Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السفر الجوي الأميركي الأكثر أمانا في العالم لكن الكارثة كانت مسألة وقت

أبرز مشكلتين عدم وجود أنظمة تحذير في المطارات ونقص عدد المراقبين

حادثة مروعة أودت بحياة 67 شخصاً فوق نهر بوتوماك بمنطقة تفصل واشنطن عن مطار "رونالد ريغان" في مقاطعة أرلنغتون بولاية فرجينيا (أ ف ب)

ملخص

الصراع السياسي يوظف دائماً حتى في أحلك الظروف في قلب الكوارث التي تستدعي توحيد الصفوف لمعالجة الأزمات من أجل ضمان عدم تكرارها. والسفر الجوي الأميركي... هل هو ضحية هذا الصراع؟

تعتبر سلطات الطيران أن نظام السفر الجوي الأميركي الذي ينقل نحو 3 ملايين مسافر يومياً هو الأكثر أماناً في العالم لأنه محمي بنظام واسع من الضمانات التكنولوجية والبشرية المتداخلة، لكن ثقوباً متزايدة في طبقات نظام السلامة وتكرار حوادث اقتراب الطائرات من بعضها بعضاً بصورة خطرة في المطارات أو قربها، جعل وقوع كارثة مميتة مسألة وقت، وهو ما كانت نتيجته حادثة التصادم الأخيرة في واشنطن العاصمة بين طائرة مدنية ومروحية عسكرية.

فما أوجه الخلل في السلامة؟ ولماذا تقاعست سلطات الطيران الفيدرالية عن معالجتها؟ وما الدروس المستفادة لضمان عدم تكرارها؟

 

رعب الطيران

لا يوجد مكان أكثر إثارة وغرابة بالنسبة إلى البشر من التحليق في الهواء الذي كان حلماً منذ قرون طويلة، لذا فإن حوادث تحطم الطائرات تحدث رعباً خاصاً في النفوس، وفي الولايات المتحدة الأميركية، حيث توجد أكثر الفضاءات ازدحاماً بالطائرات، كانت هناك 90 حادثة ضخمة لشركات طيران كبرى تتعلق بسلامة الطائرات منذ منتصف القرن الماضي، مما أدى إلى مصرع آلاف المسافرين، مما يجعل معظم المعاصرين لها يتذكرون إلى الأبد الحوادث الكبرى والأرواح التي أزهقت والرعب الذي أحاط بها.

ووفقاً لقاعدة بيانات شبكة سلامة الطيران تراوحت هذه الحوادث من طائرة "بومباردييه" صغيرة الحجم التي اصطدمت بطائر في ولاية مسيسيبي في الثاني من يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى الحادثة المروعة التي أودت الأربعاء الماضي بحياة 67 شخصاً فوق نهر بوتوماك في منطقة تفصل العاصمة الأميركية واشنطن عن مطار "رونالد ريغان" الوطني في مقاطعة أرلنغتون بولاية فرجينيا، حين اصطدمت طائرة ركاب من طراز "سي آر جيه 700" تابعة لشركة الخطوط الجوية الأميركية في الجو بمروحية "بلاك هوك" تابعة للجيش في أثناء هبوط طائرة الركاب في مطار "ريغان" الوطني والمخصص فقط للرحلات المحلية.

الأكثر أماناً

ومع ذلك حلقت في سماء الولايات المتحدة خلال هذه الفترة نحو 1.3 مليون طائرة بحسب إدارة الطيران الفيدرالية، مما يشير إلى أن 0.007 في المئة فقط من الرحلات الجوية واجهت مشكلة خطرة في أثناء التحليق، مما يؤكد ما تقوله سلطات الطيران الأميركية إن نظام السفر الجوي في الولايات المتحدة، الذي ينقل أكثر من 3 ملايين مسافر يومياً، هو الأكثر أماناً في العالم، كما أن ذلك يعني تحسن التدريب والصيانة والاتصالات والإجراءات التشريعية أو التنظيمية بعد كل حادثة مميتة، مما غير السفر الجوي.

والدليل على ذلك أنه حتى ليلة الأربعاء الماضي، لم يقع على مدى 15 عاماً أي حادثة تحطم لطائرة مدنية تجارية محلية في الولايات المتحدة أسفر عن عديد من الوفيات منذ فبراير (شباط) 2009، عندما تحطمت طائرة تابعة لشركة "كولغان إير" فوق منزل قرب مدينة بوفالو بولاية نيويورك قرب الحدود الكندية، مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص البالغ عددهم 49 شخصاً وشخص واحد على الأرض.

