Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

اقتصاديو مصر بين "مطمئن وقلق" بعد الرسوم الجمركية

تقديرات بانعكاسات سلبية على الدولار والديون وإيرادات قناة السويس ومطالب بتحفيز الاستثمار الأجنبي المعد للتصدير

تبرز قناة السويس على قائمة الخاسرين في سيناريو الحرب التجارية خلال وقت تعول عليها القاهرة كأحد أهم موارد الدولار (أ ف ب)

ملخص

بين من يدعو القاهرة لـ"اغتنام الفرصة" ومن ينظر بعين الريبة إلى التبعات تباينت آراء عينة من الاقتصاديين المصريين حول رسوم ترمب.

آخر ما يرغب المصريون سماعه أزمة اقتصادية جديدة تثخن جرح بلادهم غير الملتئم بعد من تبعات ما تشهده المنطقة من توترات جيوسياسية وصراعات وحروب، لكن زلزال الرسوم الجمركية الجديدة ما كان ليمضي من دون أن يثير نقاشات واسعة داخل القاهرة حول حظ البلاد من تركة السوء، على رغم تذيل مصر قائمة تلك التعريفات بنسبة هي الأقل.

الرسوم المفروضة على الصادرات الدولية إلى الولايات المتحدة، فرقت اقتصاديي مصر على مذهبين، بين من يراها "محدودة" و"غير مؤثرة" وربما "فرصة ذهبية"، ومن يصفها بأزمة جديدة تضاف إلى سلة من الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البلاد بصورة أوضح خلال الأعوام الأخيرة.

اتفاق "الكويز"

مبعث اطمئنان فريق من الاقتصاديين المصريين، كون التعريفات التي طاولت صادرات بلادهم بنسبة 10 في المئة هي الأقل بين الرسوم الأخرى التي طاولت بلدان العالم، وفي مقدمها الشركاء التجاريون الرئيسون للولايات المتحدة، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، ويعزز من تلك الطمأنة امتيازات تصديرية حصرية للقاهرة بموجب اتفاق "الكويز" الذي يمنح صادرات البلاد إعفاء من الرسوم الجمركية لدخول السوق الأميركية، شريطة تضمنها مكوناً إسرائيلياً بنسبة 10.5 في المئة.

وثمة سبب ثالث يعزز من أسهم هذا الفريق غير القلق من تبعات تلك الرسوم، إذ يرى أن الميزان التجاري بين مصر والولايات المتحدة يميل لمصلحة الأخيرة، وهو سبب أوجه لعدم فرض واشنطن رسوماً أعلى على صادرات القاهرة، علاوة على تواضع حجم التجارة بين البلدين، فضلاً عن قناعة بعض بإمكانية تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر من بلدان خاضعة لرسوم جمركية أعلى، بغية التصنيع والتصدير من مصر، والتمتع بالرسوم المخفضة نسبياً.

قناة السويس

لكن هناك فريقاً آخر ينظر بعين الريبة لانعكاسات الحرب التجارية على سلاسل الإمداد وضعف حركة عبور التجارة في قناة السويس التي تعد مصدراً رئيساً من مصادر النقد الأجنبي لمصر، علاوة على تبعات بقاء الفائدة الفيدرالية مرتفعة لفترة أطول لكبح جماح التضخم حال انفلاته في تلك الحرب، وهو ما يؤثر سلباً في الدولار والديون والفائدة في مصر.

 

وارتفع حجم الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة خلال عام 2024 بنسبة 12.8 في المئة لتصل إلى 2.25 مليار دولار، مقابل 1.99 مليار دولار خلال عام 2023، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، الذي أشار إلى زيادة واردات مصر من الولايات المتحدة بنسبة 46.9 في المئة لتسجل 7.56 مليار دولار.

الحرب التجارية

لم ينف المتخصص الاقتصادي عاطف أندراوس وجود بعض الآثار لقرارات ترمب على الصادرات المصرية، لكن بمراجعة هيكل تلك الصادرات والالتفات إلى أن الملابس التي تشكل 50 في المئة من تلك الصادرات تحظى في غالبها بامتيازات الإعفاء التام من الرسوم الجمركية بموجب اتفاق "الكويز"، يتبين أن الأثر على الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة "محدود".

لكن ثمة ما يقلق المتحدث، إذ إنه مع تأثر البلدان الأخرى وفي مقدمها الصين بتلك الإجراءات وإقدامها في المقابل على فرض تدابير انتقامية مما يؤجج خطر الحرب التجارية، فإن البلدان التي تعتمد على الخارج في تدبير حاجاتها من السلع الوسيطة والخامات وتعاني عجزاً كبيراً في موازينها التجارية، كما الحال مع مصر، ستضار بزيادة العجز وتفاقم التضخم المستورد.

معاناة الاقتصاد المصري

يعاود مشيراً إلى أن استمرار الحرب التجارية يلقي بتبعات سلبية على سلاسل الإمداد، وهو ما من شأنه أن يدخل الاقتصاد العالمي في دائرة الركود، ومع تنامي الركود الاقتصادي تتراجع حركة التجارة الدولية بما يعمق معاناة الاقتصاد المصري بتراجع أحد مصادره للنقد الأجنبي وهي قناة السويس، إلى جانب التراجع الحالي بسبب عدم الاستقرار الجيوسياسي داخل المنطقة، مما يزيد من عجز الحساب الجاري.

كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال في كلمة له خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، إن قناة السويس خسرت ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من إيراداتها خلال العام الماضي، بسبب الاضطرابات الناتجة من هجمات الحوثيين على سفن الملاحة في البحر الأحمر.

