ملخص
"توجد بعض الأمور التي لا تزال تربط بين دمشق وموسكو أبرزها كون تسليح الجيش السوري كله روسياً تقريباً، وإذا لم يتخذ بعد أي قرار بتغيير مصدر التسليح، فستعود للتزود بأسلحة وأنظمة عسكرية روسية جديدة، وبصورة عامة تظل روسيا دولة كبرى وعضواً دائماً في مجلس الأمن ولا مصلحة باتخاذ مواقف عدائية تجاهها ما لم تتصادم مصالح البلدين بصورة مباشرة".
تخطت روسيا الاتحادية الحليف الاستراتيجي للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مرحلة فقدانه وهربه إلى موسكو بعد سقوطه المدوي في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتتجه إلى ضبط عقارب الساعة مجدداً مع إدارة جديدة يأخذها حرصها على إبقاء موطئ قدم لها عبر قاعدتين جوية وبحرية في سوريا.
لم يشح الكرملين أنظاره عما يدور في القصر الرئاسي بالعاصمة دمشق، إذ لم يهدأ من زوار ووفود أجنبية وعربية، ولهذا دفع الأربعاء الـ29 من يناير (كانون الثاني) الجاري بأول وفد بعد سقوط النظام.
ووصف رئيس الوفد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف المحادثات مع قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع بأنها بناءة وإيجابية، وأبدى استعداد بلاده لمساعدة الحكومة الجديدة، وتقديم العون في استقرار الأوضاع والوصول إلى حلول مناسبة لمختلف المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وتطرق اللقاء إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية.
كما ضم الوفد ممثلين عن الشركة الروسية المستثمرة في طرطوس، الذين أوضحوا استعداد الشركة مواصلة العمل مع شرح الصعوبات التي واجهتهم سابقاً في ظل حدوث أي تغيير على وضع المنشآت الروسية في طرطوس واللاذقية غرب سوريا.
استبعد الكاتب والباحث في الشؤون الدولية فراس بورزان أن تفضي زيارة الوفد الروسي إلى سوريا إلى الوصول إلى نتائج ملموسة، لكن في الوقت ذاته وصف الزيارة بأنها تؤسس لقناة اتصال رسمية ومباشرة بين البلدين.
وقال بورزان في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إنه لا يزال مصير القواعد الروسية في سوريا غير محسوم، لكن العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل السابع من ديسمبر 2024 تبدو مستبعدة بخاصة في ظل وضوح المطالب الأوروبية بهذا الخصوص، وتوقع أن يؤدي الاتحاد الأوروبي دوراً محورياً في إعادة الإعمار ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، في وقت السلطات الجديدة غير منتظمة بعد في مشروع إقليمي واسع يتعلق بوجود روسيا بالمنطقة.
وأضاف الباحث في العلاقات الدولية "توجد بعض الأمور التي لا تزال تربط بين دمشق وموسكو أبرزها كون تسليح الجيش السوري كله روسياً تقريباً، وإذا لم يتخذ بعد أي قرار بتغير مصدر التسليح، فستعود للتزود بأسلحة وأنظمة عسكرية روسية جديدة، وبصورة عامة تظل روسيا دولة كبرى وعضواً دائماً في مجلس الأمن ولا مصلحة باتخاذ مواقف عدائية تجاهها ما لم تتصادم مصالح البلدين بصورة مباشرة".
ويجزم بورزان عن تجاوز موسكو سريعاً صدمة الأيام الأولى التي تلت تحرير مدينة حلب، وتدريجاً توقفت عن وصف المعارضة بالإرهاب، وبعد تحرير دمشق بدأت بالتحول إلى مقارنة براغماتية تجاه الأحداث، كما بدأت بإرسال رسائل إيجابية متعددة تجاه السلطة الجديدة من أبرزها الإبقاء على السفير الروسي، وهذا يشير إلى رغبة روسية في استمرار التواصل مع القيادة الجديدة، وإظهار موقف غير عدائي.
ويأتي في السياق ذاته تصريحات مسؤولين روس عن وحدة الأراضي السورية وتحذير إسرائيل من استغلال الوضع الحالي ورفض قرار ضم الجولان وإبداء استعدادها الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، مع دعوة الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف في إعادة النظر في تصنيف "هيئة تحرير الشام"، وإرسال قوات شرطية روسية للمساهمة في الأمن الداخلي، وتعكس هذه الرسائل انفتاح موسكو على الحديث مع قوى كانت تعتبر بالأمس القريب معادية.
