ملخص
منذ عام 2001 نما اقتصاد الصين من 1.3 تريليون دولار إلى 18.3 تريليون متجاوزاً فرنسا وبريطانيا ثم ألمانيا وأخيراً اليابان
نشر المحامي الأميركي غوردون تشانغ كتاباً يعد من بين الأقل دقة في التنبؤ بمستقبل الصين، في كتابه الانهيار القادم للصين (راندوم هاوس، 2001)، قدم تشانغ حجة مفادها أن الجمع بين النظام السياسي الاستبدادي والشركات الصناعية المملوكة للدولة التي تعاني الصعوبات، والمنافسة العالمية الشديدة - نتيجة لانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية - سيؤدي إلى ضربة قاتلة للاقتصاد الصيني.
وتساءل تشانغ "هل سيتولى بعض الاقتصاديين من جامعة بكين شرح عجز التجارة ومفهوم الميزة النسبية لمجموعة غاضبة أثناء توجهها نحو مجمع القادة الشيوعيين في تشونغنانهاي؟".
بالطبع، حدث العكس، فمنذ عام 2001 نما اقتصاد الصين من 1.3 تريليون دولار إلى 18.3 تريليون دولار، متجاوزاً فرنسا وبريطانيا ثم ألمانيا وأخيراً اليابان، ليحتل المرتبة الثانية في تصنيفات الاقتصاد العالمي، وازدهرت الصادرات وزاد الوزن الجيوسياسي.
يقول كبير الاقتصاديين في "بلومبيرغ إيكونوميكس"، مؤلف كتابي "فهم المؤشرات الاقتصادية الصينية" و"الصين: الفقاعة التي لا تنفجر أبداً"، توم أورليك "منذ 2020، انخفض نمو الصين، وتحولت سوق العقارات من ازدهار إلى انهيار، كذلك فإن الحملة ضد رجال الأعمال ضربت الثقة في الاقتصاد، فيما عطلت ضوابط التصدير من الولايات المتحدة الوصول إلى التقنيات الحيوية، وأي شخص راهن على استمرارية أداء الصين المتميز خسر كثيراً من الأموال"، وأضاف "مع مخاطرة الظهور بمظهر المبالغ في التدقيق، فإن انفجار الفقاعة هو صدمة مفاجئة، شديدة، وغير قابلة للسيطرة. فكر في أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة عام 2008، أو الأزمة المالية الآسيوية في 1997، أو انفجار فقاعة العقارات في اليابان عام 1992، كانت تلك لحظات فقد فيها صانعو السياسات السيطرة، وانهارت الأسواق المالية، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بصورة حادة، وارتفعت معدلات البطالة. هذا ليس ما يحدث في الصين".
وتابع أورليك "لنركز على قطاع العقارات، الذي كان في يوم من الأيام أكبر محرك لنمو الصين، وهو الآن أكبر عائق، فمن المؤكد أن صانعي السياسات في الصين سمحوا للعرض بأن يتفوق بصورة كبيرة على الطلب، وأن تصحيح هذا الاختلال هو عملية مؤلمة. لقد أفلس عديد من المطورين العقاريين، وتكبد المستثمرون خسائر كبيرة، وشهدت الأسر تآكل قيمة أكبر أصولها... في الوقت نفسه وعلى رغم أن ذلك مؤلم، فإنه من الصحيح أيضاً أن الانهيار البطيء لقطاع العقارات في الصين قابل للإدارة ومحتوى. لفهم السبب دعونا نقارن ذلك بأزمة الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة، في الولايات المتحدة تجاهل صانعو السياسات الرافعة المالية الزائدة في قطاع العقارات حتى فوات الأوان، وعندما بدأ أصحاب المنازل في التخلف عن قروضهم العقارية أدت الأزمة المالية الناتجة إلى دفع الولايات المتحدة والعالم إلى الركود، وفي الصين تصرف صانعو السياسات قبل أن تندلع الأزمة، حين استخدموا مجموعة من الأدوات لإدارة وتيرة التراجع، وتمكنت البنوك الممولة جيداً من تحمل الضغط الناتج من القروض السيئة المتزايدة، وبينما تأثر النمو بالتأكيد، فإن الاقتصاد ليس في حال ركود، وكانت التداعيات على بقية العالم محدودة".
