Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
0 seconds of 59 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:59
00:59
 

زيارة مشايخ الدروز لإسرائيل...مقاربة أم إعادة تموضع؟

ليست مجرد خطوة رمزية بل تعكس تحولات كامنة في المشهد الإقليمي لا سيما في سوريا ولبنان

ملخص

ربما تسهم زيارة مشايخ الدروز إلى إسرائيل في تعزيز الانقسام داخل المجتمع الدرزي بين من يرون فيها فرصة للحماية والاستفادة من الدعم الإسرائيلي، ومن يعتبرونها تهديداً لصلابة الموقف الدرزي التاريخي.

أثارت الزيارة التاريخية التي قام بها وفد من المشايخ الدروز من بلدة حضر السورية بريف القنيطرة إلى المنطقة التي تحتلها إسرائيل في الجولان، سجالات ومشادات ووجهات نظر مختلفة، داخل البيئة الدرزية بشكل خاص، وعلى الصعيد السياسي في لبنان وسوريا.

الزيارة التي كانت وجهتها الأولى قرية جولس، وهي قرية الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف، الذي كان ومشايخ وشخصيات وأعضاء من الكنيست والمئات من أبناء المجتمع الدرزي في استقبال الوفد في بيت الطائفة الدرزية، وفقاً لمصادر "اندبندنت عربية".

والزيارة التي يقوم بها 100 شيخ درزي، ووفقاً لبعض المصادر تخطى العدد 150 شيخاً اجتماعياً ودينياً وروحانياً في الدرجة الأولى، جاءت تلبية لدعوة الشيخ موفق طريف، إذ يزور الوفد مقام "النبي شعيب" الذي له مكانة روحانية خاصة عند الموحدين الدروز، وهي أولى الزيارات لدروز سوريا، منذ نحو 50 عاماً، ووصل الوفد في ثلاث حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري.

واستنكر أهالي قرية حضر زيارة الوفد، وقالوا في بيان إن "إسرائيل تستغل زيارة دينية لزرع الانقسام في الصف الوطني"، وأنها "تسعى إلى استخدام الطائفة الدرزية خطاً دفاعياً لتحقيق مصالحها التوسعية"، وأكد الموقعون على البيان أن "المشايخ الذين زاروا الداخل المحتل لا يمثلون إلا أنفسهم".

يأتي ذلك بعد تصريحات إسرائيلية وفي أكثر من مناسبة عن تعهدها بحماية دروز سوريا، وقالت إسرائيل إنها لن تسمح للجيش السوري بأي وجود عسكري في جنوب سوريا، على رغم أن الدروز هناك لم يطالبوا بحماية من إسرائيل، بل خرج بعضهم في احتجاجات ضد ما اعتبروه "تدخلاً إسرائيلياً في الشأن السوري"، مؤكدين أنهم لا يحتاجون إلى حماية.

وفي وقت يتصاعد التوتر بين بعض قيادات الطائفة الدرزية في سوريا وحكومة دمشق الجديدة، أعلن الرئيس الروحي للطائفة في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، أنه "لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق"، متعهداً بـ"العمل لما هو مناسب للطائفة الدرزية"، ووصف الحكومة بـ"المتطرفة وهي مطلوبة للعدالة الدولية".

وشدد الهجري على أنه "نحن في مرحلة نكون أو لا نكون"، و"أي تساهل في هذا الأمر لا يمكن أن نقبل به، وهذا حق من حقوقنا"، وأتى كلامه بعد نشر وثيقة تفاهم قيل إنها "ليست نهائية" بين الحكومة السورية والشيخ الهجري، تناولت آلية اندماج محافظة السويداء في مؤسسات الدولة السورية.

الزيارة تعمق الانقسامات الدرزية

الزيارة التي أثارت جدلاً واسعاً داخل المجتمع الدرزي وخارجه، واعتبرت خطوة استثنائية في توقيتها وسياقها، أتت وسط تصاعد التوترات الإقليمية، وخصوصاً في الجنوبين اللبناني والسوري، حيث تترتب على الدروز تحديات أمنية وسياسية معقدة.

