Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفجيرات 7 يوليو.. شهادات من يوم لندن الدامي؟

أسفرت الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة البريطانية عام 2005 عن مقتل 52 مدنياً وإصابة ما يزيد على 770 آخرين، مما أثار موجة من الهلع في مختلف أنحاء العالم. والآن، وبعد مرور 20 عاماً، يروي فيلم وثائقي جديد قصة ذلك اليوم المشؤوم دقيقة بدقيقة.

نقل أحد ضحايا انفجار إدجوير رود من مكان الحادثة (غيتي)

ملخص

في السابع من يوليو 2005، شهدت لندن سلسلة من الهجمات الإرهابية أسفرت عن مقتل 52 شخصاً وإصابة أكثر من 770 آخرين، حيث فجر انتحاريون عبوات ناسفة في محطات مترو الأنفاق وحافلة، ما ترك أثراً عميقاً في المدينة. بعد 20 عاماً من تلك الحوادث، لا يزال تأثير الهجمات ملموساً. يستعرض وثائقي جديد قصص الناجين والمسعفين، مما يعكس الصمود والذكريات المؤلمة التي لا تُنسى.

في صباح يوم السابع من يوليو (تموز) 2005، شلت الحركة في لندن. في الساعة 8.50 صباحاً، بينما كان الركاب يمارسون حياتهم اليومية المعتادة، فجر ثلاثة انتحاريين عبوات ناسفة في محطات "ألدغيت" و"إيدجوير رود" و"راسل سكوير" ضمن شبكة قطار الأنفاق. وبعد أقل من ساعة، عند الساعة 9.47 صباحاً، انفجرت عبوة رابعة في حافلة بلندن. وأسفرت هذه الهجمات التي نفذها إرهابيون إسلامويون عن مقتل 52 شخصاً، وإصابة ما يزيد على 770 آخرين.

لبعد مرور 20 عاماً على تلك الهجمات، لا يزال تأثيرها ملموساً. وبالنسبة إلى عدد من الناس، فإن مشاعر الحزن والخوف والحياة التي تغيرت بصورة لا عودة عنها، هي كلها بمثابة تذكير يومي بما حدث في ذلك اليوم.

مع بث فيلم وثائقي جديد لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) في الخامس من يناير (كانون الثاني)، يروي سبعة ناجين ومسعفين ومحققين وسياسيين، ممن تأثروا بالانفجارات، قصصهم الخاصة عن الأيام والأسابيع والسنوات التي رسمت [هجمات] 7/7 معالمها. أظهر بعضهم قدرة مذهلة على الصمود، فيما تعلم بعضهم الآخر دروساً قاسية. لكنهم جميعاً ​​مرتبطون بشيء لا يمكن تفسيره، وهو قوة مجتمع لندن في مواجهة أسوأ ما في الإنسانية.

جولي نيكلسون فقدت ابنتها جيني، 24 سنة، التي كانت تعمل في مجال إعلانات، توفيت في الانفجار على "الخط الدائري" في محطة "إدجوير رود".

مرت نحو 12 ساعة منذ أن أدركت للمرة الأولى أن جيني مفقودة عندما كنت استحم في الساعات الأولى من يوم الثامن من يوليو 2005. أدخلت الراديو معي إلى الحمام فقط تحسباً لورود أي أخبار. عندما خرجت من تحت الماء ومسحت البخار عن المرآة، انتابني شعور مرعب بأن شيئاً ما رحل عني. أصبت بالذعر للحظة، ثم قلت لنفسي: لا، لا بد أنها لا تزال على قيد الحياة، لا بد أنها في مكان ما هناك.

كانت الساعات التي سبقت ذلك مشحونة. كنت بعيدة في أنغليسي، شمال ويلز، مع والدي عندما سمعنا للمرة الأولى أن حادثة وقعت وأن جيني مفقودة. كانت تراسلني في اليوم السابق، متحمسة في شأن فوز عرض لندن لاستضافة الألعاب الأولمبية، كما فعل أطفالي الآخرون. في اليوم التالي، كانت الشمس مشرقة فقررنا الذهاب في نزهة على الشاطئ سيراً على الأقدام. لم يكن معنا هواتف بالطبع، لذا لم نكن ندرك ما حصل حتى اتصلت بي ابنتي ليزي في المنزل لتقول لي إنها قلقة. لم تتمكن من الاتصال بجيني، وطلبت مني تشغيل التلفاز فوراً.

 

أصبح لليوم هدف جديد: لن أهدأ حتى أطمئن أنها بخير. كانت لندن مغلقة، لذا لم نتمكن من السفر إلى هناك.  كل جزء مني أراد أن يكون بجانبها بكل الطرق الممكنة، عاطفياً وجسدياً. كنت بحاجة إلى معرفة كل شيء حدث لابنتي. وعندما فتح الخط الساخن للأشخاص المفقودين أو المصابين، اتصلت وبدأ الانتظار. في صباح اليوم التالي، ركبت القطار إلى لندن في الساعة السادسة صباحاً. وبحلول ذلك الوقت كنا علمنا أن جميع الناجين نقلوا إلى مستشفى لندن الملكي. ولم تكن جيني واحدة منهم، لقد قتلت على الخط الدائري في محطة "إيدجوير رود" وهي في طريقها إلى العمل. كانت تبلغ من العمر 24 سنة.

