Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعوض تقارب روسيا مع الصين ودها المفقود مع الغرب؟

أمام التصرفات الأميركية تعمل موسكو وبكين على اتخاذ تدابير للرد المشترك ومنها المواقف العسكرية

تسيطر على الغرب مخاوف من روسيا أو الصين تطمحان إلى السيطرة على العالم بأكمله (رويترز)

ملخص

التقارب مع الصين، الذي أصبح حقيقة واقعة وأحد الاتجاهات الرئيسة في السياسة الخارجية لروسيا، يجلب لموسكو مزايا واضحة أبرزها اكتساب شريك قوي في معارضتها للضغوط الغربية، والحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها، وفي الأقل نفوذها الإقليمي.

التغيرات التي تحدث في العلاقات الروسية - الصينية، تحت تأثير الأزمة العسكرية في أوكرانيا والعقوبات الغربية المطبقة على موسكو وبكين بدرجة أقل، تستدعي تحليل مشكلات وآفاق التعاون بين موسكو وبكين في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية، نسبة إلى ما للبلدين دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي من تأثيرات وانعكاسات على السياسات الدولية، وشكل النظام الدولي الراهن الذي تسعى الدولتان إلى تغييره وتعديله، بما يتناسب مع موقعهما وتأثيرهما في الساحة الدولية وطموحاتهما للعب أدوار تتجاوز النفوذ الإقليمي وتصل إلى المستويات العالمية.

تحالف الأمر الواقع!

في سياق الأزمة المستمرة في أوكرانيا، تخضع العلاقات الروسية - الصينية لاختبار قوتها، لأن البلدين يعانيان ضغوط العقوبات الشاملة من "الغرب الجماعي". وعلى رغم هذه الضغوط فإن العلاقات بين روسيا والصين تظهر زيادة في التفاعل السياسي على الساحة الدولية، وفي مجال العلاقات التجارية والاقتصادية تحاول موسكو تعويض ضعفها الاقتصادي والمالي من خلال جذب الاستثمارات والمنتجات الصينية بصورة فعالة.

ومع ذلك تعتبر روسيا في الوقت نفسه شريكاً أقل أهمية بالنسبة إلى الصين مقارنة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وللتغلب على هذا النقص تعمل الحكومتان والاقتصاديون والعلماء في البلدين معاً على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية. إلى جانب التعاون السياسي والاقتصادي، يلعب التفاعل الإنساني بين الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية دوراً مهماً، يهدف إلى مواجهة الأيديولوجية الغربية وتعزيز التفاهم المتبادل بين شعبي روسيا والصين، فضلاً عن تعزيز الاتصالات داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة "بريكس".

لكن ما الذي يكمن وراء هذه الرمزية، وما الذي تطمح إليه العلاقات الروسية - الصينية على أرض الواقع؟ إن روسيا والصين تتقاربان بالفعل، وبدأ هذا التقارب في النصف الثاني من القرن الـ20، واليوم يتحدث بعضهم بالفعل عن تقارب قد يصل إلى حد تحالف عسكري رسمي، أو في الأقل تحالف بحكم الأمر الواقع.

دور واشنطن في التقارب الروسي - الصيني

قبل أعوام عدة عندما كان الوضع في العالم مختلفاً تماماً، كتبت أن مثل هذا التحالف لن يكون ممكناً إلا إذا أدت سياسة الولايات المتحدة إلى صراع عسكري على حدود روسيا والصين في وقت واحد. ومن المؤسف أن الوضع الدولي اليوم اقترب من هذه النقطة، إذ إن الولايات المتحدة تغذي علناً الصراع المسلح المستمر في أوكرانيا منذ نحو ثلاثة أعوام، وتشجع في الواقع حركة تايوان نحو الاستقلال، ولهذا السبب قد تقرر بكين قريباً أن السبل السلمية للتوحيد مع الجزيرة استنفدت.

