ملخص
زواج السياسة بالمال لم يعد مصارف وشركات نفط ومصانع كبرى، أصبح الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أحد أبرز أركان هذا الزواج، ومرشحاً لأن يكون الركن الرئيس، لا سيما أنه أصبح ضالعاً في المال والنفط والطاقة والسلاح والبورصة والأمن والإعلام والاقتصاد والصحة، والقائمة تطول.
ظهير رقمي؟ أم خط دفاع غير تقليدي؟ أم جبهة هجوم خارج الصندوق؟ أم خطة للهيمنة على المجرات؟ أم تشجيع للتكنولوجيا؟ أم جزء من التحالفات المدهشة؟ أم ترسيخ لمستقبل بات قريباً تصبح فيه شركات التكنولوجيا وعقول الذكاء الاصطناعي إحدى القوى العظمى، ومن يدري ربما "القوة العظمى"؟
عناوين التنصيب كثيرة، الأحداث والمفاجآت والتفاصيل جذبت اهتمام القاصي والداني حيث الإغراق في التفاصيل الصغيرة، من ارتدى ماذا؟ ولماذا؟ من تبادل حديثاً جانبياً مع من؟ وماذا قالت لغة الشفاه؟ ماذا تعني القبعة؟ وماذا تمثل الصلاة؟ ولماذا غاب هؤلاء وكيف حضر أولئك؟
ما وراء الحضور
حضور عمالقة شركات التكنولوجيا والسوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي، والإغراق في تكبير الصورة، وقراءة ما وراء النظرة وتفسير ما يقف خلف الحركات وما يرمز إليه ترتيب الوقوف في حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أيام، أجل الحديث عن "اليوم التالي" للتنصيب، والمتوقع من الظهير أو حائط الصد أو أداة الردع الجديدة، أو ربما القوى العظمى الصاعدة بسرعة التكنولوجيا التي ترسخ أقدام سيطرتها وسطوتها بسرعة الذكاء الاصطناعي الباسط هيمنته على العالم.
كلا الطرفين: ترمب أو الإدارة الأميركية الجديدة، وعمالقة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمنصات والتطبيقات يتطلع إلى "التعاون" مع الآخر، هل يغازل عمالقة التكنولوجيا ترمب؟ أم أن ترمب هو من بادر بالغزل؟ أم ربما الإعجاب متبادل والمصلحة للطرفين؟
مشهد المدعوين من عمالقة التكنولوجيا في حفل التنصيب – سواء كانوا سعداء أو تعساء – بوصول ترمب مجدداً إلى البيت الأبيض لا يمكن أو يصح أو ينبغي أن يمر مرور الكرام، وكيف يمر من دون توقف وتحليل وتفنيد بينما ترمب يعلن عن استثمار القطاع الخاص نحو 500 مليار دولار أميركي لتمويل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وسياسات إدارته في الأيام الأولى تشي بتغيير كامل لقواعد التعامل مع قطاع التكنولوجيا، ومستقبل قريب يتبوأ فيه الذكاء الاصطناعي مكانة قريبة من قوى العالم العظمى؟
زواج السياسة بالتكنولوجيا
الأمر لا يتوقف عند حدود الاستعانة التي أثارت دهشة بعض من سكان الكوكب حين عين أغنى رجل في العالم وأحد أقوى جبابرة التكنولوجيا الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس" ومالك منصة "إكس" وغيرها من الشركات الدامجة والمازجة بين التكنولوجيا وعلوم الفضاء والمنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي إيلون ماسك في منصب مسؤول الكفاءة الحكومية، تقارب إدارة أقوى دولة في العالم، وأقوى صناعة ومجال أعمال وقوة تأثير في العالم يعني أن عالم ما بعد هذا التقارب سيختلف كثيراً عما قبله.
حضر رموز التكنولوجيا والثورة الرقمية حفل التنصيب، الرئيس التنفيذي لـ"تيك توك" شو زي تشيو ومدير شركة "أوبن أي آي" سام ألتمان، ورجل الأعمال في مجال التكنولوجيا فيفيك راماسوامي كانوا ضمن الحاضرين في الصفوف الأولى.
