ملخص
أكد الجدعان على أهمية الإصلاحات المالية، قائلاً "لقد بدأنا على سبيل المثال عام 2017، ما نسميه الآن ’برنامج كفاءة الإنفاق الحكومي‘، وقد أسفر عن نتائج مذهلة، إذ وضعنا هدفاً للإدارة لتحقيق عائد على الاستثمارات يبلغ نحو 100 دولار لكل دولار نخصصه لهم كموازنة، قبل أن تجلب عائدات قدرها نحو 200 دولار لكل دولار"
في عالم تتشكل ملامحه بفعل الاضطرابات المتزايدة، يصبح بناء القدرة على المرونة على المدى الطويل أمراً ضرورياً للاقتصادات الناشئة، والسؤال الآن هو كيف يمكن للحكومات والصناعة التعاون من أجل تعبئة رأس المال بصورة أفضل للاستثمارات في بناء القدرة على المرونة؟، هذا ما تناولته جلسة اليوم الثالث للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس التي حملت عنوان "الاقتصادات الناشئة في خضم الصدمات"، وشارك في النقاشات وزير المالية السعودي محمد الجدعان والشريك الإداري العالمي "ماكينزي أند كومباني" بوب ستيرنفلز والنائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث ورئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أوديل فرانسواز رينو باسو والرئيس التنفيذي لمجموعة "كارلسبيرغ" جاكوب أروب أندرسن، بينما أدار الجلسة الرئيس والمدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي بورغ بريندي.
السعودية تبني إصلاحات جادة
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن "أي دولة مثل السعودية والدول الناشئة بصفة عامة، عليها تبني الإصلاحات الجادة، وعلى رغم صعوبة ذلك، لكنها حجر زاوية في تحقيق المرونة الاقتصادية"، مضيفاً أن "الدول خصوصاً الناشئة، عليها أن تكون مرنة في ظل الأخطار والتحديات التي يعيشها العالم".
وأردف أن "’رؤية السعودية 2030‘ وضعت الأساس لإصلاحات جادة ضرورية. ليس بدء الإصلاحات فحسب، أو الإعلان عنها، بل الالتزام الفعلي بتنفيذ هذه الإصلاحات والتركيز على النجاح والتأكد من أنك تقوم أيضاً بمراجعة ما قمت به وتعديله خلال مسار التنفيذ".
وأكد الجدعان على أهمية الإصلاحات المالية، قائلاً "لقد بدأنا على سبيل المثال عام 2017، ما نسميه الآن ’برنامج كفاءة الإنفاق الحكومي‘، وقد أسفر عن نتائج مذهلة، إذ وضعنا هدفاً للإدارة لتحقيق عائد على الاستثمارات يبلغ نحو 100 دولار لكل دولار نخصصه لهم كموازنة، قبل أن تجلب عائدات قدرها نحو 200 دولار لكل دولار".
وحث الجدعان الاقتصادات الناشئة على زيادة كفاءة الاستثمار الحكومي، مشيراً إلى أن ذلك ينعكس أيضاً على مشاركة القطاع الخاص ويرفع حصة الاستثمارات الخاصة للناتج المحلي.
وشدد على أن وجود مؤسسات قوية داخل الحكومة ومن ثم التعاون مع القطاع الخاص بالغ الأهمية، مضيفاً "لقد رأينا نتيجة لذلك أنه ما بين عامي 2017 و2024، نمت الاستثمارات الخاصة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 54 في المئة وربما أكثر من هذه النسبة".
الاستثمارات السعودية ودعم الأسواق الناشئة
وبسؤاله عن الاستثمارات السعودية، قال الجدعان "نحن نستثمر في جميع أنحاء العالم، ولكن لدينا نهجاً مصمماً خصيصاً لدعم الأسواق الناشئة وتحقيق العوائد في الوقت ذاته"، مشيراً إلى أن هذه الاستثمارات مصممة بعناية لتناسب الأسواق الناشئة ومضيفاً "لدينا كثير من الاستثمارات في دول ناشئة مثل باكستان ومصر والأردن والبحرين وأماكن أخرى مثل أوكرانيا والأرجنتين، فالنقطة الأساسية في هذه الاستثمارات هي التركيز على القطاعات التي تعود بالفائدة على السعودية، حتى عندما نستثمر في الولايات المتحدة أو الصين أو أوروبا، نسأل ما الفائدة التي ستعود على الرياض؟ هل سنكتسب معرفة جديدة؟ هل سنجذب تقنيات جديدة؟. هذا هو الشعار السائد الآن في كل دولة".
أداء جيد للأسواق الناشئة
وقالت النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث، "حققت الأسواق الناشئة أداء جيداً خلال الأعوام الأخيرة، في الماضي كنا قد شهدنا رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لأسعار الفائدة بمقدار 450 نقطة أساس وكان هناك وباء وشهدنا زيادة كبيرة في أسعار الطاقة وكنا نتوقع مزيداً من الاضطرابات في الأسواق الناشئة، ونحن كمؤسسة، نتوقع ذلك أيضاً لأنه جزء من عملنا في صندوق النقد الدولي".
وتابعت "أتذكر كثيراً من الاجتماعات التي جلسنا فيها ونحن نبني سيناريوهات لخطأ قد يحدث، ولكن ذلك لم يحدث، وكان أداء الأسواق الناشئة جيداً، مما استلزم استثمارات طويلة الأجل بدءاً من التسعينيات، إذ كان هناك تحول أكثر حذراً نحو أطر سياسة نقدية سليمة وتنظيم القطاع المالي وضمان عدم الاقتراض بالعملة الأجنبية، مما يوفر الصمود والقدرة على مقاومة الأزمات والتعافي منها".
