Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحول لوس أنجليس إلى مدينة أشباح خلال نصف قرن؟

منذ اندلاع النيران فيها، أخذت المدينة تشهد تدهوراً تدرجاً وشرع سكانها في مغادرتها، وإذ يتهددها خطر متزايد بحدوث زلازل وحرائق وانفجارات بركانية، يتحدث كاتب المقال إلى خبراء كانوا توقعوا منذ فترة طويلة وقوع هذه الفوضى المستمرة من الكوارث الطبيعية التي من شأ

بعض الأضرار التي سببها حريق باليساديس كما شوهدت من الجو (أ ب)

ملخص

تواجه لوس أنجليس خطر التحول إلى مدينة أشباح نتيجة الحرائق المدمرة، والزلازل، والبنية التحتية الضعيفة، مع تصاعد كلف التأمين والهجرة إلى مناطق أكثر أماناً، يتساءل الخبراء عن قدرة المدينة على البقاء صالحة للسكن، هل ستنجو بفضل إبداع سكانها ومؤهلاتهم الاقتصادية أم تواجه مصيراً مشابهاً لمدينة بومبي؟

أحياناً، يخطر في بالي أن هناك خاصية ما أو سلوكاً متأصلاً في صلب طبيعة الإنسان العاقل وتركيبته تجعلنا نتجاهل الهلاك الوشيك، حتى بعدما اشترينا عقاراً، نطلق عليه على سبيل المزاح اسم "منزل غلوغلوغ" Glugglug House [صوت تدفق الماء] لأنه يقع على نهر التيمز، وعلى رغم أننا نعلم تماماً بأن هذه المنطقة مهددة بالفيضانات، فقد أنفقنا طوال العامين الماضيين مبالغ ضخمة في عملية تحويله إلى منزلنا الدائم، لذا، لم أفاجأ فعلاً عندما سمعت أن عالمين اثنين في مجال المناخ فقدا منزليهما في حرائق لوس أنجليس.

"لماذا بحق السماء اختارا العيش هناك؟" سألت نفسي، قبل أن أدرك كم كان رد فعلي مثيراً للسخرية.

حرائق لوس أنجليس، التي ما زالت مشتعلة، قد أحرقت وسوت بالأرض منطقة مأهولة بالسكان تفوق مساحتها 12 مرة المساحة التي دمرتها قنبلة هيروشيما الذرية عام 1945، وعلى سبيل المقارنة، فإن المنطقة المدمرة الآن تساوي في مساحتها مدينة باريس أو واشنطن العاصمة.

اقرأ المزيد

ولكن مع ذلك، ليست حرائق الغابات أخطر تهديد حقيقي وقائم في جنوب كاليفورنيا، في الواقع، تشكل الزلازل والتسونامي تهديدات مستمرة، ولا يجب أن نغفل عن "كالديرا يلوستون"، البركان العملاق المدفون تحت الأرض الذي من شأنه أن يدمر القسم الأكبر من ولاية كاليفورنيا، إضافة إلى عدد هائل من الكائنات الحية على الأرض، نتيجة الشتاء البركاني الذي سينجم عنه.

لقد عملت في لوس أنجليس، ولدي أصدقاء مقربون هناك، وأصبحت أحب طابعها المعماري المريح والبسيط بمبانيها غير المرتفعة وأسطحها المفتوحة التي تعكس أجواء مناطق البحر الأبيض المتوسط، والأحياء القروية فيها التي تمنح شعوراً بالسلام والطمأنينة والراحة على شاكلة القرى المثالية التي نراها في الصور أو نقرأ عنها في القصص، ولكن في الآونة الأخيرة، مرت عليَّ ليالٍ لم أنم فيها قرير العين هناك، بالنسبة إلى شخص يكابد قلقاً مفرطاً يضاهي القلق الوجودي لدى المخرج والكاتب السينمائي والممثل الأميركي وودي آلن، أصبح المكان مهدداً بأخطار كثيرة ربما تجلب معها كارثة ودماراً.