وبطبيعة الحال لم تصل الأمور اليوم إلى حد التحالف العسكري بين البلدين بعد، ولكن من المؤكد أن موسكو وبكين تعملان على اتخاذ تدابير للرد المشترك على مختلف المواقف غير القياسية، بما في ذلك المواقف العسكرية، وهذا في الواقع "تحالف بحكم الأمر الواقع"، لكن السياسة الغربية ليست السبب الوحيد، أو حتى الرئيس، وراء نمو مستوى التفاعل الروسي - الصيني. إن هاتين الدولتين متجاورتان ولهما حدود طويلة واقتصادات كبيرة، كما أن تطوير التعاون السياسي والتجاري والاقتصادي والثقافي بينهما هو عملية طبيعية. بل إنه يصحح الوضع غير الطبيعي الذي نشأ لأسباب أيديولوجية بعد القطيعة بين موسكو وبكين في ستينيات القرن الـ20، على رغم أنه لولا الضغوط القوية من الغرب لكانت هذه العملية سارت بصورة أبطأ بكثير ومع قيود أكبر بكثير.

 

 

والسبب هنا هو أن الغرب لا يستطيع أن يتصالح مع حقيقة مفادها بأنه، بعد إيمانه بأساطيره حول نهاية التاريخ، أهدر الفرص التي أتاحتها له "اللحظة الأحادية القطبية" في التسعينيات. إذ إن العيش في واقع أيديولوجي وهمي الذي، على حد تعبير ماكس فيبر، يمرر على أنه موجود "ما يجب أن يكون موجوداً"، فإن النخب الغربية تتبع مسار السياسة الخارجية الذي بدا لعنة لجميع السياسيين التقليديين، من هالفورد ماكيندر إلى هنري كيسنغر وزبيغنيو بريجنسكي، الذي رأى أن الخطر الرئيس الذي يواجه الغرب يكمن في السيطرة على أوراسيا من دولة أو تحالف يضم دولاً عدة معادية.

وفي الوقت نفسه فإن المخاوف الغربية الحالية من أن روسيا أو الصين تطمحان إلى السيطرة على العالم بأكمله تقريباً، وتقويض النظام العالمي بأكمله، والإضرار بالولايات المتحدة ومصالحها في أي مكان في العالم، مبالغ فيها إلى حد كبير، وتذكرنا بعقدة رهاب روسيا التي عاناها وزير الدفاع الأميركي الشهير جيمس فورستال، الذي ألقى بنفسه عام 1949 من نافذة مستشفى للأمراض النفسية، إذ كان يردد باستمرار، في هذيانه "الروس قادمون!".

أنظمة تدافع عن استقرارها!

في الواقع أنظمة مثل النظام الروسي الراهن أو الصيني مهتمة في المقام الأول باستقرارها، فالمغامرات العسكرية تشكل خطورة بالنسبة إليهم مثل الكوارث الداخلية، لأنها يمكن أن تؤدي إلى نفقات كبيرة وزعزعة الاستقرار. ولا يمكنهم استخدام القوة إلا كملاذ أخير، عندما تكون ظهورهم إلى الحائط، وحين يبدو الاستسلام أكثر خطورة من القتال الفعلي. وبهذا المعنى، من الممكن تماماً التوصل إلى اتفاق معهم، فقط إذا تخلى الغرب عن خططه المجنونة للهيمنة على العالم وإعادة بناء جميع مجتمعات العالم على النموذج الأوروبي أو الأميركي.

وفي الوقت نفسه، يتزايد نفوذ مراكز القوى غير الغربية في العالم، التي تعتبر بصورة معقولة أن سرد "النظام الدولي القائم على المبادئ"، وليس على أعراف ومبدأ القانون الدولي، هو غطاء أيديولوجي لتحويل العالم بأكمله إلى مجال نفوذ للولايات المتحدة. ومثل كل القوى الكبرى، تحاول هذه القوى تحديد مجالها الأمني حول حدودها. ومن الطبيعي أن تقوم الصين وروسيا، اللتان تنتميان إلى هذه المجموعة من البلدان وتتعرضان لضغوط شديدة من الولايات المتحدة وحلفائها في هذا الوضع، بتنسيق جهودهما بصورة وثيقة أكثر فأكثر.

