ملخص
"الانتصارات المتوالية للجيش تؤكد أن قيادته أحسنت ترتيباتها واستعداداتها التي بدأت منذ أشهر طويلة لخطة الانفتاح الكبير الحالي في عملياته العسكرية، وذلك من خلال تجنيد وتدريب وتأهيل آلاف المقاتلين على حرب الشوارع والمدن، بعد أن كان يعاني نقصاً واضحاً في هذا الجانب عند بداية الحرب".
تزامنت العمليات العسكرية الواسعة التي ينفذها الجيش السوداني لتحرير العاصمة (ولاية الخرطوم) بمدنها الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، مع شن قوات "الدعم السريع" هجوماً كبيراً على الجبهة الغربية في محاولة جديدة للتوغل داخل مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، مما زاد من المخاوف على مصير المدينة الاستراتيجية على رغم صمودها الكبير طوال الفترة الماضية، وسط مطالبات باستعجال فك حصارها.
المرحلة الثالثة
وكان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أعلن في ساعة متأخرة مساء الأربعاء الـ29 من يناير (كانون الثاني) الجاري من مقر القيادة العامة للجيش، بدء المرحلة الثالثة من العملية العسكرية داخل العاصمة الخرطوم.
أشار الإعلان إلى أنه "بعد خلو بحري من ميليشيات آل دقلو الإرهابية، من مصفاة الجيلي شمال المدينة حتى كوبري الملك نمر مع العاصمة الخرطوم على النيل الأزرق، لم تتبق سوى مجموعات صغيرة متفلتة شرق المدينة، وتنتشر في أحياء كافوري والحاج يوسف وشرق النيل على وجه التحديد".
وبثت صفحة الجيش الرسمية على منصة "فيسبوك"، مقاطع مصورة تظهر تقدمه في العمليات الحربية وتمدد سيطرته على عدد من المناطق الجديدة في مدينة الخرطوم بحري.
ومنذ أسابيع يحقق الجيش انتصارات وتقدماً كبيراً باستعادة عدد من المناطق الحيوية، وبخاصة العاصمة الخرطوم في عدد من المحاور، مع تراجع مطرد لقوات "الدعم السريع" في وسط السودان.
توسع السيطرة
ومع توسع مساحات سيطرته وانفتاحه يتابع الجيش شن هجمات متزامنة عدة على المحاور بولاية الخرطوم، أسفرت عن السيطرة على 80 في المئة من مساحة مدينة الخرطوم بحري.
وأوضحت مصادر ميدانية أن قوات الجيش وجهاز الاستخبارات العامة والعمل الخاص والقوات المشتركة توغلت خلال الأيام الماضية في عمق وجنوب مدينة الخرطوم بحري وبسطت سيطرتها على مقر سلاح المظلات والمستشفى الدولي ومباني وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم بحي الشعبية بالخرطوم بحري، وسط تراجع مستمر لقوات "الدعم السريع"، واقتربت كثيراً من القصر الرئاسي.
أشارت المصادر إلى أن الجيش تخطى بعد سيطرته على أبراج البشير ومستشفى البراحة أصعب مراحل تقدمه، إذ كان الانتشار الكثيف لقناصة "الدعم السريع" بتلك المناطق يبطئ من تقدم القوات، مما فتح الطريق أمامه للوصول حتى سوق سعد قشرة على شارع المعونة الرئيس وسط الخرطوم بحري.
معارك بحري
وحتى فجر الخميس يخوض الجيش معارك عنيفة من أجل إكمال سيطرته على أحياء العزبة وكافوري شرق مدينة الخرطوم بحري، وبات على وشك إعلان المدينة خالية من التمرد، إذ لم يتبق، وفق المصادر، سوى بعض الجيوب الصغيرة غرب المدينة في مناطق الصبابي وحلة حمد المتاخمة لنهر النيل شرق أم درمان، وشمال القصر الرئاسي على الضفة الأخرى لنهر النيل.
في غرب أم درمان يتقدم سلاح المهندسين نحو منطقة اللاسلكي ومنطقة الصالحة، حيث تجمعات كبيرة لقوات "الدعم السريع"، وحررت حارات جديدة في محلية أم بدة غرب المدينة.
كما تتابع قوات الجيش تحركاتها في منطقة شرق النيل (العيلفون) شرق العاصمة السودانية، انطلاقاً من معسكر حطاب العسكري.
في المقابل قال بيان لقوات "الدعم السريع" على "تيليغرام"، إنها تعزز انتشارها في شرق النيل وتعلن مطاردة الفلول وتحاصر معسكر الجيش بمنطقة حطاب بشرق النيل.
الجيش السوداني يستعيد أم روابة
في محور كردفان تمكن متحرك الصياد التابع للجيش بعد معارك عنيفة من دخول مدينة أم روابة، إحدى كبرى محليات ولاية شمال كردفان على الطريق القومي الرابط بينها وبين ولاية النيل الأبيض والعاصمة الخرطوم، مما يمهد لفك الحصار الذي كان مضروباً على مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان وتأمين ولايات وسط وشرق السودان.
وقال الجيش في بيان "طهرت قواتنا المسلحة مدينة أم روابة" من قوات "الدعم السريع"، و"كبدتهم خسائر فادحة".
وتقع أم روابة على طريق سريع استراتيجي يربط شمال كردفان بوسط السودان، وهي ثاني أكبر مدن الولاية، وتبعد نحو 480 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الخرطوم.