أما الرباعي إيلون ماسك ومؤسس ومدير شركة "أمازون" جيف بيزوس ومؤسس ومالك "فيسبوك" (ميتا) مارك زوكربيرغ والرئيس التنفيذي لشركة "غوغل" ساندر بيتشاي، فكانوا في صدارة الحضور، التي لم تكن صدارة بالصدفة.
الرسالة واضحة وصريحة، زواج السياسة بالمال لم يعد مصارف وشركات نفط ومصانع كبرى، أصبح الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أحد أبرز أركان هذا الزواج، ومرشحاً لأن يكون الركن الرئيس، لا سيما أنه أصبح ضالعاً في المال والنفط والطاقة والسلاح والبورصة والأمن والإعلام والاقتصاد والصحة، والقائمة تطول.
إنهم حلفاء الحكم، والحكم لن يستوي من دون مكون الواقع الافتراضي. المنافسات المتوقعة بين عمالقة هذا الواقع، والخلافات المبكرة مثل تشكيك ماسك في قدرة الشركات على الوفاء بتعهدها لتمويل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في مبادرة "ستارغيت" التي أعلنها ترمب، ومدى قدرة الرئيس على السيطرة على جموح الشركات وجنوح أصحابها، ورغبة الشركات وأصحابها في أن يصنفوا ظهيراً للرئيس أو حلفاءً لحكمه أو حتى قوة كونية تحت جناح أميركا، جميعها لن يعرقل نية ترمب اللجوء إلى أباطرة التكنولوجيا، وإن لزم الأمر ليّ أذرعتهم إن أبدى أحدهم أو بعضهم أو كلهم مقاومة من التحالف مع الرئيس.
أموال في حب الرئيس
عناوين وقراءات الشراكة أو التقارب، سواء كانا اختياريين أو إجباريين، ما زالت في مرحلة الـتأرجح مع قدر لا يستهان به من التناقض، هل انحنى أباطرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أمام ترمب، أم يحاول ترمب اصطياد الفرصة، على رغم أنهم هم الصيادون؟ وتبقى العبرة بالخواتيم.
حين صاح ماسك في حفل التنصيب مبتهجاً "هذا هو شعور الانتصار" هل كان يقصد انتصار ترمب أم يقصد انتصار عمالقة التكنولوجيا وتحولهم إلى شركاء للحكم، أم كان يقصد مستقبلاً تصبح فيه الهيمنة لهم وحدهم؟
الحديث عن عالم تتحكم فيه شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ليس مشهداً غارقاً في المبالغة من فيلم خيال علمي من إنتاج هوليوود، يبدو هذا العالم على مرمى "دقة زر" أو تقنية تطبيق أو تطوير منصة.
بضع شركات في العالم تسيطر على كميات هائلة من البيانات، وتهيمن على الخطاب العام عبر خوارزميات، وتؤثر في اختيارات الناس ونتائج الانتخابات وتوجهات الرأي العام وأولويات المجتمعات وتفاصيل الحياة في كل مجتمع على حدة.
ما الذي تحتاج إليه هذه الشركات أكثر من ذلك لتحكم قبضتها وتبسط سطوتها على العالم؟ صارت التقنيات والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي مكوناً رئيساً في تفاصيل حياة مليارات البشر، وأصبحت متشابكة مع القوى العالمية في مشارق الأرض ومغاربها.
يشير مقال منشور في مجلة "ذي إنتبرايز وورلد" تحت عنوان "هل تحكم التكنولوجيا العالم؟" إلى أن الدول ذات الإمكانات والقدرات التكنولوجية العملاقة مثل أميركا والصين والاتحاد الأوروبي، وربما روسيا، ليست مجرد قادة اقتصاد، بل هي قوة تكنولوجية عظمى، هي تمارس نفوذاً هائلاً في المشهد الرقمي، وتمتلك وقادرة على استغلال البيانات والخوارزميات والشبكات لتشكل، لا مجتمعاتها واقتصاداتها فقط، بل مجتمعات العالم واقتصاداته.
