Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف توسعت أميركا تحت البحار وحققت ثروة لا تصدق؟

يظهر هذا التمدد مدى براعة الولايات المتحدة في التلاعب بالنظام الدولي الذي تدعو الدول إلى الالتزام به

صورة تظهر أجزاء من الجرف القاري الأميركي (وزارة الخارجية)

ملخص

في أواخر عام 2023 وبعد مشروع طويل ومكلف لرسم الخرائط، أعلنت وزارة الخارجية أن الجرف القاري للولايات المتحدة نما بمقدار مليون كيلومتر مربع، أي أكثر من ضعف مساحة ولاية كاليفورنيا. وبوسع البلاد الآن الاستفادة من ثروات حيوانية وهيدروكربونية ومعدنية تقدر بتريليونات الدولارات.

لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الأيام وهو يتوعد بالسيطرة على قناة بنما ويغير تسمية خليج المكسيك إلى "خليج أميركا" ويبدي انفتاحه لضم كندا وغرينلاند. يبدو المشهد سوريالياً وتبدو شهية الرئيس الأميركي المفتوحة للتوسع تصرفاً "ترمبياً" بامتياز، لكن الغرابة تتضاءل عندما تدرك أن الولايات المتحدة توسعت بالفعل ليس بفضل ترمب ولكن نتيجة جهد جماعي وطويل في وزارة الخارجية الأميركية.

في أواخر عام 2023 وبعد مشروع طويل ومكلف لرسم الخرائط، أعلنت وزارة الخارجية أن الجرف القاري للولايات المتحدة نما بمقدار مليون كيلومتر مربع، أي أكثر من ضعف مساحة ولاية كاليفورنيا. وبوسع البلاد الآن الاستفادة من ثروات حيوانية وهيدروكربونية ومعدنية تقدر بتريليونات الدولارات، والأهم من ذلك المعادن اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية التي تحتاج إليها واشنطن لمنافسة الصين.

ويقصد بالجرف القاري الامتداد الطبيعي لليابسة داخل البحار والمحيطات، وهو بالنسبة إلى أي دولة قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء البحر الإقليمي. وللدول حقوق سيادية على جرفها القاري وتستفيد من موارده الطبيعية غير الحية كالنفط والغاز والمعادن. ويشمل الجرف القاري الأميركي المتوسع مناطق في المحيط المتجمد الشمالي وبحر بيرنغ والمحيط الأطلسي، إضافة إلى جيوب في خليج المكسيك والمحيط الهادئ، ولم تعلن واشنطن عن أي خطط للتنقيب بعد.

براعة في التلاعب

يظهر هذا التوسع بحسب مجلة "أتلانتك" مدى براعة الولايات المتحدة في التلاعب بالنظام الدولي الذي دفعت الدول إلى التقيد به، ومن أركانه "قانون البحار"، ففي مشروعها التوسعي، التزمت أميركا قواعد هذه المعاهدة الأممية التي تحدد طرق توسيع جرفها القاري، إلا أنها لم تصدق على المعاهدة قط مثلما فعلت 169 دولة، مما يعني أنها غير ملزمة دفع إتاوات مقابل الموارد التي تستخرجها. وتقول المجلة الأميركية إن "الاندفاع نحو هذه الثورة يجسد رهاناً وطنياً قديماً بأن مصلحة أميركا تكمن في عدم الانضمام إلى النظام البحري الدولي الذي ساعدت على بنائه".

بدأ الحديث عن الجرف القاري عام 1945 عندما قال الرئيس الأميركي وقتها هاري ترومان إن الولايات المتحدة يحق لها استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في قاع البحر. ولسنوات ظلت أميركا منزعجة من السفن اليابانية التي تصطاد سمك السلمون في ألاسكا، والدول الأخرى التي تنقب عن النفط قبالة السواحل الأميركية. لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أكد ترومان السيادة الأميركية على جرفها القاري على مدى 750 ألف ميل مربع، نحو 4.5 ضعف مساحة كاليفورنيا.

 لكن أكبر مشروع لتوسيع الجرف القاري الأميركي لم يبدأ إلا عام 2003 ويعود الفضل لعالم المحيطات في جامعة نيوهامبشير لاري ماير الذي قاد هذا المشروع على مدى عقدين مع فريق من العلماء لمسح ما يقارب مليون ميل مربع من قاع المحيطات المجاورة لأميركا وبُذل الجهد الأكبر في القطب الشمالي حيث لزمهم كسر الجليد.

 

وأنفقت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليون دولار لتمويل 40 رحلة مسح، في جهد يقول أستاذ القانون في الكلية الحربية البحرية جيمس كراسكا إن "دولاً قليلة قادرة على توظيف ماير والمعدات العلمية لتنفيذ هذا المشروع لمدة 20 عاماً بهدف توسيع جرفها القاري".

ويذكر الكاتب جاك تروسدل أنه لم يوجد تعريف متفق عليه دولياً للجرف القاري حتى عام 1958، عندما وافقت 86 دولة على قانون البحار الذي أقر بأن الجرف القاري يمكن أن يمتد إلى أبعد وأعمق منطقة إذا ما أرادت الدول الحفر، ونمت بعد عقد القدرات التقنية بسرعة لدرجة أن الدول أصبح بمقدورها فرض سيادتها على محيط كامل، مما دفع عضواً في الكونغرس إلى اقتراح أن تحتل الولايات المتحدة ثلثي المحيط الأطلسي.

