Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صناديق الاستثمار حاجة ملحة في ليبيا

يراها المتخصص الليبي منذر الشحومي أداة فعالة لتمويل المشاريع الكبرى بعيداً من الموازنة العامة للدولة

ملخص

في حديثه إلى "اندبندنت عربية" يقترح المتخصص في الاقتصاد تمكين الليبيين من شراء أسهم تلك الصناديق والحصول على عوائد مجزية

تبدو ليبيا اليوم أمام حاجة ماسة إلى تنويع اقتصادها، بأن يفطم عن الاعتماد المفرط على النفط، الذي يشكل قرابة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ونحو 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة، وما يزيد على 95 في المئة من إجمال الصادرات، مما يجعل الوضع الاقتصادي للبلاد رهين تقلبات أسواق النفط العالمية.

اليوم تكثر الدعوات إلى هذا التنويع باعتباره ضرورة ملحة للتماهي مع روح العصر وتجارب كثير من البلدان النفطية في المنطقة، التي نجحت في عبور هذا التحدي بتوطين الصناعات والتكنولوجيا، وهو ما من شأنه أن يمنح ليبيا حال استنساخها هذه التجارب موقعاً متميزاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، بحسب ما يقول المتخصص في الاقتصاد الليبي منذر الشحومي.

إمكانات اقتصادية هائلة

في حديثه إلى "اندبندنت عربية" يشير المتخصص في الاقتصاد الليبي إلى امتلاك بلاده إمكانات اقتصادية هائلة، تجعلها قادرة على تحقيق تنمية مستدامة وتنويع مصادر دخلها على رغم الاضطرابات السياسية التي تعيشها منذ ما يزيد على عقد من الزمان.

لكن ثمة ما ينبغي الانتباه إليه أولاً بحسب ما يلفت الشحومي في حديثه، إذ يقول إنه يتعين النظر بتمعن إلى الوضع الراهن والاستفادة من الاستقرار النسبي لبدء مسار جديد للاقتصاد الليبي، مشيراً إلى أن مواصلة الاعتماد المفرط على النفط تجعل هذا الاقتصاد عرضة للتقلبات العالمية في أسعار الطاقة، وتضعف فرص تحقيق نمو مستدام وشامل.

التجربة النرويجية

مقارنة بدول أخرى ذات ظروف مشابهة، يقف الشحومي أمام التجربة النرويجية التي اعتمدت عقوداً على النفط قبل أن تنجح في تنويع الاقتصاد من خلال صندوقها السيادي الذي يستثمر عادات النفط في قطاعات مستدامة، موضحاً أن ليبيا قادرة على اتخاذ خطوات مشابهة إذا استغلت عائدات النفط بصورة استراتيجية لدعم القطاعات غير النفطية.

ويلفت المتحدث إلى أن النفط في ليبيا ليس كل شيء، إذ تزخر البلاد بموارد طبيعية أخرى، في مقدمها الحديد والفوسفات والجبس، إضافة إلى فرص غير مستغلة في قطاع الطاقات المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية، إذ إن موقع البلاد يقع في حزام الشمس، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول ملائمة لتوليد الطاقة الشمسية، مع إمكانية إنتاج الكهرباء بأسعار تنافسية للغاية، وتصديرها إلى أوروبا.

لبلوغ ذلك يرى الشحومي ضرورة الاستثمار في بناء البنية التحتية اللازمة لتطوير هذا القطاع، مشيراً إلى تجربة المغرب في الاستثمار بصورة كبيرة في مجمع نور للطاقة الشمسية، وأصبح مركزاً مصدراً للطاقة إلى أوروبا وأفريقيا.

مراكز إقليمية مثل إثيوبيا

ويلفت الشحومي إلى امتلاك ليبيا إمكانات مشابهة إن لم تكن أكبر، فتجارة العبور ودور الموقع الاستراتيجي يجعلان البلاد حلقة وصل طبيعية بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وبإمكان ليبيا أن تطور تجارة العبور لتصبح مركزاً إقليمياً لتوزيع السلع والبضائع من خلال بناء مناطق حرة حديثة مثل ميناء طرابلس أو ميناء بنغازي، واستقطاب الشركات العالمية لاستخدامها كقاعدة لإعادة تصدير.

ويعرج الشحومي على مصر وتونس اللتين تمتلكان تجربة مشابهة في تطوير مناطق اقتصادية خاصة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يمكن لليبيا الاستفادة منه ببناء نماذج مشابهة، مع التركيز على تقديم مزايا ضريبية وتشريعية للشركات المستثمرة.

