Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء تكتيكات ترمب التصعيدية مع كولومبيا؟

اختيار هدف سهل وإعلان الانتصار وتحذير الآخرين لكن الصين قد تستفيد

 من خلال مثال كولومبيا أظهرت إدارة ترمب بالفعل كيف ستمارس الضغط، وتحدث انقطاعاً عن سياسات الإدارات الأميركية السابقة (رويترز)

ملخص

إن سياسة القوة الأميركية والتهديد بفرض تعريفات جمركية، ربما يأتي بنتائج عكسية في الأمد البعيد، مما يزيد من زعزعة استقرار النظام العالمي الهش بالفعل وقد يدفع الدول الشريكة للولايات المتحدة إلى الاقتراب من بكين، وهو ما سترحب به الصين حتماً

خلال 12 ساعة فقط أسفرت المواجهة المباشرة العلنية الأولى بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكولومبيا، التي تعد واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، عن استسلام الحليف بسرعة بعد تكتيكات التهديد والتصعيد السريع التي انتهجها الرئيس الأميركي، فما الذي يكشف عنه هذا المثال حول صنع السياسة الخارجية للبيت الأبيض في عهد ترمب؟ وهل كانت كولومبيا هدفاً سهلاً لاستخدام القوة الأميركية بما ينذر بالمثل الدنمارك وبنما؟ وإلى أي مدى يمكن أن تقاوم دول أقوى مثل كندا والمكسيك هذه التكتيكات خصوصاً إذا أسهمت في تنفير الحلفاء ومساعدة الصين للظهور كبديل مستقر ومناسب؟

دبلوماسية جديدة

حينما تفجرت الأزمة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكولومبيا بصورة غير متوقعة مساء الأحد الماضي لم تستخدم أوراق سياسية، ولم تعقد اجتماعات في غرفة العمليات لبحث الخيارات المتاحة وتحديد أفضلها للتعامل مع الأزمة، كما لم يتحدث كبار المسؤولين هاتفياً بصورة هادئة لخفض التوترات مع حليف تحتاج واشنطن إلى تعاونه كوسيلة لائقة لحل النزاع حول إعادة المهاجرين الكولومبيين غير الشرعيين الذين رحلوا لأنهم كانوا في الولايات المتحدة بصورة غير قانونية خلال فترات رئاسية سابقة، سواء كان الرئيس الأميركي ديمقراطياً أم جمهورياً.

على العكس من ذلك، تكشفت المعركة علناً أمام العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأت بمنشور غاضب على منصة "إكس" من الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو يعلن فيه أنه لن يسمح للولايات المتحدة بهبوط طائرات عسكرية في بلاده تحمل العائدين الكولومبيين مكبلين بالأصفاد، قائلاً إن إعادتهم يجب أن تكون بكرامة واحترام، ورد الرئيس ترمب على موقع "تروث سوشيال"، إذ يبث تصريحاته قبل أن يتم نشرها من المكتب الصحافي للبيت الأبيض مطالباً الرئيس بيترو بالخروج من طريقه أو مشاهدة اقتصاده ينهار، وتعهد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على الصادرات الكولومبية على الفور، وهو ما سيؤثر بصورة واضحة في صناعات النفط الخام والفحم والبن.
وبينما هدد ترمب بمضاعفة الرسوم الجمركية إذا لم يتراجع بيترو عن هذه القضية في غضون أسبوع، قاوم الرئيس الكولومبي لفترة وجيزة، معلناً رسوماً جمركية مماثلة على الواردات الأميركية، بل اتهم ترمب بمحاولة الإطاحة بحكومته المنتخبة ديمقراطياً، مضيفاً أنه لا يصافح "المستعبدين البيض" في إشارة تاريخية إلى أن أميركا دعمت ثورة بنمية ضد كولومبيا قبل 120 عاماً لتسريع بناء قناة بنما التي يتحدث عنها ترمب بقدر من الحنين.


