Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يواصل ترمب تجاهل أفريقيا؟

شهدت ولايته الرئاسية الأولى تنمراً وصف بالعنصرية ضد الأفارقة ومعطيات جديدة قد تدفعه إلى تغيير نهجه خلال الأعوام الأربعة المقبلة

المعطيات الأميركية في عهد ولاية ترمب حول أفريقيا ما زالت إلى حد ما غير واضحة حتى الآن (أ ف ب)

ملخص

حتى إذا أقدمت إدارة ترمب على تغيير سياسة فترة رئاسته الأولي تجاه القارة السمراء فإن الآليات المطلوبة لتغيير الواقع الأميركي في أفريقيا ستستغرق وقتاً ليس بالقصير، وهو ما سيضمن مكاسب لأطراف عالمية أخرى على حساب الولايات المتحدة وأبرزها الصين.

على عكس منطقة الشرق الأوسط لم يبرز حتى الآن اهتمام لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجديدة بالقارة الأفريقية التي عانت تجاهلاً في فترة رئاسته الأولى (2016-2020)، والتي مارس فيها الرئيس تنمراً وُصف بالعنصرية ضد الأفارقة كانت له ردود فعل سلبية من جانب رؤساء دول القارة السمراء.

وعلى عكس رئاسة ترمب السابقة فإن الرجل وإدارته في فترة رئاسته الجديدة يرثان استراتيجية أميركية لأفريقيا أعلنت في أغسطس (آب) 2022، كذلك ورثا تعهدات أميركية بتمويل خطط للتنمية في كثير من دول جنوب الصحراء في أفريقيا، وأيضاً عُقدت قمة أميركية - أفريقية في واشنطن يناير (كانون الثاني) 2023، فضلاً عن تدشين ممر ليبتو في خليج غينيا، الذي يعد شرياناً من الموارد الأفريقية لمصلحة واشنطن.

 ميراث الرئيس السابق جو بايدن الأفريقي يطرح تساؤلات في شأن مدى التزام ترمب هذه الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا، كذلك حول مستقبل العلاقات الأميركية - الأفريقية في الأعوام الأربعة المقبلة، في ضوء معطيات وتطورات جديدة في حال التنافس الدولي على أفريقيا أولاً، وأيضاً في الديناميكيات والتفاعلات الأفريقية ذاتها مع حال التكالب الدولي على الموارد الأفريقية ثانياً.

معطيات قد تدفع إلى التغيير

المعطيات الأميركية في شأن أفريقيا ما زالت إلى حد ما غير واضحة، لكن أحد أبرز ملامحها أن مهتمين بالشؤون الأفريقية هم من بين الجمهوريين القريبين من ترمب، منهم جون بيتر فام الأكاديمي في مركز أتلانتيك للأبحاث وهو أيضاً المبعوث الأميركي لمنطقة الساحل الأفريقي، فضلاً عن كاميرون هدسون المهتم بالشؤون السودانية أساساً، وعمل من قبل في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) ومديراً لمجلس الأمن القومي الأميركي.

وبغض النظر عن تأثير الأشخاص في إمكانية تحول ترمب وإدارته بأفريقيا فإن ثمة معطيات جديدة قد تجبر الرئيس الأميركي الموصوف بـ"معاداة أفريقيا" على أن يتحول نحو الاهتمام بها لتلبية مصالح أميركية جيواستراتيجية، من بينها:

أولاً: تراجع النفوذ الأوروبي عموماً والفرنسي خصوصاً في أفريقيا، وهو النفوذ الذي كان يحقق جزءاً من المصالح الأميركية سواء في ما يخص التمسك بالشروط الغربية في التحول الهيكلي في الاقتصادات الأفريقية، ليكون قطاع الأعمال الخاص وليس القطاع العام هو القائد فيها، أو محددات النظم السياسية من زاوية التزامها تطبيق آليات الديمقراطية بأدواتها الغربية، خصوصاً في ما يتعلق بتغيير السلطة ومساحات منظمات المجتمع المدني والتزام أسقف عالية من الحريات السياسية، وكذلك إتاحة الحقوق المدنية على أوسع نطاق.

