ملخص
خصصت الجزائر 25 مليار دولار للدفاع ضمن موازنة عام 2025 موزعة على الرواتب والنفقات المختلفة، والدعم واللوجستيات، والإدارة العامة.
لم ينج مجال التسليح من السياسة التي باتت تنتهجها الجزائر بتنويع الشركاء، فبعد أن كانت روسيا الوجهة الأساس في اقتناء مختلف القطع الحربية، بحث وفد عسكري جزائري رفيع في روما تعزيز الشراكة مع إيطاليا في مجال الدفاع وتطوير المعدات العسكرية والتدريب على التكنولوجيا الحديثة في الميدان العسكري، فهل تتجه البلاد لتغيير بوصلة التسليح؟
الأمين العام لوزارة الدفاع الجزائرية اللواء محمد صلاح بن بيشة الذي ترأس وفد بلاده في روما، قال إن إيطاليا تعد شريكاً مهماً للجزائر في المعدات العسكرية، سواء من حيث موثوقية منتجاتها العالية أو في ما تعلق باستعداد البلد الأوروبي لبدء تعاون وتبادل وتحويل التكنولوجيا وتدريب الأطقم الفنية والعاملين الجزائريين.
وأضاف المسؤول العسكري الجزائري، وفق موقع وزارة الدفاع الإيطالية، أنه جرى التأكيد بخاصة على الشراكة بين "ليوناردو" ومؤسسة تطوير الصناعات الجوية في موقع سطيف شرق الجزائر، مشيراً إلى أن روما أبرزت أن الفرصة مواتية لتسريع النشاط بهدف بدء المرحلة الصناعية لتجميع مروحيات "أي دبليو- 139".
وسربت تقارير إعلامية تخطيط القوات البحرية الجزائرية لشراء وحدة دعم لوجستية مستوحاة من نموذج السفينة الإيطالية "فولكانو"، إضافة إلى توسيع ورشة بناء السفن في عنابة شرق البلاد لإنتاج سفن بطول 50 متراً، وكذلك التعاون في صناعة المروحيات والأنظمة الدفاعية الأخرى والدفاع البحري.
زيارات متبادلة
وفي وقت سابق زار رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إيطاليا، شملت مؤسسة "ليوناردو" للصناعات العسكرية والتي تعتبر من أبرز الشركات الأوروبية المتخصصة في الصناعات الدفاعية والتكنولوجيات المتقدمة، والتي تقدم مجموعة متنوعة من الحلول العسكرية في مجالات الطيران والأنظمة الدفاعية البرية والبحرية، كما زار مقر شركة "فينكانتيري" المتخصصة في الصناعات العسكرية البحرية، واطلع على قدراتها في تصنيع السفن الحربية والمعدات العسكرية البحرية وأحدث التقنيات التي تقدمها الشركة.
وجاءت زيارة الفريق شنقريحة إلى إيطاليا بعد أيام قليلة من انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون لولاية رئاسية ثانية في السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي ظل أوضاع دولية وإقليمية متوترة، ولا سيما في منطقة الساحل وليبيا مع التدخلات الروسية عبر قوات "فاغنر" أو الفيلق الأفريقي، وما تبع ذلك من "قلق" جزائري رافض لأي حضور عسكري أجنبي في المنطقة.
وقبل ذلك حل ضيفاً على الجزائر مدير التسليح في وزارة الدفاع الإيطالية الجنرال لوتشيانو بورتولانو على رأس وفد عسكري ومدني رفيع، وآنذاك قالت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان إن أمينها العام اللواء محمد الصالح بن بيشة أجرى محادثات مع المسؤول العسكري الإيطالي بحضور مدير الصناعات العسكرية ومدير العلاقات الخارجية والتعاون فيها شملت مجالات الاهتمام المشترك من دون تقديم تفاصيل.
تقارب وتأويلات
وبينما يبقى التعاون في مجالات الطاقة والثقافة والسياسة والاقتصاد مفهوماً ولا سيما أن الجزائر باتت تعمد إلى تنويع الشركاء الاقتصاديين، إضافة إلى الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين وما تبعها من توقيع اتفاقات إستراتيجية، فإن التقارب في قطاع التسليح يفتح الباب أمام التأويلات على اعتبار أن الملف مفصول فيه لمصلحة روسيا التي تعتبر الجزائر أحد زبائنها المهمين في هذا المجال.
وأوضح تقرير لـ "معهد ستوكهولم للأبحاث حول السلام" أن الجزائر ثالث أهم زبون لروسيا في مجال مشتريات العتاد الحربي بعد الهند والصين التي عززت وجودها التجاري في أفريقيا بتوريد منتجاتها العسكرية إلى 18 دولة ومنها الجزائر، منبهاً إلى أن الجزائر احتلت المرتبة السابعة بين أكبر الدول المستوردة للأسلحة في العالم بعد كل من الهند والسعودية ومصر والإمارات والصين وأستراليا.
أوضاع الساحل وليبيا
وفي السياق قال أستاذ العلاقات الدولية سليم طاليس في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن التحولات الدولية الإقليمية المحيطة فرضت على الجزائر أنماطاً جديدة في التعامل السياسي الخارجي وعلاقاتها الدبلوماسية، ويمكن القول إن تسارع الأحداث الدولية حتم على الجزائر تغيير سياستها الخارجية، موضحاً أن سياسة تنويع الشركاء تمنح مساحة واسعة من السيادة واستقلالية القرار، ومشيراً إلى أن التقارب العسكري الجزائري - الإيطالي يندرج في إطار الاستجابة إلى الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين من جهة، ثم السعي إلى التكنولوجيا الأوروبية في مجال التسلّح بعد عقود من الاهتمام بالسلاح السوفياتي ثم الروسي من جهة أخرى.
وأشار طاليس إلى أنه لا يجب إهمال التجاوزات الروسية، إن صح التعبير، في منطقة الساحل وليبيا وما ترتب على ذلك من توترات استهدفت الجزائر، ولعل تصرفات المجلس العسكري في مالي والجيش الليبي بقيادة اللواء حفتر أفضل دليل على استقواء هؤلاء بقوات "فاغنر" الروسية الموجودة في المنطقة.
وقال إن الجزائر وفق ما يجري حولها غيرت مصادر التسلّح، "إذ يمكن القول إنها خطوة انتقامية من تهور موسكو، كما لا يمكن إغفال عدم تحرك روسيا في سياق سعي الجزائر إلى الانضمام لمجموعة بريكس"، وختم أن بلاده لم تعد تثق في موسكو وبعض شركاء الأمس الذين كشفوا عن نياتهم في ظل التحولات التي يشهدها العالم.
تعاون عسكري رفيع
وقررت الجزائر توسيع تعاونها في الميدان العسكري مع شركاء آخرين ومنهم الإيطاليون، ممثلين في شركات "فينكانتييري" و"ليوناردو" و"أم بي دي إيه إيطاليا" و"إلكترونيكا" وراينميتال إيطاليا"، ووفق تقارير إعلامية فإن الجزائر تستعد لاستقبال 19 طائرة عمودية من طراز "أي دبليو 139" المنتجة من قبل "ليوناردو".
ويشمل التعاون العسكري بين البلدين تبادل الخبرات في مجال التدريب والتكتيكات الحربية المتقدمة عبر دورات مشتركة تعزز مستوى التحضير وجهوزية القوات المسلحة في البلدين.
الشركاء التقليديون
ورأى الباحث في الشؤون العسكرية عمر أوجانة أن التوجه الجديد للجزائر مبني على دروس تضع المصالح الإستراتيجية في أعلى سلم الأولويات خلال التعامل مع الشركاء الأجانب، موضحاً أن "تنويع شركاء في مجال التعاون العسكري يهدف إلى رفع إمكانات قواتنا المسلحة، وهو الغرض الأساس من هذا التوجه نحو الشريك الإيطالي، وذلك بالنظر إلى عوامل عدة"، مضيفاً أن روما تملك منظومة أسلحة متطورة تسعى الجزائر إلى اقتناء بعضها، مثل العتاد العسكري الدفاعي بالدرجة الأولى، نظراً إلى المحيط الإقليمي المضطرب أمنياً.
وواصل أوجانة حديثه بالتأكيد أن الجزائر تعمل حالياً على تنويع مصادر أسلحتها والمحافظة على جهوزية قواتها المسلحة تحسبا ًلأي طارئ، منبهاً إلى أن الأسلحة التي تقتنيها الجزائر من الشريك الإيطالي ليست كلها موجهة إلى الدفاع، وإنما كذلك إلى هيئات أخرى تستخدمها لأغراض مراقبة الحدود والجمارك وحفظ النظام العام في ما يتعلق بجهاز الشرطة، موضحاً أن التوجه الجديد لا يعني استغناء الجزائر عن شركائها التقليديين في مجال التسلّح على غرار روسيا والصين واللذين سيبقيان يحافظان على مكانتهما كممونين رئيسين بالأسلحة للجزائر.
موازنة عسكرية ضخمة
وتقدر الموازنة المحددة لعام 2025 في الجزائر بـ 125 مليار دولار لتكون الأعلى في تاريخ البلاد، وقد جرى تخصيص 25 مليار دولار منها لوزارة الدفاع، أي ما يعادل 20 في المئة من الموازنة العامة موزعة على ثلاثة محاور كبرى وفقاً للقانون، هي الرواتب والنفقات المختلفة للقوات العسكرية والدرك، والدعم واللوجستيات، والإدارة العامة.
وصنف موقع "غلوبال فاير باور" في أحدث تقاريره حول حجم الإنفاق العسكري الجزائر في المرتبة الرابعة ضمن قائمة الدول العربية والإسلامية، بعد كل من السعودية وتركيا وإندونيسيا، وفي المرتبة الـ 22 عالمياً بـ 21.6 مليار دولار، كما صُنف الجيش الجزائري في المرتبة الثالثة عربياً والـ 26 عالمياً في ما يتعلق بأقوى الجيوش لعام 2024.