Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سباق بين حكومة مالي و"فاغنر" والمسلحين للسيطرة على الذهب

باماكو مضطرة للتعاون مع شركات أجنبية في استغلال المناجم لأنها لا تملك الخبرة والأموال الكافية لإدارة المناجم وتشغيلها

تحتل مالي المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث احتياطاتها من المعدن الأصفر خلف كل من غانا وجنوب أفريقيا (أ ب)

ملخص

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في وقت سابق أن "فاغنر" أرسلت جيولوجيين من أجل استكشاف المعادن في مالي، لافتةً إلى أن "عناصر فاغنر مارست تهجيراً للسكان في المناطق المالية الغنية بالمعادن خصوصاً الذهب".

في وقت تسعى السلطات للوصول إلى هدف صعب المنال وهو إنهاء الفوضى الأمنية التي تعرفها، دخلت مالي حرباً شرسة هذه المرة من أجل السيطرة على مناجم الذهب غير القانونية التي يتسابق إليها المسلحون ومجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية.

وأماط وزير المعادن المالي أمادو كيتا، اللثام عن هذه المعركة، وقال في مؤتمر صحافي عُقد في العاصمة، باماكو، إن "عائدات الذهب من عمليات التنقيب غير الشرعي تسهم بصورة كبيرة في تمويل شبكات إجرامية وإرهابية، ما يعني أنها تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار مالي والمنطقة".

ولفت كيتا إلى أن "الذهب حين يهرب إلى أسواق خارج أفريقيا، تسهم عائداته في تمويل تهريب المخدرات والأسلحة وغسل الأموال، فضلاً عن تمويل الإرهاب والتطرف".

ولا تخلو محاولات استخراج الذهب بصورة قانونية أو غير قانونية من مجازفة في مالي، إذ لطالما تسببت انهيارات لمناجم في مآسٍ لم تندمل جراحها بعد على غرار مقتل نحو 70 شخصاً العام الماضي في انهيار لمنجم ذهب غرب البلاد.

المواطنون والمسلحون و"فاغنر"

وتحتل مالي المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث احتياطاتها من المعدن الأصفر خلف كل من غانا وجنوب أفريقيا. وعلى مستوى الأرقام تُقدر وزارة المناجم المالية احتياطات البلاد بنحو 800 طن من رواسب الذهب.

ولاستخراج الذهب، يكفي امتلاك معدات بسيطة وخبرة في هذا المجال وهو ما سهّل على الجماعات المسلحة لا سيما تلك المرتبطة بتنظيمات مُتشددة، فتح مناجم غير قانونية، بحسب ما تقول السلطات.

وبلغ إنتاج مالي من الذهب في عام 2021 نحو 63.4 طن، وتسعى البلاد إلى تطوير إنتاجها الذي تضرر من الاضطرابات الأمنية التي تعرفها جراء حركات تمرد ونشاط مكثف للجماعات المسلحة الإرهابية على غرار "القاعدة" وتنظيم "داعش".

الباحث السياسي المالي محمد إسماعيل، قال إن "المناجم غير المشروعة كانت مستغلة من قبل المواطنين والجماعات المسلحة في إقليم أزواد شمال مالي قبل عام 2023، لكن أصبح الجيش وحلفاؤه الروس يسيطرون على العديد من المناجم منذ أكثر من عام في ولايتي غاوو وكيدال بعد سيطرتهما على هذه المناطق".

وأفاد إسماعيل لـ"اندبندنت عربية" بأن "الحكومة باتت تنتهج أخيراً سياسة تأميمية للذهب بسبب العديد من العوامل، أهمها مشروع السيادة الوطنية وبسط السيطرة على الدولة وخيراتها وتقليص نفوذ الغرب في البلاد، وأيضاً الحاجة إلى أموال للقيام بالمشاريع الوطنية في ظل انخفاض المساعدات والتمويل الخارجي".

وشدد على أن "هذه السياسة أيضاً مرتبطة بالاستعدادات لتخزين الذهب بهدف القدرة على تفعيل مشروع العملة للكونفيدرالية والتخلي عن الفرنك خصوصاً بعد الخروج من منظمة إيكواس".

وبين إسماعيل أن "النظام يحتاج أيضاً إلى الذهب من أجل تعزيز المصادر الاقتصادية للاستمرار في اقتناء المعدات العسكرية وتعزيز التعاون الاستراتيجي مع الشركاء الجدد".

حرب على جبهتين

وليست المناجم غير القانونية وحدها التي تؤرق الحكومة المالية، إذ خطت البلاد أخيراً خطوات بدت مهمة على طريق تأميم ثرواتها من الذهب وذلك على حساب الشركات الغربية التي كانت تنشط هناك.

