ملخص
باب شرقي وباب توما والمزة والصالحية والمالكي وأبو رمانة. كثير من الأحياء في عاصمة الشام وكثير من الأسماء بين جنباتها، ووراء كل اسم قصة طويلة، وربما قصص تتناقلها الأجيال.
دمشق، مدينة الرومان العتيقة، الآشورية القديمة، الأموية المستحدثة، العباسية الأنيقة، العثمانية الخالدة، الفرنسية المعطرة، السريانية السورية، مدينة السهر والمرح والليالي الطويلة، مدينة الصالحين والأولياء، ذات الأبواب الأربعة والقلعة التي يرقد بها صلاح الدين الأيوبي إلى جانب المسجد الأموي، وخارجها يشق جزء من المدينة شارع شيكاغو، وهو زقاق الملاهي الليلية وحاناتها، قبل أن تظهر بعده كنيسة تعكس فسيفساء دمشق وتنوعها وتاريخها الذي لا تسعه الكتب.
باب شرقي وباب توما والمزة والصالحية والمالكي وأبو رمانة، كثير من الأحياء في عاصمة الشام وكثير من الأسماء، ووراء كل اسم قصة طويلة، وربما قصص، نحاول في هذا التقرير رصد أسباب تسمية بعض أهم أحياء ومعالم دمشق.
حي المالكي
من أرقى أحياء دمشق، ويضم عدداً من السفارات والفيلات والمباني الحكومية والمنازل الفاخرة، سُمي بهذا الاسم نسبة للعقيد الركن عدنان المالكي الذي اغتيل في الـ22 من أبريل (نيسان) عام 1955 على أرض الملعب البلدي في دمشق بينما كان يرعى مباراة في كرة القدم بين فريق شرطة الجيش السوري وفريق خفر السواحل المصري، وكانت الساحة (ساحة عدنان المالكي) في الخمسينيات اسمها (ساحة دوحة الوليد)، وعند إنشاء المتحف والتمثال عام 1958 صارت تعرف بساحة "العقيد الشهيد عندان المالكي"، ويطلق عليها اختصاراً "ساحة المالكي".
أبو رمانة
هو أيضاً واحد من الأحياء الراقية في دمشق، يوجد فيه ضريح لأحد الصالحين لا يُعرف اسمه، ولكن هناك شجرة رمان تطل على القبر، لذلك أطلقوا عليه "أبو رمانة"، وسكن في هذا الحي عدد من رؤساء سوريا من بينهم حسني الزعيم وهاشم الأتاسي وغيرهما.
باب شرقي
نسبة إلى باب مدينة دمشق القديمة من الجهة الشرقية، ويقع عند التقاء شارع باب شرقي مع شارع محمود شحادة خارج أسوار مدينة دمشق القديمة، ويقال إنه سمي بهذا الاسم لأنه أول باب تضربه الشمس عند شروقها، وسمي الحي على اسم الباب.
باب توما
نسبة إلى باب مدينة دمشق القديمة من الجهة الشمالية الشرقية، وسمي بهذا الاسم نسبة للقديس توما، ويقال إنه "أحد رسل المسيح الـ12"، تم بناؤه في عهد الرومان، وأعيد تشييده مرات عدة بعد ذلك.
حي الشاغور
أحد أهم وأعرق أحياء دمشق القديمة، اختلفت المصادر حول أصل تسميته، إذ يقال إنه أخذ تسميته من مجارٍ متسارعة لنهري بانياس وتورا كانت تمر فيه، فيما يرى آخرون أن الشاغور كان شلالاً لنهر بانياس، وينقسم حي الشاغور إلى قسمين "جواني" و"براني"، الجواني هو أصل الحي ويقع داخل سور دمشق القديمة، بينما يقع البراني خارج السور، ويفصل بينهما شارع البدوي.
حي القنوات
يقال إن هذا الحي أسسه بعض الأثرياء في دمشق بعد أن ازداد عدد سكان المدينة وازدحمت، فبنوا بيوتاً واسعة خارج السور وانتقلوا إلى العيش فيها، ومع التوسع العمراني أصبح الحي داخل المدينة، وهناك رأيان حول سبب تسميته، الأول يقول إنه نسبة إلى قنوات المياه الرومانية الموجودة فيه، والثاني يرى أن تسمية الحي جاءت من أحد فروع نهر بردى السبعة.
حي الميدان
واحد من أكبر أحياء مدينة دمشق وأقدمها، وهو من الأحياء التي تقع خارج السور، سمي "الميدان" لأنه كان ميداناً لسباقات الخيل والفروسية، كما كانت تلتقي فيه قافلة الحج الشامي، وبحسب كتاب "حي الميدان الدمشقي" فإن "الحي يتميز بأرض مستوية واسعة تصلح لسباقات الخيل، وأما الحصى فمصدرها فيضان فرعي بردى (القنوات والديراني) في سنوات المطر الغزير.
