Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

هل يمكن إنشاء كونفيدرالية توحد الهند وباكستان؟

وافق محمد علي جناح على الفكرة عندما طرحت للمرة الأولى لكن نهرو كان له رأي آخر

يحمل بعض المؤرخين جواهر لال نهرو مسؤولية تقسيم الهند لأنه رفض اقتراح الكونفيدرالية (اندبندنت أوردو)

ملخص

العقبة الكبرى في تحقيق مثل هذه الاقتراحات اليوم على أرض الواقع هي قضية كشمير، التي تمثل بركاناً قد ينفجر في أي وقت، والعلاقة بين الدولتين باردة لفترة طويلة بسبب هذه القضية حتى إن فريق "الكريكيت" الهندي لا يريد الذهاب إلى باكستان للمشاركة في كأس البطولة. وفي ظل هذه الظروف، تبدو فكرة إنشاء كونفيدرالية تضم الدولتين حلماً يصعب تحقيقه، لكن يبدو أن قضية كشمير هي مفتاح تحسين العلاقات بين الدولتين اللتين تشتركان في الثقافة واللغة والعادات والتاريخ.

تتشارك باكستان والهند تاريخاً مليئاً بالخلافات والصراعات والحروب الدموية منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني قبل 78 عاماً، وعلى رغم التنافر والمقاطعة في الأروقة السياسية فإن فكرة إعادة توحيد الدولتين ما زالت مطروحة في الأقل داخل المحافل الأكاديمية والأدبية.

ومن المثير للاهتمام أن جواهر لال نهرو الذي شغل منصب رئاسة الوزراء في الهند لـ17 عاماً متتالية بعد استقلال البلاد، أصبح من الداعمين لفكرة التوحيد خلال أواخر أيامه. ويذكر هنا أن كثيراً من المؤرخين ومنهم السياسي البارز مولانا أبو الكلام آزاد ووزير الخارجية الهندي السابق جسونت سينغ، يرون أن نهرو ورفيقه ساردار ولبه بهائي بتيل هم المسؤولون عن تقسيم الهند.

ما الذي غير إذاً رأي جواهر لال نهرو ومتى طرحت فكرة تشكيل كونفيدرالية بين الدولتين للمرة الأولى؟

خطة الكابينت البريطاني

أرسل رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي وفداً رفيع المستوى من أعضاء مجلس الوزراء قبل عام من تقسيم الهند خلال الـ24 من مارس (آذار) 1946، وشمل الوفد وزير الدولة لشؤون الهند اللورد بيثيك لورانس ورئيس مجلس التجارة السير ستافورد كريبس ورئيس البحرية البريطانية AV Alexander الذي كان يحظى أيضاً بدعم من ممثل التاج اللورد ويفيل.

وقدم الوفد البريطاني إلى الهند خلال وقت كانت تسعى فيه بريطانيا للوصول إلى اتفاق حول ترتيبات مغادرتها الهند وطريقة حكم البلاد بعد الاستقلال، وسط خلاف شديد بين حزب "المؤتمر" الداعي لاتحاد الهند تحت حكومة مركزية وحزب "الرابطة الإسلامية" الذي يطالب بدولة مستقلة للمسلمين.

وخلال محادثات عقدت في مدينة شيملا شاركت فيها قيادة حزب "المؤتمر" وحزب "الرابطة الإسلامية"، اقترحت البعثة البريطانية إنشاء اتحاد كونفيدرالي يضم المناطق ذات الغالبية المسلمة والمناطق الأخرى، على أن تشرف حكومة الاتحاد على الشؤون الخارجية والدفاع والعملة والاتصالات.

كان زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" محمد علي جناح مؤيداً للمخطط وناقش بعض التعديلات عليه، لكن نهرو أراد مركزاً قوياً وليس مركزاً ضعيفاً ولم يكن على استعداد لوجود أربعة فروع فقط للحكومة المركزية. وأكد له مولانا أبو الكلام آزاد في اجتماع مع كريبس خلال الـ26 من أبريل (نيسان)، أنه يستطيع إقناع لجنة عمل الكونغرس بتكوين اتحاد مقسم إلى قسمين، يتمتع كل منهما بسلطات تشريعية منفصلة في مجالات اختيارية.

