مواد وثائقيَّة، "بوستات" وطنيَّة، تغريدات قوميَّة، رحلات ثقافيَّة، حوارات تأريخيَّة، سباقات رياضيَّة، احتفالات نقابيَّة، احتفاءات بطوليَّة، إحياءات مدرسيَّة وجامعيَّة، زيارات استثنائيَّة، نقاشات لكتب عسكريَّة، مراجعات لعقود مضت من محاولات التشكيك وجهود التعضيد، ونكهة مختلفة تعكس تطورات الأوضاع مع مقويات وطنيَّة واضحة وضوح الشمس ومحاولات لإحياء ما انطفأ وهجه من انتماء، وما فقد زخمه من حماسة، وذلك في عطلة رسميَّة توافق يوم الأحد السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
إنه الشهر العاكس مجريات الأمور في البلاد، والمناسبة الكاشفة لمعطيات تتغير وتتحرك بمرور السنوات، وطرق الاحتفال التي تقول الكثير عن طبيعة الأزمات وحقيقة التهديدات وآفاق التحديات الإيجابي منها والسلبي.
كبار السن والصغار
ستة وأربعون عاماً مضت على "يوم استعادة العزة" كما يلقبه كبار السن ممن عاصروا نصر أكتوبر، وهم واعون ناضجون، و"نصر أكتوبر المجيد" كما تربت على تسميته الملايين في المدارس المصريَّة، و"الحرب" أو "الكوبري" أو "المدينة" كما يطلق عليها ضحايا التجريف التعليمي والتجهيل الثقافي اللذين لحقا بأجيال عدة ولدت ونشأت وكبرت في عهد الرئيس الأسبق مبارك.
ستة وأربعون عاماً تحتفل مصر بمرورها في ظل فترة انتقاليَّة بالغة الصعوبة، وبعد ثورتين شعبيتين عميقتي المغزى، وفي خضم محاولات مستمرة للنيل من الدولة وتفتيت ما استقر من أمور والتشكيك فيما جرى عليه العرف ونشأ عليه الجميع.
الجميع موعود بعطلة رسميَّة في يوم السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، وفي هذه العطلة يلتزم البعض بيته وكنبته متوقعاً الوليمة التلفزيونيَّة المعتادة في مثل هذا اليوم من كل عام على مدى عقود مضت. حفنة الأفلام الدراميَّة التي صُنعت في عجالة في سبعينيات القرن الماضي، حيث "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"العمر لحظة" و"أبناء الصمت" و"الوفاء العظيم" و"حكايات الغريب" و"بدور" لطالما صاحبت ملايين المصريين على مدار نحو أربعة عقود مضت.
روتين "الرصاصة لا تزال في جيبي"
تقول ناديَّة جمال، 70 عاماً، إن "نصر أكتوبر العظيم ظل يعني لي روتين ترقب عودة محمود ياسين من الحرب ورصاصته لا تزال في جيبه، وتمسُّك الفنانة ماجدة بالأمل في الانتصار في العمر لحظة، ونجلاء فتحي وهي تنتظر عودة محمود ياسين من الحرب حياً يرزق في بدور".
وتضيف، "هكذا ظل الارتباط بيني وبين يوم النصر العظيم. لكن قبله كانت ذكرى أكتوبر تعني التصاقاً بشاشة التلفزيون مع بقيَّة أخوتي وأبناء الخالات والخلان لمشاهدة العرض العسكري الذي كنا نعشق متابعته في مثل هذا اليوم من كل عام، ثم متابعة الاحتفال الفني المسائي، وذلك إلى أن تم اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات في أثناء العرض في عام 1981".
العروض العسكريَّة
العروض العسكريَّة ظلت طقساً سنوياً لإحياء ذكرى الانتصار بعد ما تم تشييد النصب التذكاري في طريق النصر (الأتوستراد) في عام 1975.
تقول جمال "إن هذه العروض التي كانت تبث على الهواء مباشرة، بما في ذلك العرض الذي أُغتيل فيه الرئيس الراحل السادات كانت أحد أبرز المكونات التثقيفيَّة والتحفيزيَّة والتأريخيَّة التي شكلت وجدان المصريين".
وجدان المصريين في هذا اليوم تلقى الكثير على مر السنوات. فمن تغير للمحتوى وتعديل للشعار وطمس للأصل واقتناص للمناسبة واختطاف للمعنى وأخيراً عودة إلى نقطة الانطلاق حيث المناسبة فرصة لتجديد الثقة وإحياء الأمل وغرس القيمة، مر المصريون بالمناسبة ومرت بهم.
