Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

عجلة قيادة الولايات المتحدة للعالم تختل في يد ترمب

النظام الذي استغرقت أميركا 80 عاماً لبنائه أصبح هشاً بصورة مفاجئة في مواجهة هجوم الرئيس في 50 يوماً فحسب

يرى محللون إن ترمب قلب سياسة الولايات المتحدة في شأن حرب روسيا وأوكرانيا بنسبة 180 درجة (اندبندنت عربية)

ملخص

على مدار ثلاث سنوات، كان الديمقراطيون ومعظم الجمهوريين ينظرون إلى الحرب من خلال عدسة السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، وكان من الواجب على الولايات المتحدة الدفاع عن ديمقراطية تكافح ضد غزو غير قانوني من قوة أكبر تسعى إلى السيطرة على أراضيها

في غضون 50 يوماً فحسب، قام الرئيس ترمب بما لم يفعله أي من أسلافه في العصر الحديث لتقويض النظام الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعناية على مدار الـ80 عاماً الماضية منذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية.

فكانت تصرفاته، التي غالباً ما تفتقر إلى مبرر استراتيجي واضح، قد أدت إلى تغيير مواقف الولايات المتحدة في قضايا رئيسة، مثل موقفها في حرب أوكرانيا، بعد أن تخلى عن دعم كييف في دفاعها ضد العدوان الروسي، وبدلاً من ذلك اتخذ موقفاً مع روسيا وكوريا الشمالية، بعدما صوت ضد قرار في الأمم المتحدة الذي يعترف بموسكو كدولة معتدية.

عن ذلك، يقول ديفيد سانغر الذي ألف أربعة كتب عن السياسة الخارجية وتحديات الأمن القومي الأميركي، والذي عمل صحافياً في "نيويورك تايمز" لأربعة عقود، إن "أفعال ترمب لم تؤثر في التحالفات الدولية التقليدية فحسب، بل أضعفت أيضاً العلاقات مع حلفاء الناتو". ويوضح "تفكر اليوم فرنسا وبولندا، على وجه الخصوص، في تطوير قدراتهما النووية الخاصة في ظل فقدان الثقة في التزام الولايات المتحدة بدورها كمدافع نهائي عن الناتو".

ويضيف أن "فرض ترمب للرسوم الجمركية على حلفائه، إلى جانب تعليقاته الاستفزازية حول أراض مثل قناة بنما، وغرينلاند، وحتى كندا، قد زادت من حالة عدم اليقين العالمية حول موثوقية أميركا".

ويرى سانغر أن "الأمر قد يستغرق أربع سنوات أو أكثر قبل أن نعرف ما إذا كانت هذه التغيرات دائمة أم أن حماة النظام القديم سيصمدون"، محذراً من أنه وبحلول ذلك الوقت، قد يكون الحلفاء الغربيون قد انتقلوا بعيداً من نظام تقوده الولايات المتحدة.

واستشهد سانغر بما قاله عالم السياسة المعروف بأبحاثه حول طبيعة القوة الناعمة جوزيف ناي جونيور، عن ترمب أخيراً إنه "مهووس جداً بمشكلة الركاب المجانيين لدرجة أنه ينسى أن من مصلحة أميركا قيادة الحافلة".

وأضاف "لكن ربما الشيء الأكثر لفتاً للانتباه هو أن ترمب يقوض النظام القديم من دون أن يصف النظام الذي يراه بديلاً له، فيما تشير أفعاله إلى أنه يشعر براحة أكبر في عالم السياسة الكبرى في القرن التاسع عشر، إذ يتفاوض هو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ في ما بينهم، ويسمحون للقوى الأصغر بالانصياع".

الـ50 يوماً كانت حاسمة

ويقول سانغر إن ترمب بدأ الآن في الادعاء بتحقيق النجاحات، أما بالنسبة لمؤيديه، يبدو أن موافقة أوكرانيا على اقتراح لوقف إطلاق النار المؤقت، الذي لم تقبله روسيا، يظهر أن ضغطه على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان مجدياً على رغم الجدل، ولكن قد يحدد المؤرخون أن هذه الـ50 يوماً كانت حاسمة لأسباب تتعلق بأمور أقل صلة بأوكرانيا.

وقال السفير الأميركي في الصين تحت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، إن "الجدل الكبير الآن هو ما إذا كانت هذه خطوة تكتيكية لإعادة تشكيل سياستنا الخارجية أم إنها ثورة؟"، مضيفاً "لقد بدأت أعتقد أنها ثورة، فعندما تصوت مع كوريا الشمالية وإيران ضد حلفاء الناتو، وعندما تفشل في الوقوف ضد العدوان الروسي، وعندما تهدد بأخذ أراضي حلفائك، فإن شيئاً قد تغير جوهرياً، فهناك كسر في الثقة مع الحلفاء قد لا نتمكن من إصلاحه أبداً".

