ملخص
أشار ترمب إلى أن الرسوم الجمركية "قد تكون" وسيلة لزيادة الإيرادات وأداة للحصول على ما يريد من البلدان الأخرى
هدد الرئيس دونالد ترمب بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على ما لا يقل عن نصف دزينة من البلدان، مما أثار القلق بين القادة العالميين بينما يستخدم تهديد العقوبات والرسوم الجمركية للضغط على الدول الأخرى للامتثال لمطالبه.
وخلال أسبوعه الأول في المنصب، وعد ترمب مراراً باستخدام أدوات اقتصادية قوية لاستهداف الدول، مما أعاد تشكيل سياسة الولايات المتحدة الخارجية في قضايا تراوح ما بين التجارة والهجرة.
التوجه العدواني الذي استهدف شركاء تجاريين رئيسين مثل كندا والمكسيك، وكذلك خصوم مثل روسيا واقتصادات أصغر مثل كولومبيا والدنمارك، يعكس اعتقاده أن الولايات المتحدة تتعرض للاحتيال من قبل الدول الأخرى. ومع ذلك فإن سيل المطالبات التي لا تقتصر على قضايا التجارة قد يخلق مواجهات متزامنة في جميع أنحاء العالم، مما قد يؤدي إلى تصعيد لا يمكن التنبؤ به يضر بالولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.
والأحد الماضي، أعلنت إدارته عن فرض رسوم جمركية وعقوبات على كولومبيا، ثم تراجعت عن ذلك، مشيرة إلى اتفاق في شأن ترحيل المهاجرين الذي كانت الدولة الأميركية الجنوبية عارضته في البداية.
رسوم على الصلب والألمنيوم والنحاس
كثف الرؤساء الأميركيون المتعاقبون استخدامهم للقوة الاقتصادية على مدار العقود الماضية، ومع ذلك فإن الأيام الأولى من فترة ترمب الثانية تشير بالفعل إلى مرحلة جديدة من هذه الاتجاهات، إذ صدم الرئيس العالم بقوله إنه سيكون مستعداً لتحطيم اقتصادات حتى الدول الحليفة بسبب خلافات سياسية تبدو روتينية، أو بسبب مطالب مفاجئة في شأن أراضيها.
وقال جون كريمر الذي كان دبلوماسياً كبيراً لأكثر من 35 عاماً وكان نائباً لمساعد وزير الخارجية الأميركي، لـ"واشنطن بوست"، "هذه ممارسة عدوانية للقوة الاقتصادية الأميركية بطريقة لم نر مثلها منذ وقت طويل، في الأقل ليس في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية."
وقال ترمب في اجتماع لحزب الجمهوريين الإثنين، إن الرسوم الجمركية ستعلن قريباً على الصلب والألمنيوم والنحاس، وعندما تحدث مع الصحافيين مساء الإثنين على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان"، قال إنه لم يحدد بعد معدل الرسوم الجمركية، وأضاف أن لديه رقماً في ذهنه لكنه ليس مستعداً للكشف عنه بعد.
وسيلة لزيادة الإيرادات
وأشار ترمب إلى أن الرسوم الجمركية "قد تكون" وسيلة لزيادة الإيرادات وأداة للحصول على ما يريد من البلدان الأخرى. وأضاف أن الولايات المتحدة كانت "في أفضل حالاتها" اقتصادياً من عام 1870 إلى 1913.
وخلال ولايته الأولى، فرض ترمب أيضاً رسوماً جمركية أو هدد بفرضها على عديد من شركاء التجارة الأميركيين، بما في ذلك حلفاء مثل فرنسا وكندا، بينما كان يسعى لتحقيق نفوذ في المفاوضات التي لا تتبع قواعد ثابتة، وفرض عقوبات قاسية على دول مثل فنزويلا وإيران. وفي حملته الانتخابية العام الماضي، وعد ترمب بـ"رسوم جمركية عالمية" تتجاوز بكثير ما فرضه خلال ولايته الأولى، مدعياً بصورة خطأ أن هذه الرسوم تدفعها الدول الأجنبية بدلاً من المستهلكين الأميركيين، وتعهد إحياء العقوبات الصارمة على إيران ودول أخرى، ومع ذلك فإن مدى لجوء ترمب إلى هذه الأدوات للضغط الاقتصادي تبين أنه لافت للنظر.
