Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

أزمة عنيفة تضرب سوق العقارات البريطانية

أصبحت توقعات وكلاء البيع أقل تفاؤلاً مع تزايد الإدراك بأن السوق تعاني من تضخم مفرط في الأسعار

لم تسجل السوق العقارية في بريطانيا أي نمو حقيقي في الأسعار بعد احتساب التضخم منذ عام 2022 (اندبندنت عربية)

ملخص

في عام 2009 كان متوسط سعر العقار يعادل 6.4 ضعف متوسط الراتب لكن بنهاية 2023 ارتفع إلى 8.6 ضعف

على مدار أكثر من 20 عاماً، شهدت سوق العقارات في بريطانيا ارتفاعاً حاداً، إذ قفز متوسط أسعار المنازل من 85 ألف جنيه استرليني (109.8 ألف دولار) في عام 2000 إلى 268 ألف جنيه استرليني (346.3 ألف دولار) اليوم، بزيادة بلغت 215 في المئة وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية، لكن هذه الطفرة قد تكون على وشك الانتهاء، إذ أصبحت التوقعات المتفائلة لوكلاء العقارات أقل تفاؤلاً مع مرور الوقت، مع تزايد الإدراك بأن السوق تعاني من تضخم مفرط في الأسعار.

وفي ظل ارتفاع عدد المنازل المعروضة للبيع إلى أعلى مستوى له منذ 10 سنوات، وفقاً لمؤشر أسعار المنازل الصادر عن "رايت موف"، يفقد البائعون قوتهم في تحديد الأسعار، مما يفتح المجال أمام المشترين لفرض شروطهم.

وعلى رغم زيادة الطلب أخيراً بسبب مخاوف من ارتفاع ضريبة الدمغة، فإن الأسعار ارتفعت بنسبة 1.4 في المئة فقط في العام حتى فبراير (شباط) الماضي، وهو أقل من نصف معدل التضخم العام البالغ 3 في المئة.

أظهر تقرير "هاليفاكس" انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.1 في المئة في الأسعار الشهرية، على رغم تسجيله ارتفاعاً سنوياً بنسبة 2.9 في المئة، وهو ما لا يزال دون مستوى التضخم.

وتشير بيانات "توينتي سي آي" إلى أن 38 في المئة من العقارات التي أُدرجت للبيع قبل ديسمبر (كانون الأول) 2024 شهدت تخفيضات في الأسعار، مقارنة بـ36 في المئة في عام 2023 و24 في المئة فقط في 2022، مما يعكس واقعاً جديداً في السوق العقارية البريطانية.

"أيام شراء العقارات"

ويقول ريتشارد دونيل من "زوبلا" إن على الناس إعادة النظر في توقعاتهم في شأن الأرباح التي يمكنهم تحقيقها من عقاراتهم، فلم تسجل السوق العقارية أي نمو حقيقي في الأسعار – بعد احتساب التضخم – منذ عام 2022، إذ بلغت أسعار المنازل ذروتها في عام 2007 عند 346367 جنيهاً (447569 دولاراً) بعد التعديل وفقاً للتضخم، مقارنة بـ 266640 جنيهاً (344640 دولاراً) اليوم، وفقاً لمؤشر أسعار المنازل الصادر عن "نيشن وايد" وأرقام التضخم لمؤشر أسعار التجزئة.

ويؤكد تشارلي لامدين، الذي يدير شبكة وكلاء العقارات "بيست إيجنت"، أن "أيام شراء العقارات لتحقيق مكاسب مالية انتهت، وهو واقع يجد الكثيرون صعوبة في تقبله".

ويرى وكلاء العقارات أن مؤشر أسعار المنازل الصادر عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) كان متساهلاً في تقييمه للسوق خلال السنوات الأخيرة، إذ يعتمد في حساباته على تقديرات لـ12 شهراً السابقة، ثم ينشر لاحقاً مراجعات لها، والتي كانت في كل شهر منذ عام 2020 أقل من التقديرات الأولية بنسبة تصل إلى 11.1 نقطة مئوية.

وفي تقرير فبراير الماضي، خفّض المكتب جميع بيانات أسعار المنازل التي سبق أن نشرها، بحيث عادت التعديلات إلى يناير (كانون الثاني) 1970، مسجلاً انخفاضاً مذهلاً بنسبة 8 في المئة مقارنة بتقرير الشهر السابق. وأوضح المكتب أنه يعدل فقط فترة المرجعية، لكن هذه الخطوة أثارت انتقادات من محللين حائرين.

يقول مارك تابريت من شركة "هولا" لتحليل البيانات، "فكرة إعادة وزن المؤشر لا تبدو منطقية، نظراً لأنه خفض موحد بنسبة 8 في المئة على مدى 55 عاماً، مما جعل الجميع في حيرة من تفسير مكتب الإحصاءات الوطنية، فلم يحدث من قبل تعديل 55 عاماً من البيانات بين ليلة وضحاها."