وقد أتاحت هذه الشروط والرعاية الأوروبية لها بيئة عمل إيجابية على المستويين السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، كذلك أتاحت لها باباً واسعاً لولوج الشركات الأميركية في القطاعات كافة، وكذلك وفرت وجوداً عسكرياً لبعض القواعد العسكرية كان آخرها في النيجر.

ولعل تراجع النفوذ الأوروبي في أفريقيا هو ما دفع واشنطن إلى تدشين استراتيجيات جديدة تضمن فعالية أميركية منفصلة عن الأداء الأوروبي، وذلك في ضوء خسائر جرت أخيراً بما في ذلك فقد نقاط الارتكاز العسكرية والاستخباراتية في النيجر والفشل التفاوضي مع أي حليف أفريقي جديد لإبرام صفقة إعادة التموضع الأميركي في القارة السمراء، وكذلك عدم اكتمال مشروع السكك الحديد المعروف باسم "ليبتو" الذي تدعمه الولايات المتحدة لتصدير الموارد عبر أنغولا إلى الغرب.

أما على المستوى الدبلوماسي فقد فشلت واشنطن في الوفاء بتعهداتها بدعم إضافة مقعدين دائمين لأفريقيا في مجلس الأمن وانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة الـ20.

وهي الحال التي عبر عنها كاميرون هدسون الذي يعمل حالياً في مركز واشنطن للدراسات الدولية تعليقاً على حال الولايات المتحدة في أفريقيا بالقول "لدينا نقاط عمياء كبيرة في فهمنا الديناميكيات السياسية والعسكرية في الدول التي ننشط فيها، وهي حادة بصورة خاصة في أفريقيا".

في هذا السياق أُقدم على بلورة الاستراتيجية الأميركية لدول جنوب الصحراء للقارة، التي جرت محاولات تنشيطها في عدد من زيارات وزير الخارجية الأميركي في إدارة بايدن أنتوني بلينكن، وغيره من المسؤولين الأساسيين في إدارة الرئيس السابق.

هذا الدرب للإدارة الديمقراطية قد تحتاج الإدارة الجمهورية إلى تعزيزه خصوصاً في القطاعات الاقتصادية الأكثر أهمية بالنسبة إلى ترمب، رجل الأعمال الذي عزز برنامجه الشعبي "المتدرب" اهتمام رجال الأعمال الشباب في أفريقيا، وهو البرنامج الذي اقتحم به عالم الترفيه والتلفزيون، فضلاً عن صورة ترمب المنحاز للقيم العائلية التقليدية، خصوصاً في قضايا حقوق المثليين جنسياً والإجهاض ومغايري الهوية الجنسية ومزدوجي الميل الجنسي، وكلها رسائل أميركية تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي الأفريقية.

أما عن ثاني هذه العوامل فيتمثل في الاحتياج الاستراتيجي الأميركي لتحجيم طموح الصين، وذلك في خلق هيمنة شريكة للهيمنة الأميركية حول العالم، وخصوصاً في القارة الأفريقية التي تعد الملعب الأول للتنافس والصراع الدولي بسبب مواردها الاقتصادية، يأتي ذلك في سياق توجس متزايد في الداخل الأفريقي من الإدارة الأميركية الجديدة، إذ قال الرئيس الكيني ريلا أودنجا، المرشح لرئاسة الاتحاد الأفريقي في انتخابات ستُجرى الشهر المقبل، إن لأفريقيا أصدقاء آخرين إن لم ترغب إدارة ترمب في التعاون معها.