تكتيكات التصعيد

لكن الرئيس الأميركي استخدم تكتيكات تصعيدية عبر فرض قيود على تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة على عائلة الرئيس الكولومبي وكبار المسؤولين في حكومته، كما أوقفت إدارته معالجة التأشيرات للكولومبيين بصورة عامة، وعززت عمليات التفتيش الجمركي للرحلات الجوية والطائرات الخاصة والبضائع من كولومبيا وإليها. وهدد ترمب بفرض قيود على المصارف الكولومبية، فضلاً عن سلسلة عقوبات أخرى، مما اضطر الرئيس الكولومبي إلى إعادة تقييم موقفه والخروج بنتيجة مفادها بأن أفضل مسار له هو الابتعاد من طريق ترمب، بعدها أعلنت وزارة الخارجية الكولومبية أن الرحلات الجوية العسكرية الأميركية يمكن استئنافها، وهو ما فسره المسؤولون في البيت الأبيض بأنه انسحاب كامل من الدولة التي استهدفها ترمب.
وبصرف النظر عن النتيجة، كانت المعركة العلنية التي دامت 12 ساعة مفيدة في الكشف عن كيفية صنع القرار في السياسة الخارجية في عهد ترمب، إذ تبين أن تحركات الرئيس الأميركي الـ47 التي تبدو في نظر بعضهم عدوانية، أثمرت بصورة قاطعة كونها نفذت جميعها بضجيج مميز على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت بمثابة صدمة حتى لكثير من الحلفاء الأوروبيين الذين شعروا بأنهم أكثر استعداداً لولاية ثانية لترمب مقارنة بولايته الأولى، إذ اعتقد قادة أوروبا أنه يمكن لهم إدارة العلاقة مع ترمب والحفاظ عليها، لكنهم بعد أسبوع واحد فقط، أصبحوا مرتبكين مرة أخرى، كما تقول كبيرة الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن ليانا فيكس.

سرعة غير معهودة

 من خلال مثال كولومبيا أظهرت إدارة ترمب بالفعل كيف ستمارس الضغط، وتحدث انقطاعاً عن سياسات الإدارات الأميركية السابقة والاتفاقات القانونية، ومدى السرعة التي ستفعل بها ذلك، وهو ما يشير إليه ستيفن ماكفارلاند، السفير الأميركي السابق لدى غواتيمالا، عبر منشور طويل على منصة "إكس" حدد فيه أن رد فعل الرئيس ترمب السريع على بيترو يظهر مدى استعداده وحرصه على تصعيد الخلافات بسرعة مع الدول الأخرى إلى تهديدات بالرسوم الجمركية.
وإذا تحول الأمر إلى حرب تجارية حقيقية، كان من شأن ذلك أن يختبر حدود السلطة الرئاسية باستخدام قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977، الذي يمنح الرئيس الأميركي سلطة شاملة للسيطرة على المعاملات الاقتصادية الدولية بعد إعلانه حالة الطوارئ الاقتصادية، وهو أمر لم يستخدمه أي رئيس أميركي على الإطلاق لفرض رسوم جمركية، لكن ترمب هدد الآن مرتين في الأقل، مرة ضد المكسيك خلال فترة ولايته الأولى والآن ضد كولومبيا، وفي كلتا الحالتين، أبرم صفقة مع الدولة المستهدفة أدت إلى سحب التهديد.


هدف سهل

ومع ذلك بدت كولومبيا هدفاً سهلاً لترمب لأنها غير قادرة على المنافسة مع الولايات المتحدة التي تستورد منها ربع صادراتها ويبلغ التبادل التجاري معها نحو 54 مليار دولار سنوياً، ولهذا فإن مدى فعالية تعريفات ترمب يعتمد على الشريك والسياق، إذ يجب التمييز بين تهديد ترمب ضد كولومبيا، الذي كان رداً على وضع سريع التطور، وتهديده بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المئة على كندا والمكسيك في الأول من فبراير (شباط) المقبل، للضغط عليهما من أجل بذل مزيد من الجهد لوقف الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن شحنات مادة الفنتانيل المخدرة عبر الحدود.

وبالمقارنة نجد أن كندا والمكسيك شحنتا سلعاً بقيمة 900 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي، أو ما يقرب من ثلث إجمالي الواردات الأميركية، بينما صدرت كولومبيا سلعاً بقيمة 18 مليار دولار فقط بحسب كاثلين كلوسن، مسؤولة التجارة الأميركية السابقة.
ويبدو أن ترمب ذهب وراء دولة يعرف أنه يمكنه الضغط عليها، ولهذا فإن المثال هنا هو "هدف أضعف" كما يقول إينو ماناك، خبير السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، الذي يعتبر أن ترمب يدعي النصر على كولومبيا بسرعة كبيرة لإظهار مدى قوته كمفاوض، لكن لا يمكن تخيل انهيار كندا والمكسيك بهذه السرعة.

اقرأ المزيد

مخاطبة الداخل

من المرجح بصورة كبيرة أن تركيز موظفي البيت الأبيض على إظهار صور المرحلين من المهاجرين غير الشرعيين، ثم إبراز موقف الرئيس الصلب والسريع مع كولومبيا، كان يهدف إلى مخاطبة قاعدة ترمب والجمهور الأميركي بأنه يفي بوعوده الانتخابية في شأن الهجرة، وهو ما أشارت إليه تغريدات السكرتيرة الصحافية في البيت الأبيض كارولين ليفيت.
كما نشر عدد من المسؤولين في الإدارة والناشطين المؤيدين لترمب تعليقات لدعم هذا النهج، وأشار بعضهم عندما كان التهديد بالرسوم الجمركية سارياً قبل انتهاء الأزمة إلى عدم اكتراثهم بأي تأثير اقتصادي أو احتمال ارتفاع الأسعار على الواردات الكولومبية للأميركيين مثلما فعلت كاتي ميلر، المتحدثة باسم وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة وزوجة نائب رئيس موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر، كما أنه من المتوقع أن يستخدم فريق ترمب الجديد الأسابيع المقبلة لتحديد ما إذا كان سيصدر عقوبات إضافية على دول أخرى تعتبر إشكالية.