ويضيف أورليك بعبارة أخرى "في الولايات المتحدة انفجرت الفقاعة، وفي الصين يخرج الهواء من الفقاعة أسرع مما كنت أتوقع، لكنها لا تزال عملية انكماش مدارة".
النمو غداً
ويقول إن الألم على المدى القصير يحمل وعداً بالفائدة على المدى الطويل، إذ كانت الاستدانة بكميات متزايدة من المال لبناء شقق فارغة أكثر فأكثر استراتيجية تنموية لا يمكن استدامتها لفترة طويلة، لكن من خلال جعل المضاربة في العقارات أقل ربحية أو حتى غير مربحة، فإن صانعي السياسات في الصين يدفعون العمال والمستثمرين بعيداً من بناء مدن الأشباح نحو وظائف أكثر إنتاجية.
حملة صارمة على البنوك
وتحدث أورليك عن الحملة الصينية على القطاع المالي، إذ تحدد راتب المصرفيين عند 400 ألف دولار سنوياً، واسترداد المكافآت، واستهدفت لجنة التفتيش المركزية للانضباط - وهي هيئة مكافحة الفساد في الصين - بعض الأسماء البارزة في السوق، وقال إن حدوث ذلك في الولايات المتحدة سيكون كارثة، خصوصاً أن الاقتصاد الأميركي يعمل على حدود التكنولوجيا، في حين يأتي النمو من الابتكار الذي يدفع بتلك الحدود إلى الوراء، ووصف تركيز بعض من أذكى العقول على القطاع المالي بالأمر الإيجابي.
ويضيف أورليك "في الصين، الوضع ليس كذلك، فالدخل المتوسط الذي يعادل نحو ثلث المستوى في الولايات المتحدة يظهر أن الاقتصاد لا يزال بعيداً من حافة التطور التكنولوجي، وهذا يعني أن التنمية تقاد أكثر من خلال اللحاق بالتقنيات الحالية بدلاً من اختراع تقنيات جديدة".
وفي مستوى التطور الحالي للصين، يرى أورليك أنه يمكن للنظام المالي البسيط أن يؤدي وظيفة توجيه الأموال نحو المشاريع ذات الأولوية، وتابع "أما العباقرة في الرياضيات الذين يمكنهم صياغة صفقات مشتقات معقدة، فمن الأفضل توظيفهم في تسريع قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين".
وأضاف "لقد كانت التنفيذات بعيدة من الكمال، لكن كما هي الحال مع الضوابط في قطاع العقارات والحملة على رواد التكنولوجيا، هناك منطق في نهج الصين، واستعداد لتحمل الألم على المدى القصير من أجل دعم آفاق التنمية على المدى الطويل".
"ديب سيك"
حتى مع انهيار قطاع العقارات ببطء وتأثيره في النمو على المدى القصير، وبقاء المعنويات في السوق عند أدنى مستوياتها، يشير أورليك إلى وجود إشارات على أن استراتيجية بكين بدأت تؤتي ثمارها، إذ إن سيارات الصين الكهربائية تباع في جميع أنحاء العالم، علاوة على أن "ديب سيك دفعت الصين إلى أن تكون في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي".
يشهد اقتصاد الصين تحولاً سريعاً، ففي عام 2020 بدأ الرئيس الصيني في خفض فقاعة العقارات، إذ كانت العقارات تمثل 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كانت القطاعات التكنولوجية المتقدمة تمثل 11 في المئة، أما عام 2024 فانخفضت العقارات إلى 19 في المئة بينما نما قطاع التكنولوجيا المتقدمة إلى 15 في المئة، وبحلول عام 2026 من المحتمل أن يكون اقتصاد الصين مدفوعاً أكثر بالسيليكون بدلاً من الأسمنت، وهي خطوة مهمة إلى الأمام.
يقول أورليك إن عودة ترمب إلى الرئاسة تفجر أخطاراً على الساحة الدولية، مثلما هي الحال في تجاوز السلطة داخل الصين وهو ما يخلق النوع نفسه من الأخطار داخلياً، وكانت هناك فترة بدا فيها أن الاقتصاد الصيني في طريقه لتجاوز الولايات المتحدة بسرعة ليصبح أكبر اقتصاد في العالم، لكن الآن يبدو أن الصين ستظل في المركز الثاني لفترة طويلة في المستقبل المنظور.