Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا المأزومة بالمهاجرين تفتش في "اتفاق إيطاليا"

الأعباء زادت بعدما تجاوزت أعدادهم 4 ملايين ومراقبون يناقشون المذكرة التي وقعها السراج مع روما في 2017

جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية أصبح عاجزاً عن مواصلة أداء مهامه (أ ف ب)

ملخص

فيما أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة (غرب) أن ليبيا لن تكون موطناً للهجرة غير النظامية، وجدد رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد (شرق)، تحذيره للدبيبة من "خطة سكن لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا"، فتحت هذه التطورات المجال للرجوع إلى مذكرة التفاهم التي وقعها رئيس الوزراء السابق فائز السراج مع إيطاليا عام 2017، والتي يصفها حقوقيون بـ"السوداء"، لأنها جعلت من ليبيا "سجناً للمهاجرين غير النظاميين".

أعلن وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي أن أعداد المهاجرين غير القانونيين في ليبيا تتجاوز 4 ملايين مهاجر، مؤكداً أن "ليبيا لن تتحمل وحدها أعباء هذا الملف"، وذلك خلال لقائه مساء أمس الإثنين عدداً من السفراء والقائمين بالأعمال بسفارات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي لدى ليبيا، إلى جانب ممثلين عن بعثة الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للهجرة ومفوضية شؤون اللاجئين.

وطالب رئيس لجنة الداخلية بمجلس النواب الليبي سليمان الحراري، الاتحاد الأوروبي بالوفاء بالتزاماته المستحقة لليبيا بشكل عاجل، وإلا فإنه سيتم اللجوء لقرار حل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وأضاف الحراري في تصريحات صحافية لموقع "الشبكة" الليبي، أن الجهاز أصبح عاجزاً عن مواصلة أداء مهامه بسبب تراكم الديون عليه وعجزه عن توفير موارد إضافية لاستقبال المهاجرين، محملاً الاتحاد الأوروبي مسؤولية التدهور الذي سيحصل جراء قرار حل جهاز الهجرة غير الشرعية.

لا للتوطين

تصريحات رئيس لجنة الداخلية بمجلس النواب الليبي سليمان الحراري دفعت الخبيرة القانونية ثريا الطويبي إلى التساؤل عن أسباب عدم تصدي ليبيا للمهاجرين غير النظاميين عوض استقبالهم، مطالبة مجلس النواب الليبي بإلزام إيطاليا بتطبيق بنود اتفاقية الصداقة الليبية- الإيطالية لعام 2008، والتي تنص على حماية الحدود الجنوبية الليبية منعاً لتسلل المهاجرين.

وقالت الخبيرة القانونية إن ليبيا جعلت من قواتها الأمنية حارساً على الحدود الجنوبية لأوروباً عوض حراسة حدودها الجنوبية المفتوحة على أكثر من بلد أفريقي يعاني من صعوبات اقتصادية ونزاعات أمنية.

وعاد مشروع توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا إلى الواجهة مجدداً إثر رواج تصريحات منسوبة لوزير الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية (غرب) بدر الدين التومي، تحدث فيها عن "عدم اعتراضه على إدماج المهاجرين مع السكان المحليين في المدن الليبية"، وذلك بعد لقاء جمعه الأسبوع الماضي، برئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا نيكوليتا جيوردانو، لبحث تعزيز التعاون وعلاقة الشراكة بين الجانبين من خلال تنفيذ مشاريع تنموية مشتركة.

وكان اللقاء كفيلاً بإشعال فتيل معارضة الشارع الليبي لهذا الأمر، حيث سارع نشطاء سياسيون وحقوقيون إلى الخروج في تظاهرة الجمعة الماضي تحمل شعار "لا للتوطين".

 

 

وأكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة (غرب) أن ليبيا لن تكون موطناً للهجرة غير النظامية، بينما جدد رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد (شرق)، تحذيره للدبيبة من "خطة سكن لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا".

وفتحت هذه التطورات المجال للرجوع إلى مذكرة التفاهم التي وقعها رئيس الوزراء السابق فائز السراج مع إيطاليا عام 2017، والتي يصفها حقوقيون بـ"السوداء"، لأنها جعلت من ليبيا" سجناً للمهاجرين غير النظاميين"، وفق قولهم.

اتفاقية تعاقدية

وكان رئيس حكومة الوفاق الوطني السابق، فايز السراج وقع في العاصمة الإيطالية روما في شباط (فبراير) 2017، مذكرة تفاهم مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق، باولو جنتيلوني، بشأن التعاون في مجالات التنمية ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والتهريب، وكذلك تعزيز أمن الحدود بين إيطاليا وليبيا.

