ملخص
في أروقة مقر حلف الـ"ناتو" داخل العاصمة البلجيكية يتجلى اتجاهان رئيسان في شأن السياسات الأميركية تجاه الحلفاء ومدى التزام واشنطن بمبادئ وقيم الحلف تحت حكم الرئيس دونالد ترمب، وذلك في ظل طرح الأخير شكوكاً على مدار الأشهر الماضية حول ما إذا كانت بلاده ستدافع عن حلفاء الـ"ناتو"، "إذا لم يدفعوا"، ووصلت المخاوف إلى حد احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من الحلف. وما زاد من تعقيد الأمور كان توقيع الرئيس ترمب الأخير أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جمركية، مما أثار موجة من الصدمة في مختلف أنحاء العالم.
على رغم ما جاء في حديث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال أول حضور له لاجتماعات وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) المنعقدة في العاصمة البلجيكية، من محاولات لتطمين الحلفاء في شأن مدى التزام بلاده تجاه الحلف والتنديد بما سماه "الهستيريا" غير المبررة حول موقف واشنطن من الـ"ناتو"، فإن المخاوف والشكوك لا تزال قائمة وفق ما رصدته "اندبندنت عربية" خلف الكواليس، وذلك "في وقت حرج للأمن المشترك، إذ تواجه الدول الأعضاء تحديات تفوق قدرة أية دولة على التعامل معها بمفردها"، بحسب تعبير الأمين العام للحلف مارك روته.
ومثَّل حضور روبيو أول فرصة للتشاور الجماعي بينه ونظرائه في الحلف، غير أن توقيت اللقاء تزامن مع تحولات جذرية شهدتها ولا تزال العلاقات الأميركية مع حلفائها الغربيين، تجلت في صور متعددة بدءاً من تهديد الرئيس دونالد ترمب بالاستحواذ على إقليم غرينلاند التابع لسيادة الدنمارك، وتلويحه بضم كندا لبلاده لتكون الولاية الـ51، في سابقة "غير معهودة" بين دول حلفاء تحت مظلة الـ"ناتو"، فضلاً عن سياسته في التعاطي مع الحرب الروسية-الأوكرانية وما بدا أنه تقارب أميركي تجاه موسكو، وأخيراً فرضه رسوماً جمركية على نحو 60 بلداً في العالم شملت دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا، في إطار ما وصفه ترمب بـ"يوم التحرير وولادة الصناعة الأميركية من جديد".
ولدى استقباله من قبل الأمين العام لحلف الـ"ناتو" مارك روته قال وزير الخارجية الأميركي إن "الولايات المتحدة نشطة في حلف شمال الأطلسي كما لم تكن يوماً. وجزء من الهستيريا والمبالغة التي أراها في وسائل الإعلام العالمية وفي بعض وسائل الإعلام المحلية داخل الولايات المتحدة حول الـ"ناتو" غير مبرر"، مؤكداً أن بلاده ستبقى في الحلف. ودعا كذلك دول الـ"ناتو" إلى التزام زيادة إنفاقها الدفاعي إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليبقى السؤال حول مدى إمكانية تحقيق ذلك بالنسبة إلى الدول الأعضاء على المدى المنظور، وكيف ستتعاطي معه إدارة الرئيس دونالد ترمب.
"واشنطن لا غنى عنها"
في أروقة مقر حلف الـ"ناتو" داخل العاصمة البلجيكية يتجلى اتجاهان رئيسان في شأن السياسات الأميركية تجاه الحلفاء ومدى التزام واشنطن بمبادئ وقيم الحلف تحت حكم الرئيس دونالد ترمب، وذلك في ظل طرح الأخير شكوكاً على مدار الأشهر الماضية حول ما إذا كانت بلاده ستدافع عن حلفاء الـ"ناتو"، "إذا لم يدفعوا"، ووصلت المخاوف إلى حد احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من الحلف. وما زاد من تعقيد الأمور كان توقيع الرئيس ترمب الأخير أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جمركية، مما أثار موجة من الصدمة في مختلف أنحاء العالم.