وعليه، إذا أخذنا في الحسبان العوامل المؤثرة كافة، ونظرنا إلى المستقبل بعد 50 عاماً أو قرن من الزمن، هل ستبقى لوس أنجليس مكاناً صالحاً للسكن يمكن للبشر العيش فيه؟ أعتقد أن المدينة وسكانها الأذكياء والمبدعين سيملكون البصيرة اللازمة لإعادة الإعمار بصورة فضلى، فبيوتها التي بُنيت في الغالب من الخشب بالكاد تتسم بمتانة أقوى من ديكورات تصوير الأفلام السينمائية، ولكن مع ذلك، أتساءل ما إذا كان قطاع التأمين على المنازل ضد أضرار الحوادث، علماً أنه المحرك الرئيس للرأسمالية، والذي يبدو مملاً بالنسبة إلى كثير ولكنه في الواقع يضطلع بدور حيوي [في إدارة الأخطار وحماية الممتلكات من الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية]، سيسهم بصورة ما في أن تكون لوس أنجليس ذات يوم أول مدينة ضخمة مهجورة في العالم خالية إلا من الأشباح.

عبر أجزاء كبيرة من الجانب الغربي في لوس أنجليس حيث خلفت الحرائق خراباً واسعاً، يدفع الناس بالفعل مقابل التأمين على منازلهم ضد الحوادث مبالغ مالية تعادل ما يدفعونه مقابل أقساط قروضهم العقارية، أو أكثر، إذ من المعتاد دفع قسط سنوي يراوح ما بين 40 و50 ألف دولار (ما يساوي 32 ألف جنيه إسترليني إلى 40 ألف جنيه إسترليني). وكانت هذه الحال قائمة بالفعل حتى قبل الحرائق التي قاستها المدينة هذا العام. ومن الوارد أن تمتنع شركات التأمين تماماً في المستقبل عن تقديم خدماتها في بعض أنحاء لوس أنجليس.

ومع انتقال الناس إلى البلدات الأكثر أماناً من بين البلدات المنفصلة والمميزة التي تشكل لوس أنجليس، ربما تشهد هذه المناطق ازدهاراً في البداية، ولكن مع فقدان كثير من أرقى أحياء المدينة ستبدأ عملية تدهور تدرجي على المدى الطويل.

ثم يتعين النظر في مسألة البنية التحتية، في بعض الأجزاء من لوس أنجليس يبدو المنزل البسيط والمريح بمظهره غير التقليدي كما لو أنه منزل الأحلام المثالي في أعين البريطانيين، ولكن مع ذلك، لفت انتباهي أن أسلاك الكهرباء المنتشرة في كل مكان في الأعلى تبدو، حسناً، قديمة وغير متطورة تقنياً نوعاً ما مقارنة مع المعايير الحديثة. هل تعتبر آمنة؟ كلا، كما تبين، فذلك المنظر العشوائي ربما كان مسؤولاً عن إشعال فتيل بعض الحرائق، أما الحل الأفضل من ناحية السلامة فيكمن في دفن أسلاك الكهرباء تحت الأرض، بيد أنه سيكون مشروعاً ضخماً ومكلفاً جداً من الناحية المالية.

ونظراً إلى تزايد عدد الأشخاص الذين يتعذر عليهم تحمل كلف العيش في لوس أنجليس، أو غير القادرين على شراء أي منزل هناك في حال غياب أية إمكانية للحصول على تأمين ضد الحوادث، لا بد أيضاً من طرح بعض الأسئلة المهمة في شأن التأثير الذي سيتركه في الاقتصاد الأميركي التراجع التدرجي في عدد سكان المدينة، وحتى تخلي الناس عنها لتصبح مهجورة تماماً خلال الأعوام المقبلة.

على سبيل المثال لا الحصر، يمثل اقتصاد كاليفورنيا حالياً 15 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لجميع الولايات الأميركية الـ50، وإذا خسر مالكو المنازل والشركات في كاليفورنيا تريليونات الدولارات من قيمتها العقارية، فإن التداعيات المتتابعة، بدءاً بقيمة العقارات مروراً بالإنفاق الاستهلاكي وصولاً إلى الخدمات اللوجستية وأسعار الأسهم، من شأنها أن تقود إلى تراجع اقتصاد الولايات المتحدة برمته، وكما علمنا من الأزمة الاقتصادية "الكساد الكبير" في 1929 والأزمة المالية العالمية في 2008، عندما تعاني الولايات المتحدة، تعاني بقية دول العالم أيضاً.