ويقيس مكتب الإحصاءات الوطنية تغيّرات أسعار المنازل بناءً على متوسط يستند إلى "سلة من العقارات"، والتي تعدل كل عام، لكن استخدام المتوسطات لتتبع تطور أسعار العقارات قد يخفي الفروقات الدقيقة في بعض أجزاء السوق.

وأفاد مؤشر أسعار المنازل الصادر عن "رايت موف" في نوفمبر (تشرين الأول) 2024 بارتفاع سنوي نسبته واحداً في المئة، لكنه سجل انخفاضاً شهرياً بنسبة 1.4 في المئة، ومع ذلك، وجد أن العقارات الفاخرة في السوق (على أعلى السلم العقاري) تراجعت بنسبة 3.3 في المئة خلال الشهر حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من 675343 جنيهاً (872818 دولاراً) إلى 653290 جنيهاً (844360 دولاراً) وهو انخفاض ملحوظ.

يُضاف إلى ذلك وجود تأخير زمني لمدة شهرين في تقارير مكتب الإحصاءات الوطنية، ما يعني أن بياناته قد لا تعكس الحال الراهنة لسوق العقارات بدقة.

"كان الإسكان في فقاعة"

قبل 15 عاماً، كان الاقتصاد البريطاني في وضع مختلف عندما كانت سوق العقارات مزدهرة، لكن منذ الأزمة المالية، شهدت الأجور حالاً من الركود في حين واصلت أسعار العقارات ارتفاعها. في عام 2009، كان متوسط سعر العقار في بريطانيا يعادل 6.4 ضعف متوسط الراتب، لكن بنهاية السنة المالية 2022-2023، ارتفع إلى 8.6 ضعف، وفقاً لأحدث بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية.

ولم تصبح العقارات أكثر كلفة مقارنة بالأجور فحسب، بل إن كلفة الاقتراض ارتفعت بشكل كبير، وهو ما أثر بشكل خاص على من يسعون للحصول على قروض عقارية كبيرة، ففي عام 2021، كان متوسط سعر الفائدة الثابت على الرهن العقاري لمدة عامين 2.34 في المئة، ما يعني أن من اقترض 500 ألف جنيه (646.2 ألف دولار) كان يدفع أقساطاً شهرية تبلغ 2204 جنيهات (2848 دولاراً)، أما اليوم، فإن الحصول على القرض نفسه بسعر فائدة 5.5 في المئة سيكلف 3070 جنيهاً شهرياً (3967 دولاراً).

ببساطة، لم يعد بإمكان الكثيرين شراء منازل عائلية أكبر، ما لم يحصلوا على دعم مالي من "بنك الأم والأب".

وأظهرت دراسة أجراها موقع "زوبلا" العقاري أن أكثر من نصف العاملين بدوام كامل في جنوب إنجلترا غير قادرين على شراء منزل متوسط السعر يتكون من غرفتين أو ثلاث غرف نوم، بينما ترتفع هذه النسبة في العاصمة لندن إلى 74 في المئة".

ويقول ريتشارد دونيل "استبعد الكثيرين من سوق العقارات في جنوب إنجلترا، إذ يحتاج المشترون إلى دخول أعلى بنسبة 50 في المئة من المتوسط، ما يعني أن نمو أسعار المنازل سيظل محدوداً".

من جانبها، تصف الأستاذة الفخرية في اقتصاديات الإسكان بكلية لندن للاقتصاد، البروفيسورة كريستين وايتهيد، الوضع بأنه "البيئة الأكثر إحباطاً لسوق الإسكان".

وتضيف "يجب أن تتغير التوقعات والمواقف، فقد شهدت السوق العقارية فقاعة كبيرة في بعض المناطق، ومن الممكن أن تنخفض أسعار المنازل بالفعل، وسيتضرر القطاع الأعلى من السوق بسبب ارتفاع الأسعار المفرط، لكن الشريحة الأدنى قد تتأثر أيضاً، إذ يعاني السكان الأقل دخلاً من وطأة الظروف الاقتصادية".

توقعات النمو خاطئة

قد يجد مالكو المنازل بعض الطمأنينة في التوقعات الصادرة عن وكلاء العقارات والمواقع العقارية والمقرضين، والتي تشير في معظمها إلى نمو أسعار المنازل خلال السنوات المقبلة. ومع ذلك، فإن أي توقعات جريئة بمستقبل إيجابي لسوق العقارات لا تعدو كونها مجرد تخمين في أفضل الأحوال، ففي نهاية العام الماضي، توقعت "رايت موف" أن يكون عام 2025 "أقوى من حيث الأسعار... بخاصة إذا انخفضت أسعار الفائدة على الرهن العقاري إلى مستوى يمنح القدرة على الشراء لبعض المشترين المحتملين الذين كانوا يترقبون الفرصة المناسبة".

لكن لا توجد أي مؤشرات على أن أسعار الفائدة على الرهن العقاري ستنخفض إلى مستوى يعزز القدرة على تحمل الكلفة، بل على العكس تماماً.

وخفض بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) سعر الفائدة الأساس ثلاث مرات منذ أغسطس (آب) 2024، بعد تراجع معدلات التضخم، ومع ذلك، بالكاد انخفضت معدلات الرهن العقاري خلال العام الماضي، إذ يبلغ متوسط الفائدة الثابتة لمدة خمس سنوات حالياً نحو 5.2 في المئة، مقارنةً بما يزيد قليلاً على 5.3 في المئة قبل عام، وفقاً لبيانات "موني فاكتس".

ويعود ذلك إلى ارتباط هذه المعدلات بأسعار "المقايضات" المالية، التي تستند إلى توقعات السوق لأسعار الفائدة المستقبلية، فيما الأسواق تتوقع بقاء الفائدة مرتفعة لفترة أطول، على عكس ما قد تشير إليه التوقعات المتفائلة.

وتتوقع التنبؤات الأخيرة من "زوبلا" بعض النمو، بشرط أن "يتحمل نمو الأجور العبء في دعم القدرة على تحمل الكلفة وقوة الشراء، مع احتمال أن يظل نمو أسعار المنازل معتدلاً".

اقرأ المزيد

ومع ذلك، وفقاً لمكتب المسؤولية المالية، لن يتحقق نمو الأجور الذي يعتمد عليه هذا التنبؤ، إذ يواجه أصحاب العمل زيادة في مساهمات التأمين الوطني بعد الموازنة، ما يجعلهم غير قادرين على منح زيادات في الرواتب. ويقدر مكتب المسؤولية المالية أن النمو في الأجور الحقيقية سينخفض إلى نحو صفر في عامي 2026 و2027، مقارنة بمستواه الحالي الذي يبلغ 2.5 في المئة.

وتضيف وايتهيد قائلة "إن الوضع في سوق العمل لن يتحسن، ولن يخلق الكثير من الوظائف".

وقال "أشلي ويب" من شركة التحليلات "كابيتال إيكونوميكس" إن التراجع الطفيف في أسعار المنازل في تقرير "هاليفاكس" في فبراير الماضي، يشير إلى أن الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة على الرهن العقاري و/أو ضعف الاقتصاد الأوسع يؤثران في طلب وأسعار المنازل أكثر مما كنا نعتقد سابقاً.

وأضاف "التدهور الأخير في التوقعات بالنسبة للتوظيف قد يعني أن نمو أسعار المنازل سيتباطأ أكثر في الأشهر المقبلة".

وبالنسبة للأسر التي تواجه ركوداً في الأجور واحتمالية النمو الاقتصادي المنخفض، فإن شراء منزل أكبر يبدو بعيداً من أولوياتهم، إذ ترتفع كلفة امتلاك وصيانة المنازل - المعروفة بكلفة السكن للملاك (OOH) - بسرعة أيضاً، على رغم انخفاض التضخم العام. وبالنسبة للكثيرين، فإن هذا يدفع فرصة شراء الممتلكات الأعلى سعراً إلى أبعد مدى.

وقال لامدين، "اللحظة المثالية لبيع المنازل كانت منذ عامين، في خريف 2022".

وأضاف "منذ ذلك الحين، تركت الآثار المركبة للتضخم العام، والسقوط الكبير في أسعار المنازل في الجزء الأعلى من السوق، وزيادة تضخم كلفة السكن للملاك السنوي إلى 7.4 في المئة من دون أي إشارات على التراجع، إضافة إلى زيادة في اتجاه التقلص في حجم المنازل، الكثير من أصحاب المنازل الكبيرة والمتفرقة في حيرة من أمرهم بسبب عدم قدرتهم على بيع منازلهم، حتى بعد خفضهم للأسعار بأكثر من 20 في المئة في بعض الحالات".

زيادة ضريبة الدمغة ضربة أخرى للمشترين

ضربة أخرى ستوجه للمشترين - بالتالي للبائعين - هي زيادة ضريبة الدمغة التي ستدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، إذ يواجه المشترون دفع أكثر من ضعف ضريبة الدمغة بحلول عام 2030، مع ارتفاع العائدات من 8.6 مليار جنيه (11.12 مليار دولار) في 2023 إلى 18.1 مليار جنيه (23.4 مليار دولار) خلال هذه الفترة، وفقاً لتحليل توقعات مكتب المسؤولية المالية من قبل المقرض "كوفنتري بيلدينغ سوسيتي".

هذه الأموال ليست في متناول المشترين للمرة الأولى والمشترين الذين يخططون للانتقال، مما يدفعهم إلى البحث في طبقات منخفضة من سوق العقارات أو تقديم عروض أقل.

وقالت وايتهيد "زيادة ضريبة الدمغة هي عكس ما يجب أن تفعله الحكومة. ينبغي عليهم إلغاؤها، على الأقل لكبار السن".

وأضافت "يجب أن نعمل على تشجيع الناس على التحرك أكثر، لا أقل، إذ تظهر الأدلة أن الزيادة في حجم مبيعات المنازل أكثر فاعلية للاقتصاد من زيادة ضريبة الدمغة".