وعلى مستوى حلف شمال الأطلسي ذاته، تؤكد المصادر التي تحدثت إلينا على هامش اجتماعات وزراء خارجية دول الـ"ناتو" إن "واشنطن حتى اللحظة لا تزال نشطة وفاعلة بالقدر ذاته، وأنه لا شيء تغير حتى الآن على رغم تواتر بعض التصريحات والأحاديث الإعلامية القادمة من واشنطن في ما يتعلق باحتمالات تغير النهج الأميركي تجاه الـ’ناتو‘"، مشيرة إلى أن التزام واشنطن بالحلف حتى الآن "نشط وفاعل وبناء".
وبحسب مصدر رفيع المستوى من الحلف تحدث لـ"اندبندنت عربية"، فإن "الولايات المتحدة الأميركية واضحة جداً في هذا الشأن، بدءاً من الرئيس ترمب ووزير دفاعه بيت هيغسيث ووزير خارجيته ماركو روبيو، وحتى مستشاره للأمن القومي مايك والتز، وفي عدد من المناسبات تكون الرسالة هي الالتزام الكامل تجاه الحلف ومادته الخامسة"، موضحاً "أنت تسمع وتقرأ وأنا أسمع وأقرأ كثيراً من الأمور، لكن عليَّ أن أبلغك أن كثيراً منها لا يعبر بالضرورة عن الموقف الأميركي". وتابع المصدر رفيع المستوى "وكما أقول دوماً حين سؤالي حول هذا الأمر، علينا تنحية مثل تلك الأقوال جانباً من دون التركيز عليها".
ووفق المصدر ذاته "إذا كانت الرسالة القادمة من الرئيس ترمب ذاته تؤكد الالتزام بأهداف وقيم حلف الـ"ناتو" ومادته الخامسة... لماذا إذاً نلتفت وننظر إلى أحاديث أو كلام متفرق من أشخاص مجهولي الهوية في أية صحيفة كانت، لا سيما حين تكون غير ما نسمعه نحن من أصدقائنا الأميركيين". وأضاف "كما قلت في السابق، نحن في الوقت الحالي نحتاج للنظر إلى الأمور اليقينية وأن نكون يقظين ونتجنب كثيراً من الضوضاء"، مؤكداً أن ما يسمعه من "الأصدقاء الأميركيين خلال الاجتماعات رسائل إيجابية وبناءة".
وفي الاتجاه ذاته ذكر مصدر آخر من الـ"ناتو" في حديثه إلينا أن "الولايات المتحدة لا تزال تتعامل مع الحلف على أنها دولة قائدة له ومهمة في شأن استمراره وبقائه، فضلاً عن أن الـ"ناتو" يبقى تحالفاً استراتيجيا بالنسبة لها"، موضحاً "ما يثار حول هذا الأمر غير ما هو موجود على أرض الواقع... هناك دوماً رسائل أميركية خلال الاجتماعات رفيعة المستوى حول الـ"ناتو" تؤكد محورية وأهمية الحلف بالنسبة إلى واشنطن"، وتابع "حضور كبار مسؤولي الإدارة الأميركية سواء بالنسبة لوزير الدفاع بيت هيغسيث الذي حضر اجتماعات الحلف في بروكسل خلال فبراير (شباط) الماضي، والآن وزير الخارجية ماركو روبيو، تعكس شارة سياسية مهمة بأن الحلف على قائمة الأولويات للولايات المتحدة الأميركية"، مشيراً كذلك إلى "النتائج الإيجابية والبناءة للزيارة التي أجراها الأمين العام للحلف خلال مارس (آذار) الماضي، إلى العاصمة الأميركية واشنطن ولقائه الرئيس ترمب خلالها".
