Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

العنف ضد النساء "مسلسل" مصري يرافق الأجيال

أغلب الحالات لا يبلغ عنها وفجوة كبيرة بين خطاب المؤسسات الداعمة للنساء والمجتمع

تعددت حوادث العنف الأسري في مصر خلال الفترة الماضية (رويترز)

ملخص

هناك فجوة كبيرة بين خطاب هذه المؤسسات وجهودها لتمكين المرأة وتحسين وضعها وبين القطاعات العريضة من الجماهير فانتشار الجهات المعنية بالمرأة في تزايد ووضع النساء في المجتمع في تراجع يشير هذا بوضوح إلى وجود خلل ما ينبغي العمل على الوقوف عليه ومعرفة مسبباته

على رغم الجهود المبذولة في ما يتعلق بالتوعية بحقوق المرأة وتمكينها وانتشار المؤسسات والكيانات الداعمة للنساء في العالم فإنه من الملاحظ أن جرائم العنف ضد النساء لم تتقلص، بل أصبحت في ازدياد واضح، وحتى طبيعة الجرائم أصبحت أكثر عنفاً وقسوة بشكل أصبح مثيراً للتساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم هذا الوضع وانتشاره بهذه الصورة فلا يكاد تمر عدة أيام حتى يقفز حادث عنف مأساوي راحت ضحيته امرأة.

وفي مصر يشير المسح الصحي للأسرة الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022 إلى أن السيدات التي سبق لهن الزواج قد تعرضن لصورة من صور العنف من قبل الزوج، ويقدر تعرض النساء للعنف الجسدي بـ 25 في المئة، والعنف النفسي 22 في المئة، بينما نحو 6 في المئة تعرضن للعنف الجنسي.

وأخيراً، جرت حادثة مروعة حينما ألقى زوج مصري زوجته من الشرفة، ليتبين لاحقاً أن هناك خلافات متواصلة بينهما، وأن الزوجة تعرضت على مدار سنوات للعنف بكل أشكاله اللفظي والجسدي. لكن المفارقة أن الزوج المتهم بالقتل يعمل في واحدة من المؤسسات المنوط بها دعم المرأة وحمايتها. وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 قتل رجل أعمال مصري زوجته بعد التعدي عليها بالضرب والخنق، ليتركها تصارع الموت خمسة أيام كاملة في منزلهما بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة.

ولا تنفصل الواقعتان السابقتان عن واحدة من أكثر الجرائم عنفاً التي شهدها المجتمع المصري في الآونة الأخيرة وهي حادثة قتل الطالبة نيرة أشرف بالقرب من جامعة المنصورة على يد زميلها الذي قيل إنها رفضت الارتباط به، الحادث الذي وقع في عام 2022 أثار ضجة كبيرة وقتها وانتهي بإعدام القاتل بعد محاكمته.

تصاعد العنف

وتطرح زيادة العنف ضد النساء في المجتمع المصري عدة تساؤلات، أبرزها ما أسبابه؟ وماذا جرى في المجتمع خلال الآونة الأخيرة أدى إلى زيادة هذه النوعية من الجرائم المروعة؟ وما السبيل لمواجهتها وحماية المجتمع بكامله من انعكاساتها؟

يقول وليد رشاد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، "يوجد تصاعد في العنف بشكل عام في المجتمع، والأمر تجاوز النوع والسن والطبقات الاجتماعية، إذ أصبح منتشراً بين كل فئات المجتمع، هناك فئات تتعرض لعنف بصورة أكبر من بينها النساء، لكن الظاهرة عامة وأسبابها كثيرة ومن بينها ضعف الروابط الاجتماعية وانتشار الأمراض النفسية وإدمان بعض الفئات المخدرات، إضافة إلى تركيز  الدراما بشكل مكثف على البطل الذي يعتمد العنف منهجاً ويلقى التقدير فتكرار التعرض لهذا النموذج يؤثر في الناس بدرجة كبيرة وبخاصة الأجيال الجديدة".

