ملخص
مسلسلات مثل "قلبي ومفتاحه" و"إخواتي" و"أشغال شقة جداً" تعرضت بصورة واضحة للاتجار في العملات الأجنبية وإلى الدولار بصورة محددة كوسيلة للثراء والنجاة من الفقر، وبرامج قامت على تحقيق أحلام البسطاء بمنحهم مبلغاً مالياً مع استعراض ملامحهم السعيدة، والباكية فرحاً لمجرد تمكنهم من توفير ثمن العلاج أو إيجار المنزل... الأزمة الاقتصادية تضغط على مخيلة المبدعين في دراما وبرامج هذا الموسم في مصر
قصص حب وانتقام وصعود وهبوط مع مطاردات وجرائم وغموض وتشويق، وكذلك كوميديا اجتماعية تعرف كيف تنتزع الضحكات، تنوع كبير في محتوى دراما رمضان مصر هذا الموسم يوازيه تنوع البرامج أيضاً. لكن، اللافت أن هناك هاجساً تسلل إلى غالبية القائمين عليها يعبر بصورة مباشرة عن الأزمة الطاحنة التي انتابت قطاعات عديدة من الأسر وأصحاب الأعمال خلال الفترة الماضية الممتدة منذ أكثر من عامين، وارتبطت حينها بشح الدولار وارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي بصورة ملحوظة.
ويبدو جلياً أن دراما رمضان بكل أنواعها لم يستطع صناعها أبداً ترك هذه الأزمات جانباً، بل في بعض الأوقات كانت محوراً أساساً في بناء حكايتهم، ونسجوا من خلالها أحداثاً مفصلية ترتبت عليها تطورات الخط القصصي طوال الحلقات، ليشكل سعر الصرف والاتجار في العملة والارتفاع الضخم في أسعار العقارات وكلف المدارس خلفيات متكررة في عدد من الأعمال الفنية البارزة خلال هذا الشهر.
كذلك ارتبطت بخطة الدعاية أيضاً طريقة الترويج المعتمدة على جذب المشاهدين للمتابعة من طريق منحهم جوائز مالية، وكأن المشاهدة لم تعد مجانية وأن الدفع يسبق الدعم، والهدايا هنا تشبه ما تفعله البرامج التي تلعب على وتر الاحتياج المادي لدى الناس، وإن كانت للوهلة الأولى تبدو ذات بعد اجتماعي وإنساني نظراً إلى الظرف الذي يعيشه كثير من المواطنين.
لكن بعض يراها من جانب آخر استغلالاً لهذا الظرف للدعاية والحصول على معلنين، كما انتقد آخرون الإمعان في تصوير ذوي الحاجة والتركيز على فرحتهم بالحصول على بضعة آلاف قد توفر لهم الأدوية أو الحاجات الضرورية في الحياة.
مشاركة مجتمعية أم متاجرة بالأحلام؟
على رغم أن الهدايا القيمة سواء كانت مادية أو عينية شيء معروف في كثير من البرامج الترفيهية عالمياً وعربياً ومصرياً أيضاً، إذ دأب الجمهور على متابعة هذه النوعية من المسابقات التي يحصلون جراء الإجابة عن أسئلتها على مكافآت مرضية، وكان أشهرها خلال تسعينيات القرن الماضي "كلام من دهب" الذي كان يقدمه المذيع طارق علام على التلفزيون المصري، فإن الأمر كان لا يخرج عن كونه هدية لطيفة جاءت بصورة مفاجئة وبناء على مهارة ما، دون إمعان في إظهار من يحصلون عليها أنهم في شدة الاحتياج وأن حياتهم ستتغير، بل إن بعض البرامج لم تكن تستعرض أساساً وجوه الفائزين ويكتفون بالإعلان عن أسمائهم.
وعلى رغم أيضاً من أنه من الجيد عدم الانفصال عن الواقع والشعور بمعاناة محدودي الدخل، فإنه تبدو كثير من البرامج الرمضانية سواء تلك التي تقدم عبر السوشيال ميديا أو القنوات التلفزيونية كأنها مباراة في البحث عن "الأكثر احتياجاً" وتصوير معاناته من كل الزوايا، فهذا يرغب في تزويج ابنته وثان يريد تشطيب منزله وثالثة تتمنى أن تحصل على دواء لمرضها المزمن، وهي أحلام تبدو بسيطة للغاية لكن بسبب ارتفاع الأسعار الكبير على مدى الفترة الماضية مع ثبات قيمة الدخول أو حتى خسارة بعض الوظائف، أصبحت أمنيات ضخمة في حاجة إلى معجزة مالية بالنسبة لأصحابها.