وأوضح المصدر نفسه "لا يزال حلف الـ’ناتو‘ مهماً بالنسبة إلى واشنطن، وهذا الأمر تؤكده باستمرار البيانات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض أو المؤسسات الأميركية"، وتابع "لا شيء تغير حتى الآن على صعيد العلاقات الأميركية مع الـ"ناتو"، توجد واشنطن بكثافة في كل فعاليات الحلف"، مشدداً على أن "هناك كثيراً من الفوضى تعم العالم ولا يزال الـ’ناتو‘ قادر على تأكيد نجاح العمل الجماعي، وأن لا دولة يمكنها أن تعمل بمفردها".
دبلوماسي ثالث في الحلف، ذكر لنا في تصريحات صحافية طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الولايات المتحدة لا تزال تؤدي دوراً لا غنى عنه لتوفير ردع ذي صدقية".
وخلال فبراير الماضي، حضر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث للمرة الأولى اجتماعات الـ"ناتو" في بروكسل، وبعدها بأسابيع زار روته الأمين العام للحلف العاصمة الأميركية واشنطن، وذلك قبل أن يحضر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اجتماعات وزراء الخارجية الحالية في العاصمة البلجيكية.
وفي ختام اجتماعات الحلف، أكد الأمين العام للـ"ناتو" أن الدول الأعضاء في المنظمة الأمنية تلقوا رسالة واضحة من وزير الخارجية الأميركي مايك روبيو في شأن التزام واشنطن بالحلف، إضافة إلى توقع واشنطن بأن تتحمل أوروبا وكندا مزيداً من المسؤولية عن الأمن المشترك، وأن تستمر في زيادة الإنفاق الدفاعي. موضحاً "الإجماع الذي خرجنا به من هذه المناقشات خلال اليومين الماضيين هو أنه مع ازدياد خطورة العالم، فإننا نحتاج إلى الـ’ناتو‘ أكثر من أي وقت مضى. نحن متحدون في التزامنا تجاه بعضنا بعضاً في هذا الحلف".
الحدث ذاته كرره روته على مدار يومي أول من أمس الأربعاء وأمس الخميس، إذ شدد عشية اجتماعات وزراء الخارجية للحلف على أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة تجاه الـ"ناتو"، قائلاً "أنا على قناعة تامة بأن هذا الحلف سيبقى مع الولايات المتحدة. التزامهم (الأميركيين) واضح تماماً"، إلا أنه عاد وذكر أنه يدرك "أنه جرى اعتماد لغة قاسية. أعرف أن بعض الحلفاء على هذه الجهة (في أوروبا) قلقون في شأن الالتزام الطويل الأمد للولايات المتحدة"، متابعاً "الأميركيون قالوا مراراً وتكراراً نحن ملتزمون بالـ’ناتو‘ والبند الخامس" من شرعة الحلف الذي يتحدث عن الدفاع المشترك في حال تعرض أحد الأعضاء لهجوم من طرف خارجي، ثم عاد وأكد أمس أن الولايات المتحدة لا تخطط للانسحاب "فجأة" من القارة الأوروبية، وأنها تظل ملتزمة بصورة كاملة بالحلف الأطلسي.
وتظل الولايات المتحدة التي تنفق على الدفاع أكثر من جميع حلفاء الـ"ناتو" مجتمعين لاعباً لا غنى عنه لأمن أوروبا، فإضافة إلى ردعها النووي الذي يكرس لحماية أوروبا من خلال حمل عدة قوات جوية أوروبية للأسلحة النووية الأميركية، توفر الولايات المتحدة قدرات عسكرية لا تمتلكها الدول الحليفة في القارة، كما تدير قواعد جوية وبحرية وقوات برية ولديها 80 ألف جندي متمركزون في أوروبا.
إذاً لم الاختلاف والقلق؟
بخلاف الأحاديث الرسمية وتبادل الصور والابتسامات المتبادلة، تشهد أروقة الـ"ناتو" الذي مر على تأسيسه 76 عاماً ما يشي بأن هناك مخاوف متنامية حول مستقبل الحضور الأميركي داخل الحلف العسكري الأقدم في العالم، وعلى رغم الهدوء الموقت الذي أعقب تصريحات روبيو بعد وصوله، عادت المخاوف إلى حدتها مع إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً لوزير الخارجية الأميركي في نهاية اجتماعات وزراء خارجية دول الحلف اليوم الجمعة، من دون ذكر أسباب ذلك.
