ملخص
تناول بعض الكتاب نقلاً عن شهود عيان مشاهدة مواطنين لأجسام طائرة غريبة لمرات متعددة وفي مناطق متفرقة من العاصمة السودانية وبخاصة في شرق النيل وأم درمان، وهي تنفث بخاراً أثار الذعر والخوف وسط المواطنين.
لم تنقطع الاتهامات المتبادلة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في الحرب المندلعة منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، باستخدام أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً من دون أن يقدم أحدهما دليلاً حاسماً ضد الآخر.
وفي سياق التصعيد المستمر الذي تشهده المعارك خلال الآونة الأخيرة ظهرت بعض المخاوف والإشارات تناولتها بعض الأقلام والمنصات، من احتمال أن تنجرف الحرب في السودان نحو استخدام الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، فهل من الممكن أن تجد تلك الأسلحة طريقها إلى الحرب في السودان؟
اتهامات وهواجس
نسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أربعة مسؤولين أميركيين كبار تصريحات يتهمون فيها الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيماوية في مناسبتين في الأقل ضد ما سماه بـ"الجماعة شبه العسكرية التي تقاتل من أجل السيطرة على البلاد"، في إشارة إلى قوات "الدعم السريع"، مشيراً إلى تعبير أولئك المسؤولين عن خشيتهم من استخدام الجيش أسلحة كيماوية في أماكن مكتظة بالسكان داخل الخرطوم.
وزعم التقرير الذي تزامن نشره مع فرض عقوبات على الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش بدعوى نشر تلك الأسلحة أخيراً في مناطق نائية بالسودان، والتي استهدفت أفراداً من قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية التي يقاتلها الجيش منذ أبريل 2023، لكن المسؤولين الأميركيين يشعرون بالقلق من إمكانية استخدام تلك الأسلحة قريباً في أجزاء ذات كثافة سكانية عالية داخل العاصمة الخرطوم.
وداخلياً، تناول بعض الكتاب نقلاً عن شهود عيان مشاهدة مواطنين لأجسام طائرة غريبة لمرات متعددة وفي مناطق متفرقة من العاصمة السودانية وبخاصة في شرق النيل وأم درمان، وهي تنفث بخاراً أثار الذعر والخوف وسط المواطنين.
الحظر والمراقبة
ووصف محللون ومراقبون المزاعم والاتهامات الأميركية للسودان باستخدام السلاح الكيماوي بأنها "ليست جديدة وغير منطقية، لجهة أن السودان يخضع لحظر السلاح والمراقبة الأممية التي تجعل من الصعب وصول مثل تلك الأسلحة إليه، فضلاً عن عدم امتلاكه القدرات التقنية اللازمة لإنتاجها محلياً".
وكان مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة الحارث إدريس نفى استخدام الجيش السوداني أية أسلحة كيماوية، مبيناً أن الجيش يتقيد بقواعد الاشتباك خلال الحرب، ويتفادى حتى استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية.
وكشف إدريس أمام مجلس الأمن عن دخول أسلحة متطورة ومضادات للطائرات تسببت في تصعيد قوات "الدعم السريع" لعملياتها في الفاشر بدارفور غرب البلاد، إلى جانب استخدامها الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين في مدن وقرى شرق الجزيرة.
ومن جانبه، كرر مستشار قائد قوات "الدعم السريع" الباشا طبيق في تغريدة عبر حسابه على منصة "إكس" الاتهام للجيش باستخدام أسلحة وذخائر محرمة دولياً في الحرب، وأعاد طبيق نشر مع جاء ضمن صحيفة "نيويورك تايمز" على حسابه في شأن اتهام الجيش باستخدام الأسلحة الكيماوية.
ضعف القدرات
وفي السياق، لا يعتقد المراقب والمحلل العسكري الرائد محمد مقلد أن الجيش الذي يقاتل الآن يستطيع أن يطور من استخدامه لهذه الأسلحة، وبخاصة بعد رصد ومتابعة المجتمع الدولي والإقليمي لسير المعارك في السودان، وتزامن هذه الأحداث مع فرض الحكومة الأميركية عقوبات طاولت الفريق البرهان، لكن في المقابل أيضاً تظل المخاوف باقية إذ لا يستبعد أنها استُخدمت، وبخاصة أن هناك ميليشيات وقوات عسكرية متطرفة تشارك في الحرب إلى جانب الجيش ويصعب السيطرة عليها.