في غضون ذلك لم تحسم الإدارة الجديدة الجدل في شأن مصير القواعد العسكرية الروسية، بالتوازي مع ما ذكره مدير جمارك طرطوس رياض جودي بإلغاء عقد الاستثمار لشركة "أس تي جي" الروسية لعدم الوفاء بشروط الصفقة المبرمة عام 2019، وتعد الشركة الروسية متخصصة بالإنشاءات وكانت دمشق وموسكو وقعتا على اتفاق مدته 49 عاماً.
في الأثناء قسم إلغاء الاتفاق أو الاستمرار السوريين إلى رأيين، منهم من يراها فرصة لتعزيز دور روسيا إلى جانب سوريا ما بعد فرار الأسد إلى موسكو والضغط لإعادته ومحاكمته، والمشاركة في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، إذ تحتاج إلى كثير من الدعم يقدر بـ400 مليار دولار بخاصة قوة موسكو كدولة كبرى، ومن جهة أخرى فريق يناصر فكرة عدم التعاون مع الروس وفض كل الاتفاقات الموقعة كونها كانت مع نظام الأسد الفاقد الشرعية.
وكانت روسيا الاتحادية شاركت بالقتال أثناء الصراع المسلح السوري عبر سلاح الجو في أواخر سبتمبر (أيلول) عام 2015 بعد طلب بشار الأسد طلباً عسكرياً بغية كبح القوات المعارضة له، وافق حينها مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة خارج البلاد، كما استخدمت حق النقض (الفيتو) ووقف في وجه تمرير قرارات تدين أعمال النظام وانتهاكاته في حق المدنيين.
وبالحديث عن القواعد الروسية لا تدخر موسكو جهودها بالبقاء على إطلالة استراتيجية على البحر المتوسط لا سيما بعد دخولها حرباً بمواجهة أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وهذا ما زاد من حالة الانقسام بين موسكو من جهة والولايات المتحدة والغرب لمناصرتهم كييف لا سيما الرغبة الروسية بوجود موطئ قدم لها في المياه الدافئة تنفيذاً لما يسمى "العقيدة البحرية" التي تبرز بها أهمية مناطق الجزء الشرقي من البحر المتوسط للحفاظ على أمنها القومي.
وقبل سقوط النظام بلغ عدد المواقع والنقاط الروسية في أرجاء المحافظات السورية 105 مواقع لغاية عام 2023، بينما انسحبت قواتها من هذه المواقع عدا عن قاعدتي "طرطوس" و"حميميم" في ريف اللاذقية غرب البلاد.
وشاب الانسحاب الروسي السريع كثيراً من العوائق لاتساع الرقعة، وانتشار القوات على مساحة مترامية منها بقاء قوات روسية في مقر أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية في حلب، ومع سرعة تقدم قوات الثوار ومحاصرة المقر وإجراء مفاوضات لسحب الضباط الروس من هذا المقر، بينما بلغ حجم الصفقات العسكرية حتى عام 2013 بين موسكو ودمشق 4 مليارات دولار.
وشهدت القواعد البحرية مطلع ديسمبر 2024 تحركات للسفن مرتبطة بصورة مباشرة بما يحدث على الأرض، ومن المتوقع نقل الجيش الروسي منظوماتها المتطورة، مع هرب الأسد وكبار المسؤولين عبر هذه القواعد.
حالياً تمتلك روسيا خمس سفن بحرية وغواصة واحدة متمركزة في طرطوس. وتشمل هذه القطع: فرقاطتين من فئة "جورشكوف وفرقاطة من فئة "غريغوروفيتش" وسفينتين مساعدتين وغواصة من طراز "كيلو" المطور.
وأنشئت قاعدة طرطوس عام 1971 كمركز إصلاح وتجديد، في حين تقع قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية وأنشئت عام 2015 وتضم مركزاً للمصالحة، وموقع انطلاق عمليات لشن الهجمات خلال عقد من الحرب السورية على مواقع المعارضة السورية والفصائل الإسلامية المتشددة.