يمكن للحزن أن يفعل أشياء غريبة ومروعة لعقلك وجسدك. بعد الموجة الأولى المباشرة من الكآبة، أدركت أنني لم أكن الوحيدة التي تأثرت بما حصل. لم أكن الوحيدة التي تشعر بالحزن. شعر إخوتها بالحزن بطريقتهم أيضاً، وأجدادها وأصدقاؤها. في الواقع، كنا جميعاً في الأمر معاً، لكن كلاً منا كان يحزن بطريقته الخاصة.

أي والد فقد ابنه في أي ظرف من الظروف وفي أي عمر سيقول لك إن الأمر سيان [ولا يختلف الألم] سواء كان الفقيد ابن 20 سنة أو 17 سنة أو 5 سنوات أو 23 سنة. لكن في مرحلة ما، لديك خيار: إما أن تعيش، أو أن تستسلم وتدير وجهك للحائط. كنت مدينة لجيني ولأطفالي الأحياء بأن أعيش حياة مليئة وجيدة بقدر ما أستطيع. وهذا ما حاولت فعله.

اكتسب الحزن الآن قيمة ثمينة لأن الكآبة التي أشعر بها تتعلق بابنتي الغالية التي أنجبتها. وبصفتي كاهنة، فإن الحزن جزء من مهنتي وأقول لنفسي كما أقول للآخرين إن عليك أن تفسحي المجال له، وأن تتقبليه. حاولت أن أحول الحزن إلى شيء لا أتخبط فيه، بل إلى شيء يتعلق بالذكريات. يصبح الأمر متعلقاً بكل شيء: ماذا كانت ستفعل الآن؟ هل كانت ستنجب أطفالاً؟ كيف كان سيبدو شعرها؟ أشياء من هذا القبيل.

ربما، ككاهنة، يشعر بعضهم أنه يجب علي أن أسامح قاتل ابنتي. أقول كأم لا [لن أسامحهم] على الإطلاق. ربما لو نجت جيني، لكانت وجدت طريقة للمغفرة، ولكني لست في موقع يسمح لي بالمغفرة نيابة عنها. وما فعلته هو أنني تصالحت مع حقائق الحادثة التي وقعت.

سأشعر بالخسران وبغيابها حتى اليوم الذي ألفظ فيه أنفاسي الأخيرة، ولكن يمكنني أيضاً أن أعتز بابنتي التي كانت شخصاً رائعاً: ضحكتها، ولطفها، وحبها لعائلتها، وأصدقائها. أعتقد أنها كانت لتساهم بطريقة أو بأخرى في خلق عالم أفضل، وهذا هو مصدر إلهامي في الحياة.

آندي هايمان، مستشار ومساعد مفوض سابق في شرطة العاصمة (2005-2007)

كانت هناك لحظة، بعد يوم أو نحو ذلك من وقوع الهجمات، ظلت عالقة في ذهني. كنت أتجول في المواقع المختلفة، وعندما وصلت إلى المكان الذي حصل فيه تفجير الحافلة، في ساحة تافيستوك، وقفت على حدوده الخارجية حيث كان الحبل الذي طوقت به الشرطة المكان. كان الجميع حول الموقع مشغولين ومضطربين، لكنني للحظة كنت وحدي، أراقب ما يحدث. شعرت وكأنني أقف على ثلج أو جليد تحت قدمي، وذلك كان في الواقع زجاجاً مكسوراً. وصلت شظايا الزجاج والحطام إلى مسافة 100 أو 200 ياردة من الحافلة التي كان سقفها ممزقاً ومن الممكن أن أراها في الخلفية. قلت لنفسي، لا يمكن وصف ما حدث هنا. هناك ضحايا، وهناك ناجون، وهناك عائلات وأحباء وأصدقاء. كان العنف هائلاً.

 

لم يمض على عملي سوى ستة أشهر أو نحو ذلك قبل وقوع الهجوم، وبدا الأمر وكأنه عمل رائع على الورق: كنت مسؤولاً عن قسم يسمى العمليات المتخصصة، وكان الملف يشمل حماية العائلة المالكة، وحماية المسؤولين الحكوميين وجميع الدبلوماسيين الزائرين.

في صباح يوم التفجيرات، كنت أقوم بروتيني المعتاد، وصلت إلى العمل باكراً، ركضت على جهاز المشي قليلاً، ثم جلست على مكتبي في الساعة التاسعة صباحاً مع شريحتي خبز محمص بمربى التوت وموزة. وبعد وقت قصير من وصولي، جاء نائبي ليخبرني بأن حريقاً اندلع في قطار الأنفاق. ولكي أكون صادقاً، قلت أولاً، ومن دون أن أظهر بمظهر المتغطرس، "شكراً لك، لكن هذا ليس من اختصاصي". ولم أكن أعلم حينها ما كان سيحدث بعد ذلك.

