ملخص
تؤكد الحكومة الجديدة في سوريا أن بناء المؤسسة العسكرية قادم لا محالة وأنها تسعى إلى دمج جميع المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش الوطني، وإلى إقامة "علاقة متوازنة مع الدول العربية والأجنبية".
في ظل تعقيدات المشهد الأمني والسياسي في سوريا الجديدة يبرز ملف المقاتلين الأجانب المنتظمين في صفوف عدد من الفصائل الموجودة اليوم على الأراضي السورية، كإحدى أهم وأكثر القضايا حساسية في البلاد، لا سيما بعد الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل في مارس (آذار) الماضي.
وعلى مدار 14 عاماً منذ بدء انطلاقة شرارة الثورة السورية حاز الملف اهتماماً كبيراً إقليمياً ودولياً وتصاعد هذا الاهتمام أكثر تزامناً مع إطلاق عملية ردع العدوان في الـ28 من نوفمبر من عام 2024، إذ ظهرت تساؤلات عدة عن بنية وانتماءات فصائل المعارضة التي قادت العملية من شمال غربي سوريا وصولاً إلى السيطرة على العاصمة دمشق وإطاحة نظام بشار الأسد.
كذلك ومع إصدار رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع بعد أيام قليلة من رحيل الأسد قراراً يقضي بحل الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، في خطوة أولى لإعادة تأسيسها وهيكلتها وفقاً لمعطيات المرحلة، علت الأصوات المطالبة بتفسيرات واضحة حول مستقبل المقاتلين الأجانب وكيفية التعامل معهم، وسط مخاوف من قدرة الإدارة السورية الجديدة على ضبطهم، ومدى قابليتهم للانصياع إلى أوامرها، وما يتطلبه ذلك من تخليهم عن "الأيديولوجيا الجهادية" التي يعتنقونها.
ولعل السؤال الأبرز هنا ما أهم القرارات والتصريحات التي صدرت عن الحكومة السورية الجديدة حول هؤلاء المقاتلين الأجانب؟ وبداية، يجدر التنويه إلى أن الباحث في هذا الملف، ستواجهه أولاً، حقيقة عدم وجود خطاب رسمي ومباشر وواضح تطرق للقضية، وثانياً عدم وجود جهة إعلامية حكومية رسمية تفيده بالتوثيق.
تعيين مقاتلين أجانب في الجيش السوري
في الـ29 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وفي إطار "عملية تطوير وتحديث الجيش والقوات المسلحة السورية، وبناء الأطر الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار" نشرت القيادة العامة الجديدة عبر حسابها على "تيليغرام" قائمة تضم عشرات أسماء الضباط الذين جرى ترفيعهم.
من بين الترفيعات رُفع ضابطان إلى رتبة لواء أحدهما وزير الدفاع الحالي مرهف أبو قصرة، فيما تم ترفيع 5 ضباط آخرين إلى رتبة عميد، والبقية إلى رتبة عقيد.
أثارت قائمة الترفيعات جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية، إذ تضمنت أسماء ستة "جهاديين أجانب" بينهم ألباني وأردني وطاجيكي وآخر من الإيغور ينتمي إلى الحزب الإسلامي التركستاني، وتركي كان "قائد لواء" في "هيئة تحرير الشام".
وقد جاء في المرسوم المنشور أن القرار اتخذ بناءً على مقتضيات العمل العسكري وتحقيقاً لأعلى معايير الكفاءة والتنظيم، ومن أجل تعزيز الثقة بقدرات الجيش العربي السوري بكل فئاته ومرتباته.
يجب مكافأة المقاتلين الأجانب
تناقلت وسائل إعلام عدة ما قيل إنه تصريحات لرئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في مؤتمر صحافي انعقد في مقر رئاسة مجلس الوزراء بدمشق أوضح فيها أن الجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع هي التي أدت إلى "الاعتماد على مقاتلين أجانب". وأشار الشرع في تصريحاته إلى أن هؤلاء المقاتلين يستحقون "المكافأة" على مساندتهم الشعب السوري، إذ إنهم أسهموا في إسقاط الأسد، ولمح إلى إمكان منحهم الجنسية السورية في المستقبل.
وبناءً على السبب المذكور بين أن الإدارة السورية تسعى إلى دمجهم في الجيش الوطني للبلاد، وأن هناك خططاً لإخراجهم من الفصائل المستقلة ووضعهم تحت قيادة موحدة، وهم لا يشكلون خطراً على الدول الأخرى، مؤكداً أنه ستتم معالجة أوضاعهم وتسويتها وفقاً للقانون.
من جهته أشار وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في لقائه مع وكالة الصحافة الفرنسية بعد 10 أيام من سقوط النظام السوري إلى أن بناء المؤسسة العسكرية في البلاد قادم لا محالة، وتحت جناحها ستنضوي كل الفصائل المعارضة بما في ذلك جناح "هيئة تحرير الشام" العسكري. وقال إن الإدارة الجديدة تطمح إلى بلوغ مرحلة لا يتم خلالها التكلم ضمن مبدأ "الفصائلية" التي كانت وسيلة لتحقيق غاية التحرير.
وفي تصريح آخر نسبته له وسائل الإعلام قال أبو قصرة إن أعداد "المقاتلين الأجانب" قليلة وهم ملتزمون السياسة العامة للبلاد، مؤكداً أن سوريا لن تشكل خطراً على أي دولة، إذ إن الحكومة السورية تسعى إلى "علاقة متوازنة مع الدول العربية والأجنبية".
"مقاتلون أجانب" إلى جانب أطراف أخرى
في يناير الماضي أجرى رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع مقابلة تلفزيونية على قناة "a-haber"، هي الأولى على وسيلة إعلام تركية، قال خلالها بصفته القائد العام للإدارة السورية الجديدة، آنذاك، إن الإدارة لن تقبل بوجود أي مجموعات مسلحة خارج سيطرة الدولة، مؤكداً عدم قبوله بوجود "مجموعات المقاتلين الأجانب" في سوريا.
في تصريحه مع القناة التركية كان من الواضح أن الشرع رافض لأي "جماعات أجنبية مسلحة" على الأراضي السورية، لكن تجدر الإشارة في الوقت نفسه أن التصريح جاء في إطار حديثه عن عدم سماح إدارته لوحدات حماية الشعب الكردية، وهي المكون الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية، بأن يكون لها أي جماعات مسلحة خارج سيطرة الدولة أو أن يكون لها "مجموعات من المقاتلين الأجانب" في سوريا.
من جانب آخر نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن المدير العام للشؤون المدنية عبدالله عبدالله تصريحاته بأن الإدارة السورية الجديدة ستبدأ قريباً إجراءات إلغاء الجنسية التي منحها رئيس النظام المخلوع بشار الأسد لمقاتلين عرب وأجانب شاركوه في حربه ضد السوريين خلال السنوات الـ14 الأخيرة.
وأوضح عبدالله أن القرار يستهدف فقط من حصلوا على الجنسية لأسباب سياسية أو عسكرية، ويستثني من اكتسبها وفقاً لحالات مثل الزواج من سوريين، وأن إجراءات إلغاء الجنسيات ستتم فور اكتمال تجهيز الشبكة.
أما فيما يخص أعداد أولئك المقاتلين المجنسين خلال الحرب فلم يستطع عبدالله أن يعطي رقماً دقيقاً بسبب الأضرار التي لحقت بأنظمة السجل المدني، مشيراً إلى أن معظم المقاتلين الأجانب الذين حصلوا على الجنسية السورية فروا من البلاد بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024، مرجحاً توجههم إلى العراق.