ملخص
رأى منتدى عائلات الأسرى أن عدم الاتفاق على المرحلة الثانية ووقف الحرب يعتبر بمثابة إعلان حكم بالإعدام على من بقي من أسرى أحياء في غزة وإهمال 59 إسرائيلياً، وهو عدد الذين لم يعودوا من أسر "حماس"، وفق توقعات الإسرائيليين.
رفعت مصادقة الحكومة الإسرائيلية على قرار تمديد المرسوم الحربي المعروف باسم "الأمر 8"، والذي يسمح للجيش بتجنيد أكثر من 400 ألف جندي احتياط، حال التأهب والقلق بين الإسرائيليين لاحتمال اتخاذ الحكومة قرارات متسرعة تعيد إشعال نيران الحرب على مختلف الجبهات من جديد، فقد جاء هذا القرار بالتزامن مع تهديدات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالعودة للقتال الفوري في غزة، وهو ما سبقته تعليمات أصدرها وزير أمنه يسرائيل كاتس للجيش بالاستعداد لاحتمال دخول قرية جرمانا السورية بذريعة حماية الدروز.
واعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن قرار تجنيد الاحتياط جاء على خلفية التقارير العسكرية والأمنية التي تتوقع بأن يكون عام 2025 عام حرب، إذ قالت الحكومة في بيان لها حول الموضوع إن "الجبهات المختلفة، حتى تلك التي يسود فيها وقف إطلاق نار حالياً، تعاني عدم الاستقرار".
الدروز منقسمون والخلفية متناقضة
وجاء إعلان الاستعداد للدخول إلى جرمانا في ساعة متقدمة من مساء السبت وأثار تساؤلات عدة حول توقيته ومضمونه، بعد أن كان صرح أكثر من مسؤول عسكري وأمني أن الحكومة الإسرائيلية تعد لتطويق البلدات الدرزية من قبل الجيش السوري لفرض الحماية عليها مع التخطيط لإقامة حكم ذاتي فيها، واعتبرت جهات أمنية أن الإعلان المفاجئ عن الاستعداد لدخول جرمانا رافقته تحركات لمدرعات وآليات عسكرية نحو منطقة الشمال باتجاه الجولان بعد منتصف ليل السبت، كما شهدت المناطق السورية القريبة من الحدود صباح الأحد حركة طيران ودخول عشرات المدرعات، مما جعل هذا الملف يتصدر حديث الإسرائيليين، على رغم أن نتنياهو لم يتطرق إليه في جلسة حكومته الأسبوعية أمس الأحد، بل ركز في تهديداته على "حماس" وغزة.
إعلان جرمانا صدم جهات إسرائيلية عدة بتوقيته ومضمونه، كما أثارت التحركات باتجاه سوريا خلافات إسرائيلية وظهرت مواقف متناقضة حتى من قبل المسؤولين وتحذيرات من أن يُخرج نتنياهو تهديداته حيز التنفيذ في سوريا ويشعل هذه الجبهة.
وفي سياق بحث ومناقشة قرار الحكومة طرحت مواقف متناقضة حول خلفية هذا الإعلان، وإذا كان نتنياهو قلقاً حقاً على الدروز ويريد حمايتهم، أم أنه يضع تحت هذا الغطاء مخططات لمستقبل سوريا بما يضمن مصلحته هناك.
محلل للشؤون السياسية العسكرية للقناة "12" مناحيم هوروفيتش ادعى أن نتنياهو تعرض لضغوط كبيرة من قبل الدروز في إسرائيل مما استدعاه إلى الإعلان في ساعة متأخرة أمس الأول السبت، وهو اليوم الذي لا تصدر فيه قرارات إلا في حال تصعيد أمني أو وضع طارئ للغاية، وقال هوروفيتش إن "نتنياهو لم يستيقظ فجأة في ساعة متقدمة وكأن هناك قرية درزية تقلقه، فلقد جاء إعلانه بعد أن طلب منه رؤساء الطائفة الدرزية في إسرائيل وكبار الضباط والقادة الدروز في الجيش الإسرائيلي إما أن يعلن مسؤولية حماية الدروز أو في الأقل يطلق تهديداً للإدارة الجديدة في سوريا"، مضيفاً "سيدخل الجنود الدروز إلى سوريا وهم حريصون على جلب الدروز للعمل في إسرائيل".
