ملخص
فرض ترمب تعريفات جمركية جديدة تحت شعار "يوم التحرير" يهدد الاقتصاد الأميركي والعالمي، إذ أدى إلى تراجع الدولار، وسينعكس في زيادة الأعباء على المستهلكين والشركات، بينما تتأهب الدول المستهدفة للرد.
يسميه دونالد ترمب "يوم التحرير". أما أنحاء الكوكب كله، فمستغرقة في التفكير وتتساءل عن مآل أكثر سياسة تجارية مدمرة تبنتها الولايات المتحدة في تاريخها - وما حجم الأضرار التي ستلحقها بالاقتصاد العالمي.
لم يكن هذا الاقتصاد بأفضل أحواله أساساً قبل أن يأتي الرئيس الأميركي ليثبت بأنه يقرن الأقوال بالأفعال، إذ إنه لم يتعافَ كلياً بعد من الصدمات المتتالية التي عاشها خلال السنوات الماضية. منذ البداية، بدت ولاية ترمب الرئاسية الثانية مختلفة. أكثر تنظيماً. ومليئة بالأنصار الأوفياء الذين لن يحاولوا إحباط سعي الرئيس وراء غرائزه المدمرة، على غرار ما فعلته شخصيات مخضرمة ومعروفة في الحزب الجمهوري في إدارته السابقة.
ويبدو أنه قد سلح نفسه بخطة يمتلك كل الوسائل التي يحتاج إليها لتنفيذها، لكن في مسألة التجارة - والاقتصاد وتقليص التضخم أيضاً، بما أن الشيء بالشيء يذكر - كشف ترمب عن تذبذب وفوضوية لا تختلف بشيء عن ولايته السابقة. فها هو ينتقل من مد إلى جزر ومن لف دوران. جاءت أولاً التهديدات التي تبعتها اتفاقيات، فمزيد من التهديدات التي أدت إما إلى محاولات التفاوض أو فرض تعريفات جمركية متبادلة. وقد تبنت كندا والمكسيك الخيار الأخير، ولا شك في أن الصين والاتحاد الأوروبي سيلحقان بهما.
ليس من الواضح بعد كيف سيسير "التحرير" هذا وما الشكل الذي سيتخذه. هل تستقر هذه التعريفات الجمركية على نسبة 25 في المئة المفضلة عند ترمب؟ وهل تضاف إلى الضرائب المفروضة أصلاً؟ كيف سيتكيف المسؤولون عن تسلم الرسوم في موانئ أميركا ومعابرها الحدودية؟ من يدري ومن يجرؤ على السؤال؟ ستكون الفوضى التي يحتمل أن تنتج من كل هذا مخففة في البداية بسبب التدابير الحمائية التي تتخذها الجهات التي تطاولها التغييرات. وفيما نظر البعض- ولا سيما في وول ستريت - بتفاؤل مفرط إلى فوزه، تبنى المستوردون في الولايات المتحدة موقفاً أقوى واتخذوا خطوات عدة تحضيراً للأسوأ.
فقد كثفوا نشاطهم، وهو ما ينعكس بوضوح في الأرقام، إذ أدت محاولة ترمب تقليص العجز التجاري الأميركي إلى تسجيله ارتفاعاً قياسياً هو 131.4 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) 2025، بعدما كان 98 ملياراً في ديسمبر (كانون الأول) 2024. ويا لسخرية القدر الموجعة. سيتغير هذا الوضع مع الوقت بالطبع، ومن المؤكد أن ترمب سيستغل تراجع العجز حينها ليزعم بأن سياسته تؤتي ثمارها، لكن قنبلته الذرية التجارية ستنشر غبارها النووي على الولايات المتحدة كما باقي العالم، وليس فقط من طريق إرغام المستهلكين الأميركيين على دفع ثمن أعلى لقاء السلع التي يبتاعونها أو عبر زيادة الكلف التي تتكبدها شركات أميركية تشتري موادها الخام من الخارج.
راقبوا الدولار، فقد تراجع أساساً أمام الجنيه الاسترليني واليورو والين، ليخسر جميع المكاسب التي حققها خلال نشوة وول ستريت عقب الانتخابات الرئاسية. يبلغ الدين الوطني الأميركي أكثر من 36 تريليون دولار، ومن هذا المبلغ، يجب على أميركا إعادة تمويل 9 تريليونات دولار هذا العام. من المرجح أن يضطر دافعو الضرائب الأميركيون إلى دفع معدل فائدة أعلى من المتوسط البالغ 2.8 في المئة على هذه السندات قبل أن تؤثر معدلات التضخم وارتفاع الفائدة المحتمل على الوضع. ولا يعد ضعف الدولار عاملاً مساعداً في هذا الوضع.
من جهة أخرى تعتمد أميركا أيضاً على المستثمرين الأجانب والشركات الأجنبية لشراء بضائعها. كما أنها تستفيد من كون الدولار هو عملة الاحتياط العالمي. تمتلك الصين وحدها نحو تريليون دولار من الأصول الأميركية، وقد يصبح الوضع بالغ التعقيد في حال قرر شركاء أميركا التصعيد في نوبة غضب. فالدول الآسيوية تدرس بالفعل رداً مشتركاً.
ذهب البعض إلى التذكير بقانون سموت - هاولي الذي صدر عام 1930 لرفع الرسوم الجمركية، وكانت المرة الأخيرة التي لعبت فيها الولايات المتحدة لعبة الرسوم. وعندها، كما اليوم، كان الهدف من القانون حماية المزارعين والشركات في الولايات المتحدة من منافسة السلع الخارجية. لكن تأثيره الحقيقي تمثل في تفاقم تبعات الكساد الاقتصادي الكبير داخل الولايات المتحدة وحول العالم. نعم، يمكن أن يصل الوضع إلى هذه الدرجة من السوء في حال تصاعده. ونحن في حاجة إلى عقول متزنة وواعية لمواجهة هذا الوضع، إذ لا ضير من التذكير بأن الكل خاسر في هذا النوع من الحروب.
وكما قال رونالد ريغان "علينا التيقظ من الديماغوجيين المستعدين لشن حرب تجارية على أصدقائنا، وإضعاف اقتصادنا وأمننا القومي والعالم الحر برمته". صح لسانه. لا يكن العالم احتراماً عميقاً لريغان كما هو الحال في بعض مناطق الولايات المتحدة، لكنني لن أتفاجأ إن تغير هذا الوضع.
© The Independent