استخدام القوة الأميركية

ولهذا من المحتمل بنسبة كبيرة أن يشجع التهديد السريع الذي أطلقه ترمب بفرض تعريفات جمركية ساحقة، والاستسلام السريع من جانب الرئيس غوستافو بيترو، على استخدام السلاح نفسه ضد أهداف جديدة.
الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى حلفاء الولايات المتحدة هو استمرار الرئيس الأميركي في التعبير عن تصميمه على انتزاع السيطرة على غرينلاند من الدنماركيين، واستعادة قناة بنما من بنما، وفرض تعريفات جمركية كبيرة على المكسيك وكندا وأوروبا، والاستمرار في اقتراح أن أبسط طريقة لكندا لتجنب التعريفات الجمركية هي أن تصبح الولاية رقم 51 لأميركا.
مصدر القلق المتزايد هو أن ترمب يتمتع دائماً في ظل التفوق الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة، باليد العليا عندما يضغط على زعماء بنما والدنمارك وكولومبيا، وهم جميعاً حلفاء ثابتون لديهم تاريخ من العمل الوثيق مع واشنطن، وما حدث مع كولومبيا يمكن أن يكون مؤشراً على نهج ترمب في التعامل مع غرينلاند وبنما كمناطق سهلة نسبياً لإثبات وجهة نظره حول كيفية تصوره لاستخدام القوة الأميركية.


غرينلاند وبنما

وتتجسد محاولة ترمب في استخدام القوة الأميركية وإبرازها للعالم في محاولاته الضاغطة على الدنمارك التي ظلت غرينلاند جزءاً منها منذ مئات السنين، إذ أجرت رئيسة وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن محادثة متوترة مع ترمب قبل خمسة أيام فقط من تنصيبه، وبعد أن سمعت تهديده بأنه قد يستخدم الإكراه العسكري أو الاقتصادي لتحقيق هدفه في غرينلاند وقناة بنما، بدأت تطرح عليه أفكاراً حول كيف يمكن للولايات المتحدة توسيع وجودها العسكري الحالي في غرينلاند (توجد قاعدة لقوة الفضاء الأميركية هناك)، والمساعدة في استغلال مواردها المعدنية الكبيرة، لكن ترمب لم يكن مهتماً بالتعاون، وأراد السيطرة، وربما الملكية، وبدا سعيداً بتشجيع حركة في غرينلاند تسعى إلى الاستقلال عن الدنمارك.
وإذا كان هناك مثال على عدم اهتمام ترمب بالحفاظ على النظام القائم على القواعد الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، واستبداله بسياسات وممارسات القوى العظمى، فإن غرينلاند تقدم بوضوح هذا المثال، بينما تقدم بنما مثالاً آخر، إذ تستعد حكومة بنما لاستقبال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الذي سيطالب على الأرجح بإلغاء معاهدة قناة بنما التي وقعها البلدان عام 1979 في عهد الرئيس جيمي كارتر، والعودة لما كان في ذهن الرئيس ثيودور روزفلت عام 1903، وهو السيطرة الأميركية على القناة على اعتبار أن الولايات المتحدة هي التي أنشأتها.

نتائج عكسية

لكن سياسة القوة الأميركية والتهديد بفرض تعريفات جمركية، ربما يأتي بنتائج عكسية في الأمد البعيد، مما يزيد من زعزعة استقرار النظام العالمي الهش بالفعل، وقد يدفع الدول الشريكة للولايات المتحدة إلى الاقتراب من بكين، وهو ما سترحب به الصين حتماً، فعندما تصاعدت التوترات بين واشنطن وبوغوتا مساء يوم الأحد، نشر سفير الصين لدى كولومبيا على منصة "إكس"، مذكراً المتابعين بأن وزير خارجية كولومبيا زار بكين العام الماضي ووصف العلاقة الثنائية بأنها أفضل لحظة منذ 45 عاماً.
ووفقاً لسفير تشيلي السابق لدى الصين فإن الناس في أميركا اللاتينية قلقون للغاية، ويبدو أن الرسالة التي وصلت إليهم هي أنه ليس من الجيد أن تكون مرتبطاً بصورة وثيقة بالولايات المتحدة، لأنك قد تدفع ثمناً باهظاً، ونتيجة لذلك تعززت احتمالات إقامة الصين علاقات أقوى مع هذه الدول.

المزيد من تحقيقات ومطولات