Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بنظرة قانونية... هل يلبي الإعلان الدستوري تطلعات السوريين؟

يرى بعضهم أن 5 أعوام فترة طويلة لكنها بالنسبة إلى آخرين معقولة وتتيح المجال لبناء أسس الاستقرار وليست مجرد محاولة لكسب الوقت

أقرّ الرئيس السوري أحمد الشرع "الإعلان الدستوري" الذي يحوي 53 مادة (أ ف ب)

ملخص

يرى بعضهم أن خمسة أعوام مدة مناسبة بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه البلاد التي خرجت من حرب استمرت 14 عاماً.

في الـ 13 من مارس (آذار) الجاري أقرّ الرئيس السوري أحمد الشرع "الإعلان الدستوري" الذي يحوي 53 مادة، بعد درس من لجنة صياغة متخصصة في هذا الشأن، وخلّف الإعلان جدلاً واسعاًُ بين مؤيد ومعارض، فرأى فريق وجود إشكال في طبيعة الإعلان نفسه، فقد بدا وكأنه مزيج بين إعلان دستوري موقت ودستور دائم، ومن الملاحظ أن مواده جاءت موسعة أكثر مما هو معتاد في الإعلانات الدستورية التي تُصدر خلال المراحل الانتقالية، والتي تكون عادة أكثر اختصاراً وتركيزاً على الأسس العامة من دون التوسع في التفاصيل.

خطوة نحو الاستقرار

ورحب مدير المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية أنور البني في حديث إلى "اندبندنت عربية" بالإعلان الدستوري الموقت، كما يجب تسميته، لتستقر وتنجح المرحلة الانتقالية، بسبب أنه نص على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية، واعتبر الاتفاقات الدولية جزءاً من الإعلان، كما حدد مدة الفترة الانتقالية واعترف بضرورة وجود الأحزاب والجمعيات، وكلها بنود مبشرة، على حد قوله.

وفي المقابل يسجل البني مجموعة تحفظات ومنها تجاوز الإعلان الدستوري ليكون بمثابة دستور مصغر، إذ حدد مسبقاً اسم الجمهورية ومصادر التشريع وسلطات الرئيس، "وبذلك صادر إرادة السوريين والسوريات علاوة على عدم النص على إشراك المجتمع المدني بتسمية أعضاء مجلس الشعب"، وانتقد "عدم وجود نصوص تتعلق بتشكيل السلطة القضائية لتكون مستقلة تماماً، وتسمية الرئيس لأعضاء المحكمة الدستورية العليا، وعدم وجود وضوح في كيفية وضع الدستور الجديد".

وكذلك اعتبر زعيم "تيار الإرادة الشعبية" قدري جميل أن "المشروع لا يرتقي لمتطلبات وخطورة المرحلة التي تعيشها البلاد، وجاء مخيباً للآمال وأقل من أن يكون أساساً صالحاً لانتقال سلس يحمي وحدة البلاد وأهلها، ويغلق الباب على التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها"، معتبراً أن "تحديد الفترة الانتقالية بخمسة أعوام وترك البلاد كل هذه الفترة دون دستور دائم ينتج من مؤتمر وطني حقيقي وواسع التمثيل، يفاقم الأخطار التي تعيشها الوحدة الوطنية للبلاد، ويصعب ويعرقل رفع العقوبات".

الفراغ الدستوري

ويرى متخصصون في القانون أن إصدار الإعلان الدستوري الموقت خطوة حاسمة لسد الفراغ التشريعي الذي استمر خلال الأشهر الثلاثة الماضية بعد سقوط نظام الأسد، فقد عاشت سوريا خلال هذه الفترة مرحلة من الفراغ الدستوري، مما جعل هذا الإعلان ضرورياً لإعادة الحياة الدستورية وتفعيل القوانين وضمان سيادة القانون مجدداً.

ومن العاصمة الفرنسية باريس تحدث الباحث القانوني فراس حاج يحيى إلى "اندبندنت عربية" حول المدة التي حددها الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية وهي خمسة أعوام، ويرى أنها مدة مناسبة بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه البلاد، فعلى الصعيد الداخلي تخرج البلاد من حرب استمرت 14 عاماً مخلفة دماراً واسعاً في المدن والبنية التحتية، إضافة إلى وجود نصف الشعب السوري خارج البلاد بين مخيمات اللجوء ودول الشتات، وكل هذه العوامل تجعل من الضروري تخصيص فترة انتقالية كافية لضمان استقرار البلاد وتهيئتها لمرحلة جديدة.

وأضاف، "قد يرى بعضهم أن خمسة أعوام فترة طويلة، لكن برأيي هي مدة معقولة تتيح المجال لبناء أسس الاستقرار، ولا يمكن اعتبارها مجرد محاولة لكسب الوقت بل هي ضرورة موضوعية للوصول إلى انتقال سياسي شامل يضم جميع السوريين، كما أنها تسهم في الحفاظ على وحدة البلاد في ظل التحديات الإقليمية، سواء في الجنوب مع التدخلات الإسرائيلية أو في مناطق أخرى قد تشهد محاولات انفصالية".

ووفق يحيى فقد "كان الإعلان الدستوري بحاجة إلى وقت أطول لصياغته بدقة قانونية أكبر، إذ يبدو أنه أُنجز بسرعة مما أثر في مستوى دقة تحديد مواده وضبطها بشكل تقني يمنع تعدد التفسيرات أو التأويلات المختلفة"، مشيراً إلى أن النصوص الدستورية، سواء كانت دائمة أو موقتة، يجب أن تكون واضحة ومجردة ودقيقة لتفادي الالتباس.