ويقع الحي إلى الجنوب الغربي من مدينة دمشق على شكل لسان طويل في غوطات دمشق الشرقية والغربية والجنوبية، وشبهه أحد المؤرخين بأنه يمثل بالنسبة إلى مدينة دمشق القديمة الذيل بالنسبة إلى الطائرة الورقية التي كان يصنعها الأطفال في الماضي من القنب وورق الخياطة".
حي الصالحية
هو أحد أكثر الأحياء التي اختلف المؤرخون على سبب تسميتها، فيرى بعضهم أنه سمي بهذا الاسم لأنه يقع على سفح جبل قاسيون، وهو معروف بأنه جبل الصالحين، فيما يرى آخرون أن المنطقة سكنها بعض المهاجرين الصالحين الآتين من فلسطين عام 1156 أيام الحروب الصليبية، وكان من بينهم الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي من نابلس، وبحسب رأي ثالث فإن أول من سكنها كان في مسجد "أبي صالح" فسُميت "الصالحية".
منطقة المزة
من المعروف عن منطقة المزة تنوعها الاجتماعي، ففيها الأحياء الفاخرة مثل منطقة المزة فيلات، والشعبية مثل مزة جبل. والمزة كلمة يونانية الأصل تعني الرابية، وأُطلقت على المنطقة نظراً إلى ارتفاعها عن سطح دمشق القديمة، فيما هناك رأي آخر يقول إن أصلها يعود لكلمة "مزونا" الآرامية التي تعني الغلال والمؤونة، أما الرأي الثالث فيقول إنها سميت "المزة" نسبة إلى طعم الصبار الحلو (التين الشوكي) الذي اشتهرت به بساتينها، حيث كان المارة يأكلون الصبارة ويقولون "مزة" بمعنى لذيذة.
حي ساروجة
من أفضل ما قيل عن هذا الحي ما أوردته الصحافية السورية زينة شهلا، فتقول "يُطلق اسم ساروجة إدارياً على مساحة واسعة من الشوارع والأزقة التي تقع في الشمال الغربي من مدينة دمشق القديمة، وهو أول حي أنشئ خارج أسوار دمشق على محور يمتد من العمارة مروراً بحي العقيبة، وصولاً إلى الصالحية، وكانت هذه المناطق كافة متصلة ببعضها بعضاً من دون حدود واضحة بينها حتى قطعها شارع الثورة الذي شُيد في سبعينيات القرن الماضي، وحينها أصبحت تسمية ساروجة تطلق فعلياً على سوق الحي وعدد من تفرعاته".
وتضيف، "تختلف الروايات حول أصل كلمة ساروجة، وأكثر هذه الروايات تداولاً تتحدث عن إنشاء الحي بشكله السكني في العهد المملوكي، تحديداً في القرن الـ14 الميلادي في عهد الأمير سيف الدين تنكز، نائب السلطنة المملوكية في دمشق آنذاك، فسمي الحي نسبة لأحد القادة العسكريين وهو صارم الدين ساروجة، وينسب بعض أهالي الحي التسمية لرواية متداولة بصورة شفوية عن ولي تقي كان يقطن الحي، وكان معروفاً بقدرات خارقة تخوله السفر عبر الأمكنة خلال دقائق فقط، وكانت حكاياته تتناقل بين الجميع على أنه (سار) و(إجى) أي جاء بالعامية السورية، ومع مرور الزمن تحولت هذه الحكايات إلى "ساروجة".
حي البرامكة
سمي الحي بهذا الاسم لأنه كان يحوي مقبرة البرامكة، وهم آل برمك الذين كان من بينهم عدد من وزراء العباسيين، وأشهرهم يحيى والربيع والفضل البرمكي، وجعفر البرمكي الذي كان وزير الخليفة العباسي هارون الرشيد، قبل أن يغضب عليهم الخليفة ويقتل عدداً منهم ويسجن آخرين، ويتداول الدمشقيون قصة عن خالد بن يحيى البرمكي أنه عندما سجنه هارون الرشيد مع ابنه قال له الابن، "يا أبتِ بعد العز والأمر والنهي صرنا في القيد والحبس"، فأجاب "دعوة مظلوم سرت بليلٍ ونحنُ عنها غافلون".
كفر سوسة
إحدى مناطق دمشق التاريخية، اسمها سرياني ويعني "مزرعة الخيل"، وأصلها "كُفر سوسية" لكنها تلفظ اليوم بفتح الكاف في كفر، وحذف الياء من سوسية، وتبعد من مركز دمشق نحو سبعة كيلومترات، لذلك كانت عبر التاريخ معسكراً لحماية دمشق من الغزوات، وهي اليوم من الأحياء المتطورة وتضم مباني سكنية جديدة، إضافة إلى مولات وأسواق تجارية لتكون منطقة جامعة بين التاريخ والحداثة.
حي القيمرية
يقع في قلب دمشق القديمة، فهو يصل بين بابي توما والسلام ومنطقة العمارة والجامع الأموي، وهناك ثلاث روايات لأصل تسميته، الأولى تقول إنه سمي على اسم شيخ عاصر زمن الفتوحات الإسلامية يدعى "قيمر"، والثانية ترى أن الأمير الأيوبي ناصر الدين الحسين بن عبدالعزيز القيمري الكردي بنى المدرسة "القيمرية الكبرى الجوانية" التي أعطت اسمها لحي القيمرية، والرواية الثالثة تفيد بأن الحي كان يسمى "آيا ماريا" نسبة إلى الكنيسة المريمية، ثم تحول الاسم لاحقاً إلى القيمرية.