هل تصبح لوس أنجليس، مدينة النجومية، والملائكة [الترجمة الحرفية لاسم المدينة عن الإسبانية]، وأرض الـ"لا لا لاند" [نسبة إلى الفيلم الشهير]، بومبي Pompeii المستقبل [المدينة الإيطالية التي دُفنت تحت حمم جبل فيزوف]؟ مدينة ضخمة دمرها اجتماع العوامل [الكوارث] الطبيعية مع نفور البشر وتجاهلهم غير المبرر واللامنطقي لسياسات السلامة؟ والآن، إذ يحكم الولايات المتحدة إمبراطور العصر الحديث [ترمب] الأشبه بالإمبراطور الروماني نيرون [الذي عرف بحكمه الاستبدادي وإهماله وتجاهله المشكلات التي واجهت الإمبراطورية الرومانية آنذاك لا سيما حريق روما الشهير عندما أخذ يعزف على القيثارة بينما كانت روما تحترق، كما تقول بعض الأساطير]، الذي لا يعشق ثقافة كاليفورنيا التقدمية أو السياسات الصديقة للمناخ، ألا يكون هذا الاحتمال أكثر ترجيحاً؟

في الواقع، ليست مقارنة لوس أنجليس مع بومبي بجديدة بل تعود إلى ستة أعوام مضت، عندما طرحها للمرة الأولى المفكر الفرنسي ومستشرف المستقبل جاك أتالي، متسائلاً: "هل كاليفورنيا بومبي جديدة؟".

جاك أتالي، الذي شغل منصب المستشار السياسي الخاص للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران طوال 10 أعوام، قال إن ولاية كاليفورنيا كانت في طريقها لأن تصبح غير قابلة للعيش إلى حد أن شركات التكنولوجيا والإعلام، إلى جانب بعض أعرق الجامعات في العالم، ستنتقل إلى أعالي الولاية أو حتى خارجها تماماً.

وكتب أتالي "سيقود هذا التحول إلى فوضى هائلة ودائمة، مما سيسهم في تراجع القوة الأميركية العظمى، وعلى نحو مثير للقلق، تشبه [هذه الأحداث] ما حل بمدينة بومبي قبل 20 قرناً من الزمن: في عام 62 ميلادي، ظهرت علامات التحذير من الكارثة القادمة على شكل زلازل؛ ومن عام 70 ميلادي فصاعداً، شرع الأغنياء في مغادرة المدينة التي تدهورت قبل أن يكون الدمار مصيرها في عام 79 ميلادي بسبب ثوران بركان جبل فيزوف. ولم يُعد بناؤها من جديد أبداً، كانت هذه واحدة من أولى علامات الانحدار البطيء للإمبراطورية الرومانية".

وفي ظل الحرائق الأخيرة، رحت أفكر في رأي أتالي اليوم، وبعدما نشر أخيراً كتاباً في فرنسا عن تاريخ المدن ومستقبلها، يتحدث إلي أتالي من منزله الباريسي.

ويقول "على رغم أن بومبي كانت، لا ريب، أصغر حجماً [مقارنة مع لوس أنجليس]، وكانت أقرب إلى منتجع للراحة والترفيه بالنسبة إلى الرومان منها إلى مدينة كبرى، يبقى التشابه واضحاً تماماً في أنها كانت مكاناً حظي سكانه بأرقى أشكال الثقافة، والهندسة المعمارية، وجودة العيش، والطعام، والحياة الأكاديمية، وكذلك ترف الحياة الجنسية، والإيروسية والشهوانية، ولكن يسعنا النظر إلى بومبي بوصفها صورة مجازية لسقوط ربما تلقاه إمبراطورية ضخمة".

ويضيف: "لم تدرك روما هشاشتها. وصحيح أن الولايات المتحدة تملك قوة عظيمة، خصوصاً في ظل رئيسها الجديد، ولكنها أيضاً هشة للغاية، من الناحيتين البيئية والسياسية، لذا نجد أنفسنا إزاء مقارنة مثيرة للاهتمام، مع أن المقارنة، كما نقول بالفرنسية، ليست عاملاً مبرراً".

ويعتقد أتالي أن لوس أنجليس الآن في بداية أزمة كبيرة جداً، إذ لم يعد في إمكان الناس العيش هناك، ويقول: "إما أن ينتقلوا مكرهين إلى مكان آخر، أو أن يبنوا منازلهم في المكان نفسه ولكن من دون تأمين ضد الحوادث، وفي هذه الأثناء، ترتفع الإيجارات بصورة صاروخية، سينجو الأغنياء ويصبحون أكثر ثراءً من أي وقت مضى، وأصحاب الثروات الضخمة سيزدادون ثراءً، وبالطبع سيخسر الفقراء".