التبادل التجاري

يستدرك أندراوس بأنه مع ذلك يمكن للاقتصاد المصري الاستفادة من هذا الوضع من خلال محاولة الاستئثار بحصة من التجارة المحولة بفعل الحرب التجارية، فيزيد من الصادرات للدول الأخرى بشرط أن يكون لديه المرونة الكافية لإجراء التعديلات في الجهاز الإنتاجي بما يلبي الطلب المحول على المنتجات محل النزاع.

اقرأ المزيد

وتوضح بيانات البنك المركزي المصري أن التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة تراجع خلال العام المالي 2023-2024، بنسبة 1 في المئة إلى 7.534 مليار دولار مقابل 7.606 مليار دولار خلال عام 2022-2023، في وقت يمثل حجم التبادل التجاري بين البلدين 7.2 في المئة من إجمال حصيلة التبادل التجاري بين الشركاء التجاريين الآخرين.

ميزان مصر التجاري

في حديثه إلى "اندبندنت عربية" يقول مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عبدالمنعم السيد إن الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة خسرت نحو 180 مليون دولار خلال عام 2018، بسبب قرارات مشابهة للرئيس الأميركي، وأن فرض تعريفة الـ10 في المئة الجمركية على صادرات القاهرة، سيخفض في قدرة المنتج المصري التنافسية في السوق الأميركية، بفعل ارتفاع الكلفة الإنتاجية، وهو ما يعني تراجع أحجام الصادرات، من ثم يؤثر سلباً في ميزان مصر التجاري مع الولايات المتحدة.

ويشير السيد إلى أن الموجة التضخمية التي سيشهدها الاقتصاد الأميركي ستجعل "الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) متباطأ في خفض الفائدة على الدولار، وهو ما يبطئ من خفض "المركزي المصري" للفائدة، من ثم استمرار الأعباء على الموازنة العامة للدولة وارتفاع الدين المحلي، بالنظر إلى أن وزارة المالية المصرية هي المقترض الأكبر من البنوك.

إيجاد أسواق جديدة

ينصح المتخصص الاقتصادي المصدرين المصريين بالعمل على إيجاد أسواق جديدة لمنتجاتهم، وإعادة دراسة الكلفة الإنتاجية والعمل على خفضها لمواجهة آثار تلك الرسوم الجمركية، حفاظاً على حصة مصر من السوق الأميركية، متوقعاً أن تشرع الحكومة المصرية في التفاوض حول خفض تلك النسبة.

أما المتخصص المصرفي محمد صالح فينصح الحكومة المصرية بالعمل على توجيه دعم حقيقي للمصانع والشركات والسعي إلى جذب مستثمرين جدد من دول التعريفة الجمركية المرتفعة مثل الصين، مع تحفيز الاستثمار الوافد في قطاعات المنسوجات والملابس والصناعات الغذائية.

تحفيز الاستثمار الأجنبي

يضيف في حديثه أنه يتعين على القاهرة العمل على تحفيز الاستثمار الأجنبي بمراجعة الضرائب ومنح رخص الاستثمار الذهبية، وتيسير عمليات التمويل خلال الفترة المقبلة، متوقعاً أن تعيد السوق ترتيب أوراقها خلال الفترة المقبلة، تبعاً للقرارات الأميركية الأخيرة.

 

أما المتخصص الاقتصادي محمد فؤاد فيرى أنه مع استبعاد صادرات مصر إلى الولايات المتحدة ضمن اتفاق "الكويز"، فإن النسبة المتبقية من صادرات القاهرة إلى الولايات المتحدة لا تشكل سوى خمسة في المئة فحسب، وهي تلك الصادرات التي ستخضع للرسم الجمركي، مما يعني أن الأثر سيكون محدوداً للغاية.

تراجع الاستثمارات الجديدة

صمم اتفاق "الكويز" عام 1996 من قبل الكونغرس الأميركي، مستهدفاً بناء علاقات اقتصادية جيدة بين إسرائيل وجيرانها من العرب، وانضم إليه الأردن خلال العام التالي باتفاق وقع في الدوحة برعاية أميركية، في حين تأخر انضمام مصر حتى عام 2004.

ويشير فؤاد إلى أن تمتع صادرات مصر برسم جمركي 10 في المئة فقط يمنح تلك الصادرات ميزة تنافسية عالية مقارنة بصادرات البلدان الأخرى الخاضعة لرسوم جمركية أعلى، وهي ميزة ثانية تضاف إلى رصيد البلاد في ذلك الملف، لكن ما يلفت المتحدث الانتباه إلى تأثيره هو ارتباط مصر بسلاسل إمداد مع البلدان المتأثرة سلباً بتلك الرسوم، خصوصاً الصين والاتحاد الأوروبي، علاوة على احتمالات تراجع الاستثمارات الجديدة لتلك البلدان في مصر.

أعباء إضافية تثقل كاهل المواطنين

وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، ارتفع عجز الميزان التجاري بين البلدين لنحو 5.3 مليار دولار خلال العام الماضي، مقابل 3.1 مليار دولار عام 2023، بنسبة زيادة نحو 68.5 في المئة، فيما تستحوذ الولايات المتحدة على نحو سبعة في المئة من إجمال قيمة التجارة الخارجية لمصر خلال العام الماضي.

وتبقى توقعات الاقتصاديين المصريين من الفريقين محل ترقب الشارع الذي يأمل في أن تمضي هذه الرسوم بسلام على اقتصاد البلاد، من دون أن تلقي بأية أعباء إضافية تثقل كاهل المواطنين.