Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ماذا وراء صعود الذهب لأعلى المستويات وسط مخاوف من انهيار قادم؟

العامل الأهم في ارتفاع المعدن الثمين هو سياسات إدارة ترمب وضبابية الوضع الاقتصادي

رفع بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري تقديراته لسعر الذهب بنهاية 2025 إلى 3300 دولار للأونصة (رويترز)

ملخص

"بنك أوف أميركا" أشار إلى أن أسعار المعدن الثمين يمكن أن تتجاوز 3500 دولار للأونصة إذا زادت مشتريات المستثمرين 10 في المئة.

ارتفع سعر الذهب إلى مستوى قياسي جديد في بداية تعاملات الأسبوع ليتجاوز حاجز 3100 دولار للأونصة للمرة الأولى على الإطلاق، مواصلاً تسجيل الأرقام القياسية في ظل الاضطرابات الجيوسياسية وسياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي أشعلت حرباً تجارية عالمية. وعدلت البنوك الاستثمارية الكبرى وشركات الاستشارات المالية تقديراتها لسعر الذهب هذا العام بالزيادة، في ظل توقع استمرار هرب المستثمرين بأموالهم إلى المعدن الثمين كملاذ آمن في ظل ضبابية صورة الوضع الاقتصادي العالمي.

في التعاملات تجاوز سعر الذهب 3106 دولارات للأونصة ليقترب من تحقيق ارتفاع في قيمته منذ مطلع عام 2025 بنسبة 19 في المئة. وكان سعر الذهب تجاوز حاجز 3 آلاف دولار للأوقية مطلع هذا الشهر مارس (آذار) الجاري للمرة الأولى في تاريخه، ويتوقع أن يستمر سعر الذهب في الارتفاع، في الأقل على مدى عام ونصف العام في ظل استمرار عدم اليقين في الأسواق، مما يمكن أن يحدث نتيجة سياسات فرض التعريفة الجمركية الأميركية على صادرات الشركاء التجاريين حول العالم وردود الفعل الانتقامية.

مع ذلك وفي ظل هذا التفاؤل الكبير بارتفاع أسعار المعدن الثمين نتيجة إقبال المستثمرين، مؤسساتيين وأفراداً، على شرائه كتحوط في مواجهة احتمال ارتفاع معدلات التضخم، بل وحدوث ركود اقتصادي عالمي، هناك من يحذر من احتمال انهيار أسعار الذهب ربما بأكثر من الثلث نتيجة هذا الغليان في أسعاره.

توقعات الارتفاع وأسبابه

في الأسبوع الماضي رفع بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري تقديراته لسعر الذهب بنهاية 2025 إلى 3300 دولار للأونصة، من تقديرات سابقة عند 3100 دولار للأونصة، أما "بنك أوف أميركا" فرفع تقديراته لارتفاع سعر الذهب من توقعاته السابقة عند 2750 دولاراً للأونصة إلى أقل من 3100 هذا العام وإلى 3350 دولاراً للأونصة عام 2026.

تستمر تلك التوقعات في التغير بالزيادة مع ارتفاع سعر الذهب يومياً في الأسواق، في مقابلة مع وكالة "رويترز" يقول أحد المحللين في شركة "أو سي بي سي" إن "جاذبية الذهب الآن كملاذ آمن وتحوط ضد التضخم زادت بقوة في ظل الأخطار الجيوسياسية وعدم اليقين في شأن التعريفة الجمركية، ونظل متفائلين في شأن النظرة المستقبلية لأسعار الذهب وسط التوتر التجاري العالمي وعدم اليقين الحالي"، أما الاستشاري في شركة "ماريكس" إدوارد ماير، فيرى أن "قضية التعريفة الجمركية ستستمر في دفع أسعار الذهب إلى الأعلى حتى نصل إلى ما يمكن أن يكون نهاية هذه الحملة".

هناك عوامل أخرى تزيد من الإقبال على شراء الذهب، مثل زيادة نصيب الذهب من احتياطات البنوك المركزية التي تشتري كميات كبيرة من المعدن الثمين في الآونة الأخيرة، وأيضاً الارتفاع الواضح في انسياب رؤوس الأموال في سوق الذهب من الصناديق المسجلة في البورصة، فضلاً عن شراء المستثمرين الأفراد الذهب المادي بكميات كبيرة كمخزن للثروة.

من الأسباب المهمة أيضاً لزيادة الإقبال على الاستثمار في الذهب أن الملاذ الآمن الآخر الذي يلجأ إليه المستثمرون في حال اضطراب السوق ومخاوف المستقبل وهو الدولار الأميركي يعاني تراجع قيمته، فنتيجة لسياسات الإدارة الأميركية الجديدة يواصل الدولار التراجع في قيمته، إذ فقد في الشهر الأخير وحده ما يقارب نسبة 2.5 في المئة من قيمته.

وتواصل البنوك المركزية حول العالم منذ أزمة وباء كورونا، ثم بعد حرب أوكرانيا وفرض العقوبات على روسيا وتجميد أصولها في الخارج، شراء كميات كبيرة من الذهب لتنويع احتياطاتها.

نتيجة العقوبات على روسيا في بدايتها عام 2022 جرى تجميد نحو نصف احتياطات موسكو الأجنبية والبالغة أكثر من 600 مليار دولار، إلا أن الذهب قد يصعب تجميده ومصادرته مثل ما حدث مع الاحتياطات بالدولار أو العملات الأجنبية.

زيادة الطلب

تواصل زيادة الطلب على شراء الذهب في العامين الأخيرين بصورة غير مسبوقة أكثر مما حدث حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية السابقة.

