Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موت محتمل وخطوات راجفة... سوريا المزروعة ألغاما

انفجارات يومية في مناطق الحرب السابقة تقتل وتبتر وتجرح وإمكانات فرق الدفاع تكاد تقتصر على التحذير

تهدد الألغام ومخلفات الذخائر العنقودية المنتشرة على نطاق واسع حياة السكان وتجعلهم محاصرين بالموت (اندبندنت عربية)

ملخص

تشير عمليات الرصد إلى أن أطراف النزاع الأخرى والقوى المسيطرة استخدمت الألغام الأرضية بصورة واسعة، لكن استخدام الذخائر العنقودية كانت حكراً فقط على نظام بشار الأسد والقوات الروسية.

في سوريا كل شيء ملغم ويحتاج إلى تفكيك، من السياسة إلى الاقتصاد مروراً بالمجتمع ومعتقداته، ووصولاً إلى موطئ القدم، فالجميع في هذه البلاد لا بد أن يحمل كشافاً وينتبه إلى التحذيرات، فالألغام المنتشرة في الأراضي الزراعية والأحياء قد تنفجر في أية لحظة وتسقط قتلى أو مبتوري الأعضاء.

ألغام النزاع

على مدى 14 عاماً وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد، بما في ذلك مخلفات الذخائر العنقودية وما نتج منها من ضحايا ومصابين، وبحسب الشبكة فقد استخدم نظام بشار الأسد هذه الألغام قبل عام 2011، لكن استخدامها ازداد بصورة ملحوظة بعد اندلاع الحراك الشعبي في مارس (آذار) 2011 وتحوله إلى نزاع مسلح داخلي.

ومنذ نهاية عام 2011 بدأ النظام المخلوع زراعة الألغام على طول الحدود مع لبنان وتركيا من دون أن يكلف نفسه عناء توجيه التحذيرات، وعلى المقلب الآخر تشير عمليات الرصد للشبكة إلى أن أطراف النزاع الأخرى والقوى المسيطرة استخدمت الألغام الأرضية بصورة واسعة، لكن استخدام الذخائر العنقودية كانت حكراً فقط على نظام بشار الأسد والقوات الروسية.

 

وفي بيانها الصادر في الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وضعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان خرائط لأبرز أماكن انتشار الألغام، مذكرة بأن الانتشار الواسع للألغام الأرضية عبر مساحات شاسعة من سوريا يشكل تهديداً مباشراً لحياة النازحين العائدين إلى أراضيهم ومناطقهم، وهو ما تؤكده الأخبار اليومية عن تعرض عدد من المواطنين السوريين لانفجار لغم أو ذخيرة غير منفجرة وتسببها بمقتل عدد منهم وإصابة آخرين بجروح بالغة تصل لحد بتر أحد الأعضاء.

انفجارات يومية

ففي الأراضي التي زرعها السوريون سابقاً بالقمح والقطن والكمون وغيرها من المنتجات الزراعية المتنوعة التي أسهمت في الاقتصاد السوري يصعب اليوم إعادة استثمار هذه المساحات الخضراء، فقد حلت محل البذور والغراس الألغام بنوعيها، الأول ذخائر غير منفجرة مثل القنابل والصواريخ، والثاني الألغام الأرضية.

في ريف حلب الغربي أصيب، أخيراً، أربعة أطفال أحدهم جروحه بليغة إثر انفجار قنبلة عنقودية من مخلفات الحرب، أما شرقي حلب فقد شهد مقتل مدنيين اثنين بانفجار صاروخ في ريف مدينة الباب، كما أصيب شاب بجروح إثر انفجار مقذوف ناري من هذه المخلفات، حيث وقع في بلدة معصران بريف معرة النعمان جنوبي إدلب، أما ريف اللاذقية الشرقي وتحديداً في جبل التركمان فقد قتل شابان وفقد ثالث إثر انفجار لغم مضاد للدبابات بسيارة كانوا يستقلونها على الطريق بين قريتي شنبر وعين العشرة.

