ملخص
في حين تتواصل التحقيقات لتحديد ملابسات تشييد "نفق الحشيش" بين المغرب وسبتة والبحث في احتمال وجود مخابئ لتخزين المخدرات، يتحفظ الجانب المغربي الذي يبدو غير متحمس لما يروجه الإسبان حيال "نفق المخدرات".
اكتشفت قوات الحرس المدني الإسباني أخيراً نفقاً مثيراً للجدل خصص لتهريب المخدرات في مدينة سبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية والواقعة أقصى شمال المغرب، ولا تزال تحقق في ما إذا كانت هناك أنفاق أخرى تشبه أنفاق حركة "حماس" الفلسطينية، وفق وسائل إعلام إسبانية.
وفي حين تتواصل التحقيقات لتحديد ملابسات تشييد "نفق الحشيش" بين المغرب وسبتة والبحث في احتمال وجود مخابئ لتخزين المخدرات، يتحفظ الجانب المغربي الذي يبدو غير متحمس لما يروجه الإسبان في شأن النفق المذكور.
"عملية هاديس"
وأفضت عملية أمنية لمواجهة عصابات تهريب المخدرات إلى إسبانيا عبر الشاحنات الأربعاء الماضي إلى اكتشاف نفق سري مدخله في مدينة سبتة، ويبدو أنه أسهم في تهريب أطنان من المخدرات من المغرب صوبها، ومن هناك إلى إسبانيا عبر شاحنات ومقطورات.
واختار الحرس المدني الإسباني تسمية هذه العملية المثيرة والمفاجئة بـ "عملية هاديس" نسبة إلى الأسطورة اليونانية التي ترمز إلى إله العالم السفلي وحاكم مملكة الموتى.
وأفادت وسائل إعلام إسبانية أن النفق بعمق 12 متراً وطول 50 متراً، مع وجود ممرات عدة داخل أراضي مدينة سبتة التي تعتبرها مدريد إسبانية، بينما تعتبرها الرباط أرضاً مغربية محتلة.
ونقلت منابر إسبانية متطابقة معطيات رئيسة الحرس المدني ومنها أن المهربين شيدوا هذا النفق بدقة ومهارة مع دعم خشبي في بعض أجزائه، كما أنه ضيق جداً لا يتجاوز عرضه 40 سنتمتراً بارتفاع 60 سنتمتراً فقط.
وتبحث قوات الحرس المدني الإسباني في احتمال وجود ممرات داخل النفق، وتخشى أن يكون ممتداً على مسافة مئات الأمتار، كما تتحقق من وجود أنفاق أخرى مشابهة على غرار أنفاق حركة "حماس" الفلسطينية، وفق تعبير وسائل إعلام إسبانية.
وفي الوقت الذي عُثر على مدخل النفق في سبتة داخل مستودع صناعي مهمل منذ عامين في منطقة مليئة بالمستودعات التجارية، فإنه إلى حدود اليوم لم يجر العثور على مخرجه، وتنتظر السلطات الأمنية الإسبانية التي تتولى هذا الملف المثير من نظيرتها المغربية إجراء التحريات الميدانية لمعرفة أين ينتهي النفق ومكان مخرجه في الأراضي المغربية.
وفي السياق أوردت وكالة الأنباء الإسبانية أن الحرس المدني يترقب تدخل السلطات المغربية لمعرفة ما إذا كان للنفق مدخل واحد أم مداخل عدة من الجانب المغربي، وأيضاً التحقق من المخارج المحتملة.
