Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إنهاء الحرب الأوكرانية... سقف التسوية بأيدي بوتين وترمب

واشنطن تريد التخلص من الأعباء العسكرية وموسكو تحاول الحفاظ على المكتسبات الميدانية وكييف تأمل الحصول على ضمانات أمنية

ربما يكون هناك أمل مشوب بالحذر في أن يعم السلام قريباً بين روسيا وأوكرانيا (أ ف ب)

ملخص

لم يتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب كثيراً عن الطريقة التي يأمل في أن ينهي بها الحرب، لكنه قال إنه لن يستخدم حجم المساعدات لأوكرانيا إلا كأداة للتأثير في كييف وموسكو، وخلال الـ19 من ديسمبر الماضي قال بوتين إن روسيا مستعدة للتوصل إلى تسوية في شأن أوكرانيا، لكنه دعا أيضاً إلى الاعتراف بالوقائع الجديدة في الميدان.

أعربت أوكرانيا في المحادثات مع الوفد الأميركي التي عقدت في جدة بالسعودية خلال الـ11 من مارس (آذار) الجاري عن استعدادها لقبول الاقتراح الأميركي، بفرض وقف موقت لإطلاق النار لمدة 30 يوماً على الفور ويمكن تمديده بموافقة متبادلة من الطرفين، بشرط قبوله وتنفيذه خلال وقت واحد من قبل الاتحاد الروسي، و"ستوضح الولايات المتحدة لروسيا أن المعاملة بالمثل من جانب موسكو ستكون المفتاح لتحقيق السلام"، كما جاء في النص الذي نشر على موقع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.

وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز رفع الحظر عن وقف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، مؤكداً تأييد كييف مقترحاً بوقف النار والانتقال الفوري إلى مفاوضات لإنهاء النزاع، وأشار إلى أن كييف أظهرت استعدادها للسلام، والآن يتطلب الأمر الحصول على موافقة روسيا على وقف إطلاق النار، إذ سيجري والتز محادثات مع دبلوماسيين روس خلال الأيام القليلة المقبلة.

وقال الجانب الأميركي إن الوفد الأوكراني قدم خلال الاجتماع خطوات ومقترحات ملموسة لإنهاء النزاع، وأكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الصراع الأوكراني لا يمكن أن يكون له حل عسكري، وأن التسوية تكمن في نطاق المفاوضات، وأن الرئيس ترمب يريد وقفاً لإطلاق النار، وكييف مستعدة لذلك، بينما تنتظر واشنطن رداً من موسكو.

وأعلن الجانب الأميركي أن قضايا تبادل الأسرى والوضع الإنساني مسائل يجب أن تكون جزءاً من المفاوضات، وأن قادة الولايات المتحدة وأوكرانيا كلفوا حكومتيهما إتمام توقيع اتفاق حول المعادن النادرة، وأوضحت واشنطن لكييف أن الاتفاق لا يزال مهماً، ولكن الهدف الرئيس هو تحقيق السلام في أوكرانيا.

وقال مسؤولان أوروبيان إن السلطات الأوكرانية ربطت التقدم في محادثات وقف إطلاق النار باستئناف المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأميركية، بحسب ما أفادت صحيفة "فايننشال تايمز"، وحاول المفاوضون الأميركيون خلال هذه المفاوضات جس نبض السلطات الأوكرانية وما إذا كانت مستعدة لتقديم تنازلات إقليمية لروسيا لإنهاء الحرب.

وتحدثت مجلة "إيكونوميست" خلال الـ11 من مارس الجاري عن تفاؤل في الأسواق العالمية، بما في ذلك الروسية، باحتمال انتهاء الصراع الأوكراني قريباً مما أدى إلى ارتفاع مؤشرات البورصات، وأشارت المجلة إلى ارتفاع مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي منذ بداية عام 2025 بأكثر من 10 في المئة.

تعهد ترمب بالسلام

يصر الرئيس الأميركي دونالد ترمب على ضرورة بدء مفاوضات تسوية الأزمة الأوكرانية مع روسيا، لأن مسألة وقف الحرب في أوكرانيا والتوصل إلى اتفاق سلام بين كييف وموسكو كان أحد شعاراته خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الخريف الماضي، وأخذ تعهداً متسرعاً على نفسه بوقف هذه الحرب التي قال إنها لم تكن لتندلع أصلاً لو كان في السلطة لحظة اشتعالها.