الإكراه الاقتصادي
والإثنين الماضي، هدد ترمب بأن التعريفات الجمركية بنسبة 25 في المئة على المكسيك وكندا ستدخل حيز التنفيذ في الأول من فبراير (شباط) المقبل، ما لم تتخذ هاتان الدولتان إجراءات للحد من الهجرة وتجارة الفنتانيل. وطرح ترمب فكرة فرض تعريفات جمركية بنسبة 10 في المئة على جميع الواردات من الصين، وقال إنه سيفرض "مستويات عالية من الضرائب والتعريفات والعقوبات" ضد روسيا ما لم تنه الحرب في أوكرانيا، وهو تهديد أعاد التأكيد عليه في برنامج "فوكس نيوز"، الخميس الماضي.
والجمعة، أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" أن ترمب هدد، الأسبوع الماضي، بفرض تعريفات جمركية على المسؤولين الدنماركيين ما لم يكونوا مستعدين للتنازل عن السيطرة على غرينلاند. وفي الأحد من هذا الأسبوع، قال ترمب، إنه سيفرض تعريفات جمركية وعقوبات على كولومبيا ما لم تذعن لمطالبه وتقبل رحلات عسكرية لإعادة المهاجرين غير الشرعيين.
في الوقت نفسه أصدر ترمب أمراً تنفيذياً بتجديد العقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بعدما ألغى الرئيس جو بايدن الإجراءات التي فرضها ترمب في فترته الأولى. وقال وزير خارجية ترمب ماركو روبيو للكونغرس، إنه سيتأكد من إعادة فرض العقوبات الكبيرة على النظام الإيراني، وطرح ترمب فرض تعريفات جمركية بنسبة 100 في المئة على دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) إذا تابعت البدائل لـلدولار الأميركي.
وقال ريكاردو زونيغا الذي شغل منصب نائب مساعد وزير في مكتب شؤون نصف الكرة الغربي في وزارة الخارجية خلال إدارة بايدن، "إدارة ترمب حريصة جداً على إظهار قوة العقوبات والتعريفات كأداة لتحقيق نتائج سياسية، وهي تبحث عن فرص سياسية لاستخدامها... يجب ألا يكون هناك أي شك: هذه ليست مجرد تهديدات فارغة، هم حريصون جداً على استخدامها كنوع من اختبار الفكرة. إنها فرصة لهم لاختبار هذه الأسلحة".
الحفاظ على الدولار عملة احتياط عالمية
وقال مستشارون، إن هذه المطالب تعكس نهجاً متماسكاً في استخدام أدوات الإكراه الاقتصادي، ويعتقد ترمب ومساعدوه أن التعريفات والعقوبات استخدمت في كثير من الأحيان كإجراءات نصفية، لكنهم يرون أنه يمكن إجبار التغييرات السياسية إذا هددت الولايات المتحدة بفرضها بقوة قصوى، وفقاً لشخصين مطلعين على الأمر، تحدثا للصحيفة، بشرط عدم الكشف عن هويتهما لوصف المحادثات الخاصة. وقال الأشخاص إنهم يعتقدون أن تهديد فرض أقصى العقوبات، لكن ليس بالضرورة فرضها، سيسمح أيضاً للدولار الأميركي بالحفاظ على وضعه كعملة احتياط عالمية، وهو ما وصفه مرشح ترمب لوزارة الخزانة وسكوت بيسنت، بأنه من أولوياتهم العليا.
