ملخص
في خضم الأزمات الاقتصادية وتغيرات المناخ العالمية، يواجه الأمن الغذائي في بريطانيا تهديدات خطيرة تتطلب تحركاً استراتيجياً شاملاً. فمع الاعتماد الكبير على الواردات والسياسات الزراعية غير الفعالة، أصبح من الضروري التفكير في حلول مستدامة تضمن قدرة البلاد على إطعام نفسها.
دعونا نعود بالزمن للوراء 22 عاماً، أي للانقلاب الذي حدث في مجلس الإدارة ورحيلي عن "مولبيري"Mulberry ، الشركة والعلامة التجارية اللتان شاركت في تأسيسهما وكرست حياتي لهما.
حينها وجدت نفسي محاطاً بـ 300 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، فماذا يمكن للرجل أن يفعل غير أن يقرر زراعة نوع غير شائع من الحبوب، مشهورة بخصائصها اللطيفة والمفيدة للحياة – وهي قمح الـ"سبلت".
بعد مرور 20 عاماً أخرى، تعرضت لأزمة مالية جديدة (لقد نجوت من ست أزمات مالية في حياتي حتى الآن) والآن يجب أن أبيع قصر العائلة الذي كان موطناً لنا لمدة 47 عاماً، وإغلاق "شارفام بارك" وهي شركتي الكائنة في سومرست - والمخصصة لإنتاج حبوب الـ"سبلت" العضوية التي حققت في ذروتها مبيعات بلغت 2 مليون جنيه استرليني - وتفكيك أول مطحنة قمح عضوي على الإطلاق في المملكة المتحدة.
لقد شهدت خلال 53 عاماً من العمل كرجل أعمال، كل تقلبات السوق الدولية: التداول بالعملات لتغطية رهانات الشركة، والعمل مع كل الثقافات والجنسيات أثناء تطوير المنتجات لإرضاء عشاق الموضة والطعام على حد سواء. انتقلت من العمل في مجال تصميم حقائب اليد إلى العمل في إنتاج وبيع الطحين. وخلال هذا التحول، اكتشف أن العوائد المالية في مجال الطحين كانت أقل بكثير مقارنة بحقائب اليد.
لذا، فإن القلق الحالي الذي أشعر به إزاء حال سلسلة الغذاء في بلادنا يستحق النظر فيه.
أجد نفسي أشجع جيريمي كلاركسون الذي قام بما هو أكثر من أي مبادرة حكومية في تعزيز فهم الجمهور العام للزراعة وإنتاج الغذاء. نحن نتشارك الخوف المتزايد نفسه من أن بريطانيا مهددة [بالوقوع في فخ] الغباء المطلق المتمثل في فشلها في إطعام نفسها.
هل تتذكرون تلك الرفوف الفارغة في متاجر السوبرماركت العام الماضي عندما ضربت الفيضانات مدينة فالنسيا [الإسبانية]؟. فجأة اختفت الطماطم والخيار، وهما مادتان أساسيتان لدينا، بسبب حظر التصدير الإسباني.
بالطبع، كانوا يعطون الأولوية لحاجات بلادهم في المقام الأول، ولكن إذا كانت بريطانيا حفرت ملاعب التنس في ويمبلدون لزراعة الخضراوات خلال الحرب العالمية الثانية، فماذا سيحدث في الأزمة المقبلة إذا توقفت الإمدادات الغذائية من الخارج؟.
لقد أشار خبراء الأرصاد الجوية إلى تغير المناخ باعتباره السبب الرئيس لخطورة الحدث [سيول فالنسيا]، كما قالت عالمة المناخ فريديريك أوتو لبرنامج "توداي" الإخباري الذي يبثه راديو "بي بي سي 4" في ذلك الوقت.
نحن كدولة، نستورد 42 في المئة من الغذاء الذي نستهلكه، والغالبية العظمى تأتينا من شركائنا السابقين في الاتحاد الأوروبي. وبالمقارنة، تستورد كل من إيطاليا وهولندا وفرنسا أقل من 30 في المئة من حاجاتها الغذائية.