وفي الأبعاد والدوافع، تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع الدروز في المنطقة، بهدف ترسيخ نفوذها وتأمين حدودها الشمالية، وتريد تل أبيب توجيه رسالة بأن الدروز ليسوا بالضرورة جزءاً من محور معاد لها، وأن هناك شريحة منهم يمكن أن تكون شريكة في ترتيبات مستقبلية، لكن في القراءة السياسية اللبنانية ووجهت الزيارة بانتقادات واسعة، خصوصاً من القوى الدرزية التقليدية مثل الحزب" التقدمي الاشتراكي" وحلفاء "حزب الله"، الذين يرون فيها تجاوزاً للخطوط الحمراء.

بدورها مشيخة العقل الدرزية في لبنان وفي بيان لها حذرت من المشاركة في الزيارة "لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية على كل من يدخل الأراضي المحتلة"، مؤكدة رفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف.

أما في سوريا حيث تتعمق الانقسامات الدرزية بين موالين للنظام ومستقلين، فتشكل مثل هذه الزيارة خطراً على المشايخ الذين شاركوا فيها، إذ قد يُتهمون بالخيانة.

البعد الديني والاجتماعي

هناك تقليد درزي يحتم عدم التورط المباشر في الصراعات السياسية، لكن هذه الزيارة يمكن أن تفسر على أنها اصطفاف مع طرف معين في الصراع، وقد تسهم في تعزيز الانقسام داخل المجتمع الدرزي بين من يرون فيها فرصة للحماية والاستفادة من الدعم الإسرائيلي، ومن يعتبرونها تهديداً لصلابة الموقف الدرزي التاريخي، وحتماً أن هذه الزيارة ستؤدي إلى مزيد من الانقسام بين المشايخ (أي العقلاء والأجاويد) والقوى الدرزية الدنيوية أو (الجهال) غير الملتزمين دينياً، وبين من يرى ضرورة الانفتاح على إسرائيل ومن يرفض ذلك بشدة.

 

 

من هنا لم تكن زيارة المشايخ الدروز إلى إسرائيل مجرد خطوة فردية أو دينية، بل جاءت ضمن سياق سياسي معقد، إذ يشهد الجنوب اللبناني تصعيداً عسكرياً متزايداً، وتعيش سوريا واقعاً هشاً في السويداء وجبل العرب، حيث صارت الهوية الدرزية أكثر انكشافاً أمام التحديات الإقليمية.

السؤال الجوهري هنا، هل تعكس هذه الزيارة تحولاً استراتيجياً داخل الطائفة الدرزية في لبنان وسوريا تجاه إسرائيل، أم أنها مجرد استثناء محكوم بظروف آنية؟

تحول سياسي أم خطوة استثنائية؟

على رغم أن الدروز تاريخياً حافظوا على مواقف متحفظة من الصراعات الكبرى، فإن طبيعة العلاقة مع إسرائيل كانت دائماً إشكالية، بخاصة أن دروز فلسطين يشكلون حالة فريدة بانتظامهم في الدولة الإسرائيلية على عكس دروز لبنان وسوريا، الذين ظلوا جزءاً من بيئتهم العربية.

عند هذه النقطة تعكس زيارة المشايخ واحداً من احتمالين، إما أنها خطوة مدروسة في إطار استكشاف خيارات جديدة للطائفة الدرزية في لبنان وسوريا، بخاصة في ظل الغموض الذي يحيط بمستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، أو أنها مبادرة فردية لا تعبر عن اتجاه استراتيجي عام، إذ لا يزال المزاج الدرزي العام في لبنان وسوريا محافظاً على موقفه التقليدي من إسرائيل.