وثالثاً، انتشار الظاهرة الإرهابية وتوقعات تضخمها في أفريقيا، وهو ما تجلي في كلمة مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن أخيراً، التي كشفت خلالها عن اهتمام إدارة الرئيس ترمب بالظاهرة الإرهابية وتوسعها في أفريقيا، لكن ما طرحته المندوبة الأميركية لم يعبر عن استراتيجيات شاملة متعددة المداخل ضد الإرهاب، ولكنها ركزت على المدخل العقابي التقليدي بآليات العقوبات التقليدية الصادرة من وزارة الخزانة الأميركية، وهي العقوبات التي تعمل غالباً في السياقات الرسمية عبر أنظمة البنوك وغيرها وتتجاهل قدرات الجريمة المنظمة بالقارة الأفريقية وذلك في تهريب الموارد الطبيعية والأموال وأيضاً البشر، في ضوء ضعف قدرات الجيوش الأفريقية، وعجز الحكومات الأفريقية عن القيام بأدوارها الوظيفية، وربما يكون لافتاً هناك ذلك الدور الذي تؤديه الشركات الأميركية في دعم استمرار حال هشاشة الحكومات الأفريقية بما يدعم انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة معاً، ولعل دعم بعض الشركات الأميركية راهناً لمجهودات قيام حكومة سودانية منفصلة في غرب السودان هو سعي وراء استغلال الصمغ العربي، وباقي الموارد السودانية، وهي خطوات تقوض قدرات الدولة السودانية كغيرها من الدول الأفريقية في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.

تحديات مقبلة

هذه المعطيات الجديدة نسبياً قد تدفع إدارة ترمب لتكون أكثر فاعلية في توجهاتها إزاء القارة السمراء خلال المرحلة المقبلة، ولكن من المؤكد أنه ستواجهها تحديات كبيرة وكثيرة تحدثت عنها تقارير حكومية أميركية، ومن ذلك ضعف الموارد البشرية والمالية الأميركية الموجهة إلى القارة الأفريقية، على رغم إعلان الاستراتيجية الأميركية لأفريقيا منذ ثلاثة أعوام تقريباً، حين أشار اتحاد الدبلوماسيين الأميركيين إلى خطورة حال نقص الدبلوماسيين العاملين في أفريقيا، نتيجة ضعف القدرات اللوجيستية في هذه الدول في مجالات الصحة والتعليم، مما يسفر عن عدم وجود طلبات من جانب الدبلوماسيين الأميركيين للعمل في أفريقيا أو الاعتذار عنه.

اقرأ المزيد

ويمكن كذلك رصد ضعف التمويلات المخصصة لأفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية، وهو سبب إضافي لإحجام الدبلوماسيين الأميركيين عن العمل في أفريقيا.

وفي اتجاه موازٍ يشكل انسحاب واشنطن من اتفاق تغير المناخ ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات الدولية العاملة في أفريقيا تحدياً سينعكس سلباً على المجهودات الدولية لدعم أفريقيا، وهو ما ستكون أهم أسبابه حال الانسحاب الأميركي من سياق الدعم العالمي لأفريقيا في ملف التغير المناخي المؤثر بامتياز في حال الاقتصادات الأفريقية.

وفي هذا السياق أظهرت تقارير متابعة الأداء (تقارير المفتش العام) الصادرة من الخارجية الأميركية تناقضات الدبلوماسية الأميركية في بعض الدول الأفريقية، إذ تمنح واشنطن مساعدات لدول تحظى بدعم روسي كأفريقيا الوسطى، أو أن يكون هناك شغور للقسم الأفريقي كما في سفارة واشنطن في غينيا وهي موطن أكبر احتياطات البوكسيت في العالم التي تتجه حالياً إلى الصين كصادرات، فضلاً عن عجز سفارة الولايات المتحدة الأميركية في توغو المهددة إرهابياً من تلبية مطاب واشنطن في سياستها لتدشين قانون الهشاشة العالمي المستوجب للمساعدات الأميركية خلال الأعوام الـ10 المقبلة للدول التي تعاني تحديات إرهابية.

وهكذا فإنه حتى إذا أقدمت إدارة ترمب على تغيير سياسة فترة رئاسته الأولي تجاه القارة السمراء فإن الآليات المطلوبة لتغيير الواقع الأميركي في أفريقيا ستستغرق وقتاً ليس بالقصير، وهو ما سيضمن مكاسب لأطراف عالمية أخرى على حساب الولايات المتحدة وأبرزها الصين.

المزيد من تحلیل