آلية التعديل

وبالنسبة إلى وجود اعتراضات من بعض الأطراف، وأبرزها من المكون الكردي، حول اسم الدولة واشتراط دين رئيس الدولة، يرى بعضهم أن هذه الاعتراضات بحد ذاتها مؤشر إيجابي، إذ تعكس تطوراً في النقاش العام، فقد أصبح السوريون قادرين على مناقشة دستورهم وانتقاده بحرية.

ويعتقد الباحث فراس حاج يحيى أن الإعلان الدستوري نفسه يتضمن مادة حول آلية التعديل مما يتيح المجال أمام القوى السياسية والمكونات المختلفة لإجراء التشاور والتنسيق حول التعديلات المطلوبة، وذلك بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي يمتلك صلاحية طلب التعديل بعد تشكيل مجلس الشعب، مضيفاً أن "من وجهة نظري الشخصية فالمادة المتعلقة بتشكيل مجلس الشعب كانت الأكثر ضبابية، إذ نص الإعلان على أن رئيس الجمهورية يعين ثلثي أعضاء المجلس ثم تشكل لجنة عليا للانتخابات تختار هيئة ناخبة لاختيار بقية الأعضاء، وهذه الآلية تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفصيل لضمان الشفافية والوضوح في عملية تشكيل المجلس".

كما تطرق إلى مسألة تركّز كثير من صلاحيات التعيين في يد رئيس الجمهورية مما قد يحد من التوازن بين السلطات، ولم ينص الإعلان بوضوح على آليات مساءلة رئيس الجمهورية أو الحكومة أو مجلس الشعب، وهي نقطة مهمة لضمان وجود رقابة ومحاسبة ضمن الإطار الدستوري، مردفاً أن "الإعلان جاء شاملاً حين تضمن معظم المواد المتعارف عليها في الإعلانات الدستورية الموقتة التي تصدر خلال المراحل الانتقالية في تاريخ الدول، ومع ذلك فلا بد من الإشارة إلى أن هذا الإعلان تأخر في صدوره على رغم أن رئيس الجمهورية كان يملك صلاحية إصداره منذ اليوم الثالث لسقوط نظام الأسد أو بعد مؤتمر النصر".

التشاركية والتفرد

في غضون ذلك يجزم رئيس منظمة "العدالة والسلام" فراس المصري بأن المرحلة الانتقالية هي مرحلة من دون انتخابات، وهذه النقطة أساس في وضع القواعد الدستورية لإدارة هذه المرحلة، إذ عملت اللجنة على صياغة الإعلان في هذا السياق فبدا لبعضهم أنه نوع من التفرد بالسلطة، "وأرى أنه حد أدنى من التشاركية وليس تفرداً كاملاً، ومن الصعب أن تكون مشاركة كاملة من دون انتخابات، وعلينا التمسك بتنفيذ بنود الإعلان ولا سيما إنجاز 'قانون للأحزاب' وعدم تدخل السلطة التنفيذية في القضاء".

ومن أبرز النقاط التي جاءت في الإعلان أنه يضمن لرئيس الجمهورية السلطة المطلقة التي لا تخضع لأية مساءلة أو محاسبة، ويضع مجلس الشعب في خانة التعيين بعيداً من الديمقراطية والانتخابات النزيهة.

وبحسب "المركز الوطني لتوثيق الانتهاكات في سوريا" فإن تحديد خمسة أعوام للفترة الانتقالية يضمن بقاء سلطة الأمر الواقع في دمشق بعيداً من أي انتخابات أو مشاركة للشعب السوري في اختيار ممثليهم، سواء في البرلمان أو الرئاسة، مضيفاً بيان له أن "هذا يعتبر انتهاكاً لحقوق المواطنة وحرية التعبير واختيار الأشخاص بتجربة ديمقراطية، ويجدد منظومة النظام البائد في التعيين وفرض ما تراه سلطات دمشق أمراً واقعاً، إضافة إلى أن عدم طرح مشروع الإعلان الدستوري للاستفتاء لأخذ رأي الشعب يعتبر تغييباً كاملاً لحقوق المواطنة".

وفي المقابل رأى أعضاء لجنة صياغة "الإعلان الدستوري" أن الإعلان نص على حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، والحرص على وجود باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية، وكذلك رحب المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون بالإعلان، مؤكداً أنه يسد فراغاً قانونياً مهماً في سوريا ويشكل ما وصفه بـ "إطار عمل قانوني متين للانتقال السلمي"، إضافة إلى الجهود المستمرة لضمان حوكمة انتقالية منظمة.

من جانبه أصدر "المجلس الإسلامي العلوي الأعلى" بياناً انتقد فيه "الإعلان الدستوري"، معتبراً أنه "يكرس الرؤية الشمولية للحكم السابق ويعيد إنتاج ديكتاتورية إقصائية بصيغة جديدة، كما لا يضمن التمثيل العادل لقيام الدولة التي تنشدها أطياف ومكونات الشعب السوري كافة، وهي الدولة المدنية الديمقراطية التعددية الوطنية الشاملة التي تحقق العدالة الاجتماعية، ويضمن دستورها فصل السلطات وحق المواطنة".

وفتح "الإعلان الدستوري" الباب أمام طيف واسع من السوريين للتعبير إما عن انتقادهم للإعلان أو الترحيب بوجود مواد دستورية جديدة، إذ كتب الفنان السوري فارس الحلو "كانت آمالي كبيرة بتجريم الطائفية والعنصرية بنص واضح وصريح أسوة بنص إنكار جرائم الإبادة الأسدية، التي هي أصلاً من مخلفات الطائفية والعنصرية البغيضتين والمستمرتين منذ 54 عاماً حتى الآن، وتجريم الآفتين المذكورتين يضمن للجميع مستقبلاً آمناً".

المزيد من تقارير