من يقود العالم؟
وبحسب ورقة منشورة في "بروكينغز" عنوانها "من يقود الذكاء الاصطناعي في عام 2030 سيحكم العالم حتى 2100" (2020)، تتطلب الزعامة التكنولوجية استثمارات رقمية ضخمة، وابتكارات سريعة في العمليات التجارية، وأنظمة ضريبية وتحويلية فعالة، ويبدو أن الصين تتمتع بالميزة في الأول، والولايات المتحدة في الثاني، وأوروبا الغربية في الثالث، ولن يكون واحد من المتطلبات الثلاثة كافياً، أو حتى اثنان، من يتفوق في الثلاثة سيهيمن.
بعض المراقبين يرى تحالف ترمب أو ظهيره التكنولوجي الجديد سبيلاً نحو الهيمنة، وآخرون يعتبرونه محطة في مشوار يحاول كلا الطرفين، ترمب وأباطرة التكنولوجيا، استخدام الآخر للهيمنة على العالم، فريق ثالث ما زال غارقاً في البحث عما إذا كان الذكاء الاصطناعي يهدد الديمقراطية، أو يفرض أيديولوجيات من دون غيرها على مليارات المستخدمين حول العالم، أو يسعى إلى السيطرة على مصير البشرية عبر تفوق الآلة على البشر، أو يمارس تهديداً للديمقراطية ويهددها بالفناء أو ربما اللحاق بركب الديكتاتورية الرقمية.
نادراً ما ذكر اسم رئيس أميركي مقترناً بنعت الديكتاتور، لكن ترمب استثناء، وحين قال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 خلال فعالية للحزب الجمهوري في نيويورك إنه يريد أن يكون ديكتاتوراً ليوم واحد فقط إذا انتُخب، إذ سيحفر ويحفر ويحفر، ثم يغلق الحدود"، قاصداً منع المهاجرين من الحدود الجنوبية، مر الأمر باعتباره دعابة، لكن الدعابة تحولت إلى مكون في تقارير إعلامية عدة بعد ساعات من بدء فترة ترمب الرئاسية.
"ترمب تحدث كأنه ديكتاتور، لا رئيساً في خطابه التنصيبي"، "الديكتاتور ترمب يعلن الحرب في يومه الأول على ملايين العائلات الأميركية"، "هل يتجه ترمب للديكتاتورية الناعمة؟"، "هل يحول ترمب أميركا إلى دولة استبدادية؟"، ""ترمب يتصرف كأنه ديكتاتور"، "ترمب ينفذ وعده ويصبح ديكتاتوراً ولكن ليس ليوم واحد فقط".
خوف على الديمقراطية
التقارير تتواتر والخوف على الديمقراطية يتصاعد، وعلى رغم الارتباط الكلاسيكي بين الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة والتمكين الرقمي من جهة والديمقراطية وترسيخ قواعدها ونشر أفكارها من جهة أخرى، فإن واقع التقارب أو التحالف بين ترمب وأباطرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يلوح باحتمالات مغايرة.
خبراء وأكاديميون يحذرون من أن العالم الرقمي الافتراضي بكل تقنياته ومنصاته وتطبيقاته المتطورة، وفي القلب منها الذكاء الاصطناعي التوليدي، يلوح بأخطار بالغة وتهديدات حقيقية للمجتمعات الديمقراطية، وعلى رغم الفوائد الجمة في المعرفة والابتكار والإبداع فإنها تحمل تهديدات عظمى.