ولكن لماذا يختار كثر تجاهل الخطر، الذي أصبح جلياً الآن؟

عند هذه النقطة، انتقلت إلى الكاتب الكندي جون فايلان، مؤلف كتاب "طقس النار: قصة حقيقية من عالم أكثر حرارة" (2023)Fire Weather: A True Story from a Hotter World ، الذي يعيش في فانكوفر، في ولاية كولومبيا البريطانية ولكنه كان يقيم في جنوب لوس أنجليس للاعتناء بوالده المسن عندما اندلعت الحرائق.

كتاب فايلان، الذي يروي قصة حريق هائل اجتاح مدينة فورت ماكموراي النفطية في شمال ألبرتا، الواقعة في المنطقة القريبة من القطب الشمالي، في 2016، يحكي كيف كانت النار شديدة السخونة إلى حد أنها أحرقت الخرسانة، كذلك يناقش الجوانب النفسية التي نرتكن إليها عندما يتعلق الأمر بمكان سكننا.

يذكر فايلان: "كلنا نعيش في حال من الوهم إلى حد ما، وعلى رغم حقيقة أن كاليفورنيا تشتهر بأنها ولاية قابلة للاشتعال، فإن سكان مقاطعة لوس أنجليس، الذين يعيشون على سفوح تلال شديدة الانحدار وقابلة للاشتعال، كانوا يعتقدون أنهم محصنون بطريقة سحرية ما ضد هذا الخطر".

"نظاما المياه والصهاريج ممتازان، ولكن عند ضخ كمية كبيرة من المياه إلى أعلى التلال بواسطة مضخات، يبدأ مستوى الضغط بالانخفاض، وقد واجهت فورت ماكموري المشكلة عينها أيضاً، علماً أنها مدينة مزدهرة بدورها وتملك بنية تحتية متطورة"، يضيف فايلان.

ويعتقد فايلان أن مشكلة التأمين ضد الحوادث، إلى جانب مشكلة البنية التحتية، تشكلان واحدة من كبرى العقبات أمام استعادة لوس أنجليس عافيتها وانتعاشها.

ويشرح فايلان في هذا الصدد "كان إيقاف ’ستيت فارم‘ State Farm، علماً أنها شركة تأمين كبيرة وعريقة، تغطيتها التأمينية ضد الحوادث في مناطق واسعة من كاليفورنيا قبل 18 شهراً، خبراً صادماً فعلاً".

ويتابع "تملك كاليفورنيا ثامن أكبر اقتصاد في العالم، وتقول شركة التأمين هذه إننا لا نستطيع الاستثمار فيها. إننا إزاء انسحاب، وتراجع، ستطاول تأثيراتهما السلبية جميع أنحاء البلاد، ذلك أن العقارات تشكل ركيزة أساس للاقتصاد".

ربما تكون العواقب هائلة، ذلك أن القدرة على ترسيخ جذورك في مكان معين تمنح في الحقيقة قوة استقرار، ليس للأفراد وحسب بل أيضاً للمجتمعات، ومن ثم للبلدان ككل.

وفي رأي فايلان، "كاليفورنيا أشبه بجرس إنذار. لما كانت تملك كاريزما خاصة، ونظراً إلى أنها غنية جداً ومشهورة، تبدو كل التحولات والأحداث التي تشهدها أكبر حجماً وأكثر بروزاً. ولكننا في الواقع، وفي مختلف أنحاء العالم، ندخل حالاً جديدة من عدم الاستقرار المالي، والهشاشة الجسدية والبيولوجية والنباتية".

ولكن مع ذلك، يعتقد فايلان أنه في المستطاع إعادة إحياء الضواحي الخضراء في شمال لوس أنجليس، شريطة أن يُسمح للناس ببناء منازلهم من جديد إنما بالشكل الصحيح. "على شاكلة طائر الفينيق [الذي وفق الأسطورة يحترق في النار ثم يولد من رماده]، في المستطاع استحداث شبكة جديدة وجميلة من الأحياء التي ربما تبدو مختلفة، ولكنها ستظل تحتفظ بجمال جنوب كاليفورنيا، والخطوة الوحيدة أقله التي يمكن للأغنياء اتخاذها، اللجوء إلى التأمين الذاتي ضد أضرار الحوادث عبر اتحادات الأحياء.

ولكن في الوقت الراهن، حتى بالنسبة إلى السكان الذين يملكون تأميناً ضد الحوادث، يشير فايلان إلى خلل يشوب تغطية كلف الأضرار التي تلحق بالمنازل في الولايات المتحدة ومن شأنه أن يعوق التقدم نحو بناء منازل أكثر ملاءمة. ويوضح أن معظم السياسات تتطلب من المتقدمين بالمطالبات إعادة البناء بالطريقة نفسها وفي المكان عينه، مما يجعل المنطقة غير صالحة للعيش.