أول ضربة جويَّة
مرارة كبرى يتحدث بها جندي مقاتل محمد أحمد سليمان، 68 عاماً، موظف متقاعد، وواحد ممن شاركوا في حرب أكتوبر المجيدة. يقول "رغم أنني لم أكره أو أعارض الرئيس الأسبق مبارك، لكن في كل مرة كانت مصر تحتفل بذكرى الانتصار بعد وفاة الرئيس السادات كنت أشعر بحزن شديد. فكيف يتم شطب لقب (بطل الحرب والسلام) الذي استحقه الرئيس الراحل السادات عن حق ليتحول الانتصار إلى (أول ضربة جويَّة)؟".
إشارة سليمان إلى تحويل الدفة من نسب النصر إلى صانعه الرئيس الراحل محمد أنور السادات "بطل الحرب والسلام" إلى "أول ضربة جويَّة" لصاحبها الرئيس الأسبق مبارك الذي كان وقتها قائداً للقوات الجويَّة ربما أزعج البعض في بدايات عصر مبارك، إلا أنه أصبح واقعاً لا فرار منه طيلة سنوات حكمه.
سنوات حكم الرئيس الأسبق مبارك شهدت إحياءً للحفلات الفنيَّة المسائيَّة في مناسبة الانتصار، وهي الحفلات التي رسّخت ميلاً لشخصنة الانتصارات. "الله معاك ومعاك قلوبنا" و"أول طلعة جويَّة فتحت باب الحريَّة" و"النسر المصري شق السما" و"اخترناه" وغيرها عشرات من الأغنيات والأوبريتات رسّخت مسيرة الأغنيات الوطنيَّة الممجدة للرئيس "الحالي" والناسبة إليه نصر رئيس راحل، وهو ما يفسّر اختفاء تلك الأغنيات بشكل كامل، باستثناء الشبكة العنكبوتيَّة صاحبة الذاكرة الفولاذيَّة التي لا تقهر أو تُمحى.
شخصنة الأغنيات الوطنيَّة
يشير الباحث والكاتب الفني محمد دياب إلى أن شخصنة الأغاني الوطنيَّة والانتصارات بشكل فج لم يحدث إلا في عهد الرئيس الأسبق مبارك. يقول "الأغنيات التي تناولت اسم الرئيس الراحل عبد الناصر كانت مختلفة تماماً، لأنها كانت نابعة من عشق شديد لزعيم فريد. حتى الرئيس الراحل السادات لم تصدر أغان بما فيها أغنيات نصر أكتوبر الذي صنعه تحمل اسمه".
ويضيف دياب، "كلمات أغنيَّة (عاش اللي قال) التي غنّاها العندليب عبد الحليم حافظ في عام 1973 كانت تحوي اسم السادات، لكنه طلب إزالته".
تقول كلمات الأغنيَّة التي تتردد هذه الأيام بعلو الصوت من محطات الإذاعة والتلفزيون "عاش اللي قال، بحكمة وفي الوقت المناسب، نرجع أرضنا من كل غاصب، عاش العرب اللي في ليلة أصبحوا ملايين تحارب، عاش اللي قال للرجال عدوا القنال".
ويشير دياب إلى أن الأغنيات التي حملت اسم "مبارك" باعتباره صاحب نصر أكتوبر لم يبقَ منها شيء حالياً في الذاكرة الشعبيَّة، وذلك عكس الأغنيات الوطنيَّة الخالصة أو حتى تلك التي تحمل اسم عبد الناصر التي ما زالت حيَّة في القلوب وفي الأثير، لا سيما بعد ما تم فك حظر بثها بعد ثورة يناير (كانون الثاني).
وكان دياب كتب سلسلة من المقالات عن الأغنيات الوطنيَّة وشخصنتها في عهود سياسيَّة مختلفة، وطالب بفقرة في الدستور تمنع النفاق للحكام عبر الأغنيات الوطنيَّة، والإبقاء على المناسبات وفرحة الانتصار ذكرى وطنيَّة خالصة.