كانت التحقيقات على نطاق لم نختبره من قبل. غرفة الحوادث الكبرى المعتادة كانت عادة غرفة واحدة وربما غرفة جانبية، بينما هذا الحدث احتل طابقين في مقر الشرطة في "نيو سكوتلاند يارد". وبالصدفة، كنت حضرت في عطلة نهاية الأسبوع دورة تدريبية نظمتها الحكومة، إذ تقوم بمحاكاة سيناريو يشمل لجنة كوبرا - لجنة الطوارئ - إذ تتعلم من الأخطاء التي ارتكبتها وتتمرن من أجل الحدث الحقيقي.

كان هناك قول مأثور اعتاد كثيرون منا على استخدامه عند محاولة الاستعداد لشيء قد يحدث في المستقبل، وهو "عليك فقط أن تفكر في المستحيل"، كما كنا نقول. وقبل ذلك الحدث، لا أعتقد أننا فعلنا ذلك.

 

كان التحدي الأكبر يتمثل في التأكد من أننا نتواصل بطريقة واضحة وموجزة، وأن المعلومات دقيقة، إذ لا يمكنك أن تفترض أو تخمن بأي شيء. كان هناك كثير من الأعمال للقيام بها، كما كان هناك كثير على المحك. وفي الوقت نفسه لم نكن نعرف ما إذا كانت هذه مجرد البداية، أو ما إذا كان هناك إرهابي آخر ربما لايزال قريباً في مكان ما. لن أنسى أبداً زملائي الذين ظلوا يحدقون في كاميرات المراقبة لفترة طويلة، وكانوا متعبين إلى درجة أن بياض عيونهم صار أحمر اللون. غير أنهم بعد أيام وأيام من العمل، تمكنوا من العثور على الجناة.

أعتقد أن الهجمات التي وقعت في السابع من يوليو، وتلك الضربات الفاشلة التي حصلت في الـ21 من الشهر ذاته، فتحت فصلاً جديداً من الإرهاب الراديكالي المتطرف. ومن المؤسف أن كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى ما حدث منذ ذلك الحين، وحتى الهجوم الذي وقع أخيراً في سوق عيد الميلاد في ألمانيا، لكي تدرك أن هذا صحيح.

وفي المحصلة، إذا استطعت أن تأخذ درساً واحداً من هجمات السابع من يوليو، فهو أن السلطات رفعت من مستوى أدائها ولا تزال ترفعه. وأصبح المجتمع أكثر انتباهاً ونشاطاً في الإبلاغ عن التصرفات المشبوهة. ولن أنسى ذلك اليوم والأسابيع التي تلته، على رغم أنني تقاعدت من العمل في الشرطة الآن. ولن ينسى أي منا ما حصل.

بيل مان، 60 سنة، مدرب حياة وناج، في محطة إدجوير رود

أتذكر أنني طرت في الهواء. كنت جالساً على أحد الكراسي بجوار أبواب قطار الأنفاق، ثم طرت في الهواء، عبر المدخل إلى الجانب الآخر من العربة. كنت واعياً، ولكنني كان لدي فكرة واحدة: هل هذه هي النهاية؟ هل هذه هي اللحظة التي ينتهي فيها كل شيء؟

كانت فكرتي التالية هي: عائلتي، وزوجتي، وأطفالي الأربعة، فقد كان أكبرهم في ذلك الوقت يبلغ من العمر 13 سنة وأصغرهم في الثانية، وهم كل ما أردت أن أعيش من أجله. أردت أن أراهم يكبرون. أردت أن أكون هناك لتناول العشاء معهم في الليل، وقراءة القصص لهم، [وأن أفعل لهم] كل الأشياء التي لا يمكن شراؤها بالمال.

انطفأت الأضواء وتناثر الجمر المشتعل في الهواء، كما تطاير الزجاج المحطم في كل اتجاه. ولبضع ثوان سمعنا صريراً من صوت ارتطام معدن بمعدن، ثم بعد ثانية أو ثانيتين توقف كل شيء. توقفت العربة عن الحركة، وأمسكت بالدرابزين ووقفت، وكانت هناك لحظة وجيزة جداً من الصمت المطلق. ثم بدأ الصراخ.

 

كان هناك نوعان من الصراخ: الأول من أشخاص مذعورين كانوا في حالة هستيرية، لكنني كنت أستطيع تمييزه أيضاً عن صراخ الناس الذين كانوا في ألم شديد، ربما على وشك الموت. حاولت مساعدة الناس - امرأة كانت تعتقد أن شعرها احترق من النار، وشاب مصاب بالتوحد كان في حال من الذعر ويتحدث عن الذهاب إلى الكلية. وعندما نظرت إلى آخر العربة، كنت أرى أجساداً على الأرض، وبعض الأشخاص يقومون بإنعاش القلب الرئوي.

وبعد وصول المسعفين، بدأت في المشي، لكن فجأة خارت قواي وأخذ مني الخوف، إذ بدأت الصدمة تؤثر في. واصلت السير على مسارات قطار الأنفاق بأفضل طريقة ممكنة. ولحسن الحظ، بما أن المكان كان في محطة "إيدجوير رود" [المحطة على سطح الأرض]، إذ بدأت أرى بعض أشعة الشمس. وتلقيت علاجاً طبياً لإصابتي الطفيفة (لحسن الحظ)، فقد تمزق غشاء طبلة أذني بسبب الانفجار، وأصبت بجروح في ذراعي وصدري ووجهي جراء تطاير الزجاج. إلا أن الندوب النفسية لم تكن على الإطلاق سطحية.