ومع تحول مساحات شاسعة من المقاطعة إلى أنقاض الآن، إذ لحق الدمار بنحو 75 في المئة من العقارات في مناطق مثل باسيفيك باليساديس، وألتادينا، وماليبو، فإن الأرض ذاتها ستظل تحتفظ بقيمة عقارية مالية ضخمة. وإذا بدأ فاحشو الثراء في بناء منازل فخمة ومقاومة للحريق، والاستعانة بفرق إطفاء خاصة لتوفير الحماية لها، ربما تصبح هذه المناطق أكثر نخبوية مما كانت عليه في الأساس.

وقد بدأ الخبراء في مجال الاستدامة فعلاً مناقشة هذه العملية، التي تسمى "التحول المناخي الاجتماعي الطبقي" climate gentrification، بمعنى تحول التركيبة السكانية في المناطق نتيجة التأثيرات المناخية. في الواقع، طرأ هذا الشكل من التحول على مدينة فلاغستاف الرائعة في ولاية أريزونا، الواقعة على ارتفاع 7 آلاف قدم (2130 متراً) فوق الأجزاء المنخفضة الأكثر حرارة في الولاية، حيث ارتفعت أسعار المساكن والإيجارات فلم يعد يتوفر أي سكن ميسور الكلفة، ويظهر التأثير نفسه على الساحل الشرقي لفلوريدا، الذي تتهدده الأعاصير بصورة متكررة، وقد شهد نزوحاً جماعياً لسكانه الأكثر ثراءً، إذ أخذوا ينزحون إلى الداخل ويتوجهون إلى البلدات الواقعة على الساحل الغربي من الولاية حيث الأحوال المناخية أكثر اعتدالاً، فيما تشهد المنطقة حالياً ازدهاراً في سوق العقارات.

وهناك جولييت هوهنين المولودة في بريطانيا سمسارة عقارات ناجحة جداً، والمتخصصة ببيع وشراء المنازل الفاخرة التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات وتتعامل مع مشاهير وغيرهم من العملاء الأثرياء في الغالب، تعيش مع زوجها الممثل خارج منطقة الحريق في بيل إير، لكنهما كانا في طريقهما نحو الجنوب حاملين معهما في سيارتهما أغلى ممتلكاتهما، "جوازات السفر، وشهادات الميلاد، والأعمال الفنية، وألبومات العائلة، وحقائب اليد"، إذ بدا أن الحريق ربما يصل إلى منطقتهما.

وبعد بضعة أيام، عندما رجع الزوجان إلى منزلهما، عادت جولييت إلى العمل وواجهت حقيقة أنه من بين الممتلكات التي تبلغ قيمتها 125 مليون دولار والتي كانت جزءاً من عملها كسمسارة عقارية قبل أسابيع عدة، كان عدد منها بقيمة 40 مليون دولار قد احترق بالفعل أو عرضة للخطر.

من بين الفئات المهنية، ربما ليس وارداً أن يجد سماسرة العقارات أنفسهم في الصفوف الأمامية للتعامل مع الأزمات وحالات الطوارئ [خلافاً للمسعفين وطواقم إطفاء الحرائق مثلاً]. ولكن هوهنن فخورة بتعاونها مع منافسيها في المجال للمساعدة في إعادة توطين الذين ربما يكونون أغنى اللاجئين على مر التاريخ منذ ثوران بركان فيزوف قبل 2000 عام وخروج السكان الأكثر ذكاءً في بومبي وهيركولانيوم من المدينة في الوقت المناسب، وقالت في تصريح أدلت به إلى "هوليوود ريبورتر" الأسبوع الماضي: "أنا الآن في خدمة العامة. يتعين عليَّ مد يد المساعدة لمن أستطيع."

وفي حديثها إليَّ لاحقاً، كانت هوهنن حريصة على أن توضح، أولاً، أنه ليس كل السكان في المناطق المتضررة من الطبقات الثرية. وتقول: "بعض هؤلاء في منطقة باليساديس يعيشون هناك منذ 70 عاماً، ولا أعتقد أنهم سيعيدون بناء منازلهم"، وإذا لم تكن قادراً على تحمل كلف إعادة البناء، كما تشرح، من المتوقع أن تنخفض قيمة الأراضي، ولكن أصحاب "العقارات المحترقة" لن يخسروا قيمة أراضيهم التي ربما تصل إلى مليون أو مليوني دولار.