لسنوات كان يبدو ترمب أكثر حماسة في شأن ضرورة أن تتحكم الولايات المتحدة في غرينلاند بسبب ثروتها المعدنية وموقعها الاستراتيجي بالقرب من المياه القطبية التي تستخدمها روسيا والصين، وتسارعه في مطالبة بالوصول إلى قناة بنما واستمر في تكرار الحاجة إلى أن تصبح كندا الولاية الحادية والخمسين، حتى أصبح من الواضح أنه لم يكن يمزح.

ففي مؤتمر صحافي في 7 يناير (كانون الثاني) الماضي (قبل أسبوعين من تنصيبه)، سئل عما إذا كان سيستبعد استخدام القسر العسكري أو الاقتصادي لتحقيق أهدافه في غرينلاند أو كندا، فرد قائلاً "لن التزم بذلك وقد نحتاج إلى القيام بشيء".

وكان ذلك تهديداً مذهلاً، فاليوم نحن أمام رئيس منتخب يهدد باستخدام أكبر جيش في العالم ضد حليف في حلف الناتو، والبعض تجاهل ذلك باعتباره مجرد تبجح من ترمب، ولكن في خطابه أثناء التنصيب، عزز من هذا الموقف قائلاً، إن "العالم لن يستغل بعد الآن سخاء أميركا والأمن الذي تقدمه للحلفاء وأميركا تسعى لتحقيق مصيرها الواضح"، وهو شعار من تسعينيات القرن التاسع عشر.

أوكرانيا… الاختبار الأول

على مدار ثلاث سنوات، كان الديمقراطيون ومعظم الجمهوريين ينظرون إلى الحرب من خلال عدسة السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، وكان من الواجب على الولايات المتحدة الدفاع عن ديمقراطية تكافح ضد غزو غير قانوني من قوة أكبر تسعى إلى السيطرة على أراضيها.

لكن وصف ترمب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بـ"الديكتاتور"، في حين يرفض وصف الرئيس بوتين بالوصف نفسه، وبرر رفضه تسميه روسيا بالعدوانية في الحرب باعتباره إجراء ضرورياً للعمل كوسيط محايد.

وفي أول رحلة له إلى أوروبا، أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، أن "بلاده لن توافق أبداً على انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو"، قائلاً "يتعين عليها أن تتخلى عن الأراضي التي فقدتها بسبب العدوان الروسي".

ويقول مستشار الأمن القومي الثالث لترمب جون بولتون إن "ترمب قلب سياسة الولايات المتحدة في شأن حرب روسيا وأوكرانيا بنسبة 180 درجة، والأكثر مرارة أنه يقف إلى جانب الغازي".

اقرأ المزيد

لكن أوروبا تمسكت بموقفها بصورة أعمق مع الأوكرانيين، مما أدى إلى تقسيم أكبر قوة في الناتو عن جميع أعضائه الـ31 باستثناء القليل منهم، ووجدت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مع حلفائها المقربين منذ أزمة قناة السويس عام 1956 في ما يعرف بـ"العدوان الثلاثي"، عندما غزت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل مصر، لكن هذا الانقسام كان أعمق وأكثر جوهرية.

وقال أحد المسؤولين الأوروبيين رفيعي المستوى، في حديثه بعد مؤتمر الأمن في ميونيخ الشهر الماضي، "من الواضح أن الأجندة الحقيقية لترمب كانت ببساطة وقف إطلاق نار ثم تطبيع العلاقة مع الروس".

وقد أثار هذا الاحتمال قلق المسؤولين الأوروبيين، الذين يعتقدون أن أوروبا قد تكون الهدف التالي لروسيا، حتى إن المؤيد الطويل للتحالف عبر الأطلسي والذي يتوقع أن يكون المستشار الألماني المقبل فريدريش مرز، أعلن في ليلة الانتخابات الألمانية أن "أولويته المطلقة تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة الأميركية".

إعادة التفكير في المستقبل

ربما تكون أحد الأسباب التي جعلت ثورة ترمب تفاجئ العالم هو أن العديد من الأميركيين وحلفاء أميركا اعتقدوا أن سلوك ترمب في فترته الثانية سيكون مشابهاً تقريباً لما فعله في فترته الأولى، إذ كانوا يعتقدون أنه سيلتزم إلى حد كبير باستراتيجية الأمن القومي التي أصدرها في ولايته الأولى.

أما وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، والذي كان من أشد المتشددين تجاه روسيا قبل توليه منصبه الحالي، فأشار إلى أن ترمب كان يحاول تفريق روسيا عن شراكتها المتزايدة مع الصين، لكن لا يوجد دليل على أن هذا الأمر يحقق نتائج.

وبصورة أساسية، فأنه على رغم أن التأثير الكامل لترمب على النظام الدولي لا يزال غير مؤكد، يشعر العديد من المراقبين أنهم يشهدون تفكك عقود من الجهود الدبلوماسية التي هدفت إلى تأمين السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن عصر القيادة العالمية للولايات المتحدة، الذي دعا إليه زعماء مثل هاري ترومان (الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية)، في خطر شديد.

المزيد من تحلیل