بذلت جهوداً كبيرة لكي أستوعب ما حصل في ذلك الصباح - لماذا نجوت؟ وبعد أسبوع أجبرت نفسي على العودة لقطار الأنفاق من منزلي في أبمينستر والذهاب في الرحلة ذاتها إلى العمل. كنت أعلم أنني مضطر إلى ذلك.  فقد دفعني وضوح الرؤية الذي شعرت به في تلك العربة - من التساؤل ما إذا كنت سأعيش أم سأموت - إلى رغبة في الاستمرار في العيش، ولو لم أواجه هذه التجربة لكان استمرار حياتي نفسها على المحك.

وسرعان ما عدت إلى العمل في الخدمات المالية لشركة فيزا، وانتقلت إلى وظيفة جديدة كانت بمثابة فرصة كبيرة بالنسبة إلي ولم أكن أرغب في خسارتها، وتحدثت عن السابع من يوليو مئات المرات. وأعتقد أن هذا ساعدني. كنت أعلم أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، وكنت أعرف أيضاً أنني سأمر بأوقات جيدة وأوقات صعبة وهذا ما حدث بالفعل، فقد واجهت كماً واسعاً من العواطف. ولكن ذلك الوعي المتزايد في شأن ما أرغب في العيش من أجله، وما المهم وما لا يستحق القلق عليه هو شيء حاولت التمسك به.

وبعد بضع سنوات من السابع من يوليو مررت بأحلك فترة في حياتي، عندما توفيت زوجتي جوان بسرطان الثدي. ومن أجلها، ومن أجل أطفالنا، الذين كبروا الآن، ما زلت متمسكاً بهذا الأمر.

آندي هاليداي، ضابط الأسلحة النارية، شرطة العاصمة

يمكنني وصف الشعور بالتهديد كما لو كنت في حفلة أطفال، عندما يرفع أحدهم بالوناً كبيراً ويمسك دبوساً بالقرب منه، وأنت تواصل مراقبة الدبوس، بالقرب من الحافة، بانتظار انفجاره. هذا الخوف، هذا القلق، هو ما شعرت به وأنا أنزل على السلالم المتحركة لمحطة ستوكويل لقطار الأنفاق في الـ22 من يوليو 2005.  كنت أنتظر انفجار البالون، أترقب جداراً من اللهب يندفع من الزاوية في أسفل الدرج، لأن الشخص الذي كنا نطارده - جان تشارلز دي مينيزيس - كان نزل إلى المحطة.

كنا جزءاً من عملية ثيسيوس، التي كانت آنذاك أكبر تحقيق لمكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة في أعقاب تفجيرات 7/7. بصفتي ضابط أسلحة نارية، فإنني كنت جزءاً من الفرقة المكلفة بملاحقة المشتبه في كونهم متطرفين إسلامويين يحاولون تقليد هجمات 7/7، بعد أن استهدفوا شبكة النقل في لندن بأربع محاولات تفجير في الـ21 من يوليو، بعد أسبوعين فقط من التفجيرات الأولى.

لم نكن قادرين على استيعاب أن ذلك سيحدث مرة أخرى في أعقاب الصدمة العميقة التي خلفتها الهجمات الأولى، التي أودت بحياة كثيرين وأصابت آخرين قبل أسبوعين فقط. في ذلك الحين، جاءت المكالمة اللاسلكية بينما كنا في وضعية الاستعداد في شرق لندن في ذلك اليوم.

 

كانت المعلومات ترد عن عبوات تم إلقاؤها على شبكة الأنفاق لكنها لم تنفجر، وألقى الجناة حقيبة الظهر على الأرض وهربوا.  عثرنا على العبوات وكنا نلاحق أشخاصاً مشبوهين يجوبون في أنحاء لندن، إلى جانب الركاب المذعورين. كان هناك خوف ملموس حقيقي في المدينة، وخلال إحاطتنا القصيرة في صباح الـ22 من يوليو، كان هناك بعض الخوف بين أفراد فريقنا أيضاً، إلا أن إحاطة هذا الصباح كانت مختلفة. أتذكر أنني نظرت في الفريق وفكرت أنه على رغم مئات العمليات التي نقوم بها بالأسلحة النارية، فإن هذا هو المكان الذي قد ينتهي بنا الأمر فيه إلى مواجهة حقيقية مع إرهابي انتحاري.

بصفتي ضابط شرطة مسلح، شاركت في نحو 2700 إلى 2800 عملية على مدار 18 عاماً. في بعض الأحيان، يشبه الأمر ممارسة رياضة معينة، هناك تكتيكات محددة تستخدم، لكن هذه التكتيكات قد تحتاج إلى التغيير لأن الأشخاص الذين نواجههم يغيرون أساليبهم أيضاً. في أعقاب [هجمات] الـ11 من سبتمبر (أيلول) تبدل نهج التعامل مع الإرهاب بصورة كلية، ذلك أن الإرهاب الانتحاري كان مختلفاً تماماً. لا يمكنك احتواؤهم والتحدث معهم، ولم يكن بإمكاننا الكشف عن أننا شرطة مسلحة (كنا جميعاً بملابس مدنية)، لأن ذلك قد يدفعهم إلى تفجير القنبلة. لذلك تغيرت آلية تنفيذ العمليات، إذ أصبح القرار النهائي بإطلاق النار مسؤولية ضابط رفيع المستوى بدلاً من أن يكون قرار الضابط الذي يحمل السلاح مباشرة.