في العام الماضي ذكر أكثر من تقرير أن احتياطات كثير من البنوك المركزية من الذهب تضاعفت تقريباً، بحسب تقديرات بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري في ورقة له الصيف الماضي اشترت البنوك المركزية حول العالم كميات غير مسبوقة من الذهب في الفترة من 2022 إلى 2023 وصلت إلى 1060 طناً من المعدن الثمين، مقارنة بشراء تلك البنوك 509 أطنان في الفترة من 2016 إلى 2019.

من بين البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى التي زادت احتياطاتها من الذهب كان بنك الشعب (المركزي) الصيني، إذ توقعت الصين أن تكون المستهدفة التالية المحتملة بعقوبات أميركية وغربية قد تشبه ما حدث مع روسيا منذ عام 2022 بسبب حرب أوكرانيا.

وذكر تقرير لمجلة "إيكونوميست" العام الماضي أن البنك المركزي الصيني زاد حصة الذهب في احتياطاته من نسبة 3.3 في المئة بنهاية عام 2021 إلى 4.3 في المئة، وفي مارس (آذار) 2024 وحده أضاف المركزي الصيني إلى احتياطاته 160 ألف أونصة من الذهب بقيمة 384 مليون دولار.

في مذكرة "بنك أوف أميركا" الأخيرة التي رفعت تقديرات سعر الذهب للعام ونصف العام المقبلين أشار محللو البنك إلى أن أسعار المعدن الثمين يمكن أن تتجاوز 3500 دولار للأونصة، إذا زادت مشتريات المستثمرين منه بنسبة 10 في المئة، وأضافت المذكرة، "يمكن أن يصل سعر الذهب إلى 3500 دولار للأونصة في خلال 18 شهراً المقبلة في حال زيادة المشتريات غير التجارية من المعدن بنسبة 10 في المئة".

مخاوف انهيار الأسعار

في حال انهيار الأسواق أو حدوث أزمة اقتصادية عالمية تؤدي إلى ركود اقتصادي أو ارتفاع كبير في معدلات التضخم تنخفض قيمة كل الأصول، وبحسب الحكمة التقليدية فإن هبوط الأسواق بقوة لن يوفر الذهب أيضاً، وإن كان الانخفاض في قيمة الذهب تاريخياً أقل من انخفاض قيمة بقية الأصول، وهذا ما يجعله ملاذاً آمناً ومخزناً للثروة.

لكن لأن الذهب ليس استثماراً يوفر عائداً، مثل أسهم الشركات الراسخة التي توزع أرباحاً دورية على حملتها أو سندات الدين التي تدر عائداً محدداً بنسبة معروفة، فإن هناك قطاعاً من المستثمرين لا يحبذ الاستثمار فيه، لذا يمكن أن تكون زيادة مشتريات المستثمرين المؤسساتيين من المعدن الثمين بنسبة 10 في المئة التي تحدثت عنها مذكرة "بنك أوف أميركا" تحدياً كبيراً، لكن في الوقت ذاته ليس بالأمر المستبعد.

اقرأ المزيد

في ظل هذا الغليان المتوقع في أسعار الذهب، مع تدهور قيمة الدولار واستمرار مخاوف الأسواق والمستثمرين من الحرب التجارية التي أشعلتها إدارة ترمب وتبعاتها على الاقتصادين الأميركي والعالمي، هناك من يتوقع انهياراً في أسعار الذهب، كما ذكرت مجلة "بيزنس إنسايدر" على موقعها.

تنقل المجلة عن المحلل في شركة "مورننغ ستار" البريطانية للتحليلات والاستشارات المالية جون ميلز توقعاته بأن يهوي سعر الذهب إلى نحو 1820 دولاراً للأونصة في غضون الأعوام الخمسة المقبلة، ويعني ذلك فقدان المعدن الثمين كل مكاسبه في العام الأخير وانهياراً في قيمته بنسبة 38 في المئة.

يحدد ميلز، وغيره من المحللين الذي لا يجارون موجة التفاؤل بسعر الذهب حالياً في السوق، عوامل عدة قد تضغط على سعر المعدن الثمين نحو الانخفاض، من تلك العوامل أن أسعار الذهب ربما تكون وصلت إلى ذروتها أو كادت تقريباً، مما يعني عودة منحنى الأسعار للهبوط.

ثم إن هناك احتمالاً أن تكون المخاوف في شأن مستقبل الاقتصاد مبالغاً فيها، بمعنى ألا تحدث أزمة عالمية نتيجة الحرب التجارية وتعود إدارة ترمب إلى الاعتدال في سياساتها بقدر ما، ومن ثم حتى لو تباطأ نمو الاقتصاد الأميركي فربما لا يصل إلى مرحلة الركود وهكذا سيتراجع الطلب على الذهب تدريجاً، مما يعني هدوء ارتفاع الأسعار أو انخفاضها.

أما السبب الأهم فيتعلق إلى جانب العرض في سوق الذهب، إذ يتوقع أن تزيد شركات المناجم وتعدين الذهب من إنتاجها ليس فقط لتلبية الطلب العالمي وإنما لتعظيم عائدات وأرباح تلك الشركات، فبحسب بيانات وأرقام مجلس الذهب العالمي زادت ربحية شركات المناجم والتعدين بقوة في الفترة الأخيرة، وفي الربع الرابع من عام 2024 كان هامش الربح لشركات استخراج الذهب عند 950 دولاراً للأونصة، وهو أعلى هامش ربح لتلك الشركات منذ عام 2012. وذكر المجلس أن إجمال الذهب المنتج في العالم بلغ العام الماضي 216265 طناً، بزيادة بنسبة تسعة في المئة خلال خمسة أعوام.

المزيد من أسهم وبورصة