ملخص
قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق نشاطاتها معتبراً إياها مصدر هدر لأموال دافعي الضرائب.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وجدت الولايات المتحدة نفسها في تحدٍّ أمام إعادة بناء الاقتصادات الأوروبية التي دمرتها الحرب، ومنع انتشار النفوذ السوفياتي في أوروبا الذي كان يتوسع مستغلاً حال الفوضى، حينها جاءت "خطة مارشال" كمبادرة لإعانة القارة العجوز التي أضناها الدمار وأثقلها الفقر، فكان أن أرسلت أميركا 13 مليار دولار، تقصد بها ترميم المدن وإحياء الصناعة ودفع عجلة الاقتصاد.
وبعد عقود من المشروع الأميركي في إعادة بناء أوروبا واستقرارها واصلت واشنطن حضورها الناعم في أنحاء العالم بأداة تعبر عن حسن النية الأميركية، وذلك بتقديم المساعدات في أكثر من 80 دولة حول العالم من خلال "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" عبر برامجها التنموية والإنسانية، مدفوعة بموازنات ضخمة تتجاوز 44 مليار دولار سنوياً.
لكنه وعلى رغم هذا التاريخ تواجه الوكالة اليوم معركة مصيرية، مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق نشاطاتها، معتبراً إياها مصدر هدر لأموال دافعي الضرائب، وذلك مع إقدام إدارة الجمهوري على خفض المساعدات الخارجية بصورة كبيرة.
ويرى منتقدو هذه الخطوة أن هناك أخطاراً إزاء تراجع الحضور الأميركي في أجزاء واسعة من العالم النامي.
1 ما الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
تعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) الذراع الإنسانية للولايات المتحدة، وهي تابعة للحكومة الفيدرالية ومسؤولة عن تقديم المساعدات التنموية والإنسانية للدول النامية، وتهدف إلى تعزيز الاستقرار العالمي ودعم النمو الاقتصادي وتحسين الصحة العامة وتعزيز الحوكمة الديمقراطية، وتدير برامج في أكثر من 100 دولة حول العالم.
2 متى أُسست وكالة "USAID"؟
أُسست الوكالة عام 1961 إبان الحرب الباردة عندما أدركت واشنطن أن النفوذ لا يُفرض بالقوة العسكرية وحسب، بل بالمساعدات التنموية، وأقر الرئيس جون كينيدي قانون المساعدات الخارجية واضعاً الأساس لوكالة تجمع كل الجهود الأميركية تحت مظلة واحدة، وعلى رغم أن الكونغرس منحها طابع الاستقلالية بموجب تشريع عام 1998، فإنها كانت لا تزال تعمل تحت إشراف وزارة الخارجية، إذ يُعد الوزير هو الرئيس المباشر لمدير الوكالة.
3 ما دور الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
تعد الذراع التنموية الأساس للحكومة الأميركية في الخارج، حيث تركز على الحد من الفقر ومكافحة الأمراض، وتعزيز النمو الاقتصادي، ودعم مصالح واشنطن التجارية عبر دمج الدول النامية في التجارة العالمية، وركزت في نشاطاتها على مجالات عدة، منها دعم "الصحة العالمية" في مكافحة الأمراض المعدية، إلى جانب التنمية الاقتصادية من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية والنزاعات، ودعم اللاجئين والنازحين.
4 من يمول الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
تمول الوكالة بصورة أساس من الموازنة الفيدرالية، إذ يخصص الكونغرس الأميركي سنوياً موازنة للوكالة ضمن قانون المساعدات الخارجية.
وتستخدم هذه الأموال لتمويل برامج ومشاريع تنموية وإنسانية في مختلف أنحاء العالم، إلى جانب ذلك تتلقى مساهمات من الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، لدعم مبادرات محددة أو تعزيز الشراكات في مجالات التنمية.
5 أين ذهبت المساعدات الخارجية الأميركية؟
وبينما تعد الوكالة هي أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية الأميركية، وحسب تقرير نشرته "خدمة أبحاث الكونغرس" فإنها مولت مشاريع في نحو 130 دولة خلال السنة المالية 2023، وبلغت موازنتها هذا العام نحو 44 مليار دولار، ويمثل هذا الرقم أكثر من 60 في المئة من إجمال المساعدات الخارجية الأميركية.
وجاءت أوكرانيا في مقدمة أكبر الدول مستفيدة من المساعدات، إذ تلقت 16 مليار دولار، تلتها بالترتيب كل من إثيوبيا والأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان وسوريا، ومع ذلك تمثل المساعدات أقل من واحد في المئة من موازنة الولايات المتحدة الفيدرالية.
6 لماذا يسعى ترمب إلى إغلاق الوكالة؟
منذ اليوم الأول من تولي الجمهوري كرسي الرئاسة سعى إلى تقليل الإنفاق الفيدرالي، واستهدفت سياساته المساعدات الخارجية، وأصدر الرئيس ترمب قراراً بتجميد المساعدات الخارجية، مما أدى إلى إغلاق آلاف البرامج حول العالم، ووضع عدداً كبيراً من الموظفين في إجازة قسرية، تسببت هذه الخطوة في فوضى داخل صفوف وزارة الخارجية والوكالة، التي صدرت لها تعليمات بإيقاف المشاريع القائمة منذ فترة طويلة.
ويعكس تجميد المساعدات الخارجية مخاوف قديمة داخل الحزب الجمهوري، تعززت مع تبني ترمب نهج "أميركا أولاً" في السياسة الخارجية.