وتوترت العلاقة بين السلطات الانتقالية الحاكمة في مالي مع الشركات الغربية وأهمها شركة "باريك غولد" الكندية. وأبرز عناوين الخلاف بين الطرفين قيام المجلس العسكري في مالي في يناير (كانون الثاني) الجاري بمصادرة نحو ثلاثة أطنان من الذهب كانت مُخزنة في منجم لوولو – غونكوتو التابع للشركة الكندية، وهي أطنان تُقدر قيمتها بـ 250 مليون دولار.

كما اعتقلت السلطات في سبتمبر (أيلول) الماضي أربعة موظفين في الشركة في ما بدا وكأنه تمهيد لإنهاء التعاون معها، لكن لم يتم بعد الإعلان عن ذلك.

وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، سلطان ألبان، "المجلس العسكري الانتقالي في مالي يحاول جاهداً التسويق محلياً وخارجياً لما يعتبره حرباً على المعادن تشبه شعاراته السابقة حول الحرب على المجموعات الانفصالية في شمال البلاد".

وفي تصريح خاص قال ألبان "الآن الحرب على المعادن كثروة اقتصادية لم تتمكن البلاد بعد من بسط السيطرة عليها بشكل كبير، ويشتغل غويتا ورفاقه على جبهتي التنقيب غير المشروع الذي تنشط به بعض الجماعات المسلحة والاتفاقيات التي كانت قائمة قبل حتى قدوم غويتا مع الشركات الأجنبية".

وتُعاني مالي وكافة دول الساحل الأفريقي من نشاط للمسلحين وعصابات الإتجار وتهريب الحشيش، ما دفع وزير المعادن إلى التنبيه من أن المناجم غير القانونية تُستغل من قبل المسلحين والمتطرفين ما يُشكل خطراً على المنطقة بأسرها.

وتابع ألبان "الواقع يقول إن التعدين غير المشروع يطرح إشكالاً إقليمياً يتجاوز باماكو نحو دول أخرى في المنطقة، كما أن الناشطين فيه ليس فقط من المجموعات التي تنشط في مجال التعدين بالنظر لما يدره من أرباح، إنما هناك أيضاً مواطنون عاديون من ذوي الدخل المحدود أو اللادخل ينشطون هم الآخرون في هذا المجال".

وبين "أما الجبهة الثانية على غرار جارتيها النيجر وبوركينا فاسو، دخلت مالي في حرب مع الشركات الأجنبية المتخصصة في التعدين".

بؤرة لتمويل الإرهاب

من جانبه، يرى الإعلامي المالي المتخصص في قضايا الساحل الأفريقي، علي كونتا، أن "المناجم التقليدية تُعد أحد أهم المصادر المالية لشريحة كبيرة من المواطنين الذين يعملون في هذا المجال بمعدات بسيطة، ومع ذلك تضمن لهم عوائد مالية جيدة، فهناك الاقتصادات الصغرى التي تنشأ حول هذه المناجم من أسواق ومواصلات وغيرها وتضمن وجود حركة مالية معتبرة انطلاقاً من الذهب المستخرج".

واستدرك كونتا في تصريح خاص "إلا أن انكباب المنقبين على الذهب من أجانب ومحليين وتدفق المعدات الميكانيكية ومساهمتها في عمليات الحفر والتنقيب، أدى إلى ضرر بيئي طاول الغابات والأنهار والجداول والأراضي الصالحة للزراعة".

وأضاف أن "المناجم تشهد أيضاً حالات وفاة جراء تعرض المنقبين إما لانهيارات أرضية أو لأمراض نتيجة غياب معايير السلامة الصحية، ويقوم بعض رجال الأعمال المحليين أو الأجانب باستغلال المناجم واستخراج المعادن بشكل غير رسمي مما يعني وجود تهرب ضريبي وعدم تقيد بالقوانين المعمول بها".

وذهب المتحدث إلى القول إن "هناك عصابات إجرامية وإرهابية تحاول السيطرة على المناجم بفرض إتاوات وسلب مبالغ من مرتادي المناجم كما يحلو لهم، وقد حاولت الحكومة الحد من ظاهرة انتشار المناجم بالسيطرة عليها من خلال سن جملة قرارات لتنظيم القطاع".

وفي رأيه فإن "المناجم الموجودة في شمال البلاد تعتبر بؤرة من بؤر تمويل الإرهاب والعمليات الإجرامية حيث تنشط شبكات مشبوهة تتخذ من المناجم الخارجة عن مناطق السيطرة الحكومية هدفاً لها، وتقوم بتحويل وتهريب الذهب والبشر عبر الصحراء والساحل إلى دول أخرى".

وذكر كونتا أن "الحركات الأزوادية تعتبر إحدى الجماعات التي تتهمها الحكومة بالقيام بأعمال إرهابية وضلوع بعض عناصرها في عملية الهجوم على السفينة النهرية المسماة تمبكتو، والتي راح ضحيتها العشرات من المدنيين والعسكريين".