قوة متغلغلة
ويعلق الباحث في الشأن المغربي محمد شقير بأن الكشف عن هذا النفق يُظهر أن "مافيا المخدرات" قد تبنت أسلوب التهريب نفسه الذي لجأت إليه "مافيا المخدرات" بين الولايات المتحدة والمكسيك من خلال العمل على حفر الأنفاق للتهريب، وكانت السلطات الأميركية عثرت عام 2022 على نفق ضخم بطول ستة ملاعب لكرة القدم مخصص لتهريب المخدرات، ويمتد من المكسيك إلى مستودع في منطقة صناعية داخل ولاية كاليفورنيا، ويتضمن أنظمة تهوية وكهرباء، كما عثر في المنطقة ذاتها على أزيد من 10 أنفاق متطورة أخرى خلال العقدين الماضيين.
وبخصوص نفق "سبتة والمغرب" فقد أبرز شقير أنه "يعكس ليس فقط درجة التنظيم والحرفية في التشييد وتوفر شبكات المخدرات على المعدات الكافية لذلك، بل أيضاً تغلغلها ضمن المؤسسات الأمنية الإسبانية بدليل اعتقال بعض الأفراد من الحرس الإسباني، وأيضاً توقيف الأمين العام لحزب محلي في مدينة سبتة".
وفي السياق أوردت وسائل إعلام إسبانية أن التحقيقات في هذه العملية أطاحت بالسياسي المغربي - الإسباني محمد علي دواس، وهو زعيم حزب محلي في سبتة، وأكثر من 14 عنصراً يعملون في الحرس المدني الإسباني، كما كشفت التحقيقات عن تواطؤ بين مهربي المخدرات ومسؤولين أمنيين إسبان لتيسير التغطية اللوجستية بهدف مرور كميات كبيرة من المخدرات.
ويرى شقير أن العثور على هذا النفق الذي الممتد بين مدينتي الفنيدق وسبتة يدل على أن "هذه المافيا لا تعترف بأية حدود ولا بسيادة أية سلطة، مما يجعل منها قوة متجاوزة لكل المعابر الحدودية"، مشدداً على ضرورة التنسيق بين سلطات المغرب وإسبانيا من أجل الكشف عن معطيات جديدة بخصوص هذا النفق، والتسريع باعتقال جميع المتورطين في هذه العملية.
فتور مغربي
في المقابل يبدو أن الجانب المغربي غير متحمس كثيراً للطرح الإسباني، إذ لم يصدر عنه رسمياً أي توضيح أو بيان في شأن اكتشاف هذا النفق أو العثور على مخرجه أو منافذه التي يقول الطرف الإسباني إنها قد تكون في الأراضي المغربية.
ويقول عبدالرفيع شاطبي، وهو ناشط محلي في مدينة سبتة، إن موضوع النفق الذي جرى اكتشافه ونُشرت بعض صوره يتطلب التعاون الوثيق بين سلطات البلدين معاً، مبرزاً أن الرباط ومدريد يجمعهما اتفاق أمني دخل حيز التطبيق في أبريل (نيسان) 2022، وهو معني بمكافحة الجرائم المختلفة وعلى رأسها تجارة المخدرات.
وقد توج التعاون الأمني الوثيق بين البلدين بتفكيك عدد من الشبكات التي تتاجر بالمخدرات وآخرها في فبراير (شباط) الجاري عبر إحباط محاولة تهريب أكثر من طنين من الحشيش قرب شواطئ جزر الكناري واعتقال ستة أشخاص من طرف الحرس الإسباني بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات المغربي.
ووفق الناشط المحلي فإن المغرب لم يُبد تفاعلاً ظاهراً مع موضوع "نفق المخدرات" باعتبار أنه يهم في الأساس السلطات الإسبانية، غير أن التحقيقات المتواصلة تستلزم من سلطات المغرب التحري عن منافذ أو مسارات النفق إذا كانت بالفعل موجودة في أراضيه.
وتوقع أن يحدث هذا الأمر خلال الأيام القليلة المقبلة عبر الطرق الرسمية من خلال طلب من المرتقب أن يوجهه القاضي الإسباني المكلف بهذا الملف إلى السلطات المغربية، وذلك حتى تتخذ القضية مساراً رسمياً، على حد قوله.