 

 

وقال ترمب خلال التاسع من مارس الجاري إنه يتوقع "تقدماً كبيراً" في المفاوضات في شأن أوكرانيا، خلال الوقت نفسه أعرب فولوديمير زيلينسكي عن أمله في أن تحقق المفاوضات نتائج، لذلك سعى الوفد الأميركي إلى مفاوضات جدة والذي ضم وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والز ومبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، للتأكد من أن أوكرانيا جادة في تحسين العلاقات مع الإدارة الرئاسية الأميركية بعد تفجر الخلاف بين ترمب وزيلينسكي داخل البيت الأبيض خلال الـ28 من فبراير (شباط) الماضي.

وخلال الأيام الأخيرة أشارت تقارير إعلامية، إلى أن إدارة ترمب أوقفت مبيعات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، بهدف إجبار كييف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وعلى هذه الخلفية أعلنت روسيا أنها استعادت السيطرة على عدد من البلدات في منطقة سودجانسكي بمنطقة كورسك، والتي كانت في السابق تحت سيطرة القوات المسلحة الأوكرانية.

وذكرت قناة "أن بي سي" التلفزيونية خلال التاسع من مارس الجاري أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لاستئناف المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية إذا قدم زيلينسكي تنازلات إقليمية، وكذلك "اتخذ بعض الخطوات نحو إجراء انتخابات في أوكرانيا"، وربما التنحي عن منصبه كرئيس.

الأسباب الموضوعية لوقف الحرب

وتقول مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، أولغا أوليكر "من المحتمل أن يكون ترمب قادراً على إجبار الروس والأوكرانيين على التحدث معه ومع بعضهم بعضاً، وهذه فكرة جيدة".

وتشير أوليكر إلى أن المواقف الروسية المعلنة في شأن القضايا الإقليمية وغيرها لا تعني بالضرورة أن التفاهمات غير قابلة للتوصل إلى اتفاق إذا جرت المفاوضات، بل بمجرد أن "تبدأ المفاوضات قد تتفق الأطراف على تنازلات لم تكن مستعدة لتقديمها".

اقرأ المزيد

وبدوره، قال الأستاذ في معهد روسيا في كينغز كوليدج لندن ومدير المرونة الديمقراطية في مركز تحليل السياسات الأوروبية، سام غرين "أعتقد أننا من المرجح أن نشهد وقف إطلاق نار بحكم الأمر الواقع إن لم يكن بحكم القانون في غضون عام 2025، مع قدر من التفاوض إما سراً أو علناً".

ويوضح عالم السياسة الأوكراني إيغور رايتروفيتش "نقلت الولايات المتحدة قائمة من الأسئلة إلى الدول الأوروبية في ما يتعلق بمزيد من تسوية الحرب، وأحد الأسئلة الرئيسة هناك يتعلق بالمشاركة المحتملة لقوات حفظ السلام من الدول الأوروبية التي هي أيضاً دول في حلف شمال الأطلسي".

وفي مقدمات التسوية يجب أن تقوم أوكرانيا بالانسحاب من الأراضي الروسية كبادرة حسن نية، على أمل أن يقبل الروس بالتخلي عن ضم مناطق أخرى في أوكرانيا، على رأسها مقاطعة زابوروجيا التي تضم أكبر محطة للطاقة النووية في أوكرانيا، وبطبيعة الحال إرجاع محطة الطاقة النووية الزئبقية إلى كييف، لأن هذا يشمل السلامة الإشعاعية والسلامة النووية بخلاف الأهمية الاقتصادية.

وحول مصير الممر البري إلى شبه جزيرة القرم من خلال مقاطعة خيرسون في حال توصل إلى اتفاق سلام ما، فإن روسيا ستتمسك بكل تأكيد بهذا الممر الموجود في الواقع الآن وكذلك بمدينة ماريوبول الأوكرانية الاستراتيجية عى البحر الأسود.

الضمانات الأمنية التي يمكن أن يقدمها الغرب لا يمكن أن تشمل انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي، ولا نشر قوات حفظ سلام غربية على الأراضي الأوكرانية يمكنها أن تشكل تهديداً مباشراً لروسيا، بل إن أوكرانيا تطالب أن يتم التصديق على اتفاقيات ضمانات أمنية حقيقية في الكونغرس الأميركي وبرلمانات بعض الدول الأوروبية الأخرى، والحفاظ على القوات المسلحة الأوكرانية بكامل هيئتها، ومواصلة الدعم العسكري والتقني والسياسي والاقتصادي والمالي لها.

ولم يتحدث ترمب كثيراً عن الطريقة التي يأمل في أن ينهي بها الحرب، لكنه قال إنه لن يستخدم حجم المساعدات لأوكرانيا إلا كأداة للتأثير في كييف وموسكو، وخلال الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وخلال بث مباشر لمؤتمره الصحافي السنوي قال بوتين إن روسيا مستعدة للتوصل إلى تسوية في شأن أوكرانيا، لكنه دعا أيضاً إلى الاعتراف بالوقائع الجديدة في الميدان.

ويعد المتخصص في الشؤون الروسية مارك غاليوتي "أن بوتين يشترط أن يكون اتفاق إسطنبول، الذي دعا إلى تحييد أوكرانيا بصورة فعالة، ليس فقط من خلال رفض الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بل منزوعة السلاح".

ويعتقد غرين أن روسيا قد تكون مستعدة "لنبذ العنف" والتفكير في وقف إطلاق النار، ولكن فقط إذا كان بوتين واثقاً من أن موسكو قادرة على الهيمنة على أوكرانيا والحفاظ على المواجهة مع الغرب التي جعلها سمة مميزة لحكمه.

الموقف الأوروبي

 قالت الخبيرة في قسم دراسات الحرب داخل كينغز كوليدج لندن روث دييرموند إن "رد أوروبا على أي اتفاق لوقف إطلاق النار سيكون بالغ الأهمية، سواء بالنسبة لأوكرانيا أو للأوروبيين أنفسهم".

 

 

وأضافت "في حين يواجه عدد من البلدان اضطرابات سياسية في الداخل، فقد تميل إلى رؤية هذا باعتباره نهاية للصراع وفرصة لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا، لكن هذا الاعتقاد سيكون خطأً فادحاً، لأن روسيا ستظل تشكل التهديد التقليدي وغير التقليدي الأكثر خطورة وإلحاحاً للأمن الأوروبي".

ومن جهته، أكد المتخصص السياسي الأوكراني ماكسيم نيسفيتايلوف أن "أية مفاوضات لا تكون فيها أوكرانيا طرفاً ولا تشارك فيها الدول الأوروبية التي تعمل كضامنة لأمن أوكرانيا ستكون غير شرعية على الإطلاق"

وكشف المستشار السابق للبعثة الروسية لدى الأمم المتحدة بوريس بونداريف أنه تجري خلف الكواليس مناقشة إمكانية عقد لقاء شخصي بين ترمب وبوتين في السعودية، ويمكن أن تكون هذه خطوة دبلوماسية مهمة، وبخاصة بعد أعوام من عزلة روسيا، ومع ذلك يعتقد الدبلوماسي السابق أن هذا لا يمكن أن يسمى نجاحاً للكرملين.

ويقول بونداريف "ما حصل هو أقرب إلى ضربة حظ، لأن ترمب قرر فجأة التخلي عن الموقف الأميركي السابق بالكامل، والذي لم يكن متسقاً تماماً، والآن أصبح من غير الواضح تماماً ما هو الموقف الأميركي حقاً وإلى أي مدى هم مستعدون للذهاب في مغازلة روسيا، إما أن ترمب يريد انتزاع روسيا من الصين على حساب أوكرانيا وجعلها بطريقة ما حليفة تقريباً، أو بعض الأوهام الأخرى التي تخفيها النخبة الأميركية باستمرار".

نحو 70 في المئة من الروس يرغبون بصورة عامة في تشكيل حكومة صديقة لروسيا داخل أوكرانيا، وضمان الوضع المحايد لأوكرانيا ورفع العقوبات الغربية، وتتوافق هذه المشاعر مع تصريحات السلطات الروسية لكنها تتناقض تماماً مع موقف القيادة الأوكرانية، وإذا لم تكن هناك أسس للتسوية بين أطراف الصراع، فقد يطول انتظار النهاية المرجوة لإراقة الدماء.

وربما يكون هناك أمل مشوب بالحذر في أن يعم السلام قريباً بين روسيا وأوكرانيا، وأن يصلح هذا السلام ما أفسده الدهر و"ناتو" والحرب بين البلدين الشقيقين والشعب السلافي الواحد، حتى لو كان ذلك بمثابة تسوية مؤلمة للغاية، لكن هذا الحل الوسط سيوقف في الأقل الحرب الضروس التي التهمت مئات آلافاً من البشر ودمرت المرافق والبنى والحجر.

المزيد من تقارير