Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسات ترمب بوجهة نظر مؤلف كتاب "علم العنصرية"

رمى الرئيس الأميركي وحلفاؤه مسؤولية كل شيء من حرائق كاليفورنيا إلى تحطم طائرة في فيلادلفيا على ممارسات المساواة والتنوع في التوظيف، فما هي الخرافات والحقائق المزعجة المتعلقة بسياسات الإدماج في مكان العمل؟ 

عدائية ترمب تجاه المساواة والتنوع والإدماج لا تزال نقطة التقاء كثيرين من التيار اليميني (غيتي)

ملخص

في اليوم التالي لاستلامه منصبه، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراراً تنفيذياً يقيد برامج التنوع والمساواة والإدماج في الوكالات الفيدرالية، مما أدى إلى تداعيات كبيرة في أماكن العمل. بينما أثار القرار جدلاً حول فعالية هذه البرامج، يجادل الخبراء بأن إلغائها قد يزيد من التمييز بدلاً من تقليله.

في الـ 21 من يناير (كانون الثاني) 2025 أصدر دونالد ترمب قراراً تنفيذياً يفرض قيوداً على برامج التدريب المتعلقة بالتنوع والمساواة والإدماج في الوكالات الفدرالية، وقد قدمت هذه الأوامر على أنها تدابير ضرورية ضد مفاهيم "خطرة ومهينة"، وزُعم أن إلغاء مبادرات التنوع والمساواة والإدماج سيسهم في تهيئة بيئة عمل يحظى فيها جميع الأميركيين بمعاملة محترمة تحفظ كرامتهم بالتساوي.

كانت هذه خطوات جريئة وقد تسببت بتداعيات ضخمة في أماكن العمل في أميركا وحول العالم، كما كُتبت عنها سلسلة من العناوين التي أعلنت "نهاية مكان العمل المؤمن بتيار اليقظة"، وصوّر ترمب على أنه بطل التخلص من "فيروس عقل اليقظة الليبرالي"، وعلى أرض الواقع كلفت هذه الخطوة عدداً كبيراً من الأشخاص لقمة عيشهم.

سُرحت الأدميرال ليندا فاغان، أول امرأة تقود خفر السواحل الأميركي، من منصبها باعتبارها حصلت على وظيفتها بفضل سياسة "التنوع والمساواة والإدماج"، وأعلن البيت الأبيض منح الموظفين الفيدراليين الذين حصلوا على مناصبهم بفضل هذه السياسة إجازة قسرية مدفوعة الأجر، فيما شهدت شركات كبرى مثل "وولمارت" و"ميتا" التابعة لمارك زوكربيرغ و"أمازون" المملوكة لجيف بيزوس، تراجعاً فورياً في جهودها المرتبطة بالتنوع والإدماج.

وفيما تقبع وظائف عدة في دائرة الخطر عمت الاحتفالات شبكات التلفزة الإخبارية المحافظة، فاحتفى مضيفو البرامج وضيوفها على حد سواء بالخبر، ونشرت شبكة "فوكس نيوز" عبر صفحتها على "انستغرام"، "وداعاً للتنوع والمساواة والإدماج".

من موقعي كأستاذ جامعي وخبير في علم النفس الاجتماعي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أردت أن أركز على ما هو أبعد من العناوين الصحافية وأتعمق في الحقائق، ونظراً إلى العواقب المترتبة على هذا الأمر التنفيذي، فإلى أي مدى يستند هذا القرار إلى العِلم؟ وإلى أي حد هو مجرد تدمير عشوائي في خدمة حروب ثقافية لا طائل منها؟ 

هل هناك جانب مصيب في ما يطرحه ترمب؟

 كما يقول المثل، حتى الساعة المعطلة تشير إلى التوقيت الصحيح مرتين في اليوم، ومن غير النزيه ألا نشير إلى الأمور التي أصاب فيها ترمب، وهي مسائل يتزايد القلق في شأنها حتى في أوساط الأشخاص المؤيدين لبرامج التنوع والمساواة والإدماج بشكل عام، والراغبين في أن تصبح أكثر فعالية.