ومع مزيد من إعلانات السلامة والأمن المقرر تطبيقها في الـ31 من يناير (كانون الثاني) الجاري، وفحوصات الاستيراد المتأخرة منذ فترة طويلة على الفاكهة والخضراوات المستوردة من الاتحاد الأوروبي والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يوليو (تموز) عام 2024، لم تكن منظومة الغذاء في يوم من الأيام أكثر هشاشة مما هي عليه الآن. لماذا لا تكون هذه أخباراً رئيسة تجد طريقها إلى الصفحات الأولى؟
لقد سمعنا كثيراً أخيراً عن ضريبة ميراث المزارعين وتهديداتهم بإغلاق متاجر السوبرماركت الكبرى. الآن، ومع الدعم الكبير من معظم المتاجر الكبرى تقريباً، تفقد الحكومة مصداقيتها بسبب هذه السياسة الضريبية التي تبدو غير محسوبة [ولم تأخذ في الاعتبار تأثيرها في صناعة الزراعة والإمدادات الغذائية في بريطانيا].
كيف يُتوقع من المزارع أن يقوم بالاستثمار في مزرعته وينقلها إلى الجيل التالي، في ظل وجود عتبة ضريبية منخفضة بصورة قد تفرض عليه دفع مبالغ ضخمة كضريبة ميراث حتى على ممتلكات بسيطة؟
قال رئيس قسم التجارة في سلسلة متاجر "تيسكو" أشوين براساد إن "أمن الغذاء في المستقبل في المملكة المتحدة على المحك". وفي منشور بثته على موقعها على الإنترنت، قالت سلسة سوبرماركت "ليدل": "نحن قلقون من أن التغييرات الأخيرة في نظام ضريبة الميراث ستؤثر في ثقة المزارعين ومنتجي المحاصيل الوفيرة، وتعوّق الاستثمار اللازم لبناء نظام غذائي بريطاني مرن ومنتج ومستدام".
من الذي يقف بعيداً ويتخذ نظرة شاملة إلى الطعام البريطاني ويقوم بتنسيق كيفية استجابتنا للطلب والأزمة المناخية العالمية وكيفية استخدام أراضينا؟
تملك الحكومة كثيراً من الوسائل المتاحة والقادرة على تدعيم أمننا الغذائي ورفع مستواه، من منح خصم على كلفة الطاقة المستخدمة في الزراعة في بيئات خاضعة للرقابة على نطاق واسع (كما تفعل الحكومة من أجل معالجة الدواجن) إلى فرض المركزية على ضوابط التخطيط وتحويل الحوافز لإنتاج الغذاء بدلاً من تجديد الحياة البرية.
إلى جانب ذلك، هناك مزيج مدمّر من الحروب والصراعات في أوكرانيا وفلسطين وسوريا وكوريا، والمجاعة المستمرة في إثيوبيا والصومال، ثم نضيف إليها تهديدات ترمب الأخيرة بفرض تعرفة جمركية وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، فضلاً عن تراجع قيمة الجنيه الاسترليني مما يزيد من كلفة الواردات.
لقد اعتدنا على مدى الأعوام الـ30 الماضية، على اتباع سياسة الغذاء الرخيص التي وضعتها حكومة بلير، إذ كان السعر هو جوهر عرضنا الغذائي الذي تقدمه المتاجر الكبرى منذ ذلك الحين. لقد وصلنا الآن إلى لحظة خطرة، إذا لم نتخذ فيها بعض القرارات الإستراتيجية من أجل تغيير الطريقة التي نختار بها طعامنا ونزرعه ونحصل عليه، فقد تكون هناك عواقب وخيمة.
كلما قمنا بربط الأمور معاً، أصبح المستقبل أكثر إحباطاً وعجزاً. متى سيضع شخص ما في الحكومة سياسة مشتركة بين الإدارات للربط بين صحة بلادنا وبين سياساتنا الغذائية؟
روجر سول هو أحد المؤسسين المشاركين في علامة "مولبيري" للأزياء الفاخرة قبل أن يصبح مزارعاً عضوياً في شارفام بارك. سيقود لجنة الأمن الغذائي في المملكة المتحدة في "فعالية الأغذية المستدامة 2025" التي تُقام في لندن هذا الأسبوع
© The Independent