تحذر زميلة معهد كارنيغي أوروبا ومتخصصة الأمن والدفاع الأوروبي رالوكا سيرناتوني في ورقة عنوانها "هل تصمد الديمقراطية في وجه القوة التخريبية للذكاء الاصطناعي؟" (2024) من التهديد الذي تمثله التقنيات الحديثة للديمقراطيات، وذلك من خلال تمكين الجهات الخبيثة مثل المعارضين السياسيين والخصوم الأجانب من التلاعب بالتصورات العامة، وتعطيل العمليات الانتخابية، وتضخيم المعلومات المضللة.
وحذرت سيرناتوني من الاستبداد الرقمي، ومن قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على التأثير في الخطاب الديمقراطي سلباً، وكذلك من التصادم بين تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتطور بسرعة صاروخية، وتآكل الضمانات الديمقراطية، وترى أن التقاطع بين الاستبداد الرقمي وأنظمة الذكاء الاصطناعي قد يعزز الحكومات الاستبدادية على المستوى الوطني، وكذلك في تكتيكاتها للتدخل الأجنبي، وهو ما يمثل تحدياً رئيساً للديمقراطية في القرن الـ21.
الظهير التكنولوجي
يرى بعض المتابعين أن التحدي قادم من قلب الديمقراطية، وأن الظهير التكنولوجي قد يجد نفسه مشاركاً في التحدي، إن لم يجد جديد في التحالف، أو يتهاوى، أو ينسحب أعضاؤه، أو ينقلب هذا على ذاك، أو العكس.
يشار إلى أن زوكربيرغ الذي كان في مقدمة المدعوين في حفل التنصيب، وهو ضمن المتبرعين للحفل، استقبل فترة رئاسة ترمب الأولى بكتابة رسالة عبر فيها عن قلقه من سياسات ترمب المعادية للهجرة والمهاجرين، وأشار فيها إلى أن والدي زوجته وأجداده جميعهم من المهاجرين.
جرى العرف في عالم شركات التكنولوجيا أن يميل القائمون عليها وموظفوها إلى الحزب الديمقراطي والتصويت له، لكن المشهد لم يعد بهذه البساطة.
مؤسس "تشامبر أوف بروغرس" أو "غرفة التقدم" المتخصصة في التكنولوجيا وذات التوجهات الديمقراطية اليسارية آدم كاوفاسوفيتش، كتب تحت عنوان "كيف نفهم ملاطفة عالم التكنولوجيا لترمب؟" (يناير 2025) أن معظم القائمين على شركات التكنولوجيا ذوو توجهات تميل للحزب الديمقراطي، حتى مع قيام قادة الشركات بالحج إلى "مارالاغو" (نادي الغولف الشهير في فلوريدا الذي يتوجه إليه الراغبون في التودد إلى ترمب) والتبرع بملايين الدولارات لصندوق تنصيب ترمب.
وقال كاوفاسوفيتش إن ذلك يعود إلى عام 2015 حين قرر ترمب الترشح للرئاسة، ثم فوزه المفاجئ على هيلاري كلينتون في عام 2016، وهو ما أدى إلى حال من الفوضى في صفوف الديمقراطيين". وأضاف أن رد فعل الساسة الديمقراطيين جراء هزيمة الحزب كان التحول ضد هذا القطاع برمته، وإلقاء مشكلات المجتمع برمتها على جشع هذه الشركات، وتجاهلوا تماماً قدرة وأثر هذه الشركات في دفع النمو الاقتصادي الأميركي.
ويرى كاوفاسوفيتش أن الساسة الديمقراطيين حملوا تشاؤمهم الخاص بشركات التكنولوجيا إلى عام 2020، وهو ما أدى إلى مرحلة محبطة لوادي السيليكون في عهد الرئيس بايدن، وروج بايدن لزيادة التنظيم بصورة كبيرة، ولدى قادة شركات التكنولوجيا سبب للغضب في شأن الأعوام الأربعة الماضية، وهو ما سيضيف سياقاً وسبباً لاحتضانهم ترمب. وعلى رغم ذلك فإن فوز الرئيس العائد لا يضمن بالضرورة إبحاراً سلساً في المستقبل.