من الصحيح مثلاً أن هذه البرامج لديها سجل غير ثابت في مجال تحسين التنوع والإدماج، وأثمرت بعض جهود برامج التنوع والمساواة والإدماج نتائج إيجابية، لكن الدراسات التي أجريت على مئات الشركات على امتداد عقود من الزمن، من قبيل أبحاث عالمي الاجتماع فرانك دوبن وألكساندرا كليف عام 2006، كشفت عن أن مبادرات عدة منتشرة ومتجذرة في إطار هذه الجهود لا تؤدي إلى أي أثر ملموس على الإطلاق، بل ما وجداه أيضاً هو أن بعض التدخلات، مثل التدريب الإجباري على التحيز اللاواعي [ميل غير مقصود نحو اتخاذ قرارات متأثرة بالقوالب النمطية والخبرات السابقة، مما قد يؤدي إلى تمييز غير مقصود في العمل والحياة اليومية] أدت إلى انخفاض نسبة النساء والأقليات في المناصب الإدارية، وقد يكون ذلك بسبب رد الفعل العكسي على التدريب عينه وغياب أية آليات أخرى لتعزيزه.

تكشف دراسة عام 2013 بعنوان "العدالة المفترضة: التأثيرات العكسية لهياكل التنوع التنظيمي" عن أن بعض جهود التنوع والمساواة والإدماج تُستخدم لحماية الشركات من العواقب القانونية أو الضرر الذي قد يلحق بسمعتها، مما يسمح لها بمواصلة ممارساتها التمييزية من دون محاسبة، وتعزز هذه الأبحاث المخاوف من أن بعض سياسات التنوع والإدماج ليست سوى غطاء يُستخدم للتغطية على ممارسات عنصرية أو تمييزية مستمرة، فيما يُطلب منا "ألا ننتبه إلى ما يحدث في الكواليس"، وكل هذا يجري في ظل انتشار مبادرات التنوع والمساواة والإدماج خلال العقود الماضية بصورة أدت إلى ظهور قطاع كامل من الأعمال وصلت قيمته إلى 8 مليارات دولار سنوياً، وأُجبر كل شخص تقريباً في كل مكان عمل، بما فيهم أنا (وربما أنتم) للمشاركة فيه.

مشكلة ترمب مع برامج التنوع والمساواة والإدماج لا تعني أنه يملك حلاً

للأسف هنا ينتهي أي ثناء على أمر الرئيس التنفيذي أو أي تأييد له، فخلافاً لما يزعم فهذا الأمر لن "يحمي الأفراد الأميركيين من التمييز بناء على العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الموطن الأصلي"، ولن "يفيد جميع الأميركيين"، ولن يضعف أو يمنع "التفضيلات الخطرة والمهينة وغير الأخلاقية القائمة على العرق والجنس"، كما أنه لن يعزز "القيم الأميركية التقليدية المتعلقة بالاجتهاد في العمل والتميز والإنجازات الفردية"، ولن يحمي "الأميركيين الكادحين" من التعرض "للتمييز أو الإهانة أو الحرمان من الفرص بسبب عرقهم أو جنسهم"، ولا شك أبداً في أنه لن "(يعيد) الفرص القائمة على الجدارة" أو "(يعزز) تساوي الفرص لكل الأميركيين".

لماذا؟ لأن هذه الادعاءات من منظور علمي لا أساس لها من الصحة، فوفقاً لجميع الأبحاث العلمية المتاحة لن يحقق أمر ترمب أياً من هذه الأهداف، بل من المرجح بشدة أن يزيد تفاقم المشكلات ذاتها التي يزعم حلها، ولفهم السبب علينا أن ندرك الحقائق المهمة التي يتجاهلها هذا القرار.

إعادة صياغة الإشكالية

أنا لا أخشى من انتقاد القصور ومواطن الضعف والكُلف المرتبطة بمبادرات التنوع والمساواة الحالية، بل أكرس فصلاً كاملاً من كتابي "علم العنصرية" لهذه القضايا، وقد فعلت ذلك لأنني أريد بحق أن يفهم الناس العمل الجاد المفروض بذله لمعالجة القصور في برامج التنوع والمساواة والإدماج بصورتها الحالية، وأريدهم أيضاً أن يفهموا لماذا، رغم إدراكي التام لهذه العيوب، واصلت العمل في هذا المجال وما زلت أراه ضرورة لا غنى عنها؟

القوة الحقيقية للدعاية ليست في أنها تخبرك بما تفكر بل بما يجب أن تفكر فيه أصلاً، وكما يقول المثل "إذا تمكنوا من جعلك تطرح الأسئلة الخاطئة فلن يكون للإجابات أية أهمية."