وموقف هوروفيتش يقول إن نتنياهو يتخذ خطواته في جنوب سوريا تجاه الدروز تحت ذريعة مساعدة دروز إسرائيل على مناصرة أشقائهم في سوريا، وهذا الموقف لم يقنع كثيراً من الإسرائيليين على رغم أن بعض قادة الدروز أعلنوا رغبتهم في جلب عمال إلى إسرائيل ونقل كل مساعدة لهم، وهو موقف أثار انقساماً داخل الطائفة الدرزية حيث تعارض جهات درزية عدة هذا الموقف الذي يتبناه الرئيس الروحي للطائفة الدرزية موفق طريف، بينها "لجنة المبادرة العربية الدرزية" التي أوضحت موقفها تجاه تصريحات نتنياهو وحكومته حول دروز سوريا وسيطرة الجيش هناك.
وما بين هذه المواقف والخلافات كشف مسؤولون أمنيون وسياسيون في تصريحات للصحافيين عن أن إسرائيل لا تزال قلقة جداً من "انتشار الجيش السوري الجديد والتنظيمات المعادية لإسرائيل قرب الحدود، وكذلك من الدور التركي"، وقالت الخبيرة في الشؤون العسكرية ليلاخ شوفال إن "تل أبيب قلقة جداً من الوجود التركي في سوريا، وصحيح ما قيل حول قيادة الدروز هنا وتحالفهم مع أشقائهم السوريين، ولكن في حديثي مع مسؤولين أمنيين أكدوا أن إسرائيل قلقة من الوضع الأمني وأن مصلحتها تتطلب عدم السماح للنظام الجديد في سوريا بالاقتراب من الحدود والانتشار حوله، وهذا هو ردهم على تعليمات نتنياهو وكاتس للجيش".
طبول الحرب في غزة
وفي ذروة النقاش والتحذيرات حول إشعال الجبهة السورية، تعالت احتجاجات وصرخات الإسرائيليين في أعقاب تهديدات نتنياهو تجاه غزة و"حماس" ورفضه بدء المفاوضات في المرحلة الثانية، كما جاء في اتفاق صفقة الأسرى، واعتبر عسكريون سابقون وأمنيون تهديدات نتنياهو رغبة واضحة بإعادة قرع طبول الحرب في غزة، في حين رأى منتدى عائلات الأسرى أن عدم الاتفاق على المرحلة الثانية ووقف الحرب بمثابة إعلان حكم بالإعدام على من بقي من أسرى أحياء في غزة وإهمال 59 إسرائيلياً، وهو عدد الذين لم يعودوا من أسر "حماس"، وفق توقعات الإسرائيليين.
وفي ذروة تظاهرات أمس السبت التي جابت شوارع تل أبيب والقدس وحيفا وبلدات أخرى، أعلن نتنياهو بعد اجتماع أمني تشاوري أن إسرائيل تصر على موقفها الرافض مفاوضات المرحلة الثانية إذا لم يشمل الاتفاق عودة جميع الأسرى ونفي قادة ومقاتلي "حماس" ونزع سلاح القطاع كله، لكنه أضاف أنه "بسبب فشل مفاوضات الوفد في القاهرة وعدم إمكان التوافق بيننا وبين 'حماس' فقد عرض المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف مقترحاً وسطياً بيننا، وفيه استمرار المرحلة الأولى من وقف النار على ان تطلق 'حماس' الأسرى خلال شهر رمضان وأيضاً عيد الفصح العبري"، ولم يكتف نتنياهو بإعلان موافقة بلاده على الاقتراح وإنما راح يهدد "حماس" برد "لا يمكن توقعه إذا لم تعد جميع الأسرى".
العقاب الجماعي لسكان غزة
وبموجب مقترح ويتكوف، وفق ما عرضه نتنياهو، "ففي اليوم الأول من المقترح يجري الإفراج عن نصف الأسرى الأحياء والأموات، وفي نهايته يفرج عن باقي الأسرى الأحياء والأموات في حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار دائم".
