Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين والغرب... من يكسب سباق الذكاء الاصطناعي؟

الصين تنافس أميركا والغرب وشركات التكنولوجيا الكبرى تتبارى في ما بينها

ترمب بدأ رئاسته بتخصيص 500 مليار دولار لتشجيع الذكاء الاصطناعي (اندبندنت عربية)

ملخص

هناك فارق مهم بين الشركات الأميركية والغربية في مجال التكنولوجيا والشركات الصينية، فالأولى تعتمد على التمويل السخي من مستثمرين يغامرون بضخ أموالهم في شركات التكنولوجيا الناشئة، على أمل تحقيق عائدات كبيرة وأرباح أكبر، عندما تبدأ تلك الشركات بطرح منتجات الذكاء الاصطناعي تجارياً

ما إن أطلقت شركة صينية تطبيقها للذكاء الاصطناعي "ديب سيك" الشهر الماضي ليتجاوز أشهر تطبيقات الشركة الأميركية الكبيرة "أوبن أي آي" التي أطلقت "تشات جي بي تي" منذ عامين، حتى دقت أجراس الإنذار في الغرب من تقدم الصين التكنولوجي السريع.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب "تفوق التطبيق الصيني عالمياً بهذه السرعة جرس إنذار لشركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى في سباق الذكاء الاصطناعي".

وحتى إذا لم يكُن التطبيق الصيني للذكاء الاصطناعي بالقوة والجودة اللتين يشكك فيهما بعضهم، إلا أن إصداره وتقدمه إلى مرتبة التطبيق الأول في التنزيل عالمياً خلال ساعات يعني أن الصين على طريق تفوق في مجال تكنولوجي يُعد الآن الصيحة الأهم اقتصادياً، خصوصاً أنها تخضع لعقوبات أميركية منذ فترة رئاسة ترمب الأولى وزاد عليها الرئيس السابق جو بايدن، وتركزت القيود على قطاع التكنولوجيا للحد من أي تقدم صيني في هذا المجال.

ما حدث الشهر الماضي مع إطلاق تطبيق "ديب سيك" وانهيار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى في "وول ستريت" في نيويورك جعل السباق التكنولوجي العالمي، خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي يبدو محصوراً بين الصين والولايات المتحدة، وكأن أوروبا وغيرها خارج السباق، لكن الحقيقة أن أوروبا تسعى أيضاً من خلال الاستثمار في صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة وبناء مراكز البيانات الهائلة إلى الدخول رسمياً في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.

الصين في المقدمة

وعلى رغم عشرات مليارات الدولارات التي أنفقتها شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى على تطوير برامج وحلول الذكاء الاصطناعي، تأتي شركة لم تنفق سوى بضعة ملايين على تطوير تطبيق لا تستخدم له الرقائق الإلكترونية المتقدمة التي تستخدمها الشركات الأميركية ويكسب التطبيق الصيني الرخيص، ويعتبر المعلق والكاتب لاري إليوت ضمن مقالة له في صحيفة "ذا غارديان" أن الصين أصبحت متقدمة بالفعل في سباق الذكاء الاصطناعي.

"ربما يقارن بعضهم بما حدث في سباق غزو الفضاء منتصف القرن الماضي، حين فوجئ الأميركيون بإطلاق الاتحاد السوفياتي أول صاروخ فضائي ليتقدم في سباق الفضاء على أميركا والغرب، لكن بعد ذلك تمكن الأميركيون من السيطرة على مقدمة الصناعات الفضائية، إلا أن المقارنة مع تقدم الصين التكنولوجي هي لمصلحة الصين حالياً" وفقاً لإليوت.

وأوضح أن "الصين تملك حالياً المقومات الاقتصادية والصناعية التي لم تكُن متوافرة للاتحاد السوفياتي في الخمسينيات والستينيات من القرن الـ20".

وربما هناك تقليل من أهمية ما وصلت إليه الصين من ابتكار في مجال التكنولوجيا بما مكنها من تجاوز الحصار والعقوبات وتطوير تطبيق للذكاء الاصطناعي بإمكانات أقل بكثير مما يتوافر للشركات الأميركية والأوروبية، ويقارن كثير من المحللين ذلك بتقدم الصين في مجال السيارات الكهربائية، إذ أصبحت من أكبر المنتجين والمصدرين لها، مما دفع أميركا وأوروبا إلى فرض رسوم وتعريفة جمركية كبيرة على السيارات الكهربائية الصينية التي تغزو أسواقها.

لكن ذلك لا يعني أن الشركات الأميركية والأوروبية في وضع متراجع تماماً، بل ربما تسعى الآن إلى تطوير برامج الذكاء الاصطناعي بما يجعلها تتفوق في المنافسة، مستفيدة من الاستثمارات الهائلة التي تتوافر لها.

