ملخص
تمنع إسرائيل السلطة الفلسطينية من توفير البنية التحتية للقرى في مسافر يطا، فيما يحرص الوزراء المنتمون إلى اليمين المتطرف على دعم وتعزيز المستوطنات فيها، فقبل يومين زار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش مسافر يطا، ووزع مركبات جبلية على المستوطنين الذين يعملون في رعاية الماشية، وتعهد بتعزيز دعمهم، وتوفير ما يلزمهم للبقاء في المنطقة.
على تلال إستراتيجية تشرف على صحراء النقب، يُكافح أكثر من 4 آلاف فلسطيني للبقاء في منازلهم بمنطقة مسافر يطا جنوب الخليل، في ظل تعرضهم لحملات إسرائيلية منظمة لطردهم منها، بدعوى أن المنطقة ميدان للتدريبات العسكرية، على رغم ازدياد عدد المستوطنات فيها.
وتمتد منطقة مسافر يطا من شرق مدينة يطا وحتى البحر الميت، ومن جنوب بني نعيم وحتى مدينة عراد في صحراء النقب الواقعة في داخل الخط الأخضر (إسرائيل).
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بدأ مئات المستوطنين مزاحمة الفلسطينيين للسيطرة على أراضيهم البالغة مساحتها 65 كيلومتراً في مسافر يطا، التي تشتهر بالمساحات الشاسعة والأراضي الخصبة الملائمة لرعي الماشية.
وعلى أراضي قرية أم الخير في مسافر يطا، أقيمت أول مستوطنة إسرائيلية (كرمئيل) عام 1980 في المنطقة، وذلك بعد أن كانت أراضيها أعواماً معسكراً للجيش الإسرائيلي.
وتتبع المستوطنة تجمعاً يضم 14 مستوطنة و30 بؤرة استيطانية، وتتوفر فيها المدارس والتجمعات التجارية في جنوب الخليل.
وبينما تتمتع القرية بخدمات البنى التحتية المتطورة كلها من خطوط كهرباء ومياه وإنترنت وشبكة مواصلات عامة، فإن قرية أم الخير الفلسطينية محرومة من كل ذلك، ويقاوم أكثر من 200 فلسطيني للبقاء في قرية أم الخير، في ظل منعهم من مد شبكات الكهرباء والمياه، وحتى شق الطرق، فيما تصفه منظمات حقوقية دولية بـ"التمييز العنصري".
وتمنع إسرائيل السلطة الفلسطينية من توفير البنية التحتية للقرى في مسافر يطا، فيما يحرص وزراؤها المنتمون إلى اليمين المتطرف على دعم وتعزيز المستوطنات فيها.
وقبل يومين زار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش مسافر يطا، ووزع مركبات جبلية على المستوطنين الذين يعملون في رعاية الماشية، وتعهد بتعزيز دعمهم، وتوفير ما يلزمهم للبقاء في المنطقة.
ويرأس سموتريش حزب "الصهيونية الدينية"، ويسعى إلى الاستيلاء على معظم الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل، وزيادة عدد المستوطنين فيها.
وفي حياة تشبه الجحيم وفي حال من الخوف الدائم، يعيش الفلسطيني محمد جبارين في قرية شعب البطم بالمسافر، منذ عقود حيث يعتاش على الزراعة ورعي الماشية، وانقلبت حياته رأساً على عقب قبل عام، إثر إقامة مجموعة مستوطنين بؤرتين استيطانيتين على بعد 100 متر من منزله.
واشتكى محمد من تعرضه المتواصل "لاعتداءات واستفزازات متواصلة من هؤلاء المستوطنين، وتقطيعهم أشجاره وتدمير مزروعاته"، وفق ما قال لـ"اندبندنت عربية".
وخلال توجهه إلى مركز للشرطة الإسرائيلية في مستوطنة كريات أربع بمدينة الخليل لتقديم شكوى في شأن تلك الاعتداءات، أوضح محمد أن "الاعتداءات تهدف إلى ترحيلنا من أرضنا، وإحلال المستوطنين مكاننا".