مزايا وتحديات التقارب الصيني - الروسي

التقارب مع الصين، الذي أصبح حقيقة واقعة وأحد الاتجاهات الرئيسة في السياسة الخارجية لموسكو، يجلب لروسيا مزايا واضحة ويواجه تحديات معينة، المزايا هنا واضحة. ومن الناحية الجيوسياسية، تكتسب روسيا شريكاً قوياً في معارضتها للضغوط الغربية، ورغبتها في الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها، وفي الأقل نفوذها الإقليمي. وأخيراً تستطيع روسيا، بالتعاون مع الصين، أن تدعو بصورة أكثر تبريراً إلى إصلاح المؤسسات الدولية، بحيث تأخذ في الاعتبار مصالح الدول غير الغربية، وتحل المشكلات الدولية الملحة (على سبيل المثال، مشكلات أفغانستان وسوريا وشبه الجزيرة الكورية، وما إلى ذلك)، والعمل بصورة مثمرة في المنظمات والمجموعات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة الـ20 و"بريكس".

 من الناحية الاقتصادية، أصبحت الصين بالنسبة إلى روسيا، شريكها التجاري والاقتصادي الرئيس منذ عام 2010، إذ نما حجم التجارة معها على نحو تصاعدي، حتى أثناء جائحة كورونا، وبلغ رقماً قياسياً قدره نحو 200 مليار دولار حالياً مع الحفاظ على توازن إيجابي.

أما التحديات فلا بد من الأخذ في الاعتبار أن أي تقارب في المواقف يكون مبنياً على بعض التنازلات، ومع ذلك فإن التسوية لا تضر بالضرورة أحد الطرفين. يحدث أنه لكي تأخذ في الاعتبار مخاوف الجانب الآخر، تحتاج ببساطة إلى تغيير شيء ما في سياستك أو سلوكك حتى يتمكن الجانب الآخر من مقابلتك في منتصف الطريق في شأن القضية التي تحتاج إليها.

 

 

على سبيل المثال فإن إحدى مواد المعاهدة الأساسية الروسية - الصينية في شأن حسن الجوار والصداقة والتعاون، التي دخلت حيز التنفيذ في فبراير (شباط) 2002، تعترف بغياب المطالبات الإقليمية المتبادلة. أصرت موسكو على هذه النقطة، لكن بكين لم توافق على الفور واضطرت إلى ذلك بعد كثير من المداولات. وفي الوقت نفسه، تنص مادة أخرى على أنه لا ينبغي للأطراف أن تسمح "بإنشاء ونشاط منظمات وجماعات على أراضيها تضر بسيادة وأمن وسلامة أراضي" بعضها بعضاً. وأصرت الصين على ذلك، لأنه في روسيا كانت تعمل آنذاك منظمات مثل فالون جونغ أو الانفصاليين الأيغور، المحظورة في جمهورية الصين الشعبية، ولم تنتهك التشريعات الروسية في ذلك الوقت.

ولكن مع اقترابهما أكثر، تتراكم مثل هذه التنازلات، وهو ما يحدث على خلفية الفجوة المتزايدة الاتساع في القوة الاقتصادية بين الصين وروسيا، وعلى هذا نجحت الصين على مدى السنوات الـ20 الماضية في زيادة ميزة ناتجها المحلي الإجمالي من نحو أربع مرات إلى ما يقرب من 10 أضعاف، وتستمر هذه الفجوة في الاتساع.

وعلى رغم تعبئة موارد هائلة لمكافحة كورونا، أظهر الاقتصاد الصيني في عام 2021 نمواً بأكثر من ثمانية في المئة، بينما نما الاقتصاد الروسي بنحو أربعة في المئة. وتنمو الموازنة الصينية وإنفاقها على مجموعة متنوعة من الصناعات، فعلى سبيل المثال بلغت الموازنة العسكرية الرسمية للصين في عام 2021 ما يقرب من 209 مليارات دولار، مع نموها الأخير من ستة إلى سبعة في المئة سنوياً، والموازنة الروسية 51 مليار بنمو سنوي أقل من ثلاثة في المئة.