اكتب عن النصر
محو الذكريات والتقليل من شأن المناسبات من الآثار الجانبيَّة التي تنتج عن أنظمة التعليم الجامدة. معلم اللغة العربيَّة للمرحلة الإعداديَّة السيد محمد مختار، 52 عاماً، يقول إن "تنميط الابتكار في المدارس وتطويق بذور الإبداع لدى الصغار له آثار سلبيَّة بالغة السوء. وأحد هذه الآثار يبدو واضحاً في طرق تدريس الجزئيَّة الخاصة بالتعبير أو الإنشاء في اللغة العربيَّة، إذ تتم محاصرة عقول الطلاب وتقييدها بعناصر ونقاط لا يسمح لهم بالخروج منها".
يشار إلى أن سؤال "اكتب فيما لا يزيد على عشرة أسطر عن حرب أكتوبر العظيمة ودور بطل الحرب والسلام الرئيس المؤمن محمد أنور السادات لاستعادة كرامة مصر" تحوَّل في عصر الرئيس الأسبق مبارك إلى "اكتب بصيغة تعبيريَّة جميلة عن الضربة الجويَّة الأولى وبطلها الرئيس محمد حسني مبارك ودورها في إتمام نصر أكتوبر العظيم".
يقول مختار "إن مثل هذه الموضوعات وجهت أجيالاً إلى ربط حرب عسكريَّة انتصر فيها الوطن بشخص يتم إلغاؤه بوفاته".
ويضيف، "المطلوب هو تعليم الصغار ما جرى في التاريخ دون تسييس أو شطب اسم وإضافة آخر إرضاءً لنظام سياسي، لأن ذلك يزرع فيهم عدم الانتماء".
هذا العام قرر مختار أن يفتح باب النقاش مع الطلاب حول حرب أكتوبر ليختبر معلوماتهم ويزودهم بالمعلومات التاريخيَّة الوطنيَّة المنزهة عن أي توجهات سياسيَّة.
ظلال التوجهات السياسيَّة
التوجهات السياسيَّة والانكشافات الاجتماعيَّة وأحداث الأسابيع القليلة الماضيَّة تلقي بظلال عديدة على احتفال مصر هذا العام بمرور 46 عاماً على نصر أكتوبر. فبينما جهات وجماعات وقنوات تسن أسنانها لتنهش وتفتك وتفتت، تهرع أخرى لتضمد وتعضد وتساند.
تدوينات وتغريدات للبعض من المعجبين بقنوات مناهضة لمصر بدأت تنقب في برامج وكتابات إخوانيَّة في مناسبة ذكرى نصر أكتوبر في سنوات ما بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 التي أطاحت حكم الجماعة، حيث إعادة التغريد والتدوين والبث إما للمحتوى الإخواني الذي يعود إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012، أو لتغطيات الجهات الداعمة الإخوان في هذا الشأن.
فبين تشكيك في أن الحرب كانت نصراً لمصر عبر استضافة "خبراء" مصريين وبعض الجنسيات العربيَّة مقيمين في إسطنبول والدوحة ولندن، إلى بث أفلام وتقارير مصنوعة بغرض تشويه الأبطال الحقيقيين لحرب أكتوبر 1973 والنيل منها.
أثير العنكبوت
أثير "تويتر" و"فيسبوك" تتسرب إليهما هذه الأيام مقاطع من "احتفال" الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي بذكرى النصر، وهو الاحتفال الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012.
تسللت إلى مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من استاد القاهرة في هذا اليوم من عام 2012، وهو ممتلئ عن آخره بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقيادات الإسلام السياسي، وبينهم قتلة "بطل الحرب والسلام" صاحب نصر أكتوبر.
هذا الظهور تراوح بين تحميل على سبيل "نوستالجيا" عودة الجماعة إلى الحكم، وعبرة لمن لم يعتبر بعد عن أيام أمضاها الإخوان في حكم البلاد، والرئيس محمد مرسي يصف ثورة يناير (كانون ثاني) 2011 بـ"العبور الثاني" للشعب المصري نحو الحريَّة، بعد العبور الأول لهم واستعادة الأرض في عام 1973.
مواقع التواصل الاجتماعي التي اشتعلت في الأسابيع القليلة الماضيَّة تحت وطأة هجمة فيديوهات المقاول الفنان محمد علي والناشط المهندس وائل غنيم وعدد من الشخصيات المصنفة نفسها بـ"الثوريَّة" الداعيَّة والمساندة لدعوات الثورة على النظام في مصر، استأنفت حماسة التغريد وطاقة التدوين هذه الأيام. هاشتاغ #نصر_أكتوبر و#حرب_أكتوبر وغيرهما تخطو نحو الترند.