وعلى رغم تعدد برامج هذه النوعية هذا الموسم يظل برنامج "مدفع رمضان" أشهرها، إذ يضمن له موعده الذي يأتي تزامناً مع الإفطار إضافة إلى احتمالية الفوز بجائزة مالية كبيرة تحقيق نسبة مشاهدة جيدة، وقد تصل جوائزه إلى 300 ألف جنيه مصري (6 آلاف دولار)، وهو مبلغ خرافي بالنسبة إلى ملايين الأسر وقد يسد حاجات شتى.
وبات كثر في انتظار أن يتصل بهم النجم الغائب عن السباق الدرامي للعام الثاني على التوالي عشوائياً، ليبشرهم بالحصول على مفاجأة مالية سارة قد تغير مصيرهم حرفياً، حتى لو كان المبلغ لا يتجاوز الـ500 دولار إلا أنه قد يسهم في انتشال بعض من مشكلات تعوق حياتهم، نحو تسديد الديون التي قد تودي بأصحابها إلى السجون مثلاً.
الجميع في انتظار الصدفة
وانقسمت الآراء حول طريقة محمد رمضان في الترويج للعمل وأيضاً في الظهور وهو محاط بآلاف من المعجبين في الشوارع يتمنون مصافحته، وأيضاً أن ينالهم من المال جانب، فبعض يجد الأمر مرحاً ومشاركة مجتمعية حقيقية في تخفيف الأعباء عن الجماهير، لا سيما أنه يصور في مناطق شتى داخل البلاد، وآخرون تمنوا لو كان حافظ بعض الشيء على خصوصية الفائزين، لا سيما أن بعضهم كان حتى وقت قريب قادراً على تلبية حاجات منزله بل ويوفر بعض الفائض، إذ يعتقد المنتقدون أن بعض اللقطات قد تفسد وقع الهدية المفرحة وفكرة البرنامج الترفيهية.
كذلك، فإن اعتماد البرنامج على الحظ لا على اختبار المعلومات المفيدة أو حتى إعمال العقل لحل فزورة مربكة، إذ يجري الاكتفاء في بعض الحالات بسؤال يبدو غريباً ومضحكاً في بساطته، كان من أسباب الانتقاد أيضاً.
يرى الناقد طارق الشناوي أن محمد رمضان "يعتمد في برنامجه أولاً على شعبيته ليحاول أن يثبت أنه نجم الشارع الأول، لكن هذه المرة أدخل جانباً إنسانياً لمساعدة المحتاجين". ويشير الشناوي إلى نقطة مفصلية في ما يتعلق ببرامج المسابقات يفتقدها برنامج "مدفع رمضان"، وهي متعلقة بأنه "يستند إلى الصدفة البحتة، فالفائزون بالأموال هنا لم يجتهدوا لحل لغز أو لتذكر معلومة مفيدة أو حتى مسلية، وهي نقطة جوهرية كانت تتميز بها هذه النوعية من البرامج على التلفزيون المصري".
في حين بدا الأمر أخف وطأة وربما أكثر مرحاً مع الفائزين بالجوائز المالية في حلقات برنامج "رامز إيلون ماسك"، الذي يعرض تزامناً أيضاً مع "مدفع رمضان"، ويعتمد على أسئلة بسيطة للغاية تتعلق بأكسسوارات وملابس المشاهير الذين يظهرون في الحلقات، ويجري اختيار ثلاثة فائزين يحصل كل منهم على مبلغ 100 ألف جنيه (2000 دولار أميركي)، ثم يلتقط صوراً لهم في منازلهم وهم سعداء بهذه المفاجأة.