ومن لوحات للطاقة الشمسية يحصل محمد وعائلته على التيار الكهربائي، فيما يجلب، بخزانات متنقلة، المياه إلى منزله الواقع على أطراف قرية "شعب البطم"، ومع أنه يمتلك بئراً لتجميع المياه، إلا أن محمد أصبح لا يستخدمها خشية "تسميم المستوطنين لها مرة ثالثة".
وعلى رغم أن محمد يحيط منزله بسياج حديدي لحمايته، فإن المستوطنين قطعوه واجتازوه ووصلوا إلى منزله "بهدف استفزازه"، وقبل 10 أيام هاجم عشرات المستوطنين المنازل في قرية جنبا في مسافر يطا، وكسروا نوافذها وأبوابها، وحطّموا كاميرات المراقبة، واستمر الهجوم طوال ليلة الجمعة الماضي وحتى مطلع الشمس، وانتهى باعتقال ثمانية من أهلها.
بؤر استيطانية
وجاء الهجوم إثر تعرض رعاة أغنام في القرية قبلها بيوم إلى اعتداء مجموعة مستوطنين مما أدى إلى إصابة خمسة فلسطينيين.
وفتح قرار المحكمة العليا الإسرائيلية قبل ثلاثة أعوام الباب أمام ترحيل آلاف الفلسطينيين من 90 في المئة من مسافر يطا بعد اعتبارها منطقة تدريب عسكري للجيش الإسرائيلي، لكن المستوطنين أقاموا في تلك المنطقة ثماني بؤر استيطانية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ويعاني الفلسطينيون صعوبة التنقل في تلك المنطقة، بسبب اعتداءات المستوطنين، حيث يلجأون إلى التنقل بشكل جماعي، وفق رئيس مجلس قروي مسافر يطا نضال يونس الذي أضاف لـ"اندبندنت عربية" أن الفلسطينيين أصبحوا "محاصرين بين المستوطنين".
وبحسب يونس فإن "اعتداءات المستوطنين بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي تضاعفت منذ السابع من أكتوبر 2023، كذلك انتشر الاستيطان الرعوي وسرقة المواشي، وأيضاً قطع الأشجار وتدمير المحاصيل الزراعية".
ويقع في منطقة التدريب العسكري للجيش الإسرائيلي 12 قرية فلسطينية يعيش فيها أكثر من 2000 فلسطيني، إلى جانب ثماني قرى أخرى مجاورة لتلك المنطقة يقيم فيها 1500 فلسطيني.
واعتبر المتحدث باسم منظمة "بيتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران أن "الموقع الحدودي الإستراتيجي لمسافر يطا يجعلها محط أطماع المستوطنين بدعم حكومي، إضافة إلى مساحتها الشاسعة، وقلة عدد الفلسطينيين الذين يعيشون فيها".
وبحسب جبران فإن "الاستيطان الرعوي وعنف المستوطنين المصاحب له يعتبر أحد الطرق للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، والترحيل القسري لهم"، مشيراً إلى أن الوضع في المنطقة (ج) التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية "أًصبح كارثياً بعد السابع من أكتوبر 2023، بسبب مضاعفة عدد البؤر الاستيطانية بدعم سخي من الحكومة الإسرائيلية".
المشروع الصهيوني
ووفق جبران فإن تلك الحكومة تعمل على ذلك باستخدام "حِيل قانونية، مثل اعتبار الأراضي أملاك دولة أو مناطق أثرية أو مناطق تدريبات عسكرية".
ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد أن المشروع الصهيوني "ينظر إلى أية منطقة فارغة واسعة في الضفة الغربية على أنها مهمة إستراتيجياً"، وأن الاستيلاء على تلك الأراضي "يمنع تمدد الفلسطينيين فيها، ويؤدي إلى زيادة عدد المستوطنين، وتخفيف عددهم في داخل إسرائيل، إضافة إلى ترحيل الفلسطينيين منها".
وبحسب أبو عوّاد فإن أهمية مسافر يطا تأتي بسبب ربطها بين الجنوب الإسرائيلي حيث النقب بغور الأردن وصولاً إلى قرية البيضاء جنوب بيسان شمالاً، مضيفاً أن خلو تلك المناطق من الفلسطينيين يقدمها على "طبق من ذهب للمستوطنين".