وسعت البعثة البريطانية من خلال هذا الاقتراح إلى أن يتفق الطرفان على اتحاد هزيل بدلاً من تقسيم الدولة، وحظي الاقتراح فعلاً بتأييد جناح الذي وافق عليه مع إجراء تعديلات بسيطة، لكن جواهر لال نهرو الذي كان يتزعم حزب "المؤتمر" آنذاك رفض أن تكون الحكومة المركزية ضعيفة وتتحكم بأربعة قطاعات فقط، وطالب بتقسيم مقاطعتي بنجاب والبنغال، الذي أدى بعد ذلك إلى تقسيم الهند.

وأكد زعيم آخر لحزب "المؤتمر" مولانا أبو الكلام آزاد سابقاً في اجتماع مع البريطانيين أنه يستطيع إقناع لجنة عمل حزب "المؤتمر" بتشكيل اتحاد مقسم إلى قسمين، يتمتع كل منهما بسلطات تشريعية منفصلة في بعض المجالات.

ويقول آزاد عن هذه المحادثات في كتابه "الهند تفوز بالحرية"، "إنني أحمل جواهر لال نهرو مسؤولية التقسيم، وحذرته من أننا إذا وافقنا على التقسيم فلن يغفر لنا التاريخ وأن اللوم سيقع على عاتق حزب المؤتمر وليس على ’الرابطة الإسلامية‘". ويرى وزير الخارجية الهندي السابق جاسوانت سينغ في كتابه "جناح: الهند - التقسيم – الاستقلال" أن قيادة حزب "المؤتمر الوطني" الهندي لم تظهر العزيمة وفهم الواقع بين عامي 1939 و1947، إذ كان جناح يؤيد فكرة كونفيدرالية الهند وباكستان وليس إنشاء باكستان المستقلة.

وتدعم هذا الرأي شهادة الرئيس الوزراء الباكستاني السادس إبراهيم إسماعيل شوندريغر أن المطالبة العلنية الأولى بحكم مستقل للمناطق ذات الغالبية المسلمة من قبل حزب "الرابطة الإسلامية" في لاهور، نصت على إنشاء كونفيدرالية تضم باكستان حيث يستطيع سكان المنطقتين العيش بطريقة مساوية. وتكتب المؤرخة الشهيرة وأستاذة جامعة تافتس الأميركية عائشة جلال أن "تقسيم الهند كان حادثة لم تخطر على بال أحد، ولم يكن محمد علي جناح في البداية من دعاة إقامة دولة إسلامية منفصلة، بل كان يلوح بإنشاء باكستان من أجل الحصول على أكبر قدر من مطالبه الأخرى، لكي يضمن حماية حقوق الأقلية المسلمة في الهند الموحدة، لكن من المؤسف أن معظم الباكستانيين والهنود اليوم لا يفهمون هذه الحقيقة إذ يعد الباكستانيون جناح بطلاً ويعده الهنود شريراً".

يتراجع بعد فوات الأوان؟

فشل الوفد البريطاني في خطته بعد رفض جواهر لال نهرو قبول فكرة الكونفيدرالية لتُقسَّم الهند بعدها بطريقة دموية غير مسبوقة وتُنشأ دولتان مستقلتان في جنوب آسيا، باكستان والهند. وبعد 15 عاماً من الاستقلال، بدا وكأن نهرو ندم على عناده السابق وحاول استعادة النقاش حول تشكيل كونفيدرالية تضم الدولتين.

ويقول الناشط البارز في حركة "باكستان" مولانا محمد إسماعيل ذبيح في كتابه "إسلام آباد الهدف المقصود" نُشر بيان لبانديت جواهر لال نهرو في الصحف خلال ديسمبر (كانون الأول) 1962 قال فيه إنه يريد كونفيدرالية بين باكستان والهند. وأُجريت بالفعل اتصالات في هذا الصدد بين باكستان والهند من خلال القنوات الخفية، والتقى السياسي والمفكر الهندي جاي براكاش نارين الرئيس الباكستاني أيوب خان داخل روالبندي لمناقشة الأمر.

اقرأ المزيد

ودعت الهند أيوب خان خلال وقت لاحق لزيارة الهند، فقال "زيارتي ممكنة فقط إذا لعبت الهند دوراً إيجاباً في حل النزاعات المتبادلة بطريقة هادفة".

