Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

اعترافات مسؤول سابق في الحرس الثوري بالاغتيالات الخارجية تحرج طهران

محسن رفيق دوست ذكر أنه أشرف على قتل عدد من المعارضين ومن بينهم آخر رئيس وزراء في عهد الشاه شابور بختيار

فيما ترفض طهران اتهامها بتنفيذ اغتيالات خارجية اعترف مسؤول كبير في الحرس الثوري بطبيعة الاغتيالات ( غيتي)

ملخص

في واحدة من أشهر عمليات الاغتيال السياسية، اتهم القضاء الألماني النظام الإيراني بـ "الإرهاب الحكومي" لقتله ثلاثة من قادة الأكراد مع مترجمهم داخل مطعم "ميكونوس" في برلين، وأدى حكم تلك المحكمة إلى سحب الدول الأوروبية سفراءها لدى إيران وقتها، بينما رفض النظام الإيراني أن يكون هو من قام بهذه الاغتيالات.

فاجأ وزير الحرس الثوري الإيراني السابق وأحد أبرز المؤسسين للمؤسسة العسكرية الرديفة في إيران، محسن رفيق دوست، المسؤولين في بلاده بتصريحات تضمنت اعترافات خطرة بتبني عمليات إرهابية خارج حدود الدولة، شملت حملة تصفيات ضد المعارضين للنظام في عدد من البلدان الأوروبية.

ومنذ تأسيس النظام الإيراني شهدت عدد من البلدان الأوروبية التي احتضنت المعارضين للنظام وأعضاء النظام الملكي السابق سلسلة اغتيالات دامية، وظلت طهران ترفض ضلوعها في القيام بمثل هذه العمليات لكن المسؤول السابق في الحرس الثوري محسن رفيق دوست قال علناً إنه كان مشرفاً على تنفيذها.

وحاول النظام خلال الأيام الماضية احتواء الموقف من خلال التقليل من أهمية تصريحاته والترويج بأنه يعاني أمراضاً عقلية للحيلولة دون تحميل البلاد ملاحقات قانونية محتملة.

وفي أحدث ردود الفعل نفى الحرس الثوري في بيان تصريحات محسن رفيق دوست في برنامج "التاريخ الشفهي" وبثه موقع "ديده بان ايران" حول اغتيال المعارضين للنظام الإيراني في الخارج، وقال الحرس الثوري إن رفيق دوست ليس له أية مسؤوليات أمنية أو استخباراتية أو عملياتية، وأن تصريحاته هذه تمثل آراءه الشخصية، كما أشار الحرس الثوري الإيراني بالقول إن رفيق دوست كان قد خضع لجراحة دماغية.

وقال محسن خلال المقابلة المثيرة للجدل إن النظام الإيراني هو من نفذ عمليات اغتيال حاكم طهران العسكري إبان الثورة الفريق غلام علي أويسي، والكاتب والناشط فريدون فرخزاد وآخر رئيس وزراء في عهد الشاه شابور بختيار ونجل شقيقة الشاه شهريار شفيق، وأنه كان مسؤولاً عن توجيه بعض هذه الاغتيالات السياسية خارج الحدود الإيرانية.

وجاء في بيان الحرس الثوري الإيراني أنه "كما يتضح من سوابق محسن رفيق دوست وسجله في الحرس الثوري فإنه لم تكن له أية مسؤولية أو دور في القضايا الاستخباراتية والأمنية والعملياتية لهذه المؤسسة، إذ كانت مسؤولياته الرئيسة تتمثل في تزويد الحرس الثوري بالإمدادات والدعم خلال الحرب مع العراق".

وخلال هذه المقابلة التي استمرت 140 دقيقة، يقول رفيق دوست إنه قبل الثورة الإسلامية، قَتل أحد عناصر الـ "سافاك" ( استخبارات الشاه) الذي شارك في الهجوم على المدرسة الفيضية بإذن من عدد من رجال الدين، وضربه على رأسه بهراوة، وبعد المقابلة التي أحدثت ضجة في الشارع الإيراني، قال مكتب الوزير السابق في الحرس الثوري والعضو في حزب الائتلاف الإسلامي في بيان له إن "السيد رفيق دوست خضع لجراحة دماغية خلال الأعوام الأخيرة مما أدى إلى مضاعفات واسعة، وربما يكون قد أخطأ في ذكر بعض الذكريات والأسماء، وعلى أية حال فإن التصريحات الواردة على لسان محسن رفيق دوست ليست صحيحة قانونياً وتاريخياً".

ما مدى حقيقة تصريحات رفيق دوست وهل يجب أن نأخذ بها؟

مما جعل المقابلة الأخيرة مع القيادي البارز في الحرس الثوري وأول وزير لوزارة الحرس الثوري والرئيس السابق لمؤسسة المستضعفين، محسن رفيق دوست، ذات أهمية بالغة هو اعترافه الصريح باغتيال المعارضين للنظام الإيراني في الخارج، ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي اغتيل عشرات المعارضين السياسيين لنظام الجمهورية الإسلامية في الخارج، وفي واحدة من أشهر عمليات الاغتيال السياسية اتهم القضاء الألماني النظام الإيراني بـ "الإرهاب الحكومي" لقتله ثلاثة من قادة الأكراد مع مترجمهم داخل مطعم "ميكونوس" في برلين، وأدى حكم تلك المحكمة إلى سحب الدول الأوروبية سفراءها لدى إيران وقتها، ورفض النظام الإيراني في حينها أن يكون قام بهذه الاغتيالات.

