Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

المسجد الإبراهيمي في الخليل ثكنة عسكرية

"الأوقاف" تتحدث عن مخطط لتحويله إلى كنيس يهودي ومحاولات إسرائيل لتغيير ملامح البناء التاريخي تعيده إلى واجهة الصراع

أعلام إسرائيلية فوق جدران المسجد الإبراهيمي، المعروف لدى اليهود أيضاً بـ "قبر البطاركة"، 24 أبريل 2023 (أ ف ب)

ملخص

وفقاً لموقع "زمان يسرائيل" فإن الائتلاف الحكومي ينسج على خلفية الحرب على غزة ولبنان ووجود ترمب لولاية ثانية واقعاً جديداً مليئاً بالأخطار، في أحد أكثر الأماكن المقدسة القابلة للاشتعال داخل الشرق الأوسط.

منذ 20 عاماً يواظب سعيد الزين (30 سنة) على أداء صلاة التراويح داخل المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، حيث لا يبعد من منزله سوى أمتار فحسب، وعلى رغم كثرة الحواجز الإسرائيلية في محيط المسجد وتزاحم المصلين كان الزين يحرص خصوصاً خلال شهر رمضان على ألا يفوت أية صلاة فيه. لكنه منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 واندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ممنوع من دخوله لأسباب أمنية، فالجيش الإسرائيلي الذي يحوِّط المسجد والبلدة القديمة بنحو 70 حاجزاً ونقطة عسكرية ثلاثة منها تؤدي مباشرة إلى المسجد، أجبر المصلين الفلسطينيين على سلوك طريق واحد فقط محاط بقيود إسرائيلية صارمة وثلاثة حواجز أمنية يخضعون فيها للتفتيش بالساعات، وأحياناً يحرمون من العبور، مما أدى إلى منع آلاف المصلين الذين يقطنون قرب المسجد من الوصول إليه.

ووفقاً لبيانات وزارة الأوقاف الفلسطينية، منع الجيش الإسرائيلي خلال يناير (كانون الثاني) الماضي رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي 47 وقتاً، في حين منع إقامة الصلاة 674 مرة، وأغلق المسجد 10 مرات خلال العام الماضي. وبحسب "بروتوكول الخليل" الذي تم بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية عام 1997 "يمنع رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي خلال الأعياد اليهودية، حتى لو كان يوم جمعة، ولا يسمح للمصلين الفلسطينيين أو حتى سدنة وموظفي الحرم من الوصول إليه".

 

 

وبينما يدعي اليهود أن "مغارة المكفيلة" أو كما يسميه بعض "كهف البطاركة" (المسجد الإبراهيمي) مكان يهودي مقدس كونه يضم قبوراً للأنبياء إبراهيم وزوجته سارة إضافة إلى إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وزوجاتهم عليهم السلام، يعد المسجد الإبراهيمي ثاني أهم المعالم الإسلامية في فلسطين بعد المسجد الأقصى، وينسب إلى إبراهيم الخليل عليه السلام المدفون فيه قبل أربعة آلاف عام، وهو أقدم بناء مقدس مستخدم حتى اليوم من دون انقطاع تاريخي.

سحب صلاحيات

خلال الأعوام الخمسة الماضية تعرض المسجد الإبراهيمي لحملات تهويدية بحق معالمه، وخصوصاً بعد تعيين وزير الأمن القومي الإسرائيلي السابق إيتمار بن غفير، إذ تزايدت اقتحامات المستوطنين للمسجد تزامناً مع إتمام بناء مصعد كهربائي داخل باحاته ضمن أبرز تغيير معالم للحرم. إضافة إلى تغيير بعض النوافذ الأثرية والإضاءات القديمة وتنفيذ الحفريات أسفله. ونصب مستوطنون المنوراة (الشمعدان السباعي) والأعلام الإسرائيلية على سطحه وجدرانه، وأقيمت حفلات صاخبة وصلوات تلمودية داخله وعلى سطحه. إلى جانب ذلك أشارت معطيات وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى مشاركة 3381 جندياً إسرائيلياً في اقتحامه خلال العام الماضي، فيما وصفته بـ"انتهاك صارخ لحرمة المكان الديني، واستفزاز لمشاعر المسلمين".