اقرأ المزيد

لكن الرئيس ليندون جونسون في ما بعد حذر من هذه الطموحات التوسعية في خطاب عام 1966 ووصفها بـ"عصر جديد من المنافسة الاستعمارية" بين الدول، وقال "يجب أن نضمن بقاء أعماق البحار والمحيطات إرثاً لجميع البشر، وفي العام التالي دعا السفير المالطي أرفيد باردو الدول في الأمم المتحدة إلى اعتبار قاع المحيط "إرث البشرية المشتركة"، وفي 1970 صوتت الولايات المتحدة مع 107 دولة على قرار يؤيد ذلك.

وبدأت محادثات بين أكثر من 150 دولة على مدى نحو عقد في نيويورك وجنيف لمناقشة حرية الملاحة والصيد والبحث العلمي والتلوث وقاع البحر، وتوصلت في النهاية إلى قانون البحار الذي تم تبنيه عام 1982. وقبل الاتفاق عليه، قدمت إدارة ريتشارد نيكسون مسودة المعاهدة التي اقترحت إنشاء سلطة دولية للإشراف على قاع البحار لجمع الإتاوات مقابل الموارد المكتشفة وتوزيعها على الدول النامية.

التزام منقوص

لكن هذه الحماسة الأميركية لقانون البحار انطفأت في عهد رونالد ريغان، وصوتت الولايات المتحدة مع ثلاث دول أخرى عام 1982 ضد القانون. وخشي ريغان من نظام الإتاوات ومن أن تعوّق المعاهدة بلاده من استغلال المعادن الموجودة تحت البحر، وحاولت الإدارة الأميركية إقناع الدول الأخرى برفض المعاهدة، لكنها فشلت بذلك.

وقال ريغان إن بلاده ستلتزم قواعد قانون البحار التقليدية في شأن استخدام المحيطات مثل الملاحة، لكنها ستتجاهل "القيود السياسية والاقتصادية غير الضرورية" التي فرضها القانون على التعدين. واستشهد ريغان بالقانون نفسه الذي رفض توقيعه لفرض سيادة بلاده على جميع الموارد الطبيعية والمعدنية في حدود 230 ميلاً من شواطئ البلاد، وهذا امتياز يمنحه القانون للدول الموقعة فقط.

عن هذا النهج، يقول عمرو العامري وهو ضابط سعودي متقاعد في القوات البحرية في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن أي قانون يفترض منه أن يكون منصفاً وحتى يحد من التجاوزات ضد الثروات على رغم بعض الخلافات التي تولد التفسيرات، غير أن أميركا لم توقع عليه مستندة إلى قانون القوة وليس قوة القانون.

وأضاف أن "استغلال الثروات من أسباب مطالبة الولايات المتحدة أخيراً بغرينلاند الجزيرة الثلجية في الدنمارك، لكن الهدف الأبعد هو محاولة تطويق أو ردع الصين بحراً وجواً".

وعما إذا كانت هناك دول عربية قادرة على توسيع جرفها القاري مثلما فعلت أميركا، قال العامري إن ذلك غير ممكن باستثناء اليمن والصومال، لعدم مشاطئتها لمحيطات، فضلاً عن الافتقار إلى القدرات اللازمة للمسح واستكشاف مناطق أعمق داخل البحار.

 

صراع مع دول أخرى

وتتداخل أجزاء من الجرف القاري الأميركي الجديد مع جزر الباهاماس وكندا واليابان، مما دفع هذه البلدان إلى التفاوض مع أميركا، وفي مارس (آذار) عام 2024 قالت الخارجية الروسية إنها لن تعترف بالجرف الأميركي لأن الولايات المتحدة لم ترسل بياناتها إلى لجنة حدود الجرف القاري، وهي الوكالة التي أنشأها قانون البحار لمراجعة مثل هذه الطلبات. ودافع المستشار القانوني للمشروع كيفن بومرت عن الموقف الأميركي، قائلاً إن لجنة حدود الجرف القاري لا تنظر في طلبات من دولة لم تصدق على قانون البحار.

ويتعلق ادعاء روسيا بقلق أوسع من أن الولايات المتحدة تجاهلت في الأساس الأحكام المعيقة في المعاهدة مثل متطلبات الرقابة، في حين استغلت الأحكام المفيدة مثل صيغ توسيع الجرف، ويختلف رئيس المشروع الأميركي براين فان باي والقانوني بومرت مع هذا التوصيف، وأشار الأخير إلى أن أكثر من 30 دولة وسعت جرفها القاري من دون التصديق على قانون البحار، ولكن أربعاً فقط من هذه الدول لم تصدق عليه وهي سوريا والإمارات وفنزويلا والولايات المتحدة.

ويدعم معظم المسؤولين الأميركيين التصديق على المعاهدة، وقد حث خمسة رؤساء وخمسة وزراء خارجية في الأقل الكونغرس على المصادقة عليها، بحجة أنها تساعد على تعزيز سيادة القانون الدولي والسماح للولايات المتحدة بإضفاء الشرعية على جرفها الموسع، إلا أنه في عهد إدارة ترمب الحالية المكرسة للسياسات القومية، فمن المستبعد حدوث ذلك.

المزيد من تقارير