وأضافت أن "الأسواق الناشئة في وضع جيد اليوم، ولكن عند النظر إلى الأمام، لا تزال هناك رياح معاكسة تواجه الأسواق الناشئة".
وتحدثت غوبيناث عن كلف الاقتراض، قائلة "نحن في بيئة نتوقع أن تكون فيها كلف الاقتراض أعلى لفترة أطول، كما أن الدولار الأميركي أقوى وارتفع بصورة كبير خلال الأشهر الأخيرة، كما ستتطلب سياسة التجارة التكيف مع التغييرات الحاصلة، لذلك هناك كثير من التحديات التي ستواجهها الأسواق الناشئة، وسيتعين عليها بناء قدرة على الصمود للتعامل مع هذه التحديات".
الاستثمار في الإصلاحات الهيكلية
وأعربت غوبيناث عن اعتقادها بأن "ما هو حاسم أيضاً هو ملاحظة أنه كان هناك تراجع طويل الأمد في نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الأسواق الناشئة، فإذا نظرنا إلى بداية الألفية الثانية، كان النمو في الناتج المحلي الإجمالي للفرد نحو 3.6 في المئة ومنذ الوباء، تقلص إلى النصف ليصل إلى 1.8 في المئة، بعدما تراجع النمو في الإنتاجية، وأن الاستثمارات في القطاع الخاص تباطأت أيضاً، مع استثناءات مهمة مثل السعودية والمكسيك وعدد قليل من البلدان الأخرى، لكن بصورة عامة شهدنا تراجعاً، لذا ما تحتاج إليه الأسواق الناشئة هو إعادة الاستثمار في الإصلاحات الهيكلية التي تباطأت كثيراً منذ أوائل الألفية الثانية".
وبسؤال غوبيناث عن تحدي الديون المتفاقمة التي تواجهها دول العالم، قالت إن "الديون هي واحدة من أكبر القضايا التي نهتم بها، إذ إن مستويات الديون في القطاع العام بلغت الآن 100 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية هذا العقد"، وأضافت أنه "عادة ما تميل الديون إلى أن تكون أعلى بنسبة 10 نقاط مئوية مما نتوقعه، لذا يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه قضية جدية وعلى الدول أن تتعامل معها، ولهذا السبب، في ما يتعلق بالاستثمار اللازم الذي ستحتاج إليه الدول لبناء القدرة على مقاومة الأخطار، بما في ذلك التعامل مع تغير المناخ والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، يجب أن يأتي من القطاع الخاص".
التنبؤ بالصدمات والاستعداد لها
وقالت رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أوديل فرانسواز رينو باسو من جانبها إن "فكرة المرونة تبرز في هذا السياق على أنها القدرة على التنبؤ بالصدمات والاستعداد لها والتكيف معها، مع الحفاظ على الاستقرار والفاعلية على المدى الطويل، وهي تتجلى في القدرة على التفكير البعيد المدى والاستعداد للصدمات والتكيف مع التحديات بصلابة"،
وبالنسبة إلى الأسواق الناشئة، أوضحت أن "المرونة ترتبط بصورة وثيقة بالقدرة على مواجهة التقلبات، خصوصاً في رأس المال والظروف الاقتصادية، ومع ذلك تواجه الأسواق الناشئة تحديات كبيرة في بناء هذه المرونة، أبرزها نقص رأس المال المحلي والاعتماد الكبير على التمويل الخارجي المتقلب، فضلاً عن ضعف السياسات الاقتصادية الكلية والأطر التنظيمية التي تضعف جاذبية الاستثمار الخاص، كما تعقّد الاتجاهات المتناقضة الأمر، مثل زيادة تدخل الدولة وتراجع الخصخصة في بعض المناطق، مما قد يعوق نمو القطاع الخاص".
ودعت رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إلى الارتقاء بالمرونة في مواجهة الأزمات، موصية بتطوير السياسات الاقتصادية بالتعاون مع المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنوك التنموية المتعددة الأطراف وتبسيط الأنظمة وتعزيز سيادة القانون.
ونصحت بالتركيز على دور القطاع الخاص باعتباره عنصراً حيوياً لتوفير استثمارات مستدامة، إذ لا يمكن للموارد العامة وحدها حل جميع المشكلات.
وقال الشريك الإداري العالمي في "ماكينزي أند كومباني" بوب ستيرنفلز "عندما اجتمعنا مع المنتدى الاقتصادي العالمي قبل ثلاثة أعوام للحديث عن المرونة، اعتقدتُ بأن كلاً منا كان غير متأكد مما إذا كان هذا الموضوع سيكون دائماً أو مجرد رد فعل في وقت معين بسبب الاضطراب الناجم عن الجائحة، ثم جاءت حرب أوكرانيا، ورأينا أن سلاسل الإمداد لم تكُن مرنة كما كنا نعتقد".
وأضاف أن "الجغرافيا السياسية تغيرت من حولنا، وأعتقد بأننا جميعاً نكتسب قناعة بأن موضوع المرونة وجد ليبقى، ونحن في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد لتعزيزها لحل بعض من أصعب المشكلات، لذلك كلما مر عام، أصبحنا أكثر حماسة".