وفي ظل التهديدات المتزايدة واستهداف طواقم الأوقاف والعاملين في الحرم ضمن مساع إسرائيلية لفرض واقع جديد على هذا المعلم المقدس، أبلغ الارتباط الإسرائيلي إدارة المسجد الإبراهيمي قبل أيام بأن الأعمال في المسجد نُقلت من وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى ما تسمى هيئة التخطيط المدني الإسرائيلي، مما أعاد المسجد الإبراهيمي ليتصدر واجهة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من جديد. وكيف لا وقد ظهر عضو الكنيست عن حزب "الليكود" أفيخاي بوارون في مقطع مصور تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية خلال وقت سابق، وهو يقول "سنأخذ مغارة المكفيلة (المسجد الإبراهيمي) متراً متراً كما بدأنا بمتر واحد".

وبحسب ما أفاد تقرير في موقع "زمان يسرائيل" الإخباري، ادعى بوارون أنه "حان الوقت لمصادرة المكان من أيدي المسلمين، وأن يكون الموقع كله موقع تراث قومي مثل حائط المبكى (البراق)"، مضيفاً "بعد المصادرة وتغيير الإدارة سيكون بالإمكان تحويل المكان إلى مكان صلاة عصري من أجل حل المشكل والاكتظاظ".

 

 

وحذر مدير المسجد الإبراهيمي معتز أبو سنينة من "تصاعد التهديدات بفرض واقع جديد ضمن مخطط لتهويده بالكامل والاستيلاء على ما تبقى منه"، وبخاصة مع سيطرة إسرائيل حالياً على 63 في المئة من مساحته. ورفض أبو سنينة أي تدخل إسرائيلي في أعمال الترميم داخل المسجد.

أما وزارة الأوقاف الفلسطينية فأكدت بدورها أن الحرم الإبراهيمي "ملكية وقفية خالصة للمسلمين"، مشيرة إلى "مخططات إسرائيلية لتحويله إلى كنيس يهودي". في حين يرى مراقبون أن التدخل الإسرائيلي لناحية التغيير العمراني وبناء معالم جديدة في المسجد لتغيير البناء القائم والتاريخي خطوة خطرة، قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع في الضفة الغربية.

الوضع القائم

بموجب القرار، سيُستأنف العمل الإسرائيلي بسقف المنطقة المعروفة باسم صحن الحرم الإبراهيمي، والذي يعد منطقة مكشوفة في الجزء الخلفي المسيطر عليه من المسجد، بعد أن أوقف العمل فيه مطلع يوليو (تموز) 2024 إثر ضغوط ومطالبات فلسطينية عدت الأمر محاولة واضحة لطمس الهوية الأصلية للمكان وتهويده، وفرض واقع جديد فيه يخدم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، خصوصاً أن مستوطنين سبق أن وضعوا خيمة في الصحن قبل عقدين خصصوها مكاناً للعبادة وبقيت قائمة حتى اليوم.

ورسخ تقرير لجنة "شمغار" التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية عام 1994 للتحقيق في مذبحة المسجد الإبراهيمي، التي قتل فيها 29 فلسطينياً وأصيب 150 أثناء تأديتهم صلاة الفجر على يد اليهودي باروخ غولدشتاين، تقسيم المسجد الإبراهيمي، حيث أعطى المسلمين القسم المسمى "الإسحاقية"، فيما خصصت بقية مساحة المسجد لصلوات اليهود، على أن تغلق الحضرة الإسحاقية أمام المسلمين في الأعياد والمناسبات اليهودية.

