ملخص
أصبحت السعودية أكبر سوق للأسهم في الشرق الأوسط بفارق كبير وتحتل مرتبة بين أفضل 10 أسواق عالمياً من حيث القيمة
تقف الإصلاحات الرامية إلى تنويع الاقتصاد السعودي وراء قرار وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني رفع تصنيف الرياض إلىA+" " من "A" مع نظرة مستقبلية مستقرة بفضل التحول الاجتماعي والاقتصادي المستمر في البلاد.
وبينما يعد قرار الوكالة الأبرز عالمياً شهادة ثقة لاقتصاد البلاد، فإنه ما كان ليصدر من دون أشواط قطعتها الرياض على طريق دستورها الطموح المعروف "رؤية 2030"، والذي عدَّته "ستاندرد أند بورز"، "القوة الدافعة المستدامة" التي يمكن أن تساعد في تعزيز النشاط في قطاعات البناء والخدمات اللوجيستية والتصنيع والتعدين، مما يدفع نمو الناتج المحلي الإجمال خلال الفترة بين 2025 و2028.
التقرير الذي طالعته "اندبندنت عربية" يشير إلى أن المؤسسة العالمية بإمكانها اتخاذ إجراء تصنيف إيجابي على مدى العامين المقبلين إذا أدت الإصلاحات والنشاط غير النفطي القوي إلى نمو مطرد في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمال إلى جانب تدفقات استثمارية خاصة وأجنبية أقوى تعمل على تخفيف الضغوط على الإنفاق العام.
وبحسب التقرير فإن التحول الاجتماعي والاقتصادي الجاري في السعودية يرتكز على تحسين فاعلية الحوكمة والإطار المؤسسي، بما في ذلك تعميق أسواق رأس المال المحلية، والضوابط والتوازنات المؤسسية أصبحت أكثر وضوحاً مع تقدم "رؤية 2030"، كما يتضح من إعادة تحديد أولويات المشاريع وجداولها الزمنية، ويوضح هذا أيضاً بعض المرونة والتنسيق في إدارة النفقات الرأسمالية وإصدارات الديون.
تنويع الاقتصاد
وتستهدف الاستثمارات العامة والخاصة تطوير صناعات جديدة، مثل السياحة والتصنيع والطاقة الخضراء والتعدين، ويهدف ذلك إلى تنويع الاقتصاد بعيداً من اعتماده الأساس على قطاع الهيدروكربونات، بحسب تقرير مؤسسة التصنيف العالمية، متوقعة أن تعزز الاستثمارات الحالية استهلاك السكان، الذين يتجاوز عددهم 35 مليون نسمة، وغالبيتهم من الشباب، وأن تزيد تدريجاً من القدرة الإنتاجية للاقتصاد، وعلى المدى البعيد، يتوقع أن تبرز السعودية كاقتصاد أكثر مرونة وتنوعاً، مع زيادة فرص العمل المتاحة للشباب، وزيادة مشاركة القوى العاملة.
ويشهد الاقتصاد السعودي تحسناً في المرونة مع فصل تدريجي لقطاع النفط عن النمو الإجمالي، ويستمر التنوع الاقتصادي، إذ يمثل القطاع غير النفطي (بما في ذلك الأنشطة الحكومية) الآن نحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمال، مقارنة بـ63 في المئة عام 2018.
ومنذ أن أعلنت الحكومة عن برنامجها الطموح "رؤية 2030" عام 2016 حققت الرياض 87 في المئة من أهدافها البالغ عددها 1064 هدفاً، ويشمل ذلك تجاوز عدد السياح 100 مليون سائح، وارتفاع معدل توظيف النساء إلى أكثر من 30 في المئة، وسط توقعات لـ"ستاندرد أند بورز" باستمرار الإنفاق التدريجي على البنية التحتية، وتغير أنماط الاستهلاك، وتطورات سوق العمل في تعزيز المرونة الاقتصادية، وهو ما يمثل تحولاً مستمراً في المحركات الاقتصادية بعيداً من الإنفاق الحكومي المؤيد للدورات الاقتصادية والمرتبط بأسعار النفط في العقود السابقة.