ويبني هذا الاتجاه مخاوفه على السياسات غير المعهودة التي اتبعها ترمب وأركان إدارته تجاه الحلفاء التقليديين لواشنطن خلال الأشهر الماضية، إذ عزز هجوم الرئيس الأميركي منذ أكثر من شهرين على كندا ودعوته إلى ضمها لتصبح الولاية الأميركية الـ51، إضافة إلى مطالبته الدنمارك بالسيطرة على منطقة شاسعة تابعة لها هي غرينلاند، وتقاربه مع موسكو والضغط على أوكرانيا.
إلى جانب ذلك، كانت الرسائل المباشرة من الإدارة الأميركية حول "مطالبة الأوروبيين الإسهام بصورة أكبر للدفاع عن أنفسهم"، وإنهاء "حال استغلال الولايات المتحدة"، كما جاء على لسان نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس خلال حضوره مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير الماضي، حين قال لقادة أوروبا إنه يتعين عليهم "اتخاذ خطوات كبيرة لتوفير دفاعهم الخاص"، كما عدَّ أن التهديد الأكبر لأمنهم "يأتي من الداخل"، وهو المسؤول الذي يصف الأوروبيين بأنهم "استغلاليون" ويتهمهم بعدم دفع الإسهامات المستحقة عليهم في الحلف، وأنهم يعتمدون بصورة "مفرطة" على واشنطن في الدفاع عنهم.
وظهر هذا الموقف بوضوح بعد الكشف عن "تسريبات سيجنال" بين مسؤولين كبار في إدارة ترمب الشهر الماضي، تضمنت من طريق الخطأ الصحافي جيفري جولدبرج رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتك" الذي كشف عن أنه وخلال المحادثة، التي تناولت العمليات الأميركية لقصف اليمن، شكا نائب الرئيس فانس من أن أميركا ستتدخل مرة أخرى لإنقاذ أوروبا، من خلال القيام بضربات تهدف إلى تأمين الملاحة في البحر الأحمر، ورد عليه وزير الدفاع بيت هيغسيث قائلاً "أنا أشاركك تماماً كراهيتك لاستفادة أوروبا المجانية منا. إنه أمر مثير للشفقة".
وفي تفسير ما يبدو أنه تناقض بين الرسائل الأميركية في شأن التعاطي مع الحلفاء في الـ"ناتو"، تحدث إلينا بصورة مقتضبة أحد دبلوماسيي الوفود الأوروبية المشاركة في اجتماعات الـ"ناتو" قائلاً "لا شك أن هناك كثيراً من القلق من السلوك الأميركي غير المعتاد تجاه الحلفاء، وأن اتساع فجوة الخلاف لا سيما في القضايا الأمنية والسياسية ذات التأثير المباشر في الدول الأوروبية ينذر بتداعيات غير مناسبة".
ويتخوف الأوروبيون بصورة كبيرة من التقارب الأميركي الروسي على حساب مصالحهم، إذ يخشون أن تدفع الولايات المتحدة أوكرانيا لإبرام اتفاق مع موسكو من دون مراعاة المصالح الأمنية للقارة.
وخلال الفترة الأخيرة نشأ ما يسمي "تحالف الراغبين" الذي جمع البلدان التي تريد الإسهام في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، بما في ذلك من خلال نشر قوات برية، وترأس فرنسا وبريطانيا هذه المجموعة التي من المقرر أن تجتمع الأسبوع المقبل داخل بروكسل على مستوى وزراء الدفاع. ويهدف التحالف بصورة رئيسة إلى ما سماه "ردع العدوان الروسي على أوكرانيا" وبناء سلام مستدام داخل المنطقة، في حين رفضت روسيا المبادرة معتبرة أنها ستطيل أمد الحرب بدلاً من تحقيق السلام بين البلدين.