وتشرح "لذا فإن الأشخاص الذين سيشترون العقارات سيكونون في الغالب مستثمرين أو مطورين لا يمانعون الانتظار مهما طال الوقت لإعادة البناء، كذلك يملك هؤلاء سيولة نقدية، لذا سيقدمون عروض شراء منخفضة على العقارات المتضررة، علماً أن حاكم ولاية كاليفورنيا، وفي خطوة جيدة، كان وضع قانوناً يحظر أية عملية شراء تقل عن القيمة الحقيقية للعقار من دون طلب المالك أو موافقته".

ومن بين مشكلات كثيرة تواجه لوس أنجليس، بطبيعة الحال، خطة الرئيس [ترمب] لطرد عدد كبير من عمال البناء المكسيكيين الذين في مقدورهم المساعدة في إعادة البناء. وتظهر الأبحاث أن 40 في المئة من عمال البناء في كاليفورنيا من المهاجرين، ولكن في مجال بناء المنازل السكنية، تكون هذه النسبة أعلى بأشواط، وفي جنوب كاليفورنيا، يعيش زهاء 30 في المئة من هؤلاء المهاجرين بصورة غير قانونية، مما يجعلهم عرضة لسياسة الترحيل الجماعي التي ينتهجها ترمب، تقول هوهنين: "لست أتحدث هنا من منظور سياسي، ولكن أعتقد أنه إذا نفذ قراراً بترحيل القوى العاملة، فإنه سيثير احتجاجات واسعة وكبيرة".

وتتابع هوهنين: "الحقيقة، كما نعلم، أن كاليفورنيا وهوليوود جنتان زائفتان، نعرف أنهما كانتا في الأصل صحراء قاحلة [غير صالحة للسكن]، كان علينا جلب المياه إليهما، ولكن السكان الأصليين تمكنوا من العيش هنا لأنهم كانوا يلجأون إلى عمليات الحرق المنتظمة والمدروسة في المناطق البرية [لتنظيفها من الأعشاب اليابسة وإعادة التوازن البيئي، من ثم تجنب الحرائق الكبيرة والمدمرة]، قبل أن نبدأ نحن في بناء المدن عبر كل تلك المناطق.

"ولكن الحقيقة التي لا بد من أن تعرفها عن الأميركيين، خصوصاً سكان كاليفورنيا، أن معظمهم من المهاجرين، نحن هنا لنترك بصمتنا، تجدنا نعمل بجد، ونكسب المال، لقد تضاعفت قيمة منزلنا خلال 20 عاماً، والآن تراجعت إلى النصف عما كانت عليه، نحن مجازفون في الحياة، جئت إلى هنا صفر اليدين، والآن لدي ممتلكات ومقتنيات، لا أريد خسارتها، ولكن إذا حدث وفقدتها، فسأظل بخير"، تضيف هوهنين.

لا أحد ينكر أنه على رغم أن التوسع العمراني والطرق السريعة ليست سمات جميلة تتميز بها المدينة، تبقى لوس أنجليس بمثابة الفردوس المنشود، لقد تغلبت على المشكلات البيئية في الماضي، وفي ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته، كانت مشتهرة بالضباب الدخاني القاتل. صحيح أن جودة الهواء ما زالت متدنية أينما كان هنا، ولكن حجم الضباب الدخاني تراجع كثيراً مقارنة بالماضي.

هل سيتبين أن تأثير الحرائق سيكون تدرجاً، إنما ليس أقل شدة من الكارثة المفاجئة التي عصفت ببومبي؟ وهل ستبدأ هذه المدينة الكبيرة الاستثنائية في الانكماش، مع توجه لاجئي المناخ، الأغنياء منهم والفقراء، نحو الشرق إلى أماكن أعلى وأكثر أماناً، في هجرة معاكسة للأحداث في رواية "عناقيد الغضب" [للكاتب الأميركي جون ستاينبيك وفيها كان الفقراء يهاجرون غرباً إلى كاليفورنيا بحثاً عن عمل بعد الكوارث الاقتصادية]؟ أم أن مجريات الأحداث ستتخذ شكلاً مختلفاً عن الأحداث في أفلام الكوارث التقليدية، فتكون الكارثة هنا فرصة للعودة إلى الحياة بصورة فضلى، إذ ينجح السكان المحاصرون، بفضل مواهبهم وقدرتهم على استغلال مواردهم بذكاء وقوتهم المالية، بالتعافي بطريقتهم الخاصة والنهوض مرة أخرى؟

ربما هي قصة تروي واقعنا الحالي.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات