دفعت وزيرة الشباب والرياضة السودانية ولاء البوشي اليوم الاثنين 7 أكتوبر (تشرين الأول) بدعوى قضائية ضد الداعية الإسلامي عبدالحي يوسف، أمام نيابة الخرطوم الجديدة، لاتهامه لها بالردة والزندقة والخروج عن ملة الإسلام، وذلك استجابة لدعوة عدد من المحامين السودانيين الذين طالبوها بالاتجاه إلى القضاء لوقف تمادي نمو حالات التطرف والشطط الذي سيقود البلاد على حد قولهم إلى عالم التفخيخ والتفجير والاغتيالات الذي يمارس حالياً في عدد من البلدان العربية.
مخالفة قانونية
وبحسب العريضة القانونية التي تقدم بها سبعة محامين ممثلين للاتهام وهم محمود الشاذلي، الشريف علي، محمد يوسف، معاذ آدم، يونان أيوب، شريف محمد وآمنة روبينا، فإن الدعوى القضائية استندت إلى مخالفة الداعية عبدالحي العديد من مواد القانون الجنائي لسنة 1991 تعديل 2005 بحسب وجهة النظر القانونية، ومخالفته بعض نصوص الوثيقة الدستورية 2019 في ما يخص الحريات الدينية ممثلة في حرية العقيدة والعبادة والحق في الحياة الكريمة والإنسانية والمواطنة أساس الحقوق والواجبات.
واعتبرت العريضة حديث الداعية في خطبة الجمعة الماضية في مسجد خاتم المرسلين بمنطقة جبرة في الخرطوم، بمثابة تحريض مما يعرّض سلامة الشاكية وأسرتها وسلامتها العامة للخطر، فضلاً عن أنه يعزّز ويكرّس لإثارة وتحقير وإهانة المعتقدات والشعائر الدينية، إضافة إلى أنه انتهاك صريح للحريات الدينية.
حرية التعبير
وبيّنت العريضة أن الشاكية (ولاء البوشي) من أكثر الداعمين لحرية التعبير وظلت تعمل على تعزيزها على مر السنين السابقة، لكن للأسف لم يمارس الداعية عبدالحي الحق في التعبير كما ينبغي، موضحة أن المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حظّرت بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
وأكدت العريضة أن أقوال الداعية التي تحطّ من مكانة المرأة والرياضة النسوية تمثل انتهاكاً صريحاً لحقوق المرأة وفقاً للوثيقة الدستورية، حيث تضمن الدولة هذه الحقوق في كل المجالات وتعزّزها من خلال التمييز الإيجابي.
حراسة المكتسبات
في حين نوّهت البوشي بأن تضمين المخالفات الدستورية في العريضة جاء تحسباً لأي إجراءات أخرى غير جنائية لتكون العريضة شاملة الشقّين المخالفات الجنائية والدستورية، منوهة بأنه كان يجب أن تكون بيوت الله انعكاساً للمحبة والسلام والرحمة المحضة، متناولة ما أصاب البلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية من فرقة وشتات كانت نتاج نزاعات عنصرية وقبلية ودينية.
وأشارت إلى أن ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي جمعت وصنعت جسوراً من سلام ووحدة ووئام، مؤكدة أن هذه المكتسبات تحتاج إلى حراسة من الجميع، فضلاً عن قبول الآخر واحترام الاختلاف والاحتفاء بالتنوع وكفالة حقوق الغير، وإتاحة الحريات وعدم التفريط في دولة القانون والمواطنة.
فتنة وهوس
وتأتي هذه التطورات في أعقاب انطلاق أول دوري لكرة القدم النسائية في السودان السبت 28 سبتمبر (أيلول) الماضي واحتفاء قطاع عريض من المجتمع السوداني به باعتباره يمثل نقلة نوعية في ممارسة الرياضية النسائية وتطويرها، وخطوة تعكس الانفتاح نحو العالم المتقدم، فضلاً عن تأكيد مشاركة المرأة السودانية في ممارسة دورها في المجتمع كأولوية للحكومة الانتقالية.