وعما إذا كانت تصريحات وتأكيدات روبيو في بروكسل حول التزام بلاده بـالـ"ناتو" قللت من حدة تلك المخاوف، يطرح بعض أسئلة حول قدرة وزير الخارجية ذاته على "تغيير خطط وأفكار ترمب"، إذ أشار تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية حول زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى بروكسل، قائلة إن "مسؤولين أجانب تعاملوا مع روبيو منذ تعيينه وزيراً للخارجية على أنه غالباً ما يسعى إلى التقليل من شأن بعض أفكار ترمب المتطرفة، واحتمالية تحولها إلى سياسات أكثر واقعية، على رغم أنهم يتساءلون عما إذا كان روبيو يعبر حقاً عن وجهة نظر رئيس لا تربطه به علاقة شخصية وثيقة".
ووفق الصحيفة ذاتها، فإن قدرة وزير الخارجية الأميركي على تخفيف حدة سياسات ترمب "تظل محدودة"، إذ تقوم رؤية الرئيس الأميركي على أن أوروبا تستغل الولايات المتحدة اقتصادياً، وتختلف ثقافياً عن القيم التي يؤمن بها التيار السياسي المؤيد له، كما يرى أن أوروبا يجب أن تتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وخلال قدوم روبيو إلى حلف الـ"ناتو" أول من أمس، جاء إعلان ترمب فرض رسوم جمركية بنسبة 20 في المئة على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي. وخلال حديثه داخل البيت الأبيض خلال اليوم ذاته، قال ترمب عن الاتحاد الأوروبي "إنهم ينهبوننا، ومن المحزن جداً رؤية ذلك. إنه أمر مثير للشفقة".
ملف زيادة النفقات "المعقد"
منذ اللحظة الأولى من اجتماعات وزراء خارجية الـ"ناتو" وملف زيادة النفقات الدفاعية للدول الأعضاء يتصدر أجندة المحادثات الرسمية والجانبية، إلى جانب "دعم أوكرانيا" في مواجهة روسيا. لكن وبقدر الضغط الأميركي على دول الحلف لزيادة نفقاتها الدفاعية لتصل إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، يبقى السؤال حول مدى "واقعية" تحقيق ذلك بالنسبة إلى الدول الأعضاء على المدى المنظور، وكيف ستتعامل إدارة الرئيس دونالد ترمب مع التخلف عن هذا الأمر.
وخلال استقبال روته لروبيو في اليوم الأول من اجتماع وزراء خارجية الـ"ناتو"، وعلى رغم إشادة الأمين العام للحلف بالجهود الأوروبية في الإنفاق العسكري، قائلاً "إذا نظرنا إلى مئات المليارات من اليوروهات التي حولت خلال الشهرين الماضيين، فمن المحتمل أن تكون هذه أكبر زيادة شهدناها في الإنفاق الدفاعي داخل كندا وأوروبا منذ الحرب الباردة، منذ سقوط جدار برلين"، إلا أن الوزير الأميركي لم يعلق على ما وصفه روته بـ"الأنباء السارة"، لكنه أشار إلى الطلب الأميركي بزيادة الإنفاق الدفاعي.
وقال وزير الخارجية الأميركي "نريد أن نغادر من هنا (بروكسل) ونحن نعلم أننا على الطريق الصحيح، طريق واقعي، إذ يتعين على كل عضو الالتزام والوفاء بوعده بالوصول إلى خمسة في المئة من الإنفاق (الدفاعي)"، وأكد أن هذا المطلب يهم جميع الدول الـ32 الأعضاء في الحلف ومن بينها الولايات المتحدة، التي تخصص حالياً نحو 3.4 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، مُقراً في الوقت ذاته بأنه لا ينتظر من أوروبا أن تنفذ هذه الزيادات "خلال عام أو عامين".
وكانت هذه النقطة مسار تهديدات متكررة من الرئيس ترمب للأوروبيين وكندا الذين لا يرصدون نفقات عسكرية مناسبة، إلا أنه وفق التقارير الغربية، تمثل نسبة الخمسة في المئة عتبة عالية جداً لبعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا، التي لا يصل إنفاقها العسكري حالياً إلى نسبة اثنين في المئة، غير أن الجميع يدرك أنه يتحتم على الجميع "إعلان" تدابير خلال قمة الحلف المقرر عقدها في يونيو (حزيران) المقبل في لاهاي، بحسب ما قالت بعض المصادر في بروكسل.