ويتابع "أما من ناحية تطوير قطاع الطيران والنقل فإن قطاع الطيران يمثل فرصة أخرى لنمو الاقتصاد الليبي، إذ تقع البلاد على خط جوي استراتيجي يربط أوروبا وأفريقيا، مما يتيح لها إمكانية تحويل مطاراته إلى مراكز إقليمية مثل إثيوبيا التي نجحت في تحويل مطار أديس أبابا إلى مركز رئيس للنقل الجوي عبر الخطوط الإثيوبية التي أصبحت واحدة من كبرى شركات الطيران في أفريقيا، وإذا استمرت ليبيا في تطوير مطاراتها، وتحضير وتحديث أسطولها الجوي، يمكن أن تصبح لاعباً رئيساً في قطاع الطيران بالمنطقة".

رواندا بدأت من الصفر

أما من ناحية الصناعات التقنية والشركات الناشئة في ظل الاقتصاد العالمي الذي يركز على التقنية والمعرفة، فتمتلك ليبيا، كما يقول الشحومي، فرصة ذهبية لدعم قطاع الشركات الناشئة وبناء اقتصاد معرفي في ظل امتلاك الشباب الليبي طاقات إبداعية كبيرة تحاج إلى بنية تحتية داعمة ومبادرات استثمارية لتحفيز الابتكار، مضيفاً "دول مثل رواندا بدأت من الصفر لتصبح الآن مركزاً تكنولوجياً في أفريقيا من خلال الاستثمار في التعليم والبنية التحتية الرقمية، وبإمكان ليبيا أن تتخصص في تقديم خدمات رقمية ومنتجات تقنية تخدم الأسواق الإقليمية والعالمية، خصوصاً مع التركيز على اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية التي تتيح للشركات الليبية الوصول إلى سوق تضم أكثر من 1.3 مليار مستهلك".

اقرأ المزيد

ويصر المتخصص الاقتصادي على أن إعادة بناء البنية التحتية ليس مجرد تحد لتطوير الاقتصاد، بل فرصة لجذب الاستثمارات الأجنبية، إذ يمكن لليبيا أن تركز على مشاريع مثل الموانئ، مثل بناء موانئ حديثة، وتطوير شبكة الطرق، والاستثمار في المدن الذكية، وهو ما من شأنه خلق فرص عمل جديدة.

الحل الأمثل في صناديق الاستثمار 

ويأتي الشحومي على ذكر التمويل وطرقه، ويعتقد أن الحل الأمثل في صناديق الاستثمار الخاصة وقدرتها على تنويع الاقتصاد الليبي، إذ تعد هذه الصناديق أداة فعالة لاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية لتمويل المشاريع الكبرى، من دون الاعتماد على الموازنة العامة للدولة في ظل التحديات المالية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.

يمكن لصناديق الاستثمار أن تلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل، ومن فوائد هذه الصناديق استقطاب رؤوس الأموال الخاصة وتتيح للشركات والأفراد المشاركة في هذا التمويل، وإتاحة فرص استثمارية للمواطنين في الاستثمار بهذه الصناديق عبر تمكينهم من الحصول على عوائد مجزية عبر شراء أسهمها، وبما يخلق شعوراً بالمسؤولية المجتمعية، علاوة على تمويل المشروعات من خارج الموازنة العامة.

ويؤكد المتحدث أن هذه الصناديق الخاصة تسهم في تمويل المشروعات الإبداعية التي تخلق اقتصاداً معرفياً قائماً على الابتكار، وتؤسس على الشفافية في إدارة تلك المشاريع، مما يقلل من احتمالات الفساد، وفي الحالة الليبية يمكن إنشاء صناديق استثمارية في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة والصناعات الغذائية، وهو ما يسرع من دوران عجلة التنمية الاقتصادية، ويفعل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويعزز قدرة الاقتصاد على المنافسة على المستويين المحلي والعالمي.

ويختتم المتخصص في إدارة صناديق الاستثمار بتأكيد أن تنويع الاقتصاد الليبي ليس خياراً بل ضرورة، عبر استراتيجية لبناء مستقبل مستدام، مضيفاً "علينا أن نبدأ الآن في تحويل التحديات إلى فرص، واستغلال مواردنا الطبيعية وموقعنا الاستراتيجي وقدرات شبابنا الابتكارية، وتبني رؤية طويلة المدى يمكن أن تحول ليبيا إلى مركز إقليمي من دون الاعتماد على الدعم الحكومي والموازنة العامة".

Listen to "صناديق الاستثمار حاجة ملحة في ليبيا" on Spreaker.