وأبرز أن "في تلك الأثناء، كان أحد المناجم المتاخمة لبلدة تينزاواتين الواقعة على الشريط الحدودي مع الجزائر في قبضة الحركات المسلحة التي تُسير المنجم كما تشاء، وهو ما أعطى دلالة على حصول تمويل لها من ذلك المنجم أو غيره".

وكانت الحركات الأزوادية قد نصبت كميناً محكماً بالفعل للجيش المالي وحلفائه من "فاغنر" في يوليو (تموز) الماضي وهو كمين قضى فيه العشرات من هؤلاء وتم أسر آخرين.

اقرأ المزيد

استبدال شريك بآخر

في غمرة إعلانها الحرب على المناجم غير القانونية للذهب، تُعاد إلى الأذهان الاتهامات التي واجهتها الحكومة المالية التي يسيطر عليها انقلابيون عسكريون من قبل تقارير غربية تفيد بسعي مجموعة "فاغنر" للسيطرة على المعدن الأصفر في البلاد.

صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت في وقت سابق أن "فاغنر" أرسلت جيولوجيين من أجل استكشاف المعادن في مالي، لافتةً إلى أن "عناصر فاغنر مارست تهجيراً للسكان في المناطق المالية الغنية بالمعادن خصوصاً الذهب".

ولم تُعلق الحكومة المالية على هذه التقارير، لكن الجيش وحلفاءه من "فاغنر" شنوا قبل أشهر هجمات هي الأعنف على شمال البلاد الغني بالمعدن الأصفر.

وإلى جانب الروس، تتنافس أربع شركات دولية على الذهب في مالي وهي: "باريك غولد" ومقرها كندا، و"أنغلو غولدن شانتي" الجنوب أفريقية، و"ريسوليت" الأسترالية، و"بي 2 غولد" الكندية.

واعتبر ألبان أن "من أهم المعارك التي بدأت تطفو على السطح في هذا الشأن هي التضييق على شركة التعدين الكندية "باريك غولد"، وهناك مساع لتوطين الشركات العاملة في هذا المجال وفتح الباب أمام الشركات الروسية، وفي هذه الحالة ستكون باماكو أمام استبدال شريك غربي بآخر روسي".

وذكر المحلل السياسي أن "هناك تقارير غربية تتحدث بالفعل عن أن مجموعة ‘فاغنر‘ لدى قدومها إلى مالي جلبت معها مستكشفين وخبراء في مجال التنقيب عن المعادن، وأنها تنشط في هذا المجال بقوة، وهذا ربما هو السر وراء بقائها في مالي منذ مدة طويلة جداً على رغم أن الخسائر البشرية التي تكبدتها في المعارك الميدانية التي خاضتها كانت كبيرة".

وأشار إلى أن "هناك حديثاً أيضاً عن توجه روسيا لامتلاك جزء من الشركات الرسمية المالي المتخصصة في التنقيب عن الذهب".

واستنتج سلطان ألبان أنه "بالتالي نجاح غويتا في السيطرة على مجال التعدين يتطلب أن يوازن بين ترك المواطنين الذين ينشطون في هذا المجال لتأمين دخلهم، وإيجاد توازن بين العقود التي تملكها مالي في عهد الأحكام المدنية السابقة أو ما قبل فترة انقلاب غويتا ورفاقه خصوصاً مع تغلغل روسيا".

موسكو وبكين

وخلال الأعوام الماضية تضاءل النفوذ الفرنسي والغربي بصورة عامة في مالي ومنطقة الساحل، مقابل تغلغل روسي – صيني ودخول لاعبين جدد على غرار تركيا وإيران ما يؤشر إلى حقبة جديدة على مستوى إدارة الصراعات في هذا الإقليم أولاً، استغلال ثرواته ثانياً.

وبعد أن تردت في فقر مدقع على رغم الثروات التي تختزنها، فإن إمكانات هذه الدول لاستغلال ثرواتها محدودة بشكل كبير.

وقال محمد إسماعيل إن "باماكو مضطرة للتعاون مع شركات أجنبية في استغلال المناجم ولو بشكل موقت لأنها لا تملك الخبرة والأموال الكافية في الوقت الحالي لإدارة هذه المناجم وتشغيلها".

وأكد أن "القانون الجديد للمناجم يعطي مالي نسبة قليلة لا تتجاوز الـ 53 في المئة".

وختم "لا شك أن موسكو وبكين تعتبران شريكين استراتيجيين لباماكو، لكن هناك شركات غربية تعمل في هذا الجانب ووافقت على القانون الجديد لاستغلال المناجم''.

المزيد من تقارير