ويتابع "لم تكن ولاية ترمب الأولى معروفة بتعزيز الابتكار التكنولوجي، ومن غير المرجح أن يتبنى أجندة ابتكار واسعة النطاق في البيت الأبيض، بالنسبة إلى وادي السيليكون فإن افتقار ترمب إلى الأيديولوجيا عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا يمثل سلاحاً ذا حدين، فمن جهة يبدو ترمب في فترته الجديدة – مقبلاً على وقف تصرفات بايدن العدائية مثل الدعاوى القضائية مثلاً المناهضة للعملات المشفرة، ومن جهة أخرى من غير المرجح أن يتخلى ترمب عن قضايا مكافحة الاحتكار التي رفعتها وزارة العدل وغيرها ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، وبعضها رُفع في فترة رئاسته الأولى، وهذا لا يعود إلى اهتمامه بمكافحة الاحتكار كقضية، بل لأن هذه الدعاوى القضائية تمنحه نفوذاً على الشركات، وتمكنه من الحصول على معاملة خاصة في ما يتعلق بمخاوفه الخاصة بالرقابة".
شركات لطيفة
وينهي توقعاته بقوله إنه في نهاية المطاف يحكم ترمب وينظم الشركات على أساس إذا ما كانت الشركة لطيفة معه أم لا، وهذا يفسر سبب حرص أصحاب الشركات من أباطرة التكنولوجيا على بدء ولايته "على القدم اليمنى"، أي بصورة تضمن نجاحهم وتفوق شركاتهم وتعظيم أرباحهم.
ضمان النجاح وتفوق الشركات وتعظيم الأرباح يتضاءل أو يتوارى أمام الأيديولوجيات والتوجهات السياسية، عشرات الدراسات والتقارير صدرت على مدى أعوام تصاعد أثر الذكاء الاصطناعي ونمو قاعدة شركات التكنولوجيا لمعرفة أثر التوجهات السياسية في درجة الترحيب أو الدعم للتقنيات الحديثة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، الغالبية وجدت أن الليبراليين أكثر تقارباً وتودداً وترحيباً بفكرة الذكاء الاصطناعي، في حين يميل المحافظون إلى عالم بلا ذكاء اصطناعي، أو أن يكون في أضيق الحدود.
كذلك فإن أصحاب التوجهات اليسارية يكونون أكثر استعداداً لتبني حياة عامرة بالذكاء الاصطناعي، والعكس صحيح، إذ يفضل اليمينيون الابتعاد قدر المستطاع عن هذا العالم.
حلفاء الحكم
في مشهد التنصيب، وفي سيناريوهات اليوم التالي المتوقعة لفترة رئاسة ترمب، سيفرض أباطرة التكنولوجيا والقائمون على أمر الذكاء الاصطناعي أنفسهم، أو سيجدون أنفسهم حلفاء الحكم.
يشير مقال عنوانه "الذكاء الاصطناعي نجح في إغواء الديمقراطيين من خلال دعوات التنظيم، الآن عليها أن تجتذب ترمب" في صحيفة "واشنطن بوست" (يناير 2025) إلى المبادرة التي تشنها شركة "أوبن أي آي" تحت عنوان "الابتكار من أجل أميركا"، التي تسوق خلالها أهمية بناء مراكز بيانات جديدة لاستخدامها من قبل مطوري الذكاء الاصطناعي وتحديث الشبكات الكهربائية اللازمة لتشغيل المرافق والبنى التحتية لهذه المراكز.
وكان ترمب قد أشار غير مرة إلى دعمه الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، واعتبار ذلك أولوية للمانحين التكنولوجيين الذين يشكل بعضهم جزءاً من إدارته.
كان هذا قبل الإعلان عن مشروع "ستارغيت" بأيام قليلة، وهو المشروع الذي حاربه ماسك وسخر منه وشكك في قدرات الشركات على القيام به، ويبدو أن هذا التشكيك السريع من ماسك، أحد أعمدة إدارة ترمب، يعود إلى الخلافات الشديدة السابقة بينه وبين الرئيس التنفيذي لشركة ""أوبن أي آي" سام ألتمان، وبينهما "ما صنع الحداد" بسبب المنافسة بين الرجلين اللذين ساعدا في تأسيس الشركة، حول من أحق بإدارته!