هواجس دروز لبنان

وعن توقيت الزيارة بالمعطى الدرزي اللبناني، فإن التوترات المتصاعدة على الجبهة الجنوبية تضع الدروز في موقف دقيق، بخاصة أن منطقة حاصبيا وشبعا قد تكون جزءاً من أي معادلة عسكرية مستقبلية بين "حزب الله" وإسرائيل، كذلك فإن هواجس دروز لبنان لم تهدأ منذ حوادث السابع من مايو (أيار) 2008، عندما قرر "حزب الله" غزو بيروت والجبل، منقلباً على الشرعية اللبنانية والدولة، مقرراً بمفرده كيف سيكون مصير لبنان ووجهته، في ذلك النهار استفاق أهل بيروت على احتلال لمدينتهم من قبل مسلحين يتشحون بالسواد ومنتسبين لفريق المعارضة آنذاك (الثنائي الشيعي، والحزب السوري القومي الاجتماعي، ومناصري النائب والوزير السابق طلال أرسلان في منطقة خلدة والشويفات)، قيل حينها إن ذلك اليوم الذي عده الحزب "يوماً مجيداً"، رسم خطوط تماس جغرافية وطائفية بين اللبنانيين بخاصة السنة والشيعة.

آثار تلك الحوادث ترسخت في العقلية الدرزية، ومع المشاهد الآتية من الساحل السوري، تتنامى مخاوف الدروز من تداعيات الحرب والمشاريع في المنطقة، بخاصة مع تصاعد الحديث عن مشاريع تغيير ديموغرافي محتمل في حال امتد التصعيد العسكري، وهناك مخاوف درزية من أن يصبح الجبل هدفاً عسكرياً أو منطقة نفوذ لـ"حزب الله" في حال انهيار التوازنات اللبنانية الحالية.

حسابات دقيقة في لحظة مفصلية

إذاً زيارة المشايخ إلى إسرائيل ليست مجرد خطوة رمزية، بل تعكس تحولات كامنة في المشهد الإقليمي، وناقوس خطر للزعامات الدرزية التقليدية بخاصة في لبنان، إذ إن الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل وموقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط منها، إذ ساند الحزب في حربه وأعطاه المبررات للقيام بها، ثم جاءت حادثة مجدل شمس التي شكلت منعطفاً في الموقف الدرزي من جنبلاط، وتلك الحادثة التي سقط فيها صاروخ على ملعب كرة قدم حين كان عدد من الفتية تراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة يلعبون، مما أسفر عن مقتل 12 طفلاً وإصابة أكثر من 30 شخصاً من تلك القرية الدرزية.

في ذلك الوقت يوليو (تموز) 2024، تبادل الحزب وإسرائيل الاتهامات حول مسؤولية من أطلق ذلك الصاروخ، لكن جنبلاط اتهم إسرائيل بالوقوف وراء المجزرة، ونبه حينها الدروز من "أي انزلاق في مشروع العدو التدميري"، ودافع عن الحزب معتبراً أنه لا علاقة للحزب بتلك المجزرة، وأعلن دعماً مطلقاً لـ"المقاومة" بلبنان وفلسطين، وقال "ما من أحد يعطي دروساً لمجدل شمس"، علماً أنه قبل دقائق من انتشار خبر المجزرة حينها، قالت قنوات إخبارية قريبة من الممانعة أن أكثر من 100 صاروخ أطلقت باتجاه أصبع الجليل والجولان السوري المحتل، وأخيراً كان جنبلاط من أول زائري الرئيس السوري أحمد الشرع.

اقرأ المزيد

ترى بعض الفئات الدرزية أن مواقف جنبلاط قد تجر الطائفة إلى مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل، كما أن هناك قلقاً متصاعداً من أن يؤدي التقارب مع الحزب إلى خسارة دعم جهات دولية أو إقليمية كانت ترى في الدروز عنصراً محايداً.

وبالمعطى السوري فإن دروز السويداء يتعرضون لضغوط متعددة، فهم بين خيار الاصطفاف مع الإدارة السورية الجديدة، أو الحفاظ على خصوصيتهم المستقلة، أو البحث عن حليف خارجي يضمن لهم دوراً في المرحلة المقبلة، وجاءت التحركات الإسرائيلية في الجولان، والموقف الغامض من مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا، ليدفع بالدروز لدرس خيارات جديدة لضمان أمنهم ووجودهم.