وقبل أن يعقد نتنياهو جلسة حكومته صباح أمس أصدر أوامر بوقف المساعدات الإنسانية عن غزة، واستخدمت إسرائيل العقاب الجماعي على الفلسطينيين الذين يحتاجون هذا الدعم كوسيلة ضغط على "حماس"، وتقول إسرائيل في تقرير لها إن حركة "حماس" تستغل المساعدات لإعادة تعزيز قدراتها العسكرية وتنظيم صفوفها، وإن الكميات التي وصلت إلى القطاع منذ إعلان وقف إطلاق النار تكفي غزة لأشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال جلسة الحكومة التي كرس معظمها لبحث ملف غزة واستعدادات الجيش لاحتمال إعادة القتال، أنهى نتنياهو حديثه بتهديد "حماس" قائلاً "لن اشرح الخطوات المقبلة لأنه ما لم توافق 'حماس' على مقترح ويتكوف، وما لم يعد جميع الأسرى فالرد سيكون غير متوقع"، كما رد على أمنيين وبعض المعلقين على شاشات التلفزيون بقوله إنهم لا يطرحون الحقيقة، "الحقيقة هي أن إسرائيل لا تنتهك اتفاق وقف النار، لا بقتل عناصر 'حماس' ولا بوقف المساعدات الإنسانية"، مضيفاً "في حين أن 'حماس' انتهكت اتفاق المرحلة الأولى مراراً وتكراراً إلا أن إسرائيل لم تفعل ذلك، علماً أنها تستطيع العودة للقتال بعد اليوم الـ42، أي أمس، وفق الاتفاق بين الطرفين، وفي حال شعرت أن المفاوضات وصلت لطريق مسدود، وإذا غيرت 'حماس' موقفها فستخوض إسرائيل على الفور مفاوضات لتنفيذ المقترح".
لكن نتنياهو أنهى حديثه خلال جلسة الحكومة بالقول إنه "إذا كانت 'حماس' تعتقد أنه سيكون من الممكن الاستمرار في وقف إطلاق النار أو التمتع بشروط المرحلة الأولى من دون أن نعيد جميع مختطفينا، فهي ترتكب خطأ كبيراً".
"هزة أرضية قومية"
تصريحات وتهديدات نتنياهو أمس رفعت الأصوات المحذرة من عودة الحرب في غزة ومختلف الجبهات بعد 513 يوماً، واعتبر المحامي وعضو الكنيست السابق أوريئيل لين أن عدم البدء في مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة الأسرى ستكون له تداعيات خطرة داخل إسرائيل مع وجود 59 أسيراً في أنفاق غزة، قائلاً "لم يعد هناك مجال أو مكان للادعاءات والتفسيرات، والمرحلة الثانية وكل صفقة الأسرى يجب أن تنتهي خلال فترة زمنية قصيرة وإلا فستكون هنا هزة أرضية قومية لم يسبق لها مثيل حتى اليوم، ولا حتى بعد حرب يوم الغفران (حرب 1973) وسيؤدي الوضع إلى تصدع عميق لم نشهده من قبل، فمن الصعب التقدير إذا كان من الممكن رأبه خلال الأعوام المقبلة".
ورد لين على أصوات سياسيين من الحكومة وداعمي نتنياهو وأحزاب الائتلاف التي تدعي أنه يمكن لإسرائيل التوصل الآن إلى صفقة تضمن إعادة جميع الأسرى ثم تعود إسرائيل للحرب متسائلاً هل الهدف من هذه التصريحات استعراض مواقف سياسية؟، ومعتبراً أن ما يقال عن استئناف القتال كبديل لإنهاء المرحلة الثانية "أقوال عديمة المسؤولية، فلقد دفعنا ثمناً باهظاً جداً على مدى عام وخمسة أشهر تقريباً، ونحن الآن على مسار إنهاء القتال بالطريقة المنطقية الوحيدة وهي خلق بديل لحكم 'حماس' إلى جانب إعمار القطاع، ولا يمكن أن نكلف جنود الاحتياط أكثر مما كلفناهم لفترات خدمة سنوية".