منطقة الروضة
تقع الروضة غرب طريق الصالحية بين ساحة عرنوس وشارع أبي رمانة، وهي منطقة سكنية حديثة نشأت منتصف القرن الماضي، وسميت "الروضة" لكثرة البساتين الخضراء المنتشرة فيها.
بعض الأسواق
أشهر أسواق دمشق "سوق الحميدية" نسبة إلى السلطان العثماني عبدالحميد الأول الذي بناه في القرن الـ18، أما "سوق العصرونية" فسمّي بهذا الاسم نسبة إلى المدرسة العصرونية التي أنشأها الملك نور الدين الزنكي، وقد فوض أمر التدريس بها والنظر في أوقافها لقاضي القضاة شرف الدين عبدالله بن أبي عصرون فعرفت به ونسبت إليه، فيما سميت "سوق المسكية" بهذا الاسم لأنها اختصت ببيع السمك وأنواع العطور وساحة المسكية التي تنتهي بها سوق الحميدية، أما "سوق مدحت باشا" المعروفة بـ"السوق الطويلة" قديماً فسميت على اسم الوالي العثماني مدحت باشا الذي أنشأها عام 1878.
مساجد دمشق
أكبرها وأشهرها هو "المسجد الأموي"، وحمل هذا الاسم نسبة للخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، أما "جامع الدرويشية" فسمي نسبة إلى الوالي العثماني درويش باشا الذي أكمل بناءه عام 1574، فيما سمي "جامع تنكر" بهذا الاسم لأن من شيده هو نائب الشام الأمير سيف الدين تنكر الناصري في العهد المملوكي، أما "مسجد لالا باشا" فأخد تسميته من القائد العسكري العثماني لالا باشا الذي دُفن في دمشق.
ساحة السبع بحرات
أنشئت عام 1925، وسميت "ساحة الكابتن ديكار بانتري"، وتتكون من قبة وأسفلها سبع بحرات، والكابتن ديكار بانتري كان قائداً لقوات حرس الهجانة الفرنسية في سوريا نهاية العهد العثماني، ولقي حتفه عام 1925 أثناء تأدية عمله فأقامت له السلطات الفرنسية نصباً تذكارياً مكوناً من قبة وسبع بحرات ضمن الساحة، وبعد خروج فرنسا من سوريا تم هدم القبة وبقيت الساحة.
شارع فؤاد الأول
سمي بهذا الاسم نسبة إلى الملك فؤاد الأول ملك مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أطلق على الشارع اسم "بورسعيد" تخليداً لمدينة بورسعيد المصرية التي صمد أهلها في وجه الاعتداء.
قصر العظم وحديقة السبكي
سمي القصر بهذا الاسم لأن من بناه هو والي دمشق أسعد باشا العظم عام 1749، أما الحديقة فهي إحدى أهم الحدائق العامة في دمشق، وتقع في منطقة الشعلان، وتتوسط عدداً من الأحياء الراقية في المدينة مثل أبو رمانة والروضة. اسمها الرسمي في دوائر الدولة "حديقة زنوبيا"، لكن الاسم المتعارف عليه بين الناس هو "حديقة السبكي"، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ تقي الدين السبكي الذي سكن في دمشق لمدة 17 عاماً، وكان قاضي القضاة فيها، ولا تزال حتى اليوم عائلة السبكي إحدى العوائل الدمشقية المعروفة.
شارع العابد والبيمارستان النوري
سمي الشارع نسبة إلى محمد علي بن عزت العابد أول رئيس لسوريا كجمهورية في الفترة ما بين 1936 و1936 أيام الانتداب الفرنسي. أما البيمارستان فهو مستشفى بناه الملك نور الدين محمود الزنكي عام 1154، وسمي على اسمه لأنه خصصه كمشفى للمساكين والفقراء ثم تحول ليصبح واحداً من أشهر المستشفيات في دمشق.
جسر الساروت
يقع الجسر كنقطة وصل بين منطقتي البرامكة وأبو رمانة، ويقطع الشارع الذاهب من ساحة الأمويين باتجاه جسر فكتوريا، ويعتليه فندق "فور سيزنز" و"قصر الضيافة" ومبنى جامعة دمشق. ويطل مباشرة على مجرى نهر بردى، وكان يحمل اسم "جسر الرئيس" نسبة إلى رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، ونهاية عام 2024 أطلق عليه السوريون اسم "جسر الساروت" نسبة لعبدالباسط الساروت أحد أهم رموز الثورة السورية الذي قُتل في إحدى المعارك منتصف عام 2019.
هناك كثير من الأحياء والمناطق والمعالم في دمشق، ولعل ما ذكرناه في هذا التقرير هو جزء من كل، وعدم ذكر الباقي لا يقلل من أهميته أو مكانته الاجتماعية أو التاريخية.