البعض من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أدرك أن المناسبات الوطنيَّة باتت فرصة للتعبير عن مشاعر الانتماء للوطن، ولكن كل حسب توجهه.
غير المؤدلجين
التوجه الكنبوي العام، حيث عموم المصريين غير المؤدلجين يرون في مرور 46 عاماً على نصر أكتوبر هذا العام فرصة ذهبيَّة لاسترجاع ذكريات "حرب الكرامة".
يقول أسامة السيد، 44 عاماً، موظف، إنه "يتابع البرامج الوثائقيَّة في هذا اليوم، لأنها تجعله يعيش أجواء النصر والفوز، التي لم يعشها، لكن درسها في المدرسة أو سمع عنها من أهله. لكنه يشعر كذلك بالأسى حين يرى شباباً ومراهقين لا يعرفون شيئاً عن هذه الحرب، وحتى لو عرفوا بعضاً من المعلومات، فهي لا تمثل لهم قيمة وطنيَّة". يقول، "أجيال بأكملها فقدت الشعور بقيمة الوطن. لا يحيون علماً في المدرسة، ولا يقفون لو سمعوا النشيد الوطني، ولا يمانعون في السخريَّة من القيم الوطنيَّة. وذكرى نصر أكتوبر فرصة طيبة لمحاولة استعادة هذه الأجيال المغيبة".
الممر
استعادة الأجيال المغيبة وإحياء روح الوطنيَّة وإعادة ضخ ما مُنِع عنهم من روافد المعرفة المؤديَّة إلى الانتماء باتت أولويات.
وهذا العام، تبدو الجهود التي تبذلها الدولة لاستعادة هذه الأجيال واضحة جليَّة. أصوات عدة طالبت منذ مطلع الشهر الحالي بعرض فيلم "الممر" على شاشات التلفزيون بديلاً عن الوجبة المحضرة سلفاً من أفلام نصر أكتوبر السبعينيَّة، التي لا تجذب سوى الكهول والشيوخ. ويبدو أن الفكرة كانت مختمرة في رؤوس مسؤولي القنوات فبادروا إلى الإعلان عن عرض الفيلم في يوم النصر.
يشار إلى أن فيلم "الممر" دراما حربيَّة مصريَّة من إنتاج العام الحالي وبطولة أحمد عز وإياد نصار وأحمد فلوكس وأحمد رزق وإخراج وتأليف شريف عرفة.
وعلى غير عادة سينما الألفينيات، قوبل الفيلم بترحيب شعبي كبير غير مسبوق وقت عرضه، رغم أنه عرض في موسم عيد الفطر المبارك مع ثلة من أفلام العيد المعروفة بسطحيتها، وظل معروضاً في دور السينما بضعة أشهر محققاً إيرادات في زمن لا تحقق فيه السينما إيرادات تذكر.
يتناول الفيلم قصة بطولة من بطولات رجال القوات المسلحة المصريَّة، وتحديداً قوات الصاعقة، خلال حرب الاستنزاف. ويستعرض المرحلة الزمنيَّة من حرب 1967 إلى بدايات حرب الاستنزاف.
الأهل والأبناء
الناقد الفني طارق الشناوي يقول عن الفيلم إنه "شاشة نشتاق إليها من زمن، وإحساس بالعز الوطني يسكننا"، وهو العز الذي يفسر استقبال الجمهور المنتمي إلى الفئة العمريَّة فوق سن الـ35 له بقدر بالغ من الحفاوة، وتكرار حالات الأهل الذين أصروا على اصطحاب أبنائهم وبناتهم لمشاهدة الفيلم معهم مجدداً "لأنه يعيد زرع قيم الوطنيَّة والانتماء والفخر بقدرات العسكريَّة المصريَّة التي أجهز عليها تعليم فاشل على مدى عقود وشبكة عنكبوتيَّة أعطت مقاليد القيادة لكيانات افتراضيَّة بلا حدود ومنظومة ثقافيَّة تحللت على مر العقود" حسبما تقول السيدة سارة فتحي، 45 عاماً، التي تفاخر بمشاهدة "الممر" ثلاث مرات في السينما، مرة مع زوجها، والثانيَّة مع أبنائها، والثالثة مع زميلات العمل.