وفي عام 2018 أنفقت الصين أكثر من اثنين في المئة من موازنتها على البحث والتطوير، وأنفقت روسيا أقل من واحد في المئة بالأرقام المطلقة، وتجاوزت الصين الاتحاد الأوروبي وكادت أن تلحق بالولايات المتحدة. وفقاً لصندوق النقد الدولي، تفوقت الصين في عام 2020 على روسيا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (المركزين الـ58 والـ60 في العالم، على التوالي). ففي الصين، يتزايد عدد السكان، الذي أصبح بالفعل أكبر بنحو 10 مرات، وإن كان أبطأ من ذي قبل، بينما يتراجع في روسيا.

اقرأ المزيد

وفي الوقت نفسه اليوم ومن أجل الدعم الصيني، تغض روسيا الطرف عن عدد من التفاوتات في العلاقات. على سبيل المثال يجري توزيع وسائل الإعلام الصينية في روسيا بحرية، وفي الصين يحظر القانون نشر وتوزيع جميع وسائل الإعلام الأجنبية (باستثناء الأماكن المخصصة لذلك). في جميع مدن شمال شرقي الصين تقريباً، تم نقل النصب التذكارية للجنود السوفيات إلى خارج المناطق الوسطى حيث كانت موجودة سابقاً. ويوجد في روسيا متحف المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الصيني، وهو فرع من المركز الثقافي الصيني في موسكو، التابع لوزارة الثقافة الصينية.

ولوحظت أخيراً ظاهرة أخرى، وهي الحسم الكبير في الأسعار الذي توفره روسيا على كامل موارد الطاقة التي تصدرها للصين، وتفوق بصورة واضحة على تلك الحسومات التي تقبل بها على صادراتها من هذه المواد للهند أو لغيرها في البلدان الآسيوية.

بصورة منفصلة ينبغي القول إن النمط الجديد الواثق من نفسه للدبلوماسية الصينية بدأ ينتشر إلى روسيا، لا سيما بعدما بدأت بكين تتصرف على الساحة الدولية وكأنها قوة عظمى عادية، فهي تبني قواعد في الخارج، وتعمل على تطوير جيشها وأسطولها بسرعة، بما في ذلك القوات النووية، وهي الخصائص الكمية والنوعية التي ترفض الكشف عنها للمجتمع الدولي.

شريك مضارب!

تحاول السلطات الروسية ظاهرياً تجاهل ظواهر المطالب الصينية المتزايدة لها، ربما لأنها لا تتعلق بمنطقة تعتبرها إشكالية أو تهديداً. على سبيل المثال فإن الحظر المفروض على أنشطة المنظمات العامة المناهضة لبكين، في رأي أجهزة الأمن الروسية، يعزز الاستقرار الداخلي بدلاً من تقويضه، ومن حيث المبدأ يتوافق مع المسار السياسي الداخلي العام. ربما، في هذا الصدد، تعود بعض النزعة الصينية الزائفة الزاحفة على المجتمع الروسي إلى حقيقة مفادها بأن العناصر السلبية وليست الإيجابية مأخوذة في بعض الأحيان من التجربة الصينية.

على سبيل المثال تقترب روسيا من الصين من حيث مستوى مركزية النظام السياسي، لكن في بكين يقترن ذلك باستقلال مالي أكبر للأقاليم، وفي موسكو، على العكس من ذلك، يصاحبه إعادة توزيع الثروة. الموازنة لصالح المركز. في روسيا، كما الحال في الصين، تم إنشاء نظام الشركات القوية المملوكة للدولة. ولكن في الوقت نفسه، في الصين تبلغ مساهمة الشركات الصغيرة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نحو 60 في المئة، وفي عائدات الضرائب أكثر من 50 في المئة، وتوفر 75 في المئة من الوظائف و68 في المئة من الصادرات.