لم يكن التواصل سهلاً، ولم تكن أجهزة الراديو رائعة، لذا كنا نحصل على مقتطفات من المعلومات. لكن المهمة كانت واضحة، وهي إلقاء القبض على المشتبه به. لحقنا به وهو ينزل من الحافلة، ومن خلال حواجز قطار الأنفاق، وبعد ذلك، وردت تقارير تفيد بأنه قفز من فوقها، لكنه لم يفعل، كنا نحن من قفزنا فوقها. وبعد ذلك، في أسفل السلم المتحرك، انتهى كل شيء بسرعة كبيرة.

 

عندما اقتربت من مكان الحادثة، كان الناس أخذوا بالتراكض والصراخ، وكانت أجهزة "آي بود" والصحف ترمى في كل مكان لثواني، قبل إطلاق مجموعة أخرى من الأعيرة النارية. ثم فجأة هدأ المكان تماماً. كانت هناك رائحة، وحالة اختلط فيها الأمر بين الشعور بأنك في حقل رماية وبين رائحة قطار الأنفاق العفنة. كان كل شيء ساكناً، وكان دي مينيزيس في القطار وكان من الواضح جداً أنه أصيب بجروح قاتلة.

لم نكتشف حتى اليوم التالي أن جان تشارلز دي مينيزيس قد تم التعرف عليه خطأ باعتباره مشتبهاً به في تنفيذ عملية تفجير. أتذكر أنني صعدت إلى الطابق العلوي من مركز الشرطة، وجلست حول طاولة، عندما دخل ضابط كبير يرتدي زيه الرسمي. وقال "اتصلت بكم جميعاً لأخبركم أن الرجل الذي أصيب بجروح قاتلة أمس لم يكن حسين عثمان" - أحد الانتحاريين الأربعة المقلدين – "بل هو مدني بريء".

غمرني شعور باليأس والفراغ والحزن الشديد.  كانت تلك لحظة فارقة بالنسبة إلي، إذ كنت على هامش عملية فقد فيها رجل بريء حياته. إن جانبها المأسوي يبقى معك ولا سبيل للخلاص منه.  تمت إدانة شرطة العاصمة بتهمة تتعلق بانتهاك قواعد الصحة والسلامة – وهذا قرار صحيح – ولكن تمت تبرئة الضابطين الرئيسين من أية مخالفة، وهو ما وافقت عليه. يمكن النظر إلى هذه الأمور بطريقتين: إما أن تدفنها وتتجاوزها، أو أن تستخدمها كمحاولة للتعلم.

رأيي الشخصي هو أنني استخدمت الحادثة للتعلم، وفهم مزيد حول كيفية عمل الفرق في التحقيقات اللاحقة.

مارسيل سترود، منسقة كاميرات المراقبة السابقة في شرطة العاصمة

عندما انفجرت القنابل، كنت جالسة في مكتب فارغ مع جهاز كمبيوتر واحد ومن دون أثاث. القسم الذي تم تكليفي بإنشائه قبل عام، للعثور على المواد الدعائية وتنظيمها، ومعظمها أشرطة صوتية ومرئية، كان لا يزال غير موجود بصورة أساس. ثم بين عشية وضحاها، أصبح عملنا واحداً من أهم أعمال تحقيقات أحداث 7/7.

من أين تبدأ البحث عن أربعة أشخاص، على كاميرات مراقبة غير واضحة، في مدينة كبيرة مثل لندن؟ كان علينا أن نبدأ من النقطة المعروفة، وهي موقع التفجير. تم إرسالي إلى بقايا الحافلة التي تم تفجيرها في لندن، التي كانت فقدت سقفها، لاسترداد أية لقطات ممكنة. تعاونت أنا و زميلين آخرين تم تجنيدهما، على البدء بعد ذلك في تنسيق 180 موظفاً للخروج واستعادة كاميرات المراقبة من أي مكان يمكنهم الوصول إليه.

 

بدأنا بمحطات السكك الحديدية أولاً، ثم انتقلنا إلى كل محطة في كل خط من خطوط المترو. في ذلك الوقت، كانت الكاميرات الرقمية قليلة – معظمها كان يعتمد على أشرطة الفيديو من نوع VHS. عندما كنا نأخذ قرصاً صلباً من مكان ما قد يحتوي على معلومات مهمة بالقرب من موقع التفجير – مثل بنك أو متجر مجوهرات – كان علينا أن نعطيهم قرصاً صلباً بديلاً عن الذي أخذناه. بعد فترة وجيزة، نفدت مخزونات الشركات التي تصنع الأقراص الصلبة.