مذكرة التفاهم لم يصادق عليها مجلس النواب الليبي الذي وصفها في ذلك الوقت بـ"الباطلة"، باعتبار أن "المجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج لا يحملون أي صفة قانونية بدولة ليبيا وفقاً للإعلان الدستوري، لأن قضية مثل الهجرة غير الشرعية من القضايا المصيرية المرتبطة بقرار من الشعب الليبي من خلال نوابه الذين انتخبهم عبر صندوق الانتخاب ديمقراطياً وليس وفقاً لمصالح فرد أو أفراد لم ينالوا ثقة مجلس النواب وبذلك هم غير مخولين قانونياً".

ووصف مجلس النواب إيطاليا بأنها "تحاول أن تزيح عن كاهلها الأعباء والمشكلات الخطيرة المترتبة على الهجرة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً مقابل القليل من الدعم المادي الملزمة به إيطاليا للحد من أعداد المهاجرين غير الشرعيين والذي يقدم لليبيا من دون هذه المذكرة".

غير أن بنود اتفاقية 2017 بدأت تظهر للعلن على أرض الواقع في بلد يعاني انقساماً سياسياً وأمنياً، حيث تشير تقديرات وزارة داخلية حكومة الدبيبة إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر غير شرعي داخل ليبيا"، في المقابل تمكنت إيطاليا من تحقيق تراجع في عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى إيطاليا بنسبة 60 في المئة مقارنة بالسنة الماضية، إذ سبق وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في يونيو (حزيران) الماضي، أن "الاتفاقيات الموقعة مع دول شمال أفريقيا وبخاصة تونس وليبيا، أسهمت في تحقيق هذه النتيجة".

اقرأ المزيد

الخبيرة القانونية ثريا الطويبي وصفت مذكرة التفاهم التي وقعها السراج مع إيطاليا بـ"الاتفاقية التعاقدية المتكاملة العناصر"، منوهة أنها تتضمن مواد ترتب التزامات خطيرة على ليبيا، حيث تنص الفقرة 9 من المقدمة على "إيجاد حلول عاجلة للمهاجرين غير الشرعيين العابرين ليبيا والقاصدين أوروبا" ما يعني مساهمة ليبيا في تحمل مسؤوليتهم وليس إيقاف تدفقهم من الحدود الليبية فحسب، إضافة إلى إلزام الاتفاقية ليبيا بتجهيز مراكز إيواء تمهيداً لترحيل المهاجرين، ما يؤكد ترحيل كل من عبر ليبيا لأوروبا وإعادتهم إليها وهو أمر خطير، وفق وصفها، فالأعداد الهائلة التي عبرت إلى أوروبا سيتم ترحيلهم إلى ليبيا بدلاً من إعادتهم لبلدانهم الأصلية، بحسب قولها.

التركيبة الديموغرافية

وتابعت الطويبي أن هناك فقرة أخرى تنص على العمل لإقناع دول المصدر بقبول رعاياها، في حين أن أغلب دول الموطن الأصلي للمهاجرين ترفض عودتهم، ما يشير إلى فرضية بقاء هؤلاء في ليبيا في حال عدم قبول دولهم بعودتهم ومع الوقت سيتم الضغط على ليبيا لمنحهم الجنسية والإقامة الدائمة.

وقالت الطويبي لـ"اندبندنت عربية" إن هذه الاتفاقية حولت ليبيا إلى سجن للمهاجرين غير النظاميين باعتبار أنه مع قراءة بقية المواد نجد أن هناك تناقضاً، فعندما تنص الاتفاقية على أن تلتزم إيطاليا بمراقبة وحماية الحدود والحد من الهجرة ثم تنص على أن يتم تجهيز مراكز الايواء ثم في الفقرة 10 تنص على ألا يؤثر إيواؤهم في ليبيا على النسيج الديموغرافي والوضع الأمني ما يدل على أن أعدادهم ستكون في تزايد ولن يتم الحد من دخولهم إلى ليبيا، منوهة بتصريحات منظمة الهجرة الدولية الأخيرة المتجهة إلى تقسيمهم على المدن دليل على عدم العمل على ترحيلهم وعدم الحد من دخولهم واتخاذ الإجراءات المتفق عليها في اتفاقية الصداقة الليبية- الإيطالية لعام 2008، وبذلك يتضح أنه تم البدء في عملية إعادة إدماجهم في المجتمع الليبي، وهو ما سيؤثر في التركيبة الديموغرافية والنسيج الاجتماعي الليبي.