وأوضح مقلد أن استخدام القوات المتحاربة للسلاح الكيماوي بصورة عامة يقصد به تدمير القدرات البشرية والروح المعنوية للعدو بتسميم الهواء والبيئة المحيطة، وعادة ما تلجأ بعض القوات المتحاربة إلى استخدامه عندما تفشل في التقدم واختراق دفاعات العدو وضرب تجمعاته الحصينة أو لتحقيق انتصارات سريعة بأقل الخسائر.
وتابع "استخدام مثل تلك الأسلحة يمثل تجاوزاً وخرقاً سافراً للقوانين الدولية وعلى رأسها اتفاق جنيف لنزع الأسلحة الكيماوية الموقعة بواسطة 189 دولة من بينها السودان، إذ تتسبب باختناقات تنفسية وغثيان وعدم القدرة على التركيز مما قد يؤدي استخدامها بكميات كبيرة إلى الوفاة".
شواهد ومخاوف
وفي شأن التقرير الأميركي حول استخدام الجيش أسلحة كيماوية في حربه ضد قوات "الدعم السريع"، أوضح مقلد أن التقرير يشير إلى استخدامها في موقعين بدارفور على وجه التحديد، لكنها تعبر عن خشية الحكومة الأميركية من تمدد هذا الاستخدام إلى المناطق المأهولة بالسكان بصورة أوسع في الخرطوم وغيرها.
ولفت مقلد إلى أن هناك بعض التقارير استندت إلى مشاهدة أفراد من الجيش يستخدمون الأقنعة الواقية من الغازات وهم يحملون أسلحة وقذائف تشابه تلك التي تستخدم في مثل هذه الأعمال المحرمة دولياً، وهي تذكر باتهامات سابقة وردت ضمن تقرير لمنظمة العفو الدولية خلال سبتمبر (أيلول) 2016 تتهم فيه السلطة الحاكمة في الخرطوم آنذاك باستخدام أسلحة الكيماوية في حربها بدارفور خلال يناير (كانون الثاني) من العام نفسه.
ومن جانبه، أوضح الباحث والمحلل العسكري إسماعيل يوسف أن المخاوف الحقيقية أن تصل مثل تلك الأسلحة إلى قوات "الدعم السريع" ضمن الدعم المتواصل عبر الحدود والأجواء، لا سيما أن أسلحة متطورة تصل إليها بصورة منظمة عبر مهابط ومطارات في دارفور.
غياب العقيدة
وأشار يوسف إلى أن ما يعزز المخاوف أن قوات "الدعم السريع" لا تمتلك عقيدة عسكرية منضبطة، ولن تتورع عن استخدام مثل تلك الأسلحة حال وصلت إلى أياديها، وبخاصة أنها الآن منكسرة عسكرياً وتبحث عن أي إمداد أو مخرج، وقد ظهر ذلك في جنوحها نحو الاستهداف المتعمد بالمسيرات والمدفعية للمدنيين والبنية التحتية الخدمية خلال الآونة الأخيرة.
وفي المقابل، نجد أن الجيش السوداني بحسب يوسف له كوابح قانونية وأخلاقية تبدأ بعقيدته العسكرية الراسخة منذ أكثر من 100 عام، إلى جانب الالتزامات والتعهدات الدولية الملزمة له، من ثم فهو يدرك الأبعاد والعواقب الوخيمة التي ستترتب على التورط في استخدام مثل تلك الأسلحة المحرمة دولياً.
ويردف "مما لا شك فيه أن استخدام مثل تلك الأسلحة سيؤدي إلى كوارث إنسانية وخسائر فادحة في الأرواح وتدمير البيئة المحلية، فضلاً عن زيادة معاناة المدنيين ومفاقمة النزوح الجماعي إلى جانب انتشار الأمراض المعدية بصورة ربما تتعدى الداخل إلى الخارج، وتشكل تهديداً إقليمياً وعالمياً".
اللحظة الحرجة
ويرى يوسف أنه مع شراسة الحرب وطول أمدها وحرص كل جانب على إيقاع خسائر كبيرة بالآخر تظل المخاوف قائمة من احتمال سعيهما إلى الحصول على أسلحة غير تقليدية أو محرمة دولياً عبر دعم خارجي من أطراف مساندة، وقد يتم اللجوء إلى استخدامها خلال لحظة حرجة لتحقيق تفوق استراتيجي ونصر حاسم.
