ملخص
رصدت غرفة طوارئ جنوب الحزام اختفاء 11 فتاة وسيدة من أحياء جنوب الخرطوم بخاصة الأزهري ومايو واليرموك، خلال فترات تمتد من منتصف عام 2023، وحتى مطلع 2025.
بالتوازي مع تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في العاصمة الخرطوم، تتزايد حالات اختفاء الفتيات القاصرات بشكل مقلق، مما أثار مخاوف الأسر والقانونيين والنشطاء على مصير آلاف النساء السودانيات في ظل ظروف النزوح واعتقال الأزواج والأبناء.
ففي ترجمة للمستوى غير المسبوق لحجم الانتهاكات الواقعة في حقهن، وردت تقارير عدة عن حالات لضحايا الاختفاء القسري، خصوصاً في الخرطوم التي تشهد أعنف المعارك.
تدخل قانوني
إلى ذلك قالت غرفة طوارئ جنوب الحزام إنها رصدت حالات مقلقة عن اختفاء الفتيات والنساء، وسجلت 11 حالة خلال الفترة الماضية.
وطالبت الغرفة الجهات القانونية والإنسانية بالتدخل العاجل والتحقيق في الظاهرة لضمان سلامة النساء، وناشدت الأسر توخي الحذر.
ورصدت غرفة طوارئ جنوب الحزام اختفاء 11 فتاة وسيدة من أحياء جنوب الخرطوم بخاصة الأزهري ومايو واليرموك، خلال فترات تمتد من منتصف عام 2023، وحتى مطلع 2025.
وأشار تقرير الغرفة إلى أنه بموجب اتفاقات جنيف واتفاق حقوق الطفل، يجب على طرفي الصراع حماية النساء والأطفال من العنف والاستغلال، ومنع تجنيد الأطفال في النزاع، إلى جانب حماية الفتيات من العنف الجنسي.
في حين أشارت المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي "صيحة" في فبراير (شباط) الماضي، إلى استمرار اختفاء 209 من الفتيات والنساء، غالبهن في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع".
مصير مجهول
وراء كل قصة فقدان أو اختفاء قسري ألم لا يوصف، أمهات لا يغمض لهن جفن وأسر في معاناة طويلة وبحث مستمر عن النساء والفتيات اللاتي لا يزال مصيرهن مجهولاً.
ففي نهاية يونيو (حزيران) 2023، غادرت رقية إبراهيم منزلها في مدينة أم درمان، لجلب الثلج لأسرتها في رحلة تستغرق 30 دقيقة، ولكنها لم تعد منذ ذلك الحين إلى بيتها.
تروي سهام إسحاق التي فقدت ابنتها رقية قبل أكثر من عام ونصف العام، "ذهبت ابنتي إلى السوق لجلب الثلج، ولم تعد في الموعد المحدد، بدأ القلق يساورنا مع مرور الوقت، ولم أستطع النوم طوال تلك الليلة".
سهام التي لا تعرف الاستسلام لم تترك باباً لم تطرقه، حاملة صورة ابنتها المفقودة، تبحث في المستشفيات والمشارح وأقسام الشرطة، وما زالت تسأل بأمل على رغم طول الانتظار، "أين رقية؟".
صعوبات وتحديات
مع هذا الوضع تتنامى مخاوف المدنيين السودانيين في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة وقتالاً مستمراً من تزايد حالات الاختفاء القسري وخطف الفتيات وتعرضهن للاعتداء الجنسي أو القتل.
وفي هذا الصدد، تعرب الناشطة في مجال حقوق المرأة ميادة عباس عن قلقها إزاء تزايد حالات الاختفاء القسري، معتبرة أن "إفادات الناجيات في شأن وجود فتيات محتجزات في مناطق مختلفة بالخرطوم وإقليم دارفور تشير إلى تصاعد الانتهاكات ضد النساء وإقحامهن في الصراع ليصبحن ضحايا للعنف الجنسي المتصل بالنزاع المسلح".
وأوضحت أن "المتطوعين يواجهون صعوبات جمة تمنعهم من الوصول إلى المفقودات من مئات الفتيات والسيدات، نظراً إلى عدم وجود صلاحية تمكنهم من دخول المعتقلات لدى الجيش السوداني أو مقار قوات ’الدعم السريع’ بخاصة أن البلاد تمر بحرب، كما لا توجد أية جهة يتواصلون معها في هذا الخصوص غير أسر المفقودين".
ولفتت الانتباه إلى أن "هذه القضية مقلقة جداً للأسر التي فقدت أبناءها ولا تدري أين مكان اختفائهم وهل هم أحياء أم مقتولون وما وضعهم الصحي؟ للأسف فإن الجهد في هذه الحالة يكون عبر وسائل غير رسمية مثل مواقع التواصل ولجان متطوعة وناشطين وغيرهم، من ثم تكون وسائل البحث ضعيفة جداً، بعكس الوضع عندما تعمل الشرطة التي تمتلك آليات وصلاحيات وخبرات في هذا المجال، إضافة إلى أن التحرك في ظروف القتال يكون خطراً ومحسوباً".
عملية ممنهجة
على نحو متصل، قال المحامي والناشط في حقوق الإنسان ناجي سعد إنه "في ظل تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات 'الدعم السريع' في الخرطوم، تتزايد معدلات الانتهاكات الواقعة في حق الفتيات والنساء، وتحدث عمليات خطف خصوصاً في حالات التنقل المستمرة للمجموعات المسلحة بالعاصمة، فضلاً عن انسحاب مجموعات كبيرة من قوات 'الدعم السريع' عبر الطرق والممرات المفتوحة باتجاه غرب السودان".
وأشار سعد إلى أن "الاختفاء القسري عملية ممنهجة وتمارس بشكل واضح، وهو ما اتضح من خلال التقارير التي وردت خلال فترة الحرب، ولا نستطيع أن نقول إن معدلاتها تقل، بل ممارستها وعنفها وقساوته قد تنعكس بصورة سلبية على الفتيات في المستقبل".
وأعرب المحامي والناشط في حقوق الإنسان عن اعتقاده أن الأرقام الحقيقية لحالات الاختطاف والإخفاء القسري قد تبدو أكبر بكثير من أرقام الإحصاءات المتداولة حتى الآن، بسبب عدم وجود فرق ميدانية للمتابعة على الأرض.
احتجاز قسري
وزارة الخارجية السودانية بدورها وفي بيان سابق لها أكدت "وجود مئات الفتيات المختطفات والمحتجزات كرهائن، يستعبد بعضهن جنسياً، ويجبرن على العمل المنزلي القسري، مع تقارير عن تهريب فتيات داخل وخارج البلاد بغرض الاتجار بهن".
في حين، أعلن تقرير صادر عن المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري ارتفاع الحالات، إذ بلغت 993 مفقوداً، بينهم 96 امرأة.
على الصعيد نفسه، تلقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التابعة للحكومة السودانية تقارير عن نحو 20 فتاة وأطفال وكبار سن، تراوح أعمارهم ما بين سبع سنوات و75 سنة ظلوا محتجزين قسراً لمدة خمسة أشهر في مساحة محدودة بمنطقة أمبدة في مدينة أم درمان في ظل ظروف قاسية تحت سيطرة قوات "الدعم السريع".
وقالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحاق، إن "الوحدة مع شركائها على الأرض تعمل على جمع المعلومات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات في السودان وتوثيقها، وتحث المنظمات الأممية والدولية المعنية بالمرأة والطفل على دعم جهود إنهاء معاناة المحتجزات وإعادة المخفيات قسراً، والضغط لضمان محاسبة الضالعين في هذه الجرائم".