وفي غضون ذلك وجه الرئيس الأميركي وحليفه الملياردير إيلون ماسك، انتقادات حادة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، معتبراً أن المؤسسة الأميركية الكبرى تُدار من طرف "مجانين متطرفين"، مؤكداً عزمه على التخلص منهم قبل اتخاذ قرار نهائي في شأن مستقبل أنشطتها، إذ يرى منتقدو الوكالة أن أموال دافعي الضرائب تُنفق بلا فائدة في الخارج على مساعدات لا تخدم المصالح الأميركية.
ويواصل الملياردير إيلون ماسك الذي كلفه ترمب خفض الإنفاق الفيدرالي الأميركي نشر سلسلة تعليقات لاذعة عبر منصته "إكس"، ضد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، واصفاً إياها بأنها "منظمة إجرامية" ينبغي "زوالها".
وقال رئيس شركة "تسلا" و"سبيس إكس" في منشوره "هل تعلمون أنه بأموال دافعي الضرائب موّلت الوكالة أبحاثاً حول الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك ’كوفيد-19‘ الذي قتل ملايين الأشخاص؟".
ومن بين الأمثلة الأخرى التي استشهدت بها إدارة ترمب كدليل على إهدار الأموال، هناك 50 مليون دولار تزعم أنها خُصصت لشراء واقيات ذكرية في قطاع غزة، على رغم عدم تقديم أي دليل على ذلك.
بينما يرى مؤيدو الوكالة أنها أداة لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، فيما يصفها منتقدوها بأنها تُهدر الأموال وتروج لأجندة سياسية معينة.
7 هل يمكن للإدارة الأميركية إغلاق الوكالة؟
وفي أعقاب الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب لتعليق جميع برامج المساعدات الخارجية الأميركية موقتاً لمدة 90 يوماً، من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الأميركي يملك الصلاحية لتغيير وضع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بصورة منفردة، إذ تقول خدمة أبحاث الكونغرس إن إلغاء الوكالة أو نقلها أو دمجها يتطلب تفويضاً من الكونغرس، لكنها أشارت إلى أن الرئيس لديه سلطة اقتراح وتنفيذ "تغييرات هيكلية."
ويؤكد المشرعون الديمقراطيون وبعض المسؤولين السابقين أن هذه الخطوة ستكون غير دستورية، إذ إن استقلالية الوكالة أُقرت بموجب تشريع من الكونغرس، ومن ثم لا يمكن تغيير وضعها إلا عبر إجراء تشريعي من الكونغرس نفسه.
لكن في المقابل، يسيطر الحزب الجمهوري الذي يقوده ترمب على مجلسي النواب والشيوخ، مما يمنحه صلاحية تمرير تشريعات جديدة، ومع ذلك لا يزال أمام الديمقراطيين إمكان عرقلة أي قانون باستخدام "المماطلة البرلمانية"، وهي أداة إجرائية تمنحهم حق المطالبة بنقاش لا نهائي داخل مجلس الشيوخ.
8 ما تداعيات تجميد المساعدات الأميركية؟
حذّر صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن وقف المساعدات الأميركية في الخارج قد يتسبّب بنحو 1200 حالة إضافية من وفيات النساء إثر مضاعفات الحمل والتوليد في أفغانستان بحلول 2028.
وبسبب قرار التجميد علق صندوق الأمم المتحدة للسكان أن "الخدمات الممولة من المساعدات الأميركية" "تشكل خشبة خلاص للنساء والفتيات في حال أزمة، لا سيّما في جنوب آسيا"، بحسب ما صرح المدير الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في صندوق الأمم المتحدة، بيو سميث.
وقالت وكالة الأنباء الأميركية "أسوشييتد برس" إنه "من الممكن أن تعاني منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا أكثر من أية منطقة أخرى خلال فترة توقف المساعدات، كذلك فإن الولايات المتحدة قدمت للمنطقة أكثر من 6.5 مليار دولار كمساعدات إنسانية العام الماضي".
9 ما مصير العاملين في الوكالة؟
وتضمن الوكالة أكثر من 10 آلاف موظف ويعمل نحو ثلثيهم في خارج الولايات المتحدة، وأعلنت أن جميع الموظفين الذين يُعينون بشكل مباشر وبخاصة موظفو الخدمة المدنية والخدمة الخارجية سيوضعون في إجازة مدفوعة الأجر اعتباراً من مساء الجمعة السابع من فبراير (شباط)، باستثناء الموظفين "المسؤولين عن الوظائف الحيوية للمهمة، والقيادة الأساس والبرامج المخصصة بصورة خاصة".
كما سترتب الوكالة وتدفع كلف السفر لموظفيها العاملين بالخارج للعودة إلى الولايات المتحدة في غضون 30 يوماً، كذلك عُرض الإشعار كصفحة رئيسة على موقع الوكالة.
10 ما رأي الأميركيين في المساعدات الخارجية؟
وأظهر استطلاع أجرته AP-NORC في مارس (آذار) 2023 أن نحو 60 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن الحكومة تنفق "أكثر من اللازم" على المساعدات الخارجية، وعند السؤال عن تفاصيل أكثر، رأى نحو 70 في المئة أن الولايات المتحدة تخصص أموالاً زائدة للمساعدات الخارجية، بمن فيهم 90 في المئة من الجمهوريين و55 في المئة من الديمقراطيين.
كما بيّنت استطلاعات سابقة أن الأميركيين يميلون إلى المبالغة في تقدير نسبة الموازنة الفيدرالية المخصصة للمساعدات الخارجية، إذ يعتقدون أن النسبة تصل إلى 31 في المئة، بينما هي في الواقع أقل من واحد في المئة.