وإجمالاً يعد الإنفاق الدفاعي داخل أوروبا في مستويات أدني، باستثناء بولندا التي تخصص 4.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، وبالنسبة لدول عدة في القارة العجوز من دول الحلف يعني هدف خمسة في المئة أنها ستضطر إلى زيادة إنفاقها الدفاعي لأكثر من الضعف، وهو مستوى يبدو بعيد المنال بالنسبة إلى كثر، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً على المدى المنظور يصعب تطبيقه. وعليه تقول عدد من المصادر في بروكسل إن هذه القضية ستكون المحور الرئيس ضمن قمة الحلف في مدينة لاهاي الهولندية، والتي سيحضرها ترمب.
وأول من أمس، قال روته إن الالتزام الأميركي تجاه الحلف "يرافقه توقع واضح، توقع بأننا سنزيد الإنفاق (العسكري) على هذه الجهة من الأطلسي وفي كندا". موضحاً خلال حديثه في مؤتمره الصحافي عشية انطلاق الاجتماعات قائلاً "نحن نعمل على عملية ستحدد الثغرات لنصل إلى الأهداف، وسوف نتوصل إلى استنتاجات خلال مايو (أيار) ويونيو المقبلين، ونأمل في أن يكون ذلك قبل انعقاد القمة في لاهاي. ومن هناك سنقيم، بالنظر إلى تلك الثغرات، وبالنظر إلى الأهداف، ما الذي نحتاج إلى القيام بمزيد منه، وكما قلت من قبل افتراضي أن ما نحتاج إلى إنفاقه (الكنديون والأوروبيون) للوصول إلى هناك سيكون أكثر من ثلاثة في المئة".
وأفاد دبلوماسيون بأن التقديرات الداخلية لحلف الـ"ناتو" تشير إلى أن النسبة تراوح ما بين 3.5 و3.7 في المئة، وقطعت الدول التي تشعر بالتهديد الأكبر من روسيا شوطاً كبيراً، فقد تعهدت بولندا ودول البلطيق بالوصول إلى خمسة في المئة قريباً. كذلك مهدت ألمانيا الطريق لزيادة كبيرة في الإنفاق، وأعلن الاتحاد الأوروبي تدابير لتعزيز الإنفاق. لكن بعض الدول مثل إسبانيا وإيطاليا وكندا لا تزال أقل بكثير من هدف الـ"ناتو" الحالي البالغ اثنين في المئة. وعليه سيكون الوصول إلى خمسة في المئة مهمة ضخمة للدول التي تعاني صعوبات مالية.
وخرجت أولى الاعتراضات في شأن النسبة المقترحة من بلجيكا والنرويج، إذ صرح رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر لوسائل إعلام محلية بأن "تحقيق نسبة خمسة في المئة على المدى القصير أمر غير ممكن"، موضحاً أنه "من الصعب بعض الشيء مطالبتنا بأمور بعد شن حرب تجارية وبعد أن تعرضنا للإهانة والإذلال طوال الوقت".
وقال وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي إن "هناك اتفاقاً على أننا في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد، وأننا سنسعى مع توجهنا نحو قمة لاهاي لتحديد هدف جديد"، معتبراً أن "نسبة الخمسة في المئة بالطبع أعلى بكثير مما تنفقه الولايات المتحدة نفسها، وهو هدف كبير جداً، ولسنا مستعدين للالتزام برقم محدد خلال الوقت الحالي".
وتنفق الولايات المتحدة التي تتصدر دول الحلف من حيث الانفاق الدفاعي، العام الماضي أقل بقليل من 3.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وحال زيادة نفقاتها إلى المستوى المطلوب يعني ذلك إضافة أكثر من 400 مليار دولار، وفقاً لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.