كارثة حتمية

وفي وقت تحقق هيئة سلامة النقل الوطنية وإدارة الطيران الفيدرالية في الأسباب التي أدت إلى الحادثة، بدا أن هذه الكارثة كانت مسألة وقت منذ فترة طويلة، إذ حذر تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز" قبل 17 شهراً من تحطم طائرة "أميركان إيرلاينز" من نقص مقلق في الإبلاغ عن زيادة خطرة في حوادث كادت تؤدي إلى تصادم كارثي، سواء في السماء أو على المدرج في المطارات الأميركية، وشمل ذلك كل مطار تقريباً وجميع شركات الطيران الرئيسة.

ومن بين أبرز حوادث التصادم التي كادت تقع في العامين الماضيين ما أشارت إليه مجلة "بيبول" الأميركية عن حادثة وقعت في يناير عام 2023، حين كانت طائرة من طراز "بوينغ" تابعة لشركة "دلتا" تستعد للإقلاع في وقت لاحظ فيه مراقبو الحركة الجوية أن طائرة أخرى "بوينغ 777" تابعة لشركة "أميركان إيرلاينز" كانت تعبر المدرج في طريقها، لكن طائرة شركة "دلتا" تمكنت من التوقف بأمان على بعد نحو 300 متر فقط من طائرة شركة "أميركان إيرلاينز"، وفقاً لإدارة الطيران الفيدرالية.

وفي فبراير 2023 كان من المقرر أن تغادر طائرة "بوينغ 737" تديرها شركة "ساوث ويست إيرلاينز" قبل هبوط طائرة شحن من طراز "بوينغ 767" تابعة لشركة "فيديكس"، ولتجنب الأزمة، غيرت طائرة "فيديكس" مسارها في الوقت المناسب وألغت الهبوط، وذكرت إدارة الطيران الفيدرالية أن طيار الطائرة أوقف الهبوط وبدأ في الصعود مرة أخرى للخروج في وقت غادرت رحلة ساوث ويست بأمان.

أخطر المشكلات

ويبدو أن أخطر المشكلات التي كشف عنها تحقيق صحيفة "نيويورك تايمز" كان يتعلق بعدم وجود أنظمة تحذير في المطارات إلى جانب نقص في عدد مراقبي الحركة الجوية لمنع الكوارث التي يمكن تحدث في المتوسط مرات عدة في الأسبوع.

ومن خلال تحليل قاعدة بيانات "ناسا" التي تحوي تقارير سلامة سرية قدمها الطيارون ومراقبو الحركة الجوية وغيرهم من المتخصصين في مجال الطيران، تبين خلال أحدث فترة زمنية تمتد لمدة عام أن ما يقارب 300 تقرير أكدت اقتراب طائرات من بعضها بعضاً بصورة تنذر بكارثة اصطدام بين شركات طيران تجارية، وتضاعف عدد مثل هذه الحوادث في قاعدة بيانات وكالة "ناسا" التي تستند إلى إقرارات طوعية على مدى العقد الماضي، وإن كان من غير الواضح ما إذا كان هذا يعكس تدهور ظروف السلامة أو زيادة التقارير.

لكن مراقبي الحركة الجوية الحاليين والسابقين قالوا إن الحوادث القريبة كانت تحدث بصورة متكررة لدرجة أنهم كانوا يخشون أن كارثة اصطدام مميتة كانت مجرد مسألة قبل أن تقع بالفعل.

ويعود سبب ذلك جزئياً إلى الافتقار إلى مراكز مراقبة الحركة الجوية المجهزة بصورة مناسبة، فضلاً عن نقص مراقبي الحركة الجوية على مستوى البلاد، في وقت تتعرض فيه شبكة أمان الطيران في البلاد لضغوط متزايدة، وعلى سبيل المثال كان هناك ثلاث منشآت فقط من بين 313 منشأة عبر الولايات المتحدة يوجد بها عدد كافٍ من مراقبي الحركة الجوية بسبب قيود التوظيف التي أوصت بها إدارة الطيران الفيدرالية، كما يطلب من عديد من هؤلاء المراقبين الجويين العمل ستة أيام في الأسبوع مع ساعات عمل إضافية إلزامية، مما يؤدي أحياناً إلى ثماني ساعات فقط في كل نوبة عمل.