وبما أن الألغام الأرضية ومخلفات الذخائر العنقودية منتشرة على نطاق واسع في عدد من المحافظات السورية فهي تهدد حياة السكان وتجعلهم محاطين بالموت المؤجل ولو بعد عقود، ورغم عدم وجود أرقام أو إحصاءات دقيقة لعدد ومناطق انتشار مخلفات الحرب، فإن منظمات دولية متخصصة في إزالة الألغام مثل منظمة "ذا هالو ترست" تعمل كالشبكة السورية لحقوق الإنسان على رسم خرائط تقديرية لأماكن وجودها، وقد وثقت هذه المنظمة مقتل 80 شخصاً في الأقل، من بينهم 12 طفلاً في الفترة بين الثامن من ديسمبر 2024 والسابع من يناير (كانون الثاني) 2025.

وبحسب مدير مشروعها في سوريا داميان أوبراين، فإن البلاد في حاجة إلى مسح شامل لمعرفة مدى انتشار هذه المخلفات، لكنه يقدر ضرورة إزالة نحو مليون قطعة ذخيرة لحماية المدنيين، وحول هذا يقول "في أي مكان كان فيه موقع للجيش السوري من المحتمل أن تكون أنواع من الألغام وضعت حوله كوسيلة دفاعية، في حمص وحماة هناك أحياء بأكملها تم تدميرها بصورة شبه كاملة، وأي شخص يدخل إلى هذه المباني لتقييمها سواء للهدم أو لإعادة الإعمار يجب أن يكون على دراية بأنه قد تكون هناك ذخائر غير منفجرة داخلها".

إمكانات محدودة

أما فرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" فقد وثقت منذ الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حتى السبت الـ10 من يناير 2025، مقتل 35 مدنياً بينهم ثمانية أطفال وامرأة، وإصابة 54 مدنياً بينهم 23 طفلاً بجروح منها بليغة في انفجار لمخلفات الحرب والألغام في المناطق السورية، كما أصدرت بيان قالت فيه، "إنه منذ الـ26 من نوفمبر 2024 وحتى الـ18 من يناير 2025 نفذت فرق إزالة مخلفات الحرب 659 عملية تطهير تم خلالها التخلص من 1060 ذخيرة غير منفجرة، إضافة إلى تحديد 134 حقل ألغام ونقاط تحوي الألغام في إدلب وحلب وحماة ودير الزور واللاذقية".

 

ووضعت الفرق علامات تحذيرية حولها، كما تقوم بحملات تحذير المدنيين منها بأساليب مختلفة كونها فرق غير متخصصة بإزالة الألغام وهذا أقصى ما تستطيع فعله بالفترة الحالية، فهي تنشر تحذيرات توعوية يومية حول ضرورة الابتعاد عن الأجسام المشبوهة، مرفقة بصور توضح أشكالها أو ما يشبهها، وتدعو المدنيين إلى الالتزام بقاعدة "لا تقترب، لا تلمس، بلغ فوراً"، وبالتوازي مع تلك العمليات قدمت فرق الدفاع المدني 330 جلسة تدريب عملي للسكان قبل عودتهم إلى المناطق التي هجروا منها.

وبما أن الإمكانات والخبرات الموجودة في سوريا بالوقت الحالي لا تبدو كافية للتعامل مع حجم الأخطار التي تفرضها مخلفات الحرب، فقد شدد أوبراين على ضرورة عمل المجتمع الدولي مع الحكومة الجديدة والتنسيق لتطوير قطاع إزالة الألغام. يقول "ما نحتاج إليه من المانحين الرئيسين لبرامج إزالة الألغام هو التمويل لتوسيع قدرتنا، وهذا يعني توظيف مزيد من الأشخاص، وشراء مزيد من المعدات، والعمل في مناطق أوسع"، كما يقدر أوبراين أنه "في حال توفر المستوى المناسب للدعم فمن الممكن تطهير سوريا من الألغام في غضون 10 أعوام، وإلى حين تضافر الجهود الدولية والمحلية تبقى أرواح عديد من المدنيين وخصوصاً الأطفال معرضة للخطر".

المزيد من تقارير