في السياق كان الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط أكد بأن الشيخ موفق طريف "لا يمثلنا وهو مدعوم من القوى الصهيونية"، وشدد على أن "أهل سوريا يعرفون التصرف، وسأذهب إلى دمشق لتأكيد مرجعية الشام والمشروع كبير وسيجرون بعضاً من ضعفاء النفوس إلى حروب أهلية لست أدري كيف ستنتهي"، مردفاً بأن "الصهيونية تستخدم الدروز جنوداً وضباطاً لقمع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، واليوم يريدون الانقضاض على جبل العرب".

وتابع جنبلاط أنه "إذا ما قارنا المرحلة الحالية بمراحل سابقة من احتلال إسرائيلي لبيروت وغيره من المحطات، أكاد أقول إنها أخطر بكثير مما مررنا فيه".

التدخل لحماية الدروز

الشيخ طريف الذي شدد في مقابلة إعلامية على أنه لن يسمح بتكرار المجازر التي حصلت أخيراً في الساحل السوري، وأن الدور الذي يلعبه بدعم الدروز في سوريا هو "من منطلق الإخوة والعلاقة والقربى التي تربطنا معهم، فمن الواجب علينا أن نقوم بأي دور لدعمهم إنسانياً فقط"، و"أي قرار يتخذونه هو شأنهم الخاص"، ورداً على كلام جنبلاط قال طريف إنه "عندما كانت هناك محنة في الجبل، أبناء الطائفة الدرزية في بلادنا كانوا السد المنيع والمعين لأهلنا هناك عبر الإمدادات والمساعدات"، وتابع "إذا كان هناك أي تعد على أهلنا أينما كانوا فسنقوم بالدور نفسه".

وبخصوص الزيارة قال الشيخ طريف إنه "بالنسبة إلى أبناء الطائفة الدرزية في الجولان والكرمل والجليل فهذا اليوم هو يوم عيد، وكما هو معروف أنها زيارة دينية بحتة، لزيارة مقام سيدنا شعيب"، أملاً أن "تتكرر مثل زيارات كهذه وأن يكون لنا الحق كأبناء طائفة درزية، كما يحق لإخواننا المسلمين والمسيحيين الحج لمكة وزيارة القدس وأن يحل السلام وتزال كل الحواجز والحدود".

هل تنتقل الزعامة الدرزية للشيخ موفق طريف؟

وبعد المشاهد القادمة من القرى الدرزية شمال إسرائيل، تساءل مراقبون عن ثبات الزعامة الدرزية التقليدية، لكن على رغم أهمية موقع الشيخ موفق طريف، وعلاقاته القوية مع السلطات الإسرائيلية فإنه من غير المرجح أن يصبح زعيماً للدروز في المنطقة حالياً، أولاً لأنه لم يطرح نفسه زعيماً، وثانياً لأن التركيبة السياسية والاجتماعية لتلك الطائفة في لبنان وسوريا لا تسمح بذلك، وربما في المستقبل قد نشهد تحولات في السياق التمثيلي للدروز، وانتقال الزعامة الدرزية إليه حيث يقود طريف دروز فلسطين الذين يعيشون ضمن مؤسسات الدولة الإسرائيلية، بينما دروز لبنان وسوريا لديهم هياكل زعامة تقليدية تختلف في طبيعتها.

 

 

الزعامة الدرزية في جبل العرب وجبل لبنان لها أبعاد سياسية وتاريخية، حيث يرتبط الزعماء التقليديون بعلاقات مع قوى إقليمية كبرى، وعلى رغم أن بعض دروز سوريا ولبنان قد ينظرون إلى إسرائيل كحليف محتمل بسبب المخاوف الأمنية، فإن معظمهم لا يزالون يحتفظون بمسافة كبيرة منها، وهذا يقلل من فرص طريف في توسيع نفوذه خارج فلسطين المحتلة.

وفي لبنان لا يزال وليد جنبلاط يشكل مرجعية قوية داخل الطائفة، بينما يحاول رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان وغيره من الزعامات الإقطاعية الدرزية الحفاظ على نفوذهم.

أما في سوريا فلا تزال مشيخة العقل التقليدية في السويداء والجبل تتمتع بنفوذ شعبي واسع، بخاصة مع تصاعد الحركات الاحتجاجية ضد النظام، ومع هذا فإن توسع وتزايد نفوذ وتأثير الشيخ طريف في أوساط درزية معينة بدأ يثير القلق في أوساط أخرى.