دروس بالدم

وكثيراً ما كانت شبكة الطيران الأميركية محمية بنظام واسع النطاق من الضمانات التكنولوجية والبشرية المتداخلة، إذ يخضع الطيارون لتدريب صارم، وكذلك يفعل مراقبو الحركة الجوية الذين يراقبون السماء ويديرون عمليات الإقلاع والهبوط، كما تتوافر أحدث ابتكارات التكنولوجيا لتنبيه الطيارين والمراقبين الجويين إلى الأخطار المحتملة وإرشادهم إلى توجيه الطائرات بعيداً من الخطر، ومع ذلك وقعت الكارثة التي حذر منها الكثير.

وبعد تصادم مروحية "بلاك هوك" العسكرية مع طائرة "أميركان إيرلاينز" الأربعاء الماضي، أبدى الكابتن تشيسلي سولينبرغر المعروف باسم "سولي"، والذي قاد بمعجزة رحلة طائرة ركاب بعد تعطل محركاتها في الهواء نتيجة اصطدامها بمجموعة من الطيور، وهبط بها في نهر هدسون بمدينة نيويورك عام 2009، رأيه في هذا الشعور، قائلاً إنه كان على الجميع تعلم دروس بالدم والحوادث بينما كانت هناك فرصة لتجنب ذلك.

مشكلة قديمة تتجدد

لكن المشكلة تعود إلى الثمانينيات من القرن الماضي، حين قامت إدارة الرئيس ريغان بتسريح آلاف المراقبين الجويين الذين كانوا مضربين عن العمل آنذاك، ومنذ ذلك الحين، شهدت الإدارة رحيلاً على شكل موجات مع اقتراب المراقبين الجويين من سن التقاعد من دون وجود متدربين جدد ليحلوا محلهم.

وفي يونيو (حزيران) عام 2023، أصدر المفتش العام لوزارة النقل تقريراً يفيد بأن إدارة الطيران الفيدرالية بذلت جهوداً محدودة لضمان وجود عدد كافٍ من مراقبي الحركة الجوية في مرافق مراقبة الحركة الجوية الحيوية. ووفقاً لتقرير حكومي حول الظروف المحيطة بالكارثة التي قتلت 67 شخصاً وأثارت جدلاً متجدداً حول المجال الجوي المزدحم بالمطار، كان برج مراقبة الحركة الجوية في مطار "ريغان" الوطني يعاني نقصاً في مراقبي الحركة الجوية مساء الأربعاء عندما اصطدمت طائرة ركاب ومروحية عسكرية في الجو، وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" كان شخصان فقط يديران وظائف أربعة داخل برج مراقبة مطار "رونالد ريغان" الوطني وقت الاصطدام، مما يعني أن مستويات طاقم برج المراقبة كانت غير طبيعية في وقت تشهد فيه كمية الحركة الجوية فوق العاصمة، معدلاً يزيد على 100 طائرة هليكوبتر يومياً حول وتحت الرحلات الجوية القادمة والمغادرة.

لوم متبادل

وبعدما ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب باللوم على مراقبي الرحلات الجوية في منشور له على موقع "تروث سوشيال"، مشيراً إلى أنه كان ينبغي لهم أن يخبروا المروحية بما يجب أن تفعله بدلاً من السؤال عما إذا كانوا قد رأوا الطائرة، عاد في اليوم التالي بعد الكشف عن تسجيلات مخاطبات مراقبي الحركة الجوية مع الطائرتين، وحمل طياري المروحية العسكرية مسؤولية الحادثة على رغم أن التحقيقات لم تستكمل بعد. كما حمل ترمب الإدارات الديمقراطية السابقة في عهد الرئيسين جو بايدن وباراك أوباما مسؤولية أخطار الطيران بسبب ما وصفه بحبهم للتوظيف على أساس برامج التنوع والانصاف والشمول للوظائف عالية الأخطار، مثل مراقبي الحركة الجوية، ما أغضب وزير النقل السابق بيت بوتيجيج الذي وبَّخ ترمب على اتهاماته، بينما لم يهدر بعض الديمقراطيين أي وقت في توجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، الذي مضى على توليه منصبه 10 أيام، حين ألقوا باللوم على تجميده تعيين مراقبي الحركة الجوية مع وصوله إلى البيت الأبيض قبل أيام قليلة، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الصراع السياسي يوظف دائماً حتى في أحلك الظروف في قلب الكوارث التي تستدعي توحيد الصفوف لمعالجة الأزمات من أجل ضمان عدم تكرارها.

المزيد من تحلیل