تم إيواؤنا في فندق قريب بعد ذلك، لكننا بالكاد كنا هناك. كثير من العمل كان يعتمد على الأساليب التقليدية للشرطة - البحث الدقيق عبر الأدلة، والبحث عن أية أدلة يمكن أن نعثر عليها. في أحد الأيام، لاحظ زميل كان يعرض لقطات من محطة "كينغز كروس" أربعة أشخاص يسيرون معاً بحقائب ظهر، من دون أن يتحدثوا مع بعضهم بعضاً. اتصل ليخبرني أن الأمر لا يبدو طبيعياً - كان لديه حدس - وفي الوقت نفسه تلقينا اتصالاً من فريق الطب الشرعي بتحديد هوية أحد المفجرين. تطابقت الهوية. ولكن بمجرد أن حددناهم في "كينغز كروس"، كان علينا توسيع نطاق البحث ليشمل جميع أنحاء المملكة المتحدة، لمعرفة من أين أتوا.

من خلال عملنا، تمكنا من تقديم تفاصيل دقيقة لفريق الطب الشرعي عن المكان الذي صعد منه المفجرون إلى القطار في محطة "كينغز كروس"، وحتى مقابض الأبواب التي لمسوها والمقاعد التي جلسوا عليها. كان أمراً لا يصدق أن نكون جزءاً أساسياً من المساعدة – وأيضاً خلال محاولات التفجير في الـ21 من يوليو في محطات "شيبردز بوش" و"أوفال" و"وارين ستريت" - عندما كان علينا العمل على مطاردة المشتبه بهم إضافة إلى تتبع تحركاتهم السابقة.

 

أنا فخورة جداً بما أنجزناه. الفريق الذي قمت بإنشائه كان يسمى "فريق الاستخبارات الفوتوغرافية الوطني"، وبعد مرور 20 عاماً، لا يزال للعمل الذي قمنا به أثر كبير، وكنتيجة مباشرة له، تم إنشاء ثلاث فرق دائمة. العمل الذي كنا نؤديه بصورة موقتة أصبح الآن نظاماً رسمياً وأصبح جزءاً لا يتجزأ من جمع المعلومات الاستخبارية الجنائية.

التفكير بعد مرور عقدين من الزمن على كل هذا الرعب كان بمثابة تنفيس عن المشاعر. الحديث عن ذلك مرة أخرى أطلق العنان لكثير من المشاعر التي لم أكن أدرك أنها موجودة. أنا الآن متقاعدة من العمل في الشرطة، وبصراحة لا أتحدث عن ذلك لأنني أعتقد أن الناس العاديين لا يريدون معرفة هذه التفاصيل. وكان هناك كثير من الأمور التي لم تصل إلى وسائل الإعلام. أنا سعيدة بأن عامة الناس لم يعرفوا عنها، لأنهم لو عرفوا ربما لم يكونوا ليخرجوا من منازلهم. ولكن كان بمثابة تنفيس عن المشاعر أن أعيد استحضار تلك الذكريات قليلاً، وأن أتذكر أولئك الذين فقدوا حياتهم بطريقة مروعة، وأن أتذكر كم كنا نحاول أن نحقق العدالة من أجلهم.

شهيد مالك، النائب السابق عن ديوزبري، 2002-2010

في عام 2005، كنت نائباً لحزب العمال عن ديوزبري، البلدة الواقعة في غرب يوركشاير، التي جاء منها أحد منفذي التفجيرات، الذي كان من المفترض على نطاق واسع أنه كان زعيم المجموعة. في ذلك الوقت كتبت عن أشياء سئلت عنها في ذلك الوقت: ما الأمور في دائرتي الانتخابية التي يمكن أن تفرز مثل هذا التطرف؟ ما التأثيرات التي يمكن أن تدفع محمد صديق خان، الزوج والأب، ومساعد معلم مدرسة ابتدائية، إلى تفجير قنبلة، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص أبرياء ومصرعه هو في هذه العملية؟

 وجدت نفسي في مواجهة كانت ربما أصعب مهمة أديتها على الإطلاق، لكنني كنت أعرف ما يجب أن أفعله، إذ كان علي أن أوجه رسالة قوية للغاية [لتخليص] الناس من أية فكرة مفادها بأن الإسلام يتسامح مع هذا السلوك، ناهيك بالقول إن هؤلاء الناس سيذهبون إلى الجنة. أستطيع أن أتذكر أنني حضرت أول جلسة لمساءلة رئيس الوزراء بعد 7/7 وكأنها كانت بالأمس، ووقفت هناك لأخبر مجلس العموم أن الإدانة لم تعد كافية. قلت إن إدانتهم لم تعد كافية، بل يتعين علينا مواجهتهم. لذلك لا يمكن أن يكون هناك مكان آمن للقوى الشريرة لتتسلل إلى العقول المريضة.

 كان تحولاً هائلاً. فمنذ هجمات الـ11 من سبتمبر، شعر المجتمع المسلم بأنه تحت الحصار. وبعد السابع من يوليو، وعلى رغم أن تصرفات المهاجمين كانت معادية للإسلام، ازداد الخوف من ردود الفعل العنيفة. وبدأنا نرى أشياء في أجزاء مختلفة من البلاد - بعض العنف، وكثير من الضوضاء. وكان المسلمون مرة أخرى في موقف ضعيف للغاية.