 

ويضيف رشاد، "في ما يتعلق بالعنف ضد النساء فهو غير منفصل عن المجتمع، بل هو جزء من فكر عام أصبح سائداً ليس ضد المرأة فقط، فالعنف أصبح ظاهرة في التعامل بين الناس عموماً وحتى في المدارس ولا ننسى أخيراً الواقعة التي انتشرت لشجار الطالبتين في واحدة من المدارس الدولية في أرقي الأحياء، وفي ما يتعلق بالعنف بين الرجل والمرأة فنطالع أخيراً على السوشيال ميديا عدداً كبيراً من الصفحات تحرض النساء على الرجال وأخرى تحرض الرجال على النساء وينعكس ذلك على المجتمع في شكل تحفز دائم فهذه الصفحات تنشر ثقافة داعمة للعنف بين الطرفين".

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن مواجهة هذه الظاهرة يحتاج إلى تكاتف بين كل مؤسسات المجتمع لمواجهتها مع اهتمام من المؤسسات الدينية بنشر خطاب ديني توعوي يساعد على الحد من العنف وفي الوقت نفسه الاهتمام بالحماية الاجتماعية باعتبار أنها تسبق الحماية القانونية.

قوانين ليست كافية

كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعنوان "جرائم قتل الإناث في عام 2023: تقديرات عالمية لجرائم قتل الإناث من قبل الشريك الحميم فرد من الأسرة" أن 60 في المئة من جرائم قتل النساء في العالم ترتكب بواسطة الشريك أو أفراد من الأسرة، وأنه في عام 2023 فقط قتلت 85 ألف امرأة وفتاة عمداً في كافة أنحاء العالم، أي أن هناك 140 امرأة تموت كل يوم بمعدل جريمة قتل ترتكب كل 10 دقائق ضد الإناث في العالم. وأكد التقرير أن العنف ضد المرأة لا يزال على نطاق واسع، بما في ذلك أكثر مظاهره تطرفاً وهو قتل النساء، وأن هذه الظاهرة أصبحت عالمية تتجاوز الحدود والوضع الاجتماعي والفئات العمرية.

على أرض الواقع العنف الموجه ضد النساء في أي مجتمع هو واحد من الظواهر التي يصعب رصدها بشكل دقيق، باعتبار أن أغلب الحالات لا يبلغ عنها ولا يعرف أحد عنها شيئاً من الأساس فما يجري تداوله هي الحوادث الكبرى ذات التفاصيل المروعة التي تصل إلى القتل أو إحداث عاهات أو إصابات بالغة.

 

تقول هالة عبد القادر، المحامية ورئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، "هناك ثقافة منتشرة ومستشرية في المجتمع بأن المرأة لا بد أن تكون ضعيفة ومستكينة، وليست لها حقوق، بل ولا تحترم ولا يوجد إيمان عند البعض بأن لها دوراً من الأساس، ينتشر هذا في كل الطبقات والحادث الأخير خير دليل على ذلك، فالجاني يعمل في مؤسسة دولية بل ومعنية بحقوق المرأة، ولا يزال متأثراً بهذا الفكر، وهذا دليل على أن حقوق النساء هي مجرد شعارات تتردد من دون اقتناع، العنف أصبح منتشراً بشكل واسع في المجتمع، وأصبح غير مرتبط لا بالوضع الاقتصادي ولا الاجتماعي".

وتستكمل، "هناك قوانين موجودة وقائمة، لكنها ليست كافية، ولم تحقق الردع فقاتل الفتاة نيرة جرت محاكمته وأعدم، لكن ذلك لم يمنع لاحقاً من وجود سيل من جرائم العنف والقتل ضد النساء في المجتمع، وأقرت بالفعل قوانين في الفترة الماضية تتعلق بأشكال من العنف ضد النساء مثل التحرش، لكنها لم تمنع القيام بهذا الفعل، وحالياً هناك مشروع قانون موحد للعنف جاري دراسته، وحتى في حال جرى إقراره فلن يكون كافياً، لأن الأزمة متوغلة في ثقافة المجتمع وفي النظرة للمرأة ووضعها هنا تكمن الأزمة وهنا مفتاح الحل في تغيير هذه الثقافة وهذه النظرة بين كل الطبقات، وهذا يحتاج إلى وقت طويل".

أزمة في التواصل

جهات عديدة معنية بالمرأة وحقوقها على رأسها المجلس القومي للمرأة وعشرات من الجمعيات الأهلية التي تنتشر في طول البلاد وعرضها وجهود كبيرة لنشر الوعي من الدولة ومن هذه الكيانات إلا أن هناك فجوة كبيرة بين خطاب هذه المؤسسات وجهودها لتمكين المرأة وتحسين وضعها وبين القطاعات العريضة من الجماهير.

تشير هالة عبد القادر، "الرسائل التي تقدمها كل المؤسسات والكيانات المعنية بالمرأة وحقوقها تصل مغلوطة، بل وتؤدي إلى نتائج عكسية، وهذا واضح في ما نرصده بشكل كبير في المجتمع، ويدل ذلك على أن هناك خللاً ما في هذه الرسائل أو حلقة مفقودة بينها وبين الناس ينبغي التعرف إليها حتى يمكن أن تتغير ثقافة المجتمع ويختلف واقع النساء، الوضع الحالي من الارتفاع الكبير في نسبة العنف ضد المرأة يحتاج إلى دراسة مستفيضة على نطاق واسع، للوقوف على أسباب هذا الوضع، بالتالي العمل على مواجهته".

وتستكمل "هناك خلل نفسي واضح عند من يقوم بهذه الأفعال فربما إحساس البعض من الرجال بعدم التحقق أو الأهمية يدفعه لهذه الأفعال لإثبات أنه قوي وقادر على رغم أن العنف دليل على الضعف وليس القوة فمن يلجأ إليه غير قادر على التفاهم أو إقناع الطرف الآخر، هناك خلل في علاقة الرجال بالنساء، ولا يوجد حوار أو تواصل وهذا ناتج من أزمة قادمة من الأسر فلا توجد لغة حوار وأسهل شيء هو لغة العنف أو الضرب أو القتل كما نشاهد حالياً على رغم أنها في الغالب مشكلات عادية يمكن أن تحل بالتفاهم، وإذا تعثر حلها فالطلاق هنا هو الحل، ويذهب كل من الطرفين لحال سبيله".

نساء بين نارين

في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024 قتل زوج بمحافظة بني سويف (جنوب القاهرة) زوجته بسلاح أبيض بعدما عرف أنها أقامت دعوى خلع، لعدم رغبتها في الاستمرار معه. وشهدت مصر في سبتمبر (أيلول) من عام 2023 جريمتين راحت ضحيتهما نساء في نفس اليوم وقعت إحداهما في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، إذ سدد شاب طلقات من سلاح ناري نحو فتاة أثناء عودتها من العمل، ليتبين لاحقاً أن الراحلة كانت مخطوبة لهذا الشاب، وأنهت الخطبة، وهو ما لم يتقبله فقتلها انتقاماً. في اليوم ذاته الذي وقعت فيه الجريمة السابقة وقع حادث آخر في منطقة العمرانية بمحافظة الجيزة، إذ قتل شاب طليقته أمام مقر عملها بسلاح أبيض فارقت الحياة على أثره انتقاماً منها على خطبتها من شاب آخر.

اقرأ المزيد

من الملاحظ من رصد كثير من الجرائم التي راح ضحيتها نساء هو أن الجاني لا يتقبل رفضه في أي مرحلة من مراحل العلاقة، فدفعت كثيرات حياتهن أخيراً ثمناً لرفض الارتباط أو الخطبة أو طلب الطلاق.