وعلى نحو متصل في المنحى نفسه، يقول أستاذ السموم والمبيدات بجامعة الجزيرة إيهاب السر إن الحروب البيولوجية تُعرف أيضاً بالحروب الجرثومية، وتعني في تعريفها البسيط استخدام الكائنات الحية الدقيقة القاتلة والممرضة في قتل البشر وتقليل أعدادهم، وتشمل هذه الكائنات الفيروسات والبكتيريا والفطريات وبعض السموم النباتية مثل رايسين الخروع، الذي نفذت به عملية الاغتيال الشهيرة للصحافي البلغاري المعروف جورجي ماركوف فوق جسر "واترلو" داخل لندن عام 1978.
ومن ميزات الحرب البيولوجية وفق السر أنها لا تؤثر في البنية التحتية للمدن واستُخدمت طوال القرن الـ20، كما أنه يمكن الاحتماء من الحرب الجرثومية من طريق أعمال التطعيم والأقنعة الواقية والإجراءات الصحية الاحترازية المتقدمة.
الهواء أولاً
ويتابع "يتم إدخال هذه الكائنات للأجسام بطرائق عدة مثل الحقن من طريق الجلد أو الطعام والشراب، والطريقة الأشهر من طريق الهواء، ويمكن حينها استخدام السفن والطائرات والمدافع والقنابل والصواريخ في نشر الجراثيم بالجو، واستُخدمت هذه الحرب قديماً بين الجنود عبر عمليات تسميم مياه الشرب واستخدام الجثث الملوثة ببكتيريا الطاعون من جانب الجنود الروس والبريطانيين، وإلقائها في معسكرات العدو لنشر العدوى".
ويوضح المتخصص في السموم أنه يُمكن استخدام بعض مفصليات الأرجل كالبراغيث والقمل في نشر العدوى والإصابة بالأمراض القاتلة، ومن هذه الأمراض الخطرة التي يُمكن نشرها الطاعون والجمرة الخبيثة، ويمكن إتلاف بعض المحاصيل الزراعية الغذائية للأعداء باستخدام بعض الفطريات الممرضة لبعض المحاصيل الزراعية لتدمير المصدر الغذائي مثل فطريات مرض صدأ القمح.
وتابع "خلال عدد من الأعوام لحظر استخدام هذه الأسلحة البيولوجية وُقعت اتفاقات عدة تمنع استخدام الجراثيم والغازات السامة في الحروب أبرزها اتفاق جنيف عام 1925، وكان من أبرز الممتنعين عن التوقيع آنذاك الولايات المتحدة قبل أن تصدر إدارة الرئيس نيكسون خلال الستينيات قراراً بإبادة كل الأسلحة الجرثومية لديها".
التزامات وعقوبات
وانضم السودان إلى اتفاق حظر الأسلحة الكيماوية منذ عام 1999 بعد مضي نحو عام من استهداف الولايات المتحدة لمصنع "الشفاء" للأدوية بالخرطوم عام 1998، على خلفية اتهامات مماثلة بامتلاكه أسلحة كيماوية ثبت لاحقاً عدم صحتها.
وفرض الاتحاد الأوروبي حظر تصدير الأسلحة إلى السودان عام 1994 تحت مظلة انتهاكات حقوق الإنسان.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على السودان شملت حظر تصدير الأسلحة على خلفية اتهامه بدعم ما يسمى الإرهاب الدولي.
وأصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1556 عام 2004 ضمن إجراءات كبح الحرب والنزاع الدموي في دارفور وما تبعها من مزاعم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وفرض القرار حظراً جزئياً على جميع أطراف النزاع بما فيها جهات غير حكومية وجماعات مسلحة في الإقليم، ثم توسع الحظر لاحقاً خلال عام 2005 ليشمل الحكومة السودانية بقرار مجلس الأمن الدولي 1591، وجُدد حظر السلاح على دارفور أخيراً.
وخلال الـ11 من سبتمبر (أيلول) الماضي تبنى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يمدد نظام العقوبات على السودان بما في ذلك العقوبات الاستهدافية، مثل تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة حتى الـ12 من سبتمبر 2025.