نمو القطاع غير النفطي
وتلفت الوكالة إلى النمو المسجل عام 2024 بعد انكماش بنسبة 0.8 في المئة عام 2023، في وقت أسهم فيه النشاط الاستثماري والاستهلاكي القوي في دعم نمو القطاع غير النفطي بنسبة 3.8 في المئة، على رغم أن قطاع النفط كان عاملاً دافعاً.
وترى "ستاندرد أند بورز" أن آفاق النمو على المدى المتوسط لا تزال قوية، وتعد الأنشطة غير النفطية المحرك الرئيس، متوقعة استدامة الزخم في استثمارات "رؤية 2030" والأنشطة المرتبطة بها في قطاعات البناء والخدمات اللوجيستية والتصنيع (مع السعي إلى توطين الإنتاج) والتعدين، مما سيسهم في تحقيق نمو الإجمال في الناتج المحلي بنحو 4 في المئة في المتوسط خلال الفترة 2025-2028.
وبينما يواصل صندوق الاستثمارات العامة استهداف استثمارات بقيمة 40 مليار دولار في الاقتصاد المحلي سنوياً في مشاريع عملاق، يتوقع أن يشهد إنفاق الأسر انتعاشاً ملحوظاً، نظراً إلى النمو المتوقع في الدخل المتاح للمواطنين السعوديين والمبادرات الحكومية الرامية إلى زيادة الإنفاق على الترفيه والسياحة. وستواصل عائدات السياحة الوافدة والمحلية ازدهارها، مع افتتاح عديد من الفنادق الجديدة في البحر الأحمر ومكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض ونيوم، إلى جانب تنامي الفعاليات الترفيهية، وهو ما من شأنه مضاعفة المساهمة المباشرة للسياحة في الناتج المحلي الإجمال تقريباً لتصل إلى ما يقارب 5 في المئة عام 2024، مقارنة بعام 2021.
إنتاج النفط السعودي
وترى الوكالة أن ارتفاع إنتاج الهيدروكربونات سيسهم بصورة إيجابية في النمو، وتقول إنه مع تخفيف حصص إنتاج "أوبك+" في أبريل (نيسان) المقبل يتوقع أن يرتفع إنتاج النفط السعودي إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2028، ولا يزال هذا المستوى أقل بكثير من الطاقة الكاملة البالغة نحو 12 مليون برميل يومياً.
بعد مشاريع "رؤية 2030" ستكون إصلاحات العمل الجارية والإنتاجية عوامل رئيسة في النمو، بحسب ما تشير "ستاندرد أند بورز"، إذ يتجلى ذلك بوضوح عند انتهاء مرحلة بناء عديد من المشاريع العملاق والضخمة، وتبدد الزخم الأولي في الاستهلاك المحلي، وهو ما سيمكن الرياض من إتاحة مزيد من فرص العمل وخفض البطالة السعودية (بهدف الوصول إلى 5 في المئة بحلول عام 2030 مقارنة بـ7.8 في المئة في الربع الثالث من عام 2024)، وتتوافق هذه الأهداف مع متطلبات الشريحة الكبيرة من الشباب في البلاد.
وستحافظ الحكومة السعودية على احتياطات مالية مريحة على رغم ارتفاع الدين الحكومي، إذ يتوقع أن ينخفض صافي الأصول الحكومية في السعودية إلى نسبة 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمال عام 2028، من نحو 55 في المئة مقدرة عام 2023.
تطوير سوق الأوراق المالية
وترى الوكالة العالمية أن أسواق رأس المال المحلية ستعلب دوراً أكبر في تمويل "رؤية 2030"، إذ ستواصل السلطات السعودية تطوير سوق الأوراق المالية كمنصة استراتيجية لجذب رأس المال طويل الأجل إلى صناعات النمو الرئيسة في البلاد وسط توقعات بأن يكون النمو الكبير في أسواق رأس المال مدفوعاً بتحسين سيولة السوق والمبادرات التنظيمية، مثل قانون الاستثمار الجديد وإصلاحات صناديق التقاعد، وأصبحت السوق السعودية الآن أكبر سوق للأسهم في الشرق الأوسط بفارق كبير، وتحتل مرتبة بين أفضل 10 أسواق أسهم عالمياً من حيث القيمة السوقية، بحسب التقرير.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع قالت وكالة التصنيف الائتماني إنها تتوقع أن تعمل الحكومة السعودية على خفض الإنفاق الرأسمالي والإنفاق الجاري المرتبط به عام 2025.
وفي ظل الهدف الرئيس للرياض المتمثل في تنويع اقتصادها بعيداً من الاعتماد على النفط والغاز، قالت وكالة "فيتش" إن الاستثمارات الحالية من شأنها أن تعزز الاستهلاك من قبل الشباب السعودي وتزيد من القدرة الإنتاجية للاقتصاد.
وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني
وفي الأسبوع الماضي وقع صندوق الاستثمارات العامة السعودي مذكرة تفاهم جديدة بقيمة 3 مليارات دولار مع وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية الحكومية.
وتتوقع الوكالة أيضاً أن يؤدي تراجع توزيعات أرباح شركة النفط السعودية العملاق "أرامكو" إلى مزيد من الانخفاض في عائدات النفط.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 رفعت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية للإصدارات طويلة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية من A1إلى Aa3.
وعدلت الوكالة النظرة المستقبلية إلى مستقرة بدلاً من إيجابية، وهو ما يعكس ترجيحها تثبيت التصنيف الائتماني للبلاد خلال الـ12 شهراً المقبلة في ظل التوازن بين الأخطار والعوامل المحفزة لرفع التصنيف.
وفي مايو (أيار) 2024 رفعت وكالة "موديز" تصنيف السعودية الائتماني بالعملة المحلية والأجنبية إلى Aa1 من Aa2، مشيرة إلى زيادة القدرة على التنبؤ بالسياسات وعمليات صنع القرار الحكومية التي تؤثر في القطاع الخاص.
أعلى المعدلات في منطقة دول الخليج
وتوقعت "موديز" أن ينمو الناتج المحلي الإجمال غير النفطي للقطاع الخاص في السعودية بنسبة تراوح ما بين 4-5 في المئة في السنوات المقبلة، والتي تعد من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.
ورفع صندوق النقد الدولي في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي في يوليو (تموز) 2024" توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي خلال العام المقبل، بمقدار 0.2 نقطة مئوية إلى 4.7 في المئة مقابل تقديراته السابقة خلال يونيو (حزيران) الماضي بنمو بنحو 4.5 في المئة، في حين خفض أرقامه لنمو اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم خلال عام 2024 بمقدار 0.9 نقطة مئوية عن تقديراته خلال أبريل (نيسان) الماضي إلى 1.7 في المئة، بضغط من خفوض إنتاج النفط.
وخلال فبراير (شباط) من العام الماضي ثبتت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "فيتش" تصنيف السعودية عند A+ بنظرة مستقبلية مستقرة، في حين أكدت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني خلال مارس (آذار) 2024 التصنيف السيادي للسعودية ونظرتها المستقبلية لها التي تراهن على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لتحسين آفاق البلاد.
آثار الإصلاحات الهيكلية
ودفعت القطاعات الاقتصادية غير النفطية نمو الاقتصاد السعودي ليحقق الناتج المحلي الإجمال الحقيقي 1.3 في المئة نمواً خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023، بحسب تقديرات الهيئة العامة للإحصاء الأسبوع الماضي.
وتركز الحكومة السعودية على تنمية وتعزيز الإيرادات غير النفطية التي يعكس نموها المستمر والمستدام آثار الإصلاحات الهيكلية، ضمن "رؤية 2030".
وكان البنك الدولي توقع نمو إجمال الناتج المحلي الحقيقي في السعودية بنحو 5.9 في المئة عام 2025، مرجحاً نمو نصيب الفرد من إجمال الناتج المحلي الحقيقي إلى 3.8 في المئة خلال عام 2025 في تحسن ملحوظ مقارنة بانكماش العام الماضي البالغ 2.8 في المئة في نصيب الفرد.
ونما الناتج المحلي الإجمال الحقيقي للرياض بنحو 1.3 في المئة خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، مدفوعاً بارتفاع الأنشطة غير النفطية بمعدل 4.3 في المئة، إضافة إلى نمو الأنشطة الحكومية بنسبة 2.6 في المئة، بينما شهدت الأنشطة النفطية انخفاضاً 4.5 في المئة، في حين حقق الناتج المحلي الإجمال الحقيقي نمواً 4.4 في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بالربع نفسه من عام 2023، مسجلاً أعلى معدل نمو خلال آخر عامين مدفوعاً بالنمو على مستوى جميع القطاعات الرئيسة.