ثم في روسيا تبلغ حصة الشركات الصغيرة في الاقتصاد نحو 20 في المئة، وتخضع الشبكة العنكبوتية الصينية لرقابة صارمة، ولكن بدلاً من الخدمات الأجنبية، فإنها تعمل بنشاط على تطوير خدماتها الخاصة، لتكون أكثر ملاءمة. وفي الصين يتم التعويض عن تشديد سلطوية الرقابة على الإنترنت والمحتوى الذي ينشره من خلال نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بينما في روسيا ينخفض هذا المؤشر أو ينمو بمعدل أقل بكثير.

وبالتالي فإن التحول الروسي الحالي نحو الصين يحدث في كثير من النواحي بالطريقة نفسها التي حدث بها التغريب الزائف في روسيا خلال التسعينيات نحو القيم والمفاهيم الغربية، ليس الأفضل، ولكن الأسوأ مأخوذ من التجربة الأجنبية. إن مناقشة العواقب التي قد تترتب على تطور روسيا ككل ليس هو ما يشغل بال القيادة الروسية.

بوتين يجد ضالته في الصين

اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال محادثات عبر الفيديو مع نظيره الصيني شي جين بينغ أمس الثلاثاء الـ21 من يناير (كانون ثاني) الجاري، أن العلاقات بين موسكو وبكين مكتفية ذاتياً ولا تخضع للظروف العالمية أو العوامل السياسية الداخلية، وأضاف أن "تعزيزها (العلاقات) الشامل يفي تماماً بمهمة التنمية المتكاملة لروسيا والصين، وتحسين رفاهية شعبي البلدين".

 

 

وشدد بوتين على التصميم المشترك لروسيا والصين على منع إحياء النازية والفاشية والنزعة العسكرية، وقال "لا يمكننا أن نسمح لأيديولوجية الفاشية والنازية والنزعة العسكرية أن ترفع رأسها مرة أخرى، ومن المهم، مع الأشخاص الآخرين ذوي التفكير المماثل، أن نحافظ بعناية على الحقيقة التاريخية وندافع عنها".

بدوره قال الزعيم الصيني إن بلاده مستعدة للارتقاء بالعلاقات مع روسيا "إلى آفاق جديدة" في عام 2025، وأكد شي جين بينغ أن الصين وروسيا ستدافعان عن النظام الدولي للعلاقات، الذي تلعب فيه الأمم المتحدة دوراً أساسياً، وأضاف أن بكين تعتزم العمل مع موسكو "لمواجهة عدم اليقين الخارجي على أساس الاستقرار".

الروس يرون الصين بديلاً للغرب!

العلاقات الروسية - الصينية، بحسب استطلاعات الرأي في موسكو، أصبحت أقوى في الأعوام الأخيرة، وغالب المواطنين الروس على ثقة من أن الصين ستكون قادرة على الحلول محل الغرب كشريك اقتصادي لبلادهم.

فأكثرية المواطنين الروس لديهم تقييم إيجابي للعلاقات الروسية - الصينية (72 في المئة)، أي بزيادة 38 نقطة مئوية مقارنة بأعوام ما بين 2005 و2009، بحسب استطلاع رأي ونتائج دراسة استقصائية للروس حول الصين والعلاقات الروسية - الصينية أجراهما "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" في الـ16 من مايو (أيار) 2024. وأشار نصف الروس إلى أن موقفهم تجاه الصين أصبح أفضل خلال الأعوام الـ10 الماضية (50 في المئة)، أي بزيادة 22 نقطة مئوية مقارنة بعام 2005، كما أن 76 في المئة من الروس واثقون من أن الصين ستكون قادرة على التعويض الكامل أو إلى حد ما عن العقوبات الغربية كشريك اقتصادي.