محفزات المشاهدة
بالعودة إلى محمد رمضان فقد كان أثار الجدل قبل شهر رمضان بمدة طويلة باعتماده على المسابقات أيضاً في الترويج لأغنياته، إذ يطلب من الجمهور تخمين تفاصيل تتعلق بالأعمال الغنائية التي يطرحها مقابل مبالغ ضخمة، وهي الطريقة التي التقطها كذلك الفنان أحمد العوضي إذ يرى الأخير أنه يفضل أن يرد الجميل لجمهوره الذي صنع نجاحه بأن يهديهم من وقت إلى آخر عدة آلاف من الجنيهات مقابل الإجابة عن أسئلة يطرحها على صفحاته الرسمية، ويحضر بنفسه لقاء بعض الفائزين.
والأمر استمر مع العوضي كذلك خلال عرض مسلسله "فهد البطل" إذ يطرح أسئلة تحتاج إلى دقة في المتابعة ويحصل الفائز على مبلغ مالي، وعادة يختار 10 أو 20 فائزاً يوزع عليهم مبلغاً كبيراً بالتساوي، وهي طريقة ترويجية بالأساس تهدف إلى ضمان مشاهدة واسعة لمسلسله الذي ينتمي إلى نوعية الدراما الشعبية وتلقى قبولاً بين جمهوره، ومن غير الممكن إنكار أن المبلغ مهما بدا بسيطاً لبعض فهو بالنسبة إلى كثر مصدر سعادة، وقد يغير مساراتهم أو يحل لهم أزمة تفوق قدراتهم.
كذلك روجت مي عمر لمسلسلها "إش إش" بالطريقة نفسها، بطرح سؤال تحتاج إجابته متابعة أغنيات وأحداث العمل، ومن ثم تختار عدة فائزين وتمنحهم مبلغاً كبيراً، اللافت أن بعضاً قديماً كان يلجأ إلى مكافأة المشاهدين المخلصين بحضور يوم تصوير مع الفنان ومشاهدة الكواليس أو إهدائهم بعض المقتنيات، لكن مؤخراً تحولت الهدايا إلى أموال لتتماشى مع الأوضاع الحالية.
ومن جهته، حرص مؤلف مسلسل "وتقابل حبيب" المعروض خلال الموسم الحالي عمرو محمود ياسين على تسجيل اعتراضه على تلك الطريقة الغريبة، من خلال تدوينة على "فيسبوك" قال فيها "بصراحة أنا حاسس (أشعر) إني مظلوم في المنافسة السنة دي (هذا العام). كتير من المسلسلات عاملين مسابقات وجوائز قيمة، والجمهور متفاعل، وأنا لا عندي مسابقات ولا عندي جوائز! يعني حتى لو فكرت أعمل مسابقة، هسأل إيه؟ مين بطل المسلسل؟ وأهدي الفائز إيه؟ أنا كده مش عارف أنافس الصراحة"، واختتم تدوينته بتأكيد أن النجاح الحقيقي يصنعه الجمهور بلا محفزات، من طريق إعجابه التلقائي بالعمل الجيد.
تأثير الأزمة الاقتصادية على حبكات المسلسلات
أما بالنسبة إلى السياق الدرامي نفسه فقد ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها بقوة على السرد، إذ يتناول مسلسل "قلبي ومفتاحه" ضمن خطوط درامية كثيرة ظاهرة الاتجار في العملة الأجنبية بالسوق السوداء من طريق شخصية "أسعد" التي يجسدها محمد دياب، ويأتي تبرير هذا السلوك غير المشروع على لسان شخصية إسماعيل (أحمد خالد صالح) الذي يعاونه في هذا المجال، بأنهم يقدمون خدمة للبلد بتوفيرهم العملة الصعبة للشركات والمصانع لتدور عجلة الاقتصاد، بل وتوفير الأدوية للمرضى أيضاً.
وتكافح الدولة بقوة الاتجار في العملة الذي ينتشر داخل مصر من وقت إلى آخر، وبلغ ذروته قبل التعويم الأخير للجنيه خلال مارس من العام الماضي، وكان وصل سعر الدولار الواحد في السوق السوداء إلى أكثر من 70 جنيهاً، بينما كان سعره العادل بعد تحرير سعر الصرف نحو خمسين جنيهاً، مما أثر حينها بشدة على الأسعار التي ارتفعت بصورة جنونية بدءاً من الخضراوات والفاكهة ومستلزمات الطهي وصولاً إلى الأجهزة الكهربائية والسيارات، ولا يزال السوق في مرحلة الانضباط التدريجي جراء هذا الوضع.