وبعد وقوع أي من جرائم العنف ضد النساء، بخاصة عندما يكون الزوج هو الجاني تثور سجالات ونقاشات في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مفادها ما الذي يدفع هذه السيدة للاستمرار في هذه العلاقة ولماذا لم ترحل منذ بداية تعرضها للأذى، ولماذا انتظرت حتى وقعت الكارثة؟

استشاري العلاقات الاجتماعية والأسرية أحمد علام يقول "توجد أزمات متعددة تواجهها نسبة كبيرة من النساء في حال الإقدام على الطلاق، فمن ناحية بعضهن ليس لديها أي مصدر للدخل، وطريق المحاكم طويل، ويستغل ذلك بعض الأزواج في التلاعب والتحايل حتى لا تحصل المرأة على حقوقها، وهذا واقع بالفعل، بعض النساء يكون أهلها غير داعمين فهم أنفسهم أحياناً من يطلبوا منها الصبر والتحمل لأنهم يرفضون فكرة الطلاق، بل إن بعضاً منهم يدفع النساء للاستمرار في علاقات بالغة الإساءة خوفاً من نظرة المجتمع، ومن اعتقادهم بأن سيرتها ستلوكها الألسن في حال الطلاق، فعلى أرض الواقع الطلاق للنساء يحتاج إلى مصدر دخل وإلى أسرة داعمة، وإذا لم يتوافرا غالباً لا تستطيع إنهاء العلاقة لعدم وجود حلول مما يؤثر في صحتها النفسية والجسدية، وقد ينتج منه مثل هذه الجرائم".

ويستكمل "هناك مفاهيم خاطئة أصبحت منتشرة في المجتمع، وهي عدم تقبل قطاع من الرجال الشرقيين فكرة الرفض، فقد يتقبل أن يرفض من عمل أو وظيفة تقدم لها، لكنه لا يتقبل أن يرفض من امرأة سواء رفضت الارتباط به أو رفضت الاستمرار معه أو طلبت الطلاق، فهذا غير مقبول تماماً بالنسبة إلى البعض، وقد تصل نتائجه للقتل مثلما شاهدنا في حوادث متعددة. البعض يتعامل مع المرأة بمفهوم حب الامتلاك فقد تكون بينهما مشكلات لا حصر لها، لكنه يرفض تطليقها باعتبارها شيئاً يخصه، وليس لها أن تطلب الانفصال".

ويوضح، "العنف الأسري له أسباب متعددة، من بينها التربية الخاطئة والبيئة المحيطة التي اعتادت أن تحل مشكلاتها بالعنف، وكثرة مشاهدة مشاهد العنف في الدراما، إذ أصبحت سمة أساسية لأبطال الدراما ووسيلة لحل كل المشكلات، ويؤثر هذا مع الوقت في العقل الباطن، ويتحول لسلوك عند الناس، كل هذا إضافة إلى بعض التفسيرات الخاطئة للدين التي أصبحت تنتشر بين قطاعات كبيرة من الناس في ما يتعلق بالمرأة".

ومنذ عدة سنوات أنشأ الأزهر وحدة "لم الشمل" لتكون معنية برأب صدع الأسرة المصرية والعمل على التوفيق بين أطرافها والمساعدة في حل النزاعات، وهي خدمة مجانية، وطبقاً لآخر إحصاء فإن الأزهر تدخل في حل نحو 150 ألف نزاع أسري منذ إنشائها منذ نحو 6 سنوات.

ويقوم المجلس القومي للمرأة في كافة أنحاء البلاد بجهود لدعم النساء ومن بينها الخط الساخن ومكاتب الشكاوى التي يمكن أن تلجأ إليها المرأة المعنفة للحصول على الدعم والمساندة والحماية الاجتماعية والقانونية وأحياناً الاستضافة والدعم النفسي، وتنظم وزارة التضامن الاجتماعي حملات متعددة للتوعية في جميع أنحاء الجمهورية، من بينها فعاليات في الجامعات وفي كثير من التجمعات.

المزيد من تحقيقات ومطولات