وتتمتع العلاقات الروسية - الصينية بتاريخ غني تعود جذوره لأكثر من قرن، خلال هذه الفترة شهدت علاقات  البلدين صعوداً وهبوطاً مداً وجزراً، ولكن في البيئة الدولية الحالية ينظر كلا البلدين إلى بعضهما بعضاً باعتبارهما الشريكين الاستراتيجيين الأكثر أهمية. على مدى العقدين الماضيين شهد الرأي العام ديناميكية إيجابية مطردة في تقييم التعاون بين موسكو وبكين. اليوم سبعة من كل 10 روس يصفون العلاقات بين البلدين بأنها ودية وحسن جوار (72 في المئة)، وهذا هو الحد الأقصى لفترة المراقبة بأكملها منذ عام 2005، وكان هذا الرقم خلال أعوام ما بين 2005 و2009 نحو 34 في المئة. وفي 2014، العام الذي بدأ فيه الغرب بفرض عقوبات على روسيا، صار 60 في المئة، وخلال عام 2023 قفز إلى 64 في المئة. ويعتقد 14 في المئة من الروس أن العلاقات بين موسكو وبكين يمكن وصفها بالهادئة والمستقرة (2005 - 40 في المئة)، وما مجموعه ثمانية في المئة يقدمون تقييماً سلبياً لهذه العلاقات ويصفها خمسة في المئة منهم بالباردة، ويعتبرها اثنان في المئة من الروس متوترة، وفقط واحد في المئة ينظرون إليها بأنها معادية، وفي عام 2005 كانت نسبة الروس الذي يقيمون سلباً العلاقات مع الصين أكبر بضعفين، أي 16 في المئة.

قد تكون أسباب الديناميكيات الإيجابية في تقييمات العلاقات الروسية - الصينية مرتبطة بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتزامن المصالح الجيوسياسية للبلدين والرغبة في الدفاع عن عالم متعدد الأقطاب في سياق المواجهة مع الغرب، فضلاً عن زيادة التفاعل الاقتصادي والاتصالات على أعلى المستويات.

جنباً إلى جنب مع التصور الإيجابي المتزايد للعلاقات الروسية - الصينية، فإن الموقف الشخصي لمواطني روسيا تجاه الصين يتغير نحو الأفضل. والملاحظ أنه كلما كان الروس أكبر سناً، كانت نظرتهم أكثر إيجابية تجاه الصين في كثير من الأحيان.

وتلعب الصين دوراً مهماً في التعويض عن التبعات السلبية للعقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي كجزء من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وبعد فرض إجراءات تقييدية واسعة النطاق من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم، تعمل روسيا بنشاط على تعزيز العلاقات الاقتصادية الخارجية مع الشرق، حيث تعد الصين شريكاً اقتصادياً رئيساً.

خلال عام 2014، سأل "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" الروس عما إذا كان بإمكان بلدهم استبدال الصين بالغرب كشريك اقتصادي. وكانت تقييمات الروس في ذلك الوقت متفائلة للغاية، إذ اعتقد 74 في المئة أن بكين كانت قادرة على تخفيف ضغط العقوبات على الاتحاد الروسي. ومن بينهم الربع (24 في المئة) كانوا مقتنعين بأن الصين يمكن أن تحل محل الغرب تماماً، والنصف (50 في المئة) إلى حد ما. وفي ذلك الوقت، لم يؤمن 16 في المئة بالإمكانات الاقتصادية للتعاون الروسي - الصيني.

وأظهر استطلاع مايو 2024 أن الروس ظلوا صادقين مع توقعاتهم بـ76 في المئة، منهم 18 في المئة يعتقدون أن الصين تمكنت بالكامل أو إلى حد ما (58 في المئة) من استبدال الغرب كشريك اقتصادي والتعويض عن العقوبات الغربية، وفقط 13 في المئة يعتقدون خلاف ذلك.

وتشير هذا الاستمرارية في الآراء إلى وجود فكرة متجذرة في الرأي العام حول الأهمية الاستراتيجية للشراكة الاقتصادية الروسية - الصينية، بخاصة في سياق المواجهة الجيوسياسية المتزايدة مع الدول الغربية. إن التقييمات العالية المستمرة للدور الذي تلعبه الصين كشريك اقتصادي بديل لروسيا ترجع إلى عوامل موضوعية، منها تزايد حجم التجارة الثنائية، فموديلات السيارات الصينية تملأ الشوارع والطرق الروسية مثلاً، والمشاريع المشتركة في مجال الطاقة وغير ذلك من المجالات، وتوسيع التعاون الاستثماري.