لكن ما جعل تصريحات محسن رفيق دوست ذات أهمية هي هذه الدرجة والمكانة الخاصة التي يحظى بها الأخير داخل الحرس الثوري، ولهذا سارع المتحدث باسم الحرس ومكتب قائده السابق محسن رضائي إلى نفي ما ورد على لسان رفيق دوست.

وقبل تشكيل وزارة الاستخبارات عام 1985 والتي استطاعت فعلياً أن تجمع الأنشطة الأمنية في إيران داخل هيكل واحد لفترة طويلة، كانت وحدة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري تتمتع باليد العليا في البلاد وخارجها، وفي الأقل ثلاث عمليات اغتيال أشار إليها محسن رفيق دوست، وهي عملية اغتيال نجل شقيقة الشاه شهريار شفيق والحاكم العسكري في طهران خلال ذروة نشاط الثورة، غلام علي أويسي، ومحاولة الاغتيال الأولى لشابور بختيار، وكانت جميعها قبل تشكيل وزارة الاستخبارات.

والاغتيال الوحيد الذي لم يكن لدى محسن رفيق دوست أي علم به هو اغتيال فريدون فرخزاد الذي قتل عام 1992، إذ تولت وزارة الاستخبارات وقتها مسؤولية الأنشطة الأمنية العابرة للحدود، وكان محسن رفيق دوست في وضع خاص خلال الأعوام الأولى للثورة الإسلامية، فكان رئيساً لمركز اللوجستيات في الحرس الثوري ثم في وزارة الحرس الثوري التي ألغيت في ما بعد.

مكانة خاصة

وقال خبير في قضايا الاستخبارات، طلب عدم ذكر اسمه، خلال مقابلة مع "بي بي سي فارسية"، إنه "على رغم أن رفيق دوست لم يكن شخصاً متعلماً لكنه كان شخصاً منظماً، وحتى قبل الثورة الإسلامية كانت توكل إليه جميع الأمور المالية، وهذا ما مكنه بعد الثورة من أن يصبح رئيساً لوحدة اللوجستيات في الحرس الثوري".

وخلال فترة رئاسة محسن رفيق دوست كانت وحدة اللوجستيات هي القسم الأكبر والأغنى في الحرس الثوري، ويرى كثيرون أن هذا كان أحد الأسباب التي قادته إلى وزارة الحرس الثوري التي كانت لها مكانة خاصة ومؤثرة جداً أثناء الحرب مع العراق، وقبل إلغائها وإعلان الحرس الثوري مؤسسة مستقلة تعود لمرشد النظام. 

وقال الخبير الاستخباراتي إنه في ذلك الوقت وعلى رغم أن الحرس الثوري الإيراني كان لديه هيكل تنظيمي لكنه كان بدائياً جداً، ولم يجر توزيع الرتب العسكرية كما هي الحال في الجيش، وقد نقل رفيق دوست هذا الوضع السائد في الحرس الثوري إلى وزارة الحرس الثوري، وفي تلك الفترة كانت المساعدات تصل من رجال الأعمال وغيرهم إلى هذه الوزارة، ولهذا السبب كان محسن رفيق دوست مسؤولاً متنفذاً داخل النظام، ولهذا يبدو من غير المحتمل أن يكون مسؤولاً من الناحية العملياتية عن تنفيذ الاغتيالات خارج الحدود.

وأكد دوست خلال المقابلة الأخيرة التي أجريت معه أن معظم الاغتيالات التي ارتكبت في الخارج صدرت أحكامها في المحاكم الإيرانية، وبحسبه فإنه هو من أمر شخصياً بقتل عدد من المعارضين في الخارج، بما في ذلك محاولة اغتيال آخر رئيس وزراء للنظام البهلوي شابور بختيار، وعلى إثر هذه العملية الفاشلة ألقي القبض على أنيس نقاش (لبناني الجنسية) باعتباره منفذ العملية الاغتيال،

وقد زعم دوست بأن القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي كان قد لعب دوراً في عملية الاغتيال الفاشلة مما دفع بمكتب رضائي إلى نفي هذا الأمر.

وذكرت "بي بي سي فارسية" أن أبو القاسم مصباحي، وهو عضو بارز في وزارة الاستخبارات فرّ من إيران عام 1996، كان أحد الشهود ومصدراً مطلعاً في المحكمة الخاصة باغتيال قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني (ميكونوس)، وبعد تشكيل وزارة الاستخبارات أسست "لجنة الشؤون الخاصة" ثم "مجلس العمليات الخاصة" لاتخاذ القرارات باغتيال المعارضين للنظام الإيراني، لكن قبل ذلك كانت عمليات اغتيال المعارضين السياسيين تجري على يد مجموعات مجهولة.