يُذكر أن الهند تعرضت خلال هذه الفترة لهزيمة شديدة على يد الصين بعد حرب استمرت لمدة شهر بين الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) 1962 والـ21 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1962. ويحكي المقربون من نهرو أنه كان يتمتع بصحة جيدة إلى ذلك الوقت، لكن صحته بدأت تتدهور يوماً بعد يوم بسبب الهزيمة في الصين إلى أن أصيب بتمزق في الشريان الدماغي، مما أدى إلى وفاته خلال الـ27 من مايو (أيار) 1964.

والتقى رئيس الوزراء الهندي لال بهادور شاستري الرئيس الباكستاني أيوب خان في كراتشي بعد وفاة نهرو لدى عودته من القاهرة خلال أكتوبر 1964، وأعاد مرة أخرى اقتراح الكونفيدرالية، لكن الرئيس أيوب أصر على أنه ليس على استعداد لمناقشة الكونفيدرالية حتى يتخذ البلدان قراراً في شأن كشمير، والنزاعات الأخرى من خلال الحوار.

هل الفكرة ما زالت مطروحة؟

لا شك أن المطالبة بإنشاء باكستان من قبل حزب "الرابطة الإسلامية" والرد العنيد عليه من قبل الصحافة وحزب "المؤتمر" أديا إلى تقسيم الهند وإثارة الفتن الطائفية وبروز نزاعات كشمير وجوناغاد، مما شكل حاجزاً كبيراً من الكراهية بين البلدين حتى بعد 78 عاماً من التقسيم.

لكن وعلى رغم التاريخ المعقد بين الدولتين، هناك تساؤلات حول إمكانية أن تحتفل باكستان والهند بالذكرى المئوية لاستقلالهما بعد 22 عاماً من الآن وتحديداً خلال عام 2047 في ظل وجود المشكلات والخلافات نفسها، أم أنها ستحل صراعاتهما المتبادلة؟ وهل ستعيش الدولتان كجيران وتصبح جنوب آسيا أيضاً اتحاداً مثل الاتحاد الأوروبي، أم أن الخلافات الإقليمية ستتفاقم مع مرور الوقت؟

رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ الذي شغل منصبه من عام 2004 إلى عام 2014، قال مرة عن العلاقات الثنائية بين البلدين إنه لا يمكننا تغيير الحدود لكن نستطيع أن نجعلها غير فعالة، إنني أدعو باكستان لأن تبدأ معنا حقبة جديدة من التعاون المتبادل. وصرح أحد مؤسسي حزب "بهاراتيا جاناتا" ونائب رئيس الوزراء الهندي السابق والسياسي الكبير إل كيه أدفاني في مقابلة مع صحيفة "دون" الباكستانية خلال الـ29 من أبريل 2004 "الآن وبعد أن فات أوان كثير من الأمور، على الدولتين أن تفهما أن التقسيم لم يحل مشكلاتنا (وإذا كان الأمر كذلك) فلماذا لا نتجه نحو الكونفيدرالية أو إلى أي نظام مماثل لها؟".

وخلال عام 2018، ظهر كتاب The Spy Chronicles بتأليف مشترك لرئيسين سابقين للاستخبارات الهندية والباكستانية، أي أس داليت والجنرال المتقاعد أسد دراني، وطرح فكرة إنشاء الكونفيدرالية في هذا الكتاب أيضاً بحيث تفتح حدود الدولتين ويُنشأ جيش وقانون مشترك وعملة موحدة.

العقبة الكبرى في تحقيق مثل هذه الاقتراحات اليوم على أرض الواقع هي قضية كشمير التي تمثل بركاناً قد ينفجر خلال أي وقت، والعلاقة بين الدولتين باردة لفترة طويلة بسبب هذه القضية، حتى إن فريق "الكريكيت" الهندي لا يريد الذهاب إلى باكستان للمشاركة في كأس البطولة. وفي ظل هذه الظروف تبدو فكرة إنشاء كونفيدرالية تضم الدولتين حلماً يصعب تحقيقه، لكن يبدو أن قضية كشمير هي مفتاح تحسين العلاقات بين الدولتين اللتين تشتركان في الثقافة واللغة والعادات والتاريخ.

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

المزيد من تقارير