التدهور الملحوظ لعالم الأعمال جراء تلك الأزمة ظهر أيضاً في "قلبي ومفتاحه"، بطولة آسر ياسين ومي عز الدين وإخراج وتأليف تامر محسن، من خلال قصة محمد عزت الذي خسر شركة المستلزمات الطبية التي كانت تضمن له دخلاً وفيراً بالعملة الصعبة، ليضطر إلى العمل سائقاً عبر أحد تطبيقات النقل.
محاربة السوق السوداء بالدراما
الناقد محمد سيد عبدالرحيم يرى أن سيطرة الدولار باتت واضحة للغاية هذا العام في تأثيرها الدرامي المرتبط بالأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أنه ظهر على استحياء العام الماضي بعدة إشارات مرتبطة بتعويم العملة في المسلسلات ومشكلات ارتفاع الأسعار والتهريب، لكن العام الحالي يبدو الأمر أشبه بحال عامة.
يقول عبدالرحيم "يبدو أن هناك توجهاً للإشارة إلى المشكلات التي يسببها تداول الدولار في السوق السوداء وبعيداً من القنوات الرسمية، مع دعوات مبطنة لأفراد المجتمع لمواجهة هذه السلوكات السلبية وفقاً لرؤية الدولة، فالاتجار بالعملة بصورة غير قانونية ظاهرة تحاربها المؤسسات المعنية بكل قوة، كما أن كتاب السيناريو من المؤكد يلمسون تلك التأثيرات الكبيرة للعملة الخضراء في حياة المواطنين، ولهذا يعبرون عنها من خلال السياق الدرامي".
يتنقل الدولار بين أيدي الأبطال وكأنه في عالم مواز بات عملة رسمية للتدليل على مدى تأثيره في حياة المصريين، إذ ترتبط غالبية السلع والخدمات بسعره صعوداً وهبوطاً، من ثم امتلاكه علامة على الاستقرار المادي والمحافظة على قيمة الثروات والثراء أيضاً، وهو ما بدا واضحاً في مسلسل "حكيم باشا"، من بطولة مصطفى شعبان إذ يدور العمل حول الاتجار غير المشروع بالسلاح والآثار، من ثم يتحرك الأبطال بكميات هائلة من الأموال وعلى رأسها الدولار الذي يعبأ في أجولة، بل ويوزع هدايا على أفراد العائلة وكأنه الوسيلة المعتمدة للتعبير عن التقدير والقيمة.
الأمر أيضاً كان واضحاً في مسلسل "إخواتي" الذي دارت عدة حلقات منه حول حقيبة دولارات تتنقل بين منازل الأبطال، وتصل إلى أيدي الأطفال أيضاً ويسعى أحد الأزواج وهو فرحات (حاتم صلاح) لسرقتها ليحل أزماته المالية.
الكوميديا تلعب دوراً
الدراما الكوميدية أيضاً تطرقت إلى المشكلات الاقتصادية الشائعة في العائلات، إذ يفشل البطلان في "أشغال شقة جداً" في إلحاق ابنيهما بالمدرسة التي يحلمان بها بسبب ارتفاع مصروفاتها بصورة مضاعفة، على رغم أن مستواهما المادي والاجتماعي كان يؤهلهما لهذه الخطوة بسهولة حتى وقت ليس ببعيد، لكنهما بعد المتغيرات الاقتصادية باتا يعانيان حتى في تسديد قسط الشقة. كذلك تظهر العملة التي يبحث عنها الجميع من خلال حوار يدور بين حمدي (هشام ماجد) وعربي (مصطفى غريب) حول عدة أوراق نقدية من الدولار، ويوبخ حمدي زميله في العمل لأنه باعها بمبلغ زهيد ظناً منه أنها مزورة.
فيما تدور أحداث مسلسل "80 باكو" حول الأوضاع المالية المتردية للشخصيات التي تعيش داخل منطقة شعبية، وتعمل البطلة الرئيسة ليل نهار وتجتهد من أجل توفير 80 ألف جنيه (1600 دولار) لاستكمال كلف الزواج الضرورية،
كذلك يحضر الدولار كثيراً في مشاهد مسلسل "الشرنقة" بطولة أحمد داوود كدلالة رئيسة على الترقي الطبقي وتحقيق الأحلام المستحيلة، إذ تكون محفزاً رئيساً للبطل على الخضوع لسلوكات خارجة عن القانون.