 

وبعد أسبوع من الهجمات، وقفت دقيقتي صمت مع بعض أعضاء دائرتي الانتخابية خارج منزل خان في ديوزبري تخليداً لذكرى ضحاياه، وقوبل ذلك بالتضامن. كان علي فقط التأكد من أنني أستطيع إعطاء المسلمين شعوراً بالثقة للوقوف والتحدث ضد هؤلاء الناس، وإعطاء غير المسلمين الثقة في أن هؤلاء المتطرفين لا يتحدثون باسم الإسلام والمسلمين.

ولن أنسى أبداً يوماً كنت أسير فيه وسط بلدة ديوزبري عندما اقترب مني زوجان أبيضان وقالا لي "السيد مالك، نود أن نقول إننا كنا نعتقد أنك تدعم 'هؤلاء فقط'، ولكننا الآن نعرف أنك تدعم الجميع".  كان ذلك بمثابة صدمة بالنسبة إلي. فقد اعتقدت أن الجميع يعرفون سلفاً [أنني أدعم الجميع]، وقد أظهر لي ذلك مقدار العمل الذي يتعين علينا القيام به لكسر حتى هذه الحواجز غير المرئية.

بعد مرور 20 عاماً، أعتقد أننا في وضع أفضل كثيراً. نضج المجتمع المسلم، وعلى رغم الضوضاء المستمرة من أقصى اليمين، الذي يتم تحشيده الآن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كما حدث في أعمال الشغب الأخيرة، فإن هناك مزيد من المناقشات الآن. ولكن لا يزال هناك كثير مما يجب القيام به من أجل كسر الحواجز وجعل الناس يفكرون بطريقة يصبح فيها اللون غير ذي صلة، وبحيث ندرك أننا جميعاً مختلفون، ولكننا متساوون، متساوون في الخير ومتساوون في الشر.

هناك أشياء تحسنت، عندما يتعلق الأمر بكراهية الإسلام والانقسام والفصل العنصري، أصبح مزيد من الناس على استعداد للتحدي وأقل استعداداً للكسل. قبل أحداث 7/7، كان هناك شعور بأننا نستمع إلى ملاحظات أو تعليقات قد تكون خاطئة جوهرياً ونرفضها على أنها شذوذات مجنونة. بعد ذلك، أعتقد أننا أدركنا أن الكلمات يمكن أن تؤدي إلى أفعال، وهذه الأفعال يمكن أن تكون مميتة.

مارتين رايت، 52 سنة، متحدثة تحفيزية وناجية، الخط الدائري في محطة ألدغيت

كثيراً ما آمنت بوجود صلات روحية، وأن هناك أسباباً للأشياء التي تحدث لنا. في ذلك اليوم كان مقياس الإنسانية حاضراً: في أحد طرفيه، كانت الأفعال الأكثر أنانية وفظاعة، وفي الطرف الآخر، كانت الرعاية الأكثر كرماً وإيثاراً. هناك الآن عدد من الندوب على جسدي – فقدت ساقي في الهجوم، وكدت أفقد ذراعي اليسرى، التي اضطررت إلى إجراء عملية ترقيع جلد لها. بعد بضع سنوات من العملية، سألني الأطباء إذا كنت أرغب في إزالة هذا الندب، لكنني رفضت: فهو يشبه زوجاً من الشفاه. أؤمن بأنه المكان الذي قبلتني فيه الملائكة الحارسة في ذلك اليوم.

هذا الندب تذكير بأنني نتاج شجاعة الناس في ذلك اليوم. عندما تصعد إلى قطار الأنفاق في صباح أحد الأيام وأنت تشعر بالحماسة لأن لندن فازت باستضافة الألعاب الأولمبية 2012 في الليلة السابقة، ثم تستيقظ بعد ثمانية أيام كضحية للإرهاب وبتر كلا ساقيك في سن الـ32، فإنك تحتاج إلى شيء تتشبث به، إلى سبب، لفهم كل ما حدث.

أتذكر أنني كنت على سرير المستشفى، أنظر إلى أسفل لأرى نصف جسدي اختفى، وأشعر بالانزعاج. كنت أفكر، لماذا؟ لماذا أنا؟

 

لم يكن من المفترض أن أركب ذلك القطار في السابع من يوليو. كان خط سيري المعتاد إلى العمل كمديرة تسويق دولي على خط الشمال (Northern line) معطلاً بسبب عطل في إشارات المرور، لذا فقد مررت بلحظة تردد بدت غير مهمة في وقتها لكنها غيرت مسار حياتي، إذ كان بإمكاني الذهاب وركوب الحافلة، أو التوجه إلى محطة "مورغيت" وركوب قطارات الخط الدائري.