ويضيف دوست خلال المقابلة أن بعض عمليات الاغتيال كان ينفذها "شباب من الباسك"، وهذا موضوع لا توجد أدلة دامغة تؤكده، مما يشير إلى الحركة الانفصالية الباسكية في إسبانيا.

وفي هذا السياق قال ضابط استخبارات سابق لـ "بي بي سي فارسية" إن العناصر الأمنية الإيرانية كانت تجمع معلومات استخباراتية باستمرار في أوروبا وبخاصة في باريس، حيث اغتيل شهريار شفيق عام 1980 والجنرال غلام علي أويسي عام 1984.

وكانت عملية اغتيال شهريار شفيق، وهو أحد الضابط الكبار في القوات البحرية التابعة للنظام البهلوي السابق، ذات أهمية خاصة، إذ قتل بعد أشهر قليلة من تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو نجل أشرف بهلوي و شكل مقتله أول حال اغتيال من سلسلة الاغتيالات السياسية التي نفذها النظام الإيراني.

وفي الـ 26 من سبتمبر (أيلول) 1996، أي بعد 17 عاماً من هذا الاغتيال، اعترف منسق الأجهزة الاستخباراتية في أوروبا وأحد الشخصيات المؤسسة لوزارة الاستخبارات أبو القاسم مصباحي خلال استجوابه من الشرطة الألمانية بأن هناك خمس فرق مستقلة عن بعضها كانت تسعى إلى اغتيال شهريار شفيق، 

وفي عملية اغتيال الجنرال أويسي، ووفقاً للوثائق، أعلنت جماعتان قريبتان من النظام الإيراني، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي، مسؤوليتها عن الحادثة.  

والجنرال أويسي الذي قُتل في باريس مع شقيقه كان شكل خلية تضم عدداً من الضباط في النظام البهلوي السابق، كما أطلق محطة إذاعية باللغة الفارسية في العراق، وقد اتهمت وثائق صادرة عن أجهزة أمنية غربية، بما في ذلك تقارير من أجهزة الأمن الألمانية، فضلاً عن تقرير لمجموعة حقوق الإنسان التابعة للبرلمان البريطاني عام 1993، النظام الإيراني باستهداف وقتل عشرات من معارضيه في مختلف أنحاء العالم، ولم تقتصر الاغتيالات على الدول القريبة والمجاورة لإيران وحسب، بل شملت أيضاً أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والفيليبين والهند، وبعد أن نشرت هذه المقابلة المثيرة للجدل مع محسن رفيق دوست، قال مدير موقع "عبدي مديا" الإخباري عبدالله عبدي إن رفيق دوست أخبره خلال مقابلة أجريت معه عام 2018 أن كُلف هذه الاغتيالات جرى توفيرها من موازنة المشتريات العسكرية من الشركات الأوروبية، إذ أكد رفيق دوست إن هذه الأموال كانت محفوظة في "بنك صادرات" لدى فرع فرانكفورت في ألمانيا.

وكان أبو القاسم مصباحي أكد في وقت سابق أن القنصلية الإيرانية في مدينة فرانكفورت الألمانية كانت هي المسؤولة عن مركز استخبارات إيران في أوروبا لفترة من الوقت، مضيفاً أنها كانت لفترة من الوقت بمثابة محطة للعناصر الأمنية الإيرانية، وكان نطاق عمليات الاغتيال للمعارضين خلال الأعوام الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية كبيراً لدرجة أنه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي كان كثير من الناشطين وقادة المعارضة للنظام الإيراني يختبؤون خارج البلاد خشية التصفيات، وطوال تلك الأعوام حاولت منظمات حقوق الإنسان ومعارضو النظام الإيراني جمع الأدلة والإثباتات على تورط النظام في هذه الجرائم، إذ بلغت هذه الجهود ذروتها بعد اغتيال قادة أكراد مع مترجمهم في مطعم ميكونوس عام 1997، وعندها دانت محكمة في برلين النظام الإيراني بتهمة "الإرهاب الحكومي".

وفتحت المقابلة التي أجريت مع محسن رفيق دوست جرحاً قديماً، فلم يقتصر الأمر على قتل كثير من الأشخاص وحسب، بل كانت حياة كثير من الإيرانيين المنفيين في الخارج والناشطين السياسيين مهددة بالموت.

 وصحيح أن ما قاله دوست حول كيفية تنفيذ عمليات الاغتيال نظراً إلى الوثائق المتوافرة غير قابل للتصديق، لكن مكانته السياسية والأمنية كانت تسمح له خلال تلك الأعوام بأن يطلع على كثير من الأسرار السرية للمؤسسات الأمنية والعسكرية، بخاصة أنه كان مسؤولاً عن الجانب المالي لكثير من القضايا مدة لا تقل عن عقد من الزمن.

المزيد من تقارير