وقال خوان كروز الذي كان مستشاراً كبيراً في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض خلال ولاية ترمب الأولى، "لا يحتاج الأمر إلى جراح دماغ لرؤية أن ترمب يعيد تعريف السياسة الخارجية الأميركية". وتابع "في السابق، كان الرؤساء الأميركيون يستخدمون الأدوات التجارية عندما يتعاملون مع القضايا التجارية، لكن ترمب مفاوض فذ، لذا قد يسأل: لماذا لا نستخدم جميع أدواتنا لضمان الحصول على ما نريد؟". وأضاف، "نحن نرى استعداداً لاستخدام الأدوات الاقتصادية بقوة كاملة لتحقيق ما نريد، وهذا يرمز إلى ما سنراه من الآن فصاعداً."
وهنأ مستشارو ترمب مثل الملياردير إيلون ماسك الأخبار التي تفيد بأن كولومبيا تراجعت، كدليل على أن الرئيس الأميركي يمكنه فرض سياسته من خلال الترهيب لتحقيق الانتصارات السياسية.
وقال جون فيلي الذي شغل منصب السفير الأميركي لدى بنما من 2015 إلى 2019، "لا تستطيع هذه الدول الرد، في ظل الفجوة في الألم السوقي، وهرب رؤوس أموالها إلى الولايات المتحدة، هذه الأسواق الناشئة ستتعرض للدمار ببساطة". ونقل فيلي عن المؤرخ الأثيني ثوسيديديس، "الأقوياء يفعلون ما يستطيعون، والضعفاء يعانون مما يجب عليهم".
عقوبات وأخطار على الاقتصاد الأميركي
مع ذلك فإن هذا النوع من الضغط قد ينقلب في النهاية بطريقة تكشف التناقضات في أهداف سياسة ترمب، إذ إن كندا والمكسيك والصين هن أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة، وتصدر هذه الدول الثلاث أكثر من تريليون دولار إلى الولايات المتحدة سنوياً، وحذر الاقتصاديون من أن فرض الرسوم الجمركية سيؤدي إلى رفع الأسعار للمستهلكين، مما يقوض وعد ترمب بالتحكم في التضخم.
ينطوي استخدام ترمب للعقوبات أيضاً على أخطار، فقد كان كبار مسؤولي وزارة الخزانة قلقين في الأقل منذ عقد من الزمن من أن الإفراط في استخدام العقوبات الاقتصادية قد يقلل من فاعليتها، من خلال تشجيع الدول الأخرى على إنشاء شبكات مالية خارج نطاق الكشف الأميركي، في حين ستمنح تهديدات العقوبات والرسوم الجمركية ضد حلفاء الولايات المتحدة عديد من الدول حوافز إضافية لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع خصوم مثل الصين، مما يقلل من تعرضها لانتقام ترمب المالي.
وقال محلل العقوبات الذي عمل في إدارة أوباما، إدوارد فيشمان، "سيعجل ذلك الجهود لبناء حلول بديلة للعقوبات والرسوم الجمركية الأميركية. أنت تظهر أن الجميع عرضة للخطر، ليس فقط الأعداء مثل الصين وروسيا، بل الحلفاء مثل كندا والمكسيك وكولومبيا... سيضعف ذلك فعالية الأسلحة الاقتصادية الأميركية ويقوض جهودنا لجذب الدول الأخرى إلى جانبنا ضد الصين".
هدد ترمب إلى حد كبير بفرض رسوم جمركية وعقوبات جديدة لم يفرضها بعد، لكن متخصصي السياسة الخارجية يشيرون إلى أن التهديد يجب أن ينفذ في مرحلة ما لينظر إليه من قبل الدول الأخرى على أنه ذو صدقية، فكلما وعد ترمب بمعاقبة مزيد من الدول اقتصادياً، زادت احتمالات التصعيد الذي يؤذي كلا البلدين.
وقال كاليب ماكاري الذي كان موظفاً رفيع المستوى في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وكان المسؤول الرئيس عن سياسة كوبا في وزارة الخارجية خلال إدارة جورج بوش الابن، "الرسالة بسيطة. سواء نجحت هذه التكتيك أم لا، سنرى... بمجرد أن تضغط على الزناد، يجب أن تتحمل العواقب".