 

تنبع أوامر ترمب إلى حد بعيد من التساؤل إن كانت جهود التنوع والمساواة ظالمة بحق الرجال والبيض، وما إذا كانت تمنح تفضيلًا للنساء والأقليات العرقية، وهو تساؤل بعيد تماماً من كل الحقائق المتاحة، فمن أقسام القبول في الجامعات المرموقة إلى الوظائف المرموقة في سوق العمل، أصبح من الشائع سماع عبارة" أسوأ شيء يمكن أن تكونه اليوم هو رجل أبيض من الطبقة المتوسطة"، لكن أي بحث بسيط في هذا الادعاء يثبت أنه خاطئ تماماً.

بل العكس هو الصحيح لأن العلم واضح بصورة لا لبس فيها حيال وجود ظلم فعلي في أماكن العمل الحديثة، وفي شأن هوية الأشخاص الذين يتعرضون له، وهم ليسوا الرجال ولا البيض (يا للمفاجأة)، فقد دأب الباحثون لعقود على إجراء دراسات لاختبار ممارسات التوظيف بغية الكشف عن وجود أي تمييز فيها على أساس العرق والجنس، وعلى سبيل المثال قام العلماء بإعداد مئات أو آلاف النسخ من السير الذاتية التي تحمل المؤهلات والخبرات نفسها تماماً، مع تعديل عنصر واحد فقط وهو الهوية الديموغرافية للمتقدمين، كاستبدال الأسماء للإيحاء بأن الطلب مقدم من شخص أبيض أو شخص أسود، وبدقة صادمة تكشف الأبحاث المتكررة الواقع نفسه وهو أنه على رغم التساوي التام في مؤهلات المتقدمين المفترضين للوظيفة فإن احتمالات اعتبار "البيض" محترفين وجديين ومحبوبين أعلى بكثير مقارنة بفئات أخرى، وقد كشفت دراسة ثانية نشرت عام 2020 أنه وعلى رغم كون مقدمي الطلب متساوين تماماً في المؤهلات، يعتبر المتقدمين "البيض" محترفين أكثر بكثير من الآخرين، وقد وجد الباحثون عام 2019 أن البيض قد يتلقون اتصالات لإجراء مقابلة أو عروض عمل أكثر من غيرهم.    

وتكشف الدراسات عن أن هذه الفجوات ضخمة في شتى المجالات، وقد أظهرت أبحاث أجريت بين عامي 2009 و2019 أن الشركات تعاود الاتصال بالبيض أو تدعوهم إلى إجراء مقابلة عمل أكثر بمرتين مما تفعل مع من ينتمون إلى الأقليات وإن كانوا يتمتعون بالمؤهلات والكفاءة نفسها، وبصورة مماثلة تظهر الأبحاث حول التمييز على أساس الجنس أن الرجال يُنظر إليهم على أنهم أكثر كفاءة وقابلية للتوظيف ويعاملون بطريقة تفضيلية مقارنة بالنساء اللواتي يملكن المؤهلات نفسها، ولم تؤد أية ممارسة في المجتمع الأميركي على الإطلاق إلى محو نقاط الأفضلية غير المنصفة هذه التي يتمتع بها الرجال والبيض، فيما لم يعكسها أي شيء على الإطلاق ولا حتى ممارسات التنوع والمساواة والإدماج.   

  

وفي ظل هذه الحقائق العلمية فإن تساؤلات ترمب حول كون سياسات التنوع والإنصاف والشمول غير عادلة للرجال والأشخاص البيض، ليست مجرد تساؤلات خاطئة بل هي انحراف مقصود عن القضايا الحقيقية، بأسلوب يشبه الأساليب الدعائية التي وصفها جورج أورويل في رواياته.

لو كان ترمب معنياً حقاً بتعزيز الجدارة والاستحقاق لكان السؤال المناسب الذي عليه طرحه أقرب إلى "ما هي أفضل الطرق لمعالجة التمييز المثبت علمياً ضد النساء والأقليات في أماكن العمل؟" أو حتى ربما "أي إستراتيجية يمكننا استخدامها خلافاً للتنوع والمساواة والإدماج لتقليص نسبة العنصرية والتمييز الجنسي المثبتان علمياً في مكان العمل؟". 

هذه هي الأسئلة التي يمكن أن تقودنا إلى تحقيق الهدف الذي حدده الأمر التنفيذي لترمب، والذي نص على "حماية الأفراد الأميركيين من التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الأصل القومي".

إذا كانت ممارسات التنوع والمساواة والإدماج تعاني خللاً فما الذي يمكن أن يصلحها؟

في ضوء هذه التساؤلات يمكننا أن نرى بوضوح أن إلغاء جميع جهود التنوع والمساواة والإدماج ليس إلا خطوة رجعية ستحمي وتكمل سياسة عدم الجدارة المثبتة علمياً والتي يحصل فيها الرجال والبيض على أفضلية غير منصفة، مقارنة بالنساء والأشخاص من الأقليات الذين يملكون الكفاءة والمؤهلات نفسها، وهذا لا يعني طبعاً أنه لا وجود لأي خيارات فعالة بل العكس صحيح، فالأبحاث العلمية تزخر بإستراتيجيات من شأنها تقليل التحيز في أماكن العمل بصورة فورية ومستدامة وقابلة للقياس وبفعالية كبيرة، وإحدى هذه الإستراتيجيات هي "نظرية التفاعل بين المجموعات"، فقد أجرى عالما النفس توماس بتيغرو وليندا تروب من جامعة كاليفورنيا وكلية بوسطن تحليلاً تجميعياً لأكثر من 500 دراسة مستقلة ووجدا من خلاله أنه عندما تتفاعل مجموعات مع أخرى مختلفة عنها (من فئات عرقية مختلفة مثلاً)، في إطار أجواء إيجابية وعميقة، يشكل هذا التفاعل إستراتيجية موثوقة للغاية في التقليص من التمييز، وفي دراسة أخرى عام 2012 جرى تطوير واختبار تدخلات عملية تعتمد على تقنيات مثل استبدال الصور النمطية والتصورات المضادة للصور النمطية، وأثبتت هذه الأساليب أنها تقلل التحيز الضمني بصورة ملموسة ولمدة شهور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أظهرت دراسات أخرى عدم اعتماد كل الإستراتيجيات على تغيير آراء الناس المتحيزة، وهي ليست مضطرة للاعتماد على ذلك، وقد كشف عمل دوبن وكليف في موضوع ممارسات التنوع عن أن أنجع الإستراتيجيات تستند إلى الشفافية والمساءلة، وعندما يُفرض على المديرين ولجان اختيار الموظفين تبرير خياراتهم، تبين أن التمييز لم يحتل مساحة كبيرة في هذه القرارات، وتكثر الإستراتيجيات التي لا تعتمد على تخفيف نظرة التحيز لدى أفراد بعينهم بقدر ما تعتمد على تغيير الأنظمة التي يُسمح فيها لهذه النظرة بالازدهار والتأثير في القرارات. 

لا تزال عدائية ترمب تجاه التنوع والمساواة والإدماج نقطة يلتقي عندها كثيرون من اليمين، وقد بدأ تأثير ترمب ينتشر في دول أخرى ولا سيما في المملكة المتحدة، وتعمل [كيمي] بادينوك كما [نايجل] فاراج بخاصة على إذكاء نيران الحرب على تيار "اليقظة"، إذ أشار الاثنان إلى أن الوقت قد حان كي تستيقظ بريطانيا وتعكس قطار التنوع والمساواة والإدماج.

لكن الدرس الذي تعلمناه من التاريخ والعلم هو أن التغاضي عن الأفكار المسبقة لا يقضي عليها، بل إن السياسات التي تقمع الجهود الرامية لزرع التنوع والمساواة والإدماج ترسخ التباين الذي تدعي التصدي له على مستوى الجدارة، وحتى لو طُلب منا أن نصدق بأن أوامر ترمب التنفيذية كانت فعلاً مصممة لحماية العمال الأميركيين، بحسب زعمه، فالواقع يقول إنها ستحقق العكس تماماً، وليس إنكار هذه الحقيقة ضرباً من الانتهازية السياسية وحسب، بل إنه تصريح يستحيل تبريره عملياً. 

علم العنصرية: كل ما تحتاج لمعرفته وربما لا تعرفه حتى الآن، للمؤلف كيون ويست، في الأسواق الآن

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من كتب