بدأت بالركض على السلالم المتحركة في محطة "مورغيت" عندما رأيت القطار يدخل إلى المحطة وفكرت، "هذه فرصة". لم أركب في العربة التي أعتدت عليها لأنني كنت مستعجلة، لكنني نجحت في اللحاق بالقطار وبدأت بقراءة الصحيفة. أتذكر أنني فكرت، "يجب أن أحصل على تذاكر للأولمبياد"، ثم فجأة - في جزء من الثانية - ظهر نور ساطع. لم يكن هناك صوت على الإطلاق، فقط هذا الضوء القوي في عيني. كانت القنبلة انفجرت على جانب مني، ثم ارتدت وعادت لي مرة أخرى.

كنت محاصرة، إلا أنني لم أستطع أن أفهم لماذا لم أكن قادرة على الحركة.  فقدت 80 في المئة من دمي على مدار الساعة والربع التي قضيتها [عالقة] هناك.  شخص ما - علمت لاحقاً أنها ملاكي الحارس ليز - وهي واحدة ممن ساعدوني، وضعت رباطاً ضاغطاً على ساقي [لوقف النزف]. لكنني لم أفكر أبداً أنني سأموت. ظللت أقول، مرة إثر أخرى، "اسمي مارتين رايت. من فضلك أخبر أمي وأبي أنني بخير". المفارقة بالطبع هي أنني لم أكن بخير على الإطلاق.

 مر يومان قبل أن يكتشف والداي أنني بخير، وهو أمر من المؤلم التفكير فيه. وفي النهاية، كانت ليز هي التي رأت أحد أصدقائي في الأخبار يطلب المساعدة للعثور علي، وتمكنت من الاتصال بهم. وبمجرد أن التأم شملنا، أمضيت 366 يوماً في المستشفى، في محاولة لبدء التعافي. كان علي أن أعود للعيش مع أمي وأبي في حي بارنت، بعيداً من شقتي الصغيرة في وسط لندن.

ظننت أنني بحاجة إلى العودة لعملي الرفيع في التسويق - فقد كنت أعيش أجمل أوقات حياتي، أتنقل حول العالم. لكنني كنت خائفة - كان هناك شيء في رأسي يدفعني لاستخدام تجربتي في التفجير من أجل الخير الأكبر. وإلا، لكان كل ذلك الألم ضاع سدى. لقد تجاوزت منذ وقت طويل أفكار "لماذا أنا" – على رغم من أنني كنت أكثر الناجين إصابة في التفجيرات، إلا أنني رأيت كم أنا محظوظة لكوني على قيد الحياة. بدلاً من العودة للعمل، بدأت أعيش.

ذهبت إلى جنوب أفريقيا لمدة ستة أسابيع من أجل تعلم قيادة الطائرات متحدية نفسي (وهو ما لم يكن محبذاً من قبل والداي)، وبدأت في لعب تنس الكراسي المتحركة ثم الكرة الطائرة من وضعية الجلوس. وبعد سنوات، تم اختياري لتمثيل فريق الكرة الطائرة في وضعية الجلوس للسيدات في بريطانيا العظمى في دورة الألعاب البارالمبية [لأصحاب الإعاقات] الصيفية لعام 2012. كان من الجنون أن أفكر أنه قبل سبع سنوات، قبل أن تنقلب حياتي، كنت أجلس في ذلك المترو آملاً في الحصول على تذاكر [الألعاب الأولمبية].

يظن الناس أنه، من خلال كل ما جرى، لابد وأنني كنت غاضبة، ويجب أن أكون ما زلت غاضبة. ولكنني لم أكن غاضبة، وما زلت غير غاضبة. أنا فقط لم أستطع أن أفهم، وما زلت غير قادرة أن أفهم، لماذا يركب أشخاص قطار الأنفاق أو الحافلة ويفجرون أنفسهم ويقتلون أشخاصاً آخرين ويتركون أسرهم وزوجاتهم وأطفالهم أيضاً. ولكن في حين أن هذه الحادثة المأسوية لم يكن ينبغي لها أن تحدث أبداً، إلا أنني أعتقد الآن أنه كان من المفترض بي أن أكون على متن ذلك القطار.

كانت هذه هي الرحلة التي من المفترض أن أسلكها. فبعد سنوات قليلة من السابع من يوليو التقيت برجل عظيم اسمه نيك، وعلى رغم أنني لم أكن أعرف ما إذا كان بوسعي أن أحمل بسبب تأثير القنبلة، فأنا أم، ومن الغريب أن موعد ولادة ابني أوسكار كان السابع من يوليو 2009 (على رغم أنه تأخر أسبوعاً). لم نعد أنا ونيك معاً، ولكننا أكثر من سعداء. أظل على اتصال بالناجين الآخرين، [وشكلنا معا مجموعة] نطلق عليها نادي 7/7 الحصري، الذي لا يرغب أحد في الانضمام إليه. وعلى مر السنين، شعرت بقدر كبير من السعادة من خلال قيامي بتوجيه مبتوري الأطراف الآخرين.

الحياة قصيرة، ونحن جميعاً بحاجة إلى الإيمان بحياتنا، والاعتقاد بأننا على الطريق الصحيح. نحتاج إلى ذلك لنكون سعداء في هذا العالم الذي لا يمكن التنبؤ به. إنها الطريقة الوحيدة.

ذيعت الحلقة الأولى من "7/7: تفجيرات لندن" في الساعة 9 مساء يوم 5 يناير على قناة "بي بي سي" الثانية.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات