع، فهل هذا جل ما أرادته الجالية من الرئيس الجديد؟
يقول الصحفي الفلسطيني المقيم في واشنطن سعيد عريقات، إن الناخب العربي والمسلم في أميركا هو جزء من النسيج المجتمعي وبالتالي يعنيه ما يعني المواطن العادي من ناحية الاقتصاد والحريات المدنية والبيئة والرعاية الصحية وغيره، لكن بالإضافة إلى ذلك هم يشعرون بالظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون وبضرورة أن يكون لهم وطن ينتمون إليه ويستقلوا تماما في بلادهم.
محددات رئيسة
من وجهة نظر أستاذ تسوية الصراعات الدولية والعضو السابق في لجنة خبراء الأمم المتحدة أحمد الشرقاوي، فإن ترمب العائد إلى البيت الأبيض سيركز عربياً على التطبيع مع إسرائيل كشرط أساس للعلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة أكثر مما شهدناه في ولايته الرئاسية الأولى، كما أنه سيعمل جاهداً على الحد من تقارب دول المنطقة مع الصين وخصوصاً في إطار اتفاقات أو تحالفات اقتصادية.
ثمة خطط أخرى لترمب في المنطقة العربية ولكن في القارة الإفريقية، فهو مهتم بإنهاء حرب السودان والاعتراف بدولة أرض الصومال، أما مغاربيا فالأمر لم يتضح بعد بالنسبة لكثيرين.
يقول الشرقاوي إن "المغرب قد يتوقع من ترمب الوفاء بتعهده عام 2020 بفتح قنصلية لبلاده بمدينة "الداخلة، ولكن الجزائر ربما تلوح له بعقود اقتصادية مغرية وخاصة في مجال الطاقة، مستغلة بذلك ميله إلى الصفقات والمفاوضات أكثر من الثبات على المواقف المبدئية".
في المحصلة بدأت ولاية ترمب الثانية في العشرين من يناير (كانون الأول) 2025، والأيام كفيلة بإثبات جدوى استثمار عرب أميركا في انتخابه لأجلهم ولأوطانهم الأصلية، فإما أن يكون مثمرا أو يحمل مشاريع سلام مؤقتة وموقوتة.