وكان ترمب بدأ رئاسته بتخصيص نصف تريليون دولار (500 مليار دولار) لتشجيع الذكاء الاصطناعي وتذليل العقبات البيروقراطية أمام انطلاق الشركات التكنولوجية في هذا المجال.

التقليل من أهمية إنجازات الصين

هناك فارق مهم بين الشركات الأميركية والغربية في مجال التكنولوجيا والشركات الصينية، فالأولى تعتمد على التمويل السخي من مستثمرين يغامرون بضخ أموالهم في شركات التكنولوجيا الناشئة، على أمل تحقيق عائدات كبيرة وأرباح أكبر، عندما تبدأ تلك الشركات بطرح منتجات الذكاء الاصطناعي تجارياً.

أما في الصين، فشركات التكنولوجيا تعتمد على التمويل من بنوك ومؤسسات شبه حكومية، إلى جانب قدر ضئيل من أسواق المال، بالتالي فهي لا "تحرق المال" بالطريقة التي تقوم بها الشركات الناشئة في "وادي السيليكون" بكاليفورنيا.

"المنافسة القوية في مجال الذكاء الاصطناعي بين الصين وأميركا والغرب لا تستند فحسب إلى طبيعة الشركات وسبل تمويلها أو حتى مستوى الإنفاق الاستثماري على المنتجات المبتكرة، بل إن الصين تستفيد كذلك من تقليل التقديرات الغربية، الأميركية والأوروبية لإنجازاتها التكنولوجية"، وفقاً لحديث الشريك في "تيندال ويف سوليوشنز" كاميرون جونسون في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ".

ويضرب جونسون مثالاً بأن تصور الغرب أن حظر تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة يمكن أن يحد من قدرات الصين التكنولوجية انهار مع طرح تطبيق للذكاء الاصطناعي برقائق أقل تفوقاً من تلك المتاحة للشركات الأميركية.

والحديث عن الذكاء الاصطناعي لا يعني الرقائق الإلكترونية المتطورة فحسب، بل هناك أيضاً نظام متكامل يشمل البنية التحتية لمراكز البيانات الهائلة وتوافر الطاقة الكهربائية بصورة كبيرة ومستدامة والقدرة على تسهيل الإنجاز بصورة عامة، فضلاً عن وجود الخبرات والعقول البشرية اللازمة للابتكار والتصنيع.

ففي وقت تعاني شبكات الكهرباء حول العالم تقادم مكوناتها وعدم كفاية الطاقة التي تُولد للطلب الاستهلاكي، تعمل الصين على توفير الطاقة بصورة كافية.

ويقول جونسون إن "الصين زادت قدرتها على إنتاج الطاقة بصورة هائلة خلال العام الماضي بإضافة ما يصل إلى 380 غيغاواط من الطاقة النظيفة إلى شبكتها الكهربائية، بينما لم تضِف الولايات المتحدة سوى 60 غيغاواط، أي إن الزيادة في الصين بلغت نحو ستة أضعاف الزيادة في أميركا.

وعام 2023، سجلت الصين عدداً من براءات الاختراع أكبر مما سجلته بقية دول العالم مجتمعة، بما فيها أميركا ودول أوروبا، وتمنح الجامعات الصينية شهرياً أكثر من 6 آلاف شهادة دكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهو رقم يزيد على ضعف ما تمنحه الجامعات الأميركية كلها.

حاجات الطاقة

ومن أهم جوانب المناخ العام للذكاء الاصطناعي غير الرقائق الإلكترونية المتطورة والاستثمارات في الابتكار البرنامجي، توفر كميات هائلة من الطاقة بصورة مستقرة ومستدامة، إذ إن مراكز البيانات الهائلة التي تعمل عليها تطبيقات الذكاء الاصطناعي تستهلك طاقة بصورة كبيرة جداً.

وتشير ورقة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أعدها كبير مستشاري الاستراتيجية والأمن القومي في المعهد تشارلي إدواردز إلى أن الصين تخطط لاستثمار أكثر من 800 مليار دولار خلال الأعوام الستة المقبلة لتأهيل شبكة الكهرباء لديها، تحديداً لتوفير حاجات قطاع الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي بصورة عامة.

في المقابل تُعد الشبكة الكهربائية في دول أوروبا من أقدم الشبكات في العالم وهناك نحو 40 في المئة منها تجاوز عمره الافتراضي وتحتاج البنية الأساسية لتلك الشبكات إلى تجديد نصفها في الأقل.

ومن غير المؤكد إن كانت أوروبا ستوفر مبلغ 584 مليار دولار المخطط له للاستثمار في تأهيل الشبكات الكهربائية على مدى الأعوام الـ10 المقبلة.

أما الولايات المتحدة، فوضع الشبكات الكهربائية لديها أسوأ بكثير وربما يحتاج إلى تريليونات الدولارات لتأهيلها لتلبية الطلب المتزايد، خصوصاً من مراكز البيانات التي تقام من أجل الذكاء الاصطناعي.