نائب رئيس السياسة العالمية في "أوبن أي آي" كريس ليهان قال لصحيفة "واشنطن بوست" إن مبادرة الشركة "الابتكار من أجل أميركا" لا تهدف إلى دعم أو تخاطب حزباً سياسياً بعينه، وأضاف "الذكاء الاصطناعي، لأنه مهم للغاية لأمننا القومي، ولأنه مهم للغاية للنمو الاقتصادي، قضية تتجاوز السياسات الحزبية التقليدية، هو ليس ذكاءً اصطناعياً ديمقراطياً، وليس ذكاءً اصطناعياً جمهورياً، هو ذكاء اصطناعي أميركي".
في الفصل الأول من فترة ترمب الرئاسية يتوقع أن يتقلص الحديث والبحث والتحليل حول كيفية تقويم الذكاء الاصطناعي أو تأمينه أو وقايته من الميل يميناً أو الانحياز يساراً، لكن ماذا عن احتمالات أو مؤشرات أو توقعات أن تكون هناك منصات أو تطبيقات يمينية متطرفة أو يسارية متشددة، أو تدعمها، وبدلاً من ابتكار أدوات للرقابة المجتمعية أو سن سياسات تحافظ على السلم الافتراضي تتبع قواعد الصوابية والاعتدال وعدم الانحياز، تصبح المنصة أو التطبيق نفسه مسيساً أو منحازاً؟!
حتى اللحظة، لم يخرج مثل هذا التطبيق أو المنصة إلى النور بعد بصورة واضحة، باستثناء نتائج ومخرجات للذكاء الاصطناعي قد تعكس عنصرية أو تحيزاً بسبب البيانات التي تستخدم لتدريب الخوارزميات والتي يمكن أن تؤثر في النتائج.
تطبيقات مسيسة؟
في الوقت نفسه يتخوف بعض المتابعين من أن تنعكس انتماءات وأيديولوجيات "أباطرة التكنولوجيا" على ما يملكون من منصات وشركات وتطبيقات، على سبيل المثال لا الحصر، إيلون ماسك لا يخفي دعمه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، وشارك في الدعوة إلى "فنجعل أوروبا عظيمة مجدداً"، على غرار شعار حملات ترمب الانتخابية "فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، كما دعا إلى الإفراج عن أحد رموز اليمين المتطرف في بريطانيا تومي روبنسون.
ذهب بعضهم إلى أن ماسك ربما يهدف إلى قيادة اليمين المتطرف في العالم، وإذا كانت هذه مبالغة، فماذا عن خوارزميات وقواعد تدشين المنصات والتطبيقات وعمل الذكاء الاصطناعي التي يملكها ماسك وغيره من أباطرة التكنولوجيا الذين هم أثرى أثرياء العالم؟ هل تتأثر بتوجهات مالكيها، أو بتوجهات حلفاء مالكيها من قادة ورؤساء؟
في خطابه الوداعي، حذر الرئيس السابق جو بايدن مما سماه "الأوليغارشية الجاري تشكلها في أميركا" حيث "تشكل ثروتها الهائلة وقوتها ونفوذها تهديداً ملموساً لديمقراطيتنا وحقوقنا الأساس وحرياتنا"، وقال إن الأميركيين غارقون في سيل من الأخبار المضللة، وهو ما يهدد بـإساءة استخدام السلطة.
ولحين إشعار آخر، يبدأ ترمب رئاسته بتحالف جديد مع أباطرة التكنولوجيا وملوك الذكاء الاصطناعي، أما ماذا سيكسب من هؤلاء؟ وماذا سيجني هؤلاء؟ وغيرها من الأسئلة، فستجيب عنها مجريات الأشهر القليلة الأولى من حكم الرئيس.