إلا أنه سرعان ما أشعل آراء عدد من المتشدّدين بحرمة كرة القدم النسائية على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، مما اعتبره البعض بادرة فتنة قد تعيد الهوس الديني الذي كان يمارس في فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير إلى الظهور مجدداً، وهو ما دعا محامين سودانيين وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي بفتح بلاغ ضد هؤلاء المتشدّدين الذين اتهموها بالكفر والخروج عن الدين والملّة من دون سند قانوني، لوقف تمادي نموّ حالات التطرف.
في حين طالب ناشطون المجلس السيادي باعتباره الجهة المسؤولة الأولى في السودان عن حفظ الأمن والأمان للسودانيين كافة باتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المتشددين من أنصار النظام السابق، والعمل على تحمل الأمانة التي وضعت على عاتقه من الثوار للحفاظ على الفترة الانتقالية من خلال وقف الأنشطة التكفيرية في المساجد والمنابر العامة.
أراء متشددة
وتمثلت الآراء المتشددة في قول الداعية الإسلامي عبدالحي يوسف "إنّ الحكومة الجديدة لم تفلح في معالجة أزمات الناس والذين خرجوا من أجلها إلى الشوارع، مطالبين بتحقيق الاقتصاد المنهار وإصلاحه".
وأشار الداعية إلى أن الحكومة تولّت أمر البلاد في غفلة من الزمان، وأنّ كلّ أفعالها تؤكّد أنّها أتت لهدم الدين. وأضاف "لم تفلح هذه الحكومة الجديدة حتى اللحظة إلاّ في إثارة الفتن وشغل الناس بالفارغ، بدعوة اليهود والمذاهب الأربعة وثقافة الخمر ودوري السيدات".
واتهم عبد الحي جهات تعمل على تطبيق العلمانية في السودان، وذلك بترويج الباطل على الناس بصبغة التنوّع الديني بالبلاد، حتى لا تكون شريعة الإسلام هي الحاكم.
وأوضح أن "الغالبية هم المسلمون، ولا يمكن الحكم بهوى الأقلية". فيما وجه انتقاداتٍ لوزيرة الشباب والرياضة بالحكومة الجديدة، لافتاً أنّها لا تتبّع الدين الإسلامي، وتؤمن بأفكار حزبها الجمهوري الذي حكم على قائده بالردة وأعدم قبل 35 عاماً، مضيفاً "استغرب من إقامة دوري السيدات، وكأنّ رجالنا الذين يلعبون الكرة قد رفعوا اسم البلاد ونالوا الكؤوس، وفرغنا من أمرهم وذهبنا للنساء"، موضحاً أنّ الحكومة السابقة طلبت من هيئة علماء السودان فتوى بشأن إقامة دوري كرة قدم نسائي غير أنّ الرد كان بالمنع سداً للذرائع.
في المقابل، قال رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح، "إن قوى الحرية والتغيير تعمل على برنامج واضح يسعى إلى علمنة الدولة السودانية عبر تغيير سلوك المجتمع السوداني في عاداته ولبسه وصولاً إلى المعتقدات الدينية بالبلاد"، موضحاً "أن توجه العلمنة لدى قوى الحرية والتغيير ظهر جلياً من خلال تصريحات وزراء الحكومة الحالية وآخرهم وزير العدل". واعتبر انطلاق دوري كرة القدم النسائية بالبلاد بأنه دليل قاطع على علمانية الدولة، مشيراً إلى أنه "على الرغم من جواز ممارسة المرأة للرياضة في الدين الإسلامي، إلا أنها مقيدة بشروط تتعلق بالصحة وستر العورة".
وأضاف "أن مشاهدة الرجال النساء وهنّ يمارسنَ كرة القدم وهنّ في ظل عورة كاشفة فهذا أمر لا يجوز"، كما أنه "إذا كانت المرأة تمارس الكرة وهي في حيز مستور من دون وجود أجنبي فهذا جائز في الإسلام"، مبيّناً أن كرة القدم تديرها الماسونية العالمية التي لها توجه علماني.