ملخص
تواجه مخططات بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد أيال زامير استئناف القتال البري في غزة، معضلة رفض آلاف جنود الاحتياط الالتحاق.
التهديدات المستمرة والمتصاعدة من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش أيال زامير بتكثيف القتال في غزة وتنفيذ عملية برية وصولاً إلى احتلال القطاع، تواجه في داخل إسرائيل بجدار من المعارضة والعقبات أيضاً من قبل "منتدى عائلات الأسرى" ومجموعة واسعة من الأمنيين والعسكريين والسياسيين السابقين المنظمين في هيئات وجمعيات مختلفة، ويقودون نضالاً ضد سياسة الحكومة للضغط باتجاه وقف الحرب في غزة والتوصل إلى صفقة أسرى، أما العقبات فتأتي من عقر دار أيال زامير، أي من وحدات الاحتياط التي تلقت عشرات آلاف أوامر الوصول إلى معسكر الجيش للتدريب، والاستعداد لاستئناف الحرب في غزة، والمعروفة بالـ "أمر 8"، لكن آلافاً منهم ليس فقط يرفضون، بل إن مجموعات كبيرة من بينهم تشارك في الاحتجاجات الداعية إلى وقف الحرب وإعادة الأسرى، وهناك من يرفض العودة بسبب الأضرار النفسية والمالية والاجتماعية التي يواجهها بعد خدمته أكثر من 300 يوم في الأقل، وعاد من دون عمل أو بمشكلات نفسية وعائلية خطرة، وفق تقدير خبراء ومتخصصين.
وتجعل وضعية الاحتياط خطة رئيس الأركان بالعودة لغزة والقتال وصولاً إلى احتلال القطاع تصطدم بجدار من العقبات، وعائقاً كبيراً يتمثل في ظاهرة رفض الخدمة الآخذة بالاتساع من قبل ضباط وجنود الاحتياط، وهناك أيضاً ما سماه تقرير إسرائيلي "الرفض الرمادي" غير المرفق بإعلان دوافعه حول ما إذا كانت سياسية واحتجاجية ضد قرار الحكومة بالعودة للحرب، أم أنه رفض ناتج من موقف الحكومة في قضية عدم تجنيد الحريديين، أي عدم تقاسم العبء.
ويضيف التقرير الإسرائيلي أن "هناك وحدات احتياط لا تتجاوز نسبة الامتثال للخدمة فيها النصف تقريباً وهناك وحدات وألوية لا تبعث بالـ "أمر 8" للجنود الذين تعلم أنهم يرفضون الخدمة.
أما في بعض الوحدات المختارة فيخشون من عدم امتثال طاقم احتياط كامل، كون الدافع الأبرز هو الخوف المتزايد في أوساط جنود الاحتياط من أن استئناف الحرب سيعرض حياة الأسرى الباقين للخطر، ويضاف إلى ذلك الغضب بسبب استئناف الانقلاب النظامي وتشجيع تهرب الحريديين من الخدمة والمصادقة على موازنة كلها سرقة لمصلحة أشخاص انتهازيين"، كما جاء في التقرير.
وأُرفق التقرير بكلمات كتبها جندي احتياط رفض الخدمة والعودة لغزة، وقال فيها إن "جيش الاحتياط تآكل أكثر وهذا ليس صدفة، فالحكومة غير قادرة على الشرح لجمهور من يخدمونها ما هو هدف الحرب، ومن غير الغريب أن نسبة معتمري القبعات (الحريديم) أصبحت أعلى على خلفية نسبة التجنيد المنخفضة، وهذه بصراحة هي حربهم".
جيش بن غفير
"هذا الصباح انكسرت، التقيت بقائد السرب وأبلغته أنني أنهيت الخدمة"، وبهذه الكلمات أعلن الملّاح الحربي ألون غور عبر حسابه الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي قراره بعدم الاستمرار في الجيش بعد 16 عاماً من الخدمة، وكتب غور إن "الدولة تجاوزت حدود تحملها حين تخلت مجدداً عن مواطنيها عن وعي وفي وضح النهار حين طغت الحسابات السياسية على كل اعتبار، وحين فقدت حياة البشر قيمتها وحين بدأت الحكومة تصفي حماة القانون".
وغور طُرد من الجيش ولحق به المئات ممن أعلنوا رفضهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما آلاف الجنود الآخرين رفضوا بصمت.
وفي مقابل حديث غور خرج جنرال احتياط آساف أغمون الذي سبق وخدم كقائد وحدة في سلاح الجو وأوري عراد الذي سبق وخدم كملاح في السرب 201 برسالة لجنود الاحتياط، يحثونهم فيها على أخذ دورهم بمنع الحرب عبر رفض الخدمة، وأشادا بما قام به ألون غور وكتبا "الطيار الحربي ألون غور الذي أثبت الشجاعة بمئات الطلعات العملياتية، قام بعمل مدني شجاع عندما قرر عدم التطوع في الاحتياط، إن ما يمليه علينا ضميرنا لم يكن ليسمح لنا مواصلة القتال في حرب خادعة غير شرعية تماماً التي يرفرف علم أسود فوقها".