حسابات جنبلاط لم تتطابق مع بيدر بعض الدروز

مما لا شك فيه وبعد تصاعد الحراك الدرزي في السويداء والتوترات في لبنان فإن الطائفة الدرزية تمر بتحولات دقيقة، لكنها ليست بالضرورة قطيعة كاملة مع الماضي، هذا التحول لا ينشأ من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية دفعت بعض الفاعلين الدروز إلى إعادة تقييم موقعهم الاستراتيجي.

ولا شك أن المتغير الجديد، أي موقف وليد جنبلاط من الحرب، كان مفاجئاً إلى حد كبير، وربما لجنبلاط معطياته، وكثيراً ما عرف عنه قدرته على المناورة السياسية، ولكن خلال الأعوام الماضية كان "حزب الله" وحلفاؤه يسيطرون على المشهد الأمني والسياسي في لبنان، وأي مواجهة مباشرة معهم قد تعرض الدروز لأخطار كبيرة، خصوصاً في ظل ضعف الدولة، وبعد تسليمه زعامة الحزب "التقدمي" لنجله تيمور، بدا جنبلاط حريصاً على عدم خلق تصدعات كبيرة في العلاقة مع بيئته السياسية، وبخاصة "حزب الله".

ويدرك جنبلاط جيداً أن أي اتفاق مستقبلي بين إسرائيل و"حزب الله" سيعيد رسم خريطة النفوذ في الجنوب والبقاع، لذا فهو يفضل أن يبقى على مسافة متوازنة بدلاً من اتخاذ موقف تصادمي.

 لكن حسابات جنبلاط لم تتطابق مع بيدر بعض الدروز الذين دفعتهم مواقفه إلى التقرب من إسرائيل، وإذا كانت حساباته مرتبطة بالتوازنات الداخلية، فإن بعض المشايخ الدروز قرأوا موقفه بطريقة مختلفة.

والتقارب مع إسرائيل قد يكون محاولة من بعض الفاعلين الدروز للبحث عن بدائل استراتيجية، بخاصة أن إسرائيل كثيراً ما أبدت اهتماماً بالمناطق الدرزية، سواء في الجولان أو في جنوب لبنان، وبعض دروز لبنان قد يكونون متأثرين بهذه التحولات، ويرون أن الحفاظ على خط اتصال مع إسرائيل قد يوفر لهم خيارات إضافية في المستقبل.

ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه التحركات تعكس انقساماً حقيقياً داخل الطائفة، أم أنها مجرد خطوات تكتيكية يقوم بها بعض الأفراد أو المجموعات الصغيرة، لكن ما يمكن تأكيده هو أن الدروز يمرون بلحظة إعادة تموضع، إذ تتداخل المخاوف الأمنية مع الحسابات السياسية، وستشهد الطائفة فرزاً أكبر بين تيارات درزية متباينة، وتحولاً استراتيجياً على المدى البعيد، وفي حال طالت الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل قد تجد بعض القوى الدرزية نفسها مضطرة إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً، مما قد يعيد رسم المشهد السياسي الدرزي في لبنان وسوريا.

ماذا بعد؟

إذا كانت زيارة المشايخ الدروز إلى إسرائيل أثارت جدلاً، فإنها تعكس في جوهرها حال القلق العميق داخل الطائفة الدرزية من التطورات الإقليمية، ومواقف وليد جنبلاط من الحرب لم تكن العامل الوحيد، لكنها بالتأكيد لعبت دوراً في تغذية تساؤلات داخلية حول مستقبل الدروز، وما إذا كانوا سيبقون جزءاً من المعادلة اللبنانية التقليدية والإقليمية بشكل عام، أم أنهم سيسعون إلى خيارات جديدة لحماية مصالحهم.

وفي النهاية، الدروز ليسوا وحدة سياسية متجانسة، وما نشهده اليوم قد يكون بداية لتحولات أعمق ستتضح مع استمرار الأزمات وتطور المشهد الإقليمي، إذ تحاول الطوائف الصغيرة البحث عن ضمانات أمنية وسط مشهد مضطرب.

المزيد من تحلیل