 

 

ووفقاً لموقع "زمان يسرائيل" الإخباري، فإن وزراء وأعضاء كنيست في أحزاب الائتلاف يخططون لتغيير الوضع القائم في المسجد الإبراهيمي ومصادرته وتحويله كله إلى "موقع تراث قومي" يهودي مثلما هو وضع باحة البراق في مدينة القدس، وسط آمال استيطانية بدعم من مسؤولين أميركيين في إدارة الرئيس دونالد ترمب.

ونظم المستوطنون في الخليل نهاية العام الماضي احتفالاً دينياً داخل الحرم الإبراهيمي ومحيطه شارك فيه آلاف منهم وعدد من وزراء وأعضاء الكنيست، بينهم إيتمار بن غفير وأوريت ستروك وبتسلئيل سموتريتش وزئيف إلكين وغيلا غمليئيل، إذ كان تغيير الوضع القائم في الحرم الإبراهيمي "حديث الساعة بين السياسيين".

وبحسب ما قاله رئيس المجلس المحلي في مستوطنة "كريات أربع" يسرائيل برمسون، فإن الوزراء طمأنوه بأنه "ستكون هناك مفاجآت كثيرة خلال الفترة القريبة في مغارة المكفيلة (الحرم الإبراهيمي)"، في حين يطالب عضو الكنيست تسفي سوكوت من حزب الصهيونية الدينية بتغيير الوضع القائم في الحرب الإبراهيمي، وتغيير ترتيبات الصلاة فيه والتي تقررت في أعقاب "لجنة شمغار"، وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن بوارون وسوكوت وغيرهما "بدأوا بتحقيق رؤية سموتريتش بأن "عام 2025 سيكون عام الضم، ومغارة المكفيلة هي محطة مركزيه فيه"، في ظل دعم متوقع من إدارة ترمب.

تقسيم مكاني

بحسب أبحاث مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فإن اعتداءات اليهود على المسجد الإبراهيمي بدأت قبل تاريخ المجزرة عام 1994. واتخذت منذ يناير (كانون الثاني) 1972 طابعاً رسمياً عندما سمحت السلطات الإسرائيلية لليهود رسمياً بأداء الصلوات فيه بصورة غير تظاهرية وفي غير أوقات صلاة المسلمين. وسمحت بعد ذلك للحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة "كاخ" خلال أغسطس (آب) 1972 بأداء صلاة تظاهرية مع أتباعه قرب المسجد، ما مكنه قبل نهاية العام نفسه من أداء الصلاة مع أتباعه داخل الحرم خلال أوقات صلاة المسلمين، إلى أن قرر الحاكم العسكري الإسرائيلي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه زيادة عدد الساعات المخصصة لليهود، إذ أصبحت هذه الصلوات جزءاً من الواقع فاقتضى تنظيمها.

 

 

لذا يرى كثر أن التقسيم الزماني للمسجد الإبراهيمي الذي بدأ عام 1972، وما لحقه من تقسيم مكاني عام 1997، يصل اليوم إلى اعتداء مباشر هو الأكثر خطورة على أحد المقدسات الإسلامية، وكذلك يعد انتهاكاً للسيادة والولاية القانونية والدينية والسياسية للفلسطينيين على معلم تراثي مهم وحساس يمس كل المسلمين، خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول تثبيت ائتلافه الحكومي الهش عبر إقناع شريكه الأكثر تطرفاً بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية، بالاستمرار في دعم الائتلاف على رغم احتمالية تراجع نتنياهو عن وعوده الخاصة له باستئناف الحرب مجدداً بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.

ويرى مراقبون أن نتنياهو سيعوض ذلك عبر عدد من الإجراءات في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، والتي تلبي المطالب الأيديولوجية للصهيونية الدينية. ووفقاً لموقع "زمان يسرائيل" فإن الائتلاف الحكومي ينسج على خلفية الحرب داخل غزة ولبنان ووجود ترمب لولاية ثانية واقعاً جديداً مليئاً بالأخطار، في أحد أكثر الأماكن المقدسة القابلة للاشتعال داخل الشرق الأوسط.

المزيد من تقارير