وأسقطت المضادات الأرضية للفرقة الخامسة مشاة بمدينة الأبيض فجر الخميس، نحو 10 طائرات مسيرة لـ"الدعم السريع" استهدفت محيط قيادة الفرقة وبعض الأحياء وسط المدينة.
في محور دارفور نفذ سلاح الجو عدداً من الغارات الجوية الناجحة استهدف من خلالها متحركاً للميليشيات كان قادماً من جنوب شرقي الفاشر وغرب خزان قولو ومحيط منطقة شقره، ودمر 45 مركبة قتالية لـ"الدعم السريع" وقتل عشرات من عناصر الميليشيات.
وقالت الفرقة السادسة مشاة في موجز صحافي، إن "قوة مشتركة من قوات العمل الخاص وجهاز الاستخبارات والقوة المشتركة وشباب الإسناد تمكنوا من القبض على عدد من المتعاونين مع الميليشيات كانوا متخفين في زي نسائي".
هجوم جديد
وأكدت القوات المشتركة إفشالها محاولة جديدة من الميليشيات للتوغل داخل مدينة الفاشر عبر شنها هجوماً واسعاً على المحور الشرقي للمدينة، جرى التصدي له بنجاح بواسطة قوات الجيش والمشتركة والقوة الشعبية للدفاع عن النفس (قشن) والمقاومة الشعبية وميارم وكنداكات الفاشر، وكبدتهم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
أضافت القوات في بيان عسكري، "منذ فجر الأربعاء الـ29 من يناير (كانون الثاني) الجاري استهدفت (ميليشيات آل دقلو الإرهابية) بالمدفعية الثقيلة تجمعات المدنيين، وقصفت معسكر أبوشوك للنازحين، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص وجرح أكثر من (12) آخرين كإضافة لجرائمها البشعة ضد المدنيين".
جدد البيان "مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الدول التي تمد هذه الميليشيات بالسلاح والمرتزقة التي تتسبب بمقتل عشرات المدنيين يومياً بواسطة هذه المساعدات، وندعو مرة أخرى إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (1591) و(2736) في شأن حظر بيع أو توريد الأسلحة إلى دارفور".
مصير الفاشر
وكان القيادي الدارفوري بحر إدريس أبو قرود، رئيس تحالف سودان العدالة (تسع)، طالب بتجهيز وتسيير ثلاثة متحركات عاجلة تخرج من المحاور القتالية الجاهزة المختلفة من دون انتظار، خلال المدة الزمنية المحددة لفك حصار الفاشر وتحرير بقية دارفور.
قال أبو قرود، في رسالة مفتوحة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، "لا أريد أن أتحدث عن الأسباب التي دفعتني للكتابة بهذا الشكل وبهذا التوجس ولا عن التطورات الجديدة في معارك الفاشر ومحور الصحراء لأنك تعرفها جيداً".
تابع القيادي في رسالته، "حتى لا نعطي العدوان الذي يمثل خطراً وجودياً على بلادنا فرصة جديدة بعدما أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من القضاء عليه، وحتى نتمكن من الحفاظ على الانتصارات العظيمة والمذهلة التي تحققت، أرجو أن تتفرغ خلال الساعات الـ48 المقبلة وتقود بنفسك ومعك كل مستويات القيادة مع تجهيز وتسيير ثلاثة متحركات تخرج من المحاور القتالية الجاهزة المختلفة من دون انتظار أي شيء لفك حصار الفاشر وتحرير بقية دارفور، اللهم أني بلغت اللهم فاشهد".
تحذيرات جدية
على الصعيد نفسه حذر الباحث الأمني ضو البيت دسوقي، من أن تمثل الانسحابات الكبيرة لمجموعات من "الدعم السريع" من وسط البلاد نحو دارفور تعزيزات بشرية لقواتها في محيط الفاشر مما يزيد من الأخطار.
أوضح الدسوقي أنه على رغم الصمود المتناهي للفرقة السادسة والقوات المشتركة بالمدينة وصدهم مئات الهجمات الفاشلة، لكن توالي وصول التعزيزات والأسلحة المتطورة وعلى رأسها المسيرات الاستراتيجية يزيد من وتيرة الخطر ويفاقم الخسائر وسط المدنيين.
أشار الباحث إلى أن "الانتصارات المتوالية للجيش تؤكد أن قيادته أحسنت ترتيباتها واستعداداتها التي بدأت منذ أشهر طويلة لخطة الانفتاح الكبير الحالي في عملياته العسكرية، وذلك من خلال تجنيد وتدريب وتأهيل آلاف المقاتلين على حرب الشوارع والمدن، بعدما كان يعاني نقصاً واضحاً في هذا الجانب عند بداية الحرب".
وأردف أن التقدم في مجال الاستخدام الاحترافي لسلاح الطيران المسير خلال المعارك واستقدام أسلحة ثقيلة متطورة أكثر دقة كان لها دور كبير في المعارك الأخيرة، مبيناً أن التساقط المستمر لكبار قادة "الدعم السريع" الميدانيين وآخرهم الجنرال المثير للجدل مهدي رحمة الشهير بجلحة منتصف الأسبوع الماضي، تسبب في تحطيم الروح المعنوية لجنودهم وزعزع ثقتهم في قياداتهم وأضعف رغبتهم في القتال، مما أدى إلى انسحاب مجموعات كبيرة منهم إلى دارفور.
ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 نزاعاً دامياً بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع"، بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب، ولا سيما استهداف المدنيين وشن قصف عشوائي على منازل وأسواق ومستشفيات، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.
وأدى النزاع في السودان إلى كارثة إنسانية هائلة مع مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 12 مليون شخص فيما ملايين على حافة المجاعة.