وبخصوص ما إذا كانت بنود اتفاقية 2017 طبقت على رغم اعتراض البرلمان، قالت الطويبي إن الحكومة الليبية قامت برفع طعن أمام المحكمة العليا ضد الحكم الصادر عن محكمة استئناف طرابلس والقاضي ببطلان اتفاقية السراج مع إيطاليا في مجال الهجرة غير الشرعية، لكن بعدها قدمت حكومة السراج طعناً في الحكم وحكمت المحكمة العليا بعدم اختصاص المحكمة الإدارية لإلغاء الاتفاقية لأنها من أعمال السيادة، وبالتالي فإن الاتفاقية سارية وبصدد التنفيذ.

وأكدت المتحدثة أنه كان من الممكن أن يقوم مجلس النواب بإلغائها وإلغاء كافة الاتفاقيات حتى الأمنية منها التي وقعتها حكومة السراج السابقة، إلا أن رؤية مجلس النواب غير واضحة فقد كان يكتفى بالتنديدات بعد توقيع عدد من الاتفاقيات التي وقعت بالمخالفة، ولكنه كان يكتفى بإصدار قرارات يحظر فيها على الحكومات توقيع اتفاقيات تمس الموارد الاستراتيجية فقط.

سجال سياسي

من جهته، قال رئيس تحرير صحيفة "الحياة" الليبية، محمد الصريط، إن السراج لم يورط ليبيا في اتفاقية 2017، باعتبار أنها اتفاقيات دولية تتجاوز شخص السراج كرئيس وزراء في ذلك الوقت، مؤكداً أنه على سبيل المثال ليبيا غير موقعة على اتفاقية دبلن التي تعنى باستضافة ومتابعة أوضاع المهاجر بمجرد وصوله إلى الأرض التي وصل إليها، ولكن الاتفاقية تنص على أنه بمجرد وصول المهاجر تتم معاملته معاملة إنسانية وعند وصوله إلى دول الهدف (الدول الأوروبية) يجب أن يتوافر له إيواء وإدماج وعمل.

 

 

وأضاف الصريط أنه لتكملة اتفاقية دبلن تم إحداث اتفاقيات أحادية مع بعض دول العبور على غرار اتفاقية 2017 بين ليبيا وإيطاليا، وبذلك يتبين أن السراج لم يورط ليبيا لأنها اتفاقيات أحادية طبقت في كل من ليبيا وتونس وغيرها من بلدان العبور بحسب قوانين دولية ومواثيق للأمم المتحدة تعنى بحقوق الإنسان وتؤكد على ضرورة استيعاب المهاجر أينما حل.

وأوضح الصحافي الليبي أن هناك قضايا تهدد الأمن القومي الليبي جراء استفحال معضلة الهجرة غير النظامية، ولكن في المقابل يجب توفير الحد الأدنى من حقوق المهاجر كإنسان، منوهاً بأن قضية الهجرة غير النظامية أكبر من دول العبور مثل ليبيا وتونس والجزائر لأن أوروبا تمكنت من تشييد سور قانوني يحميها من تزايد المهاجرين غير النظاميين، ولكن لا يمكنها مصادرة حق ليبيا وتونس في حماية حدودها من تدفق المهاجرين غير النظاميين.

وأشار المتحدث إلى أن ليبيا تعاني من خلل سياسي وأمني واقتصادي، ولا يمكنها استيعاب كل هذه الأعداد فليبيا وحدها يوجد بها أكثر من 3 ملايين مهاجر غير نظامي، وفق تقديرات وزير الداخلية الليبي، وهو أمر خطير جداً لأننا نتحدث عن ثلاثة أرباع سكان ليبيا الذين لا يتعدوا 7 ملايين نسمة، بالتالي فإن الهوية الليبية ستضمحل في ظل وجود هذا العدد من المهاجرين وهو تهديد حقيقي للأمن القومي.

وأكد الصريط أن تحميل السراج مسؤولية استفحال هذه الإشكالية تأتي فحسب في إطار السجال السياسي الليبي، ولكن منطقياً ليبيا جزء من منظومة الحل للمهاجرين وليست هي المعنية بالدرجة الأولى لأنها بلد عبور ومن حقها طلب مساعدات لوجستية، لأن المهاجر سيقضي فترة غير معلومة على أراضيها، بالتالي الدول الهدف هي الأوروبية ولا بد أن تشارك في تخفيف الحمل على دول العبور ومنها ليبيا وتونس وغيرهما.

المزيد من تقارير