شد وجذب
القوات المسلحة المصريَّة، البطل الحقيقي لانتصار 1973، التي تتعرض منذ أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 لمحاولات شتى وجهود مضنيَّة للتفتيت وتشويه السمعة والربط بينها وبين الفساد أو الاستغلال أو التعذيب أو قهر الشعب إلى آخر قائمة الاتهامات التي تبزغ بين الحين والآخر، وتتبناها جماعات وقنوات وكيانات إقليميَّة، تجد نفسها محور الاحتفالات وكذلك السجالات والشد والجذب.
وبين شعار تم تصميمه لهذا اليوم يحمل عبارة "46 سنة نصر أكتوبر" وتهيمن عليه ألوان العلم المصري الأحمر والأبيض والأسود مع النسر الذهبي، ودرع ذهبيَّة تحمل شعارات جميع الأسلحة في الجيش المصري، وفتح باب المزارات العسكريَّة للزيارات المجانيَّة في هذا اليوم، ومئات الندوات في الجامعات ومراكز الشباب عن النصر والوطنيَّة، وفقرات وحوارات وبرامج تعيد إحياء تفاصيل الانتصار على الشاشات وأثير الإذاعات، وصرف المعاشات مبكراً في مناسبة الذكرى، وتكريمات لأبناء وزوجات وذوي شهداء الجيش والشرطة، وحفلات غنائيَّة متخمة بالأغاني الوطنيَّة غير المشخصنة، وسباقات جري ودراجات تحمل اسم الانتصار، واحتفالات في النقابات، وتنويهات من القوات المسلحة مذاعة على مدار الساعة على الشاشات والإذاعات يحمل الإمعان في الاحتفال هذا العام الكثير من الرسائل ويعكس العديد من المعاني.
حروب الجيل الرابع
الجيش المصري يتعرض لحرب شعواء من حروب الجيل الرابع، حيث لا سلاح أو دبابات، لكن فيديوهات وتغريدات. وكيانات وجهات وأفراد ما زالت تسير على نهج محاولات التفتيت عبر النيل من المؤسسة العسكريَّة لتسهيل مهمتها. ونتاج عقود مضت من تجاهل أهميَّة التعليم وقيمة التنشئة وترك مهام الدولة الرئيسيَّة لجماعات دينيَّة ونظام تعليم ذي مسحة دينيَّة متطرفة تسفه قيمة الأوطان والجيوش وتعلي مفاهيم الجماعات خرجت أجيال إما لا تعي قيمة الانتماء، أو لا تنتمي إلا للجماعة الدينيَّة ما يحتم جهوداً عاتيَّة لإصلاح المفاهيم الوطنيَّة، لا سيما في مناسبات النصر.
الشيخ والبابا
المثير أن كلاً من الأزهر والبطريركيَّة دخلا على خط الاحتفال بالنصر كذلك. الأزهر الشريف، ونظراً لمرض فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أصدر عدداً خاصاً من مجلة "صوت الأزهر" يحوي حواراً معه عن الذكرى الـ46 لنصر أكتوبر.
وجاء في الحوار أن رجال الأزهر يساندون رجال الجيش والشرطة بالكلمة والفكر للقضاء على الإرهاب، مشيداً بجهود القوات المسلحة والشرطة وجنودهما البواسل في المعركة المستمرة ضد الإرهاب. واعتبر أن شهداء اليوم امتداد لشهداء الأمس الأبرار في ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة.
أمَّا البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريَّة وبطريرك الكرازة المرقسيَّة، فقد دق على أزمة الشباب وعدم ارتباطهم بنصر أكتوبر، حيث أشار قبل بدء عظته في اجتماع يوم الأربعاء الأسبوعي إلى أهميَّة أن يعرف الشباب تاريخ هذه الفترة المجيدة، التي سبقتها نكسة مؤلمة. وقال إن هذا الانتصار والانكسار الذي سبقه كانا سبباً في وحدة الشعب المصري.
ووصف نصر أكتوبر بأنه "صفحة خالدة في تاريخ الوطن وتاريخ المجتمع، خصوصاً بعد نكسة سنة 67".
وقال، "هناك عدد كبير من الشباب لم يعاصر هذه اللحظات، وهي لحظات مبهجة في تاريخ مصر، وفي تاريخ الوحدة عندما يجتمع الشعب كله بصورة جيدة مع الجيش والشرطة من أجل هدف واحد في النكسة والانتصار، وكان النصر مبهراً ومدهشاً على مستوى العالم كله".