وهذه حرب غير شرعية لأنه بحسب جميع الاستطلاعات فإن الحكومة التي بات دعم الجمهور لها في حضيض غير مسبوق، تعمل بخلاف رغبة الغالبية الساحقة من الجمهور التي تفضل استكمال صفقة الأسرى على استئناف الحرب، ولأن الحكومة تخصص موارد كبيرة لقطاع الحريديين الذي يتهرب من الخدمة على حساب جنود الاحتياط الذين يئنون تحت العبء، وبسبب رفض الحكومة تشكيل لجنة تحقيق رسمية".
وأضاف أغمون وعراد أنه "على خلفية ذلك فإن معنى الاستمرار في التطوع، الخطوة التي تعني القيام بأكثر مما هو مطلوب منك كمواطن تلتزم بقوانين الدولة، هو أن تكون أداة في يد حكومة لا تعبر عن إرادة الشعب وتوسع إطار القتال في غزة لاعتبارات لا صلة لها بأمن الدولة، وهذا تعبير عن الاستعداد للامتثال للأوامر التي تخدم مصالح خاصة، والتي قد تؤدي إلى قتل الأسرى وقتل الجنود الإسرائيليين، عدا عن قتل كثير من الأشخاص غير المشاركين، بما في ذلك النساء والأطفال، وهذا عمل غير أخلاقي وغير قانوني بصورة واضحة، وهو يعتبر جريمة حرب بكل المقاييس".
وتوجه الاثنان إلى ضباط وجنود الاحتياط بالقول إن "الطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي وقف الحرب الخادعة وإعادة الأسرى والذهاب إلى الانتخابات، ويجدر أن يسهم المتطوعون للاحتياط بدورهم في المعركة المصيرية على روح إسرائيل، وأن يعملوا بصورة تمنع الكارثة، وبحسب رأينا يجب عدم التعاون مع الحرب التي هي في الوقت الحالي حرب خادعة يرفرف فوقها علم أسود".
واعتبرت جهات سياسية وعسكرية أن المرحلة الحالية في غاية الخطورة لانعكاسات وتداعيات سياسة الحكومة وقراراتها على نفسية ووضعية جنود الاحتياط، في ظل التهديدات المتصاعدة من قبل بنيامين نتنياهو ووزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش بالعودة لغزة وشن حرب والخطط التي تُطرح حول إعادة احتلال غزة،
وقال المتخصص في الشؤون العسكرية ران أدليست إنه في "هذه المرحلة الخطرة يجري كل جندي، في الاحتياط وحتى في الجيش النظامي، حساباً شخصياً في مسألة ما إذا كان مستعداً لأن يموت في جيش بن غفير ومن أجل أفكار اليمين المجنون".
وأشار أدليست إلى انعكاس تصريحات وتهديدات القيادة مثل تهديدات وزير الدفاع يسرائيل كاتس التي قال فيها إنه "إذا واصلت 'حماس' رفضها تحرير الأسرى فإنها ستفقد مزيداً من الأرض لإسرائيل". والفكرة التي رافقت النص المهدد هي أن يسيطر الجيش الإسرائيلي في مناطق داخل القطاع إلى أن ترضى "حماس" وتوافق على إعادة الأسرى وعندها ينسحب الجيش.
ويدور الحديث عن سخافة تتراوح بين حكم عسكري وحتى استيطان يشفي جراح فك الارتباط، وفي هذه الأثناء يتحول الجيش الإسرائيلي من جيش الدفاع في إسرائيل إلى جيش الهجوم بن غفير، ويوجد له هدف واضح وهو الدخول إلى القطاع من أجل الدفع قدماً هناك بالاستيطان في ظل تنفيذ تهجير داخلي من الشمال إلى الجنوب"، وفق أدليست.
الاحتجاج والرفض الصامت
ولم يخف الجيش قلقه إزاء ما ينشر من رسائل ودعوات متزايدة لرفض الخدمة، مشيراً إلى أن القلق الأكبر من توسع ظاهرة "الرفض الصامت" من قبل آلاف الجنود لأسباب صحية أو نفسية أو حتى سياسية من دون التعبير عن آرائهم، لكن مؤسسات وجمعيات تُعنى بشؤون الجنود أشارت إلى أن أكثر من 40 في المئة من الاحتياط الذين خدموا ما لا يقل عن 300 يوم في غزة فقدوا أماكن عملهم عند عودتهم لبيوتهم، ويواجهون وضعاً اقتصادياً خطراً ينعكس أيضاً على وضعهم الاجتماعي.
ونُقل عن ضابط في الاحتياط أن "الإرهاق النفسي والبدني هو عامل رئيس، إذ إن كثيراً من الجنود خدموا مئات الأيام خلال العام الماضي، وبات كثيرون منهم يفضلون شراء تذكرة سفر رخيصة فقط ليحصلوا على عذر رسمي يمنعهم من تلبية أوامر الاستدعاء".
وأضاف الضابط أن "القيادة العسكرية العليا لا تدرك حجم الضغط الذي يعيشه الجنود، وإذا استمر هذا التجاهل فإن الامتناع من الخدمة سيتوسع".
وتتفاقم أزمة الجيش مع إعلان عائلات جنود نظاميين رفضهم إرسال أبنائهم للخدمة من جديد في غزة، وفي تقرير للجيش هناك تقدير بأنه "في حال تصعيد القتال واستدعاء عدد كبير من الاحتياط فسيتلقى قادة الوحدات عشرات آلاف رسائل الرفض، من دون أن يكون للجيش أي حلول حقيقية".