ترمب والتعامل مع "التحالف غير المقدس"

في فترة ولايته الأولى كرئيس استخدم دونالد ترمب نوعاً خاصاً من الدبلوماسية تجاه الخصوم، إذ "أقام صداقات" علنية مع روسيا وكوريا الشمالية واستمر في الضغط على الصين وإيران. هذه المرة يعارضه مجموعة أكثر اتحاداً من الدول التي أصبحت أقرب إلى بعضها بعضاً منذ اندلاع الأعمال العدائية في أوكرانيا، بحسب ما كتب زاك كوبر، من معهد "أميركان إنتربرايز". وتعهد ترمب في خطاب تنصيبه الإثنين الـ20 من يناير الجاري إنهاء الصراع في أوكرانيا وكبح البرنامج النووي الإيراني ومواجهة الصين مع تعزيز القدرات العسكرية الأميركية. ومع ذلك، فإن هذا لن يكون سهلاً، إن لم يكن مستحيلاً، كما يقول كوبر .

على مدى الأعوام القليلة الماضية، أنشأ الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين "شراكة بلا حدود". وفي الـ21 من يناير الجاري، أي بعد أداء ترمب اليمين الدستورية، بدأ الحديث عن زيادة تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، كما وقعت روسيا اتفاقات استراتيجية مع كوريا الشمالية في يونيو (حزيران) 2024، ومع إيران في يناير الجاري.

وقال محللون إن مجموعة خصوم الولايات المتحدة، التي وصفها سفير جو بايدن لدى الصين أخيراً بأنها "تحالف غير مقدس"، يمكن أن تحرم الولايات المتحدة وشركاءها من النفوذ.

واعتبر المحللون الأميركيون، وعلى رأسهم دانييل راسل من معهد سياسات المجتمع الآسيوي، أن "المعضلة التي يواجهها ترمب، الذي أعرب عن رغبته في ’الانسجام مع روسيا‘ ويحاول الضغط على الصين بشأن التجارة، هي أن شراكة موسكو مع بكين تحد من رغبة روسيا في التعاون مع واشنطن، ومن ضعف الصين أمام الضغوط الأميركية".

 

 

لقد صمدت روسيا أمام العقوبات الغربية القاسية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مشتريات الصين واسعة النطاق من النفط الروسي وإمداداتها من السلع ذات الاستخدام المزدوج، وتتحرك كوريا الشمالية بسرعة في برنامجها الصاروخي النووي، ويزعم أنها تزود روسيا بالأسلحة. فإيران، على رغم إضعافها بسبب هزيمة إسرائيل لوكلائها الإقليميين، قد تستأنف جهودها لتطوير أسلحة نووية.

ويدرك أعضاء الإدارة الأميركية الجديدة المشكلة التي يفرضها "التحالف غير المقدس" على واشنطن، وفي جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الصين بأنها أكبر تهديد للولايات المتحدة، واتهم موسكو وطهران وبيونغ يانغ بزرع "الفوضى وعدم الاستقرار".

وقال زاك كوبر، من معهد "أميركان إنتربرايز"، إنه لحل هذه المشكلة، سيحاول فريق ترمب "فصل هذه الدول الثلاث عن الصين".

ويبدو أنهم يريدون تفريق روسيا وكوريا الشمالية وإيران بعيداً من الصين، وهذا يعني التمييز بين التهديدات بدلاً من الإشارة إلى ارتباطها ببعضها بعضاً. ولذلك فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً (بالنسبة إلى الولايات المتحدة) هو الإصرار على صفقة مع بيونغ يانغ وأخرى مع موسكو، فهل ينجح ترمب في تفريق شمل أصدقاء وشركاء "التحالف غير المقدس"؟، الجواب متروك للآتي من الأيام وما ستحمله من مفاجآت واندهاشات لم يكن أحد يتوقعها.

المزيد من تقارير