سأقول لمن في ذمته قرض عقاري كبير شيئا غير متوقع: إن ارتفاع أسعار البيوت بصورة فعلية خلال السنة الماضية هو أمر رائع.
فالبيانات الرسمية الأخيرة تُظهر أن معدل سعر البيت في المملكة المتحدة ارتفع خلال شهر يوليو(تموز) الماضي بقدر ضئيل هو 0.7% مقارنة بشهر يوليو 2018. حيث شهد التضخم في أسعار البيوت هبوطا ملموسا منذ عام 2016. ويبدو أن ازديادا أقلّ في الأسعار هو القاعدة الجديدة على المدى البعيد. فخلال العقود التي أعقبت الركود الاقتصادي الأخير، ارتفعت أسعار البيوت بشكل أبطأ بكثير مما كانت عليه في السنوات العشر السابقة لهذا الكساد.
أشعر بالقلق من أن تكون أسعار البيوت تتناقص، كما هو الأمر سلفاً في لندن، خصوصا إذا كان سيحصل هبوط حاد بالتوازي مع الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق ويعزّز احتمال انخفاض أسعارها لتصل إلى أقل من قيمة القرض العقاري، وتبلغ حالة الرصيد السلبي بالنسبة لأصحابها. ألن يكون أمرا جيدا إذا عادت سوق العقارات إلى أيامها الخوالي قبل أن يصبح "الرهن" تعبيرا شائعا؟ سيكون بإمكاني مراقبة قيمة بيتنا ترتفع بشكل مريح، وأنا سعيدة لعلمي بأن إعادة تجديد القرض العقاري أمر سهل جدا، وأننا في يوم ما، حين نبيع أنا وزوجي بيتنا سيبقى في أيدينا مبلغ ضخم.
غير أني بالطبع أعرف أن النمو الجنوني الذي يسبق الركود الاقتصادي الأخير في الأسعار يضع إمكانية شراء البيوت مستحيلة بالنسبة للكثير من الناس وعلينا ألا نأمل بعودته. فبعد مرور عقد عليه لاتزال آثاره ملموسة، واستناداً إلى التدابير المتخذة، تراجعت القدرة على شراء البيوت إلى مستوى غير مسبوق تاريخياً.
لدى مقارنة أسعار البيوت في إنجلترا وويلز بمعدل المداخيل، على سبيل المثال، نجد أنها أصبحت أغلى من أي وقت آخر منذ بدء السجلات الرسمية. وهذا صحيح، فالقدرة على شرائها أصبح أقل مما كانت عليه حين كنا في أوج الطفرة العقارية عام 2007. وسيمضي وقت طويل من الكساد في الأسعار قبل إحداث تغيير في ذلك.
لذلك، فإنه على الأقل بالنسبة للبلد لا للفرد، لماذا يريد أي شخص أن ترتفع الأسعار عن المستوى العالي الذي وصلته حالياً مما يجعل شراء بيت خاص حلماً بعيد المنال بالنسبة لملايين الناس الذين يسكنون بالأجرة؟ قد يقول قائل إنه ليس من الخطأ استئجار مسكن، لكني لا أتفق مع هذا الرأي، ففي بريطانيا لا يتمتع المستأجرون بحماية كافية مثلما هو الحال في القارة الأوروبية، وهذا أمر شهدته شخصيا وتحملته لعشر سنوات مع وكلاء عقارات مريبين، وأصحاب بيوت مهملين وبعض زملاء السكن الصعبين.
يمكن القول إن شراء بيت حين تكون أسعار العقارات مرتفعة، حتى لو كانت معدلات الفائدة منخفضة، يعني أن أصحاب البيوت ينفقون جزءاً أكبر من مداخيلهم على أقساط القرض العقاري الشهرية. وهذا له تأثير مباشر على معايير أحوالنا المعيشية، مثلما برهنت "مؤسسة ريزوليوشن" في تقرير نشرته بعد الاستفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016. إذ أظهر التقرير أنه إذا كانت هناك أسرة ذات دخلين مع طفل واحد تدفع على تكاليف السكن عام 2016، النسبة نفسها التي تدفعها أسرة مماثلة في أوائل تسعينيات من القرن الماضي، فإنها ستوفر 1,400 جنيه استرليني سنويا. والخسارة مكافئة لزيادة قدرها 9% في معدل ضريبة الدخل خلال تلك الفترة.
وجاء في التقرير أنه "إذا أنفقت الأُسَر حصة متزايدة من دخلها على السكن خلال فترة نمو المداخيل وانخفاض معدلات الفائدة، فهذا يعني أن هناك خطأً جسيماً في جانب ما".
إضافة إلى ذلك، فإن الضغوط على الميزانيات الشهرية، وتكاليف القرض العقاري العالية يؤديان إلى إبقاء مداخيل أصحاب البيوت في حدها الأدنى، وهذا ما يجعل من الصعب عليهم تغيير العمل والقبول براتب أقل لكن بظروف عمل أفضل، فقد لا تتطلب الوظيفة الجديدة السفر الطويل يومياً إلى مقر العمل، أو أنها تتناسب أكثر مع الخبرات التي يتمتع بها الشخص.
التكاليف ليست شخصية محض. وإذا كان العمال لا يوظفون كل خبراتهم، فإن الاقتصاد يخسر جرّاء ذلك. وبالمثل، فإن النمو الاقتصادي قد يعاني إذا تمايزت أسعار البيوت حسب المناطق بشكل كبير، كما هو الحال اليوم في المملكة المتحدة. هذه الفروق الكبيرة في الأسعار لا تشجع الناس على الانتقال إلى منطقة أغلى من أجل العمل، وذلك يعني أن أصحاب العمل يفوتون على أنفسهم تحسين الإنتاجية الناجمة عن تشغيل عمال يتمتعون بخبرات وتجارب محددة.
كذلك، فإن ارتفاع أسعار البيوت يعمق عدم المساواة بين الأجيال وضمن جيل واحد أيضا، إذ أن ثروة الشخص تتقرر، وبشكل متزايد، بالتحديد الاعتباطي لتوقيت شراء بيته. في هذه الأثناء، يكون أولئك الميسورون بما فيه الكفاية لدخول سوق العقارات وكسب الكثير من المال من خلال بيع بيوتهم لاحقا فقط.
ألم يكن ارتفاع أسعار البيوت مفيداً للاقتصاد بجعله مالكيها يشعرون أنهم أغنى ويشجعهم على إنفاق المزيد؟ هذا ليس صحيحا تماما
لكن، لنتريث قليلاً، ألا يفيد ارتفاع أسعار البيوت الاقتصاد لأنه يجعل أصحابها يشعرون بأنهم أثرياء فيشجعهم على الإنفاق أكثر؟ إنها ليست حجة غير شائعة. إلا أن بنك إنجلترا درس هذه الحالة التي تسمى تأثير الثروة فاستنتج أنها ليس حقا موجودة. فالعوامل نفسها تؤثر في أسعار البيوت والاستهلاك معاً، كما يتضح مثلاً في حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسر حول المستقبل.
وبهذا المعنى، فإن سوق عقارات لا يضج بالحركة يؤشر إلى تباطؤ وشيك في إنفاق المستهلك، وهذا خبر سيئ لاقتصاد يعتمد بشكل كبير على المستهلكين مثلما هو الحال في بريطانيا.
غير أنه على مدى فترة أطول، سيعني تغير السرعة في تنامي أسعار البيوت بأننا سنعامل بيوتنا كمكان آمن ومريح للعيش